السبت 18 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

فن لا يغيب.. نبيل بهجت رئيس مهرجان الأراجوز المصرى: ما لا تفهمه أمى ليس ثقافة

حرف

- شاركنا فى مسرحية «الديك القادر الغادر» دعمًا للقضية الفلسطينية

- مهرجان الأراجوز المصرى قدم موقفًا حاسمًا ضد الإبادة فى غزة

- لدينا خطة لإنتاج عروض جديدة بالتعاون مع وزارة الثقافة

- استدعاء نظريات ومصطلحات غربية لتفسير واقعنا وأدبنا «عقم فكرى»

- الأكاديميون ارتكبوا أكبر عملية تجهيل بإقحام نظريات الغرب فى الأدب العربى

يُعد مهرجان الأراجوز المصرى واحدة من أبرز الفعاليات الثقافية التى تسلط الضوء على فن الأراجوز التقليدى، ذلك الفن الشعبى الكوميدى الساخر الذى يشكل ركيزة أساسية من التراث المصرى العريق. 

وفى دورته الرابعة، يقدم المهرجان حالة مختلفة من خلال عروضه المبتكرة التى تحافظ على جوهر الأراجوز الأصلى، بما يعكس الروح الحقيقية لهذا الفن ويعزز مكانته كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية المصرية. 

والتقت «حرف» الدكتور نبيل بهجت، رئيس مهرجان الأراجوز المصرى، ليشاركنا رؤيته لتطوير المهرجان ودوره فى تعزيز الثقافة الشعبية، إلى جانب أهمية الفعاليات الفنية فى إحياء التراث الشعبى وحمايته من الاندثار.

نبيل بهجت

■ ما تفاصيل الدورة الرابعة لمهرجان الأراجوز المصرى؟ وكيف كانت توقعاتك لها؟

- المهرجان هذا العام يأتى بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية ووزارة الثقافة وبيت السنارى، وحقق نجاحًا كبيرًا سواء على مستوى الحضور الجماهيرى أو التفاعل مع الإعلام أو المحاور الفكرية والنقاشات التى دارت من خلال المهرجان، خاصة أنه يأتى فى إطار إجراءات الصون العاجل للأراجوز، لأنه عندما تم تسجيله على قوائم اليونسكو قمت بعمل ملف ليلقى الرعاية والحماية، لذلك يأتى المهرجان فى إطار التدابير المتعلقة بالصون وطرح هذا الفن فى مساحة أكبر للرؤية وعمل عروض متنوعة يرتقى من خلالها بالجمهور، فهذه الدورة حققت وجودًا مختلفًا سواء من خلال العروض أو المحاور الفكرية.

■ لماذا أهدى المهرجان دورته هذا العام للطفلة الشهيدة هند رجب؟

- هذه الدورة مهداة تحديدًا للطفلة هند رجب، وجميع أطفال غزة، وأظن أن ما يحدث فى غزة من إبادة مستمرة على مدار عامين تحتاج من الجميع أن يرفع صوته رفضًا وتنديدًا ومطالبة باتخاذ كل الإجراءات لوقف تلك الإبادة، وما استطعنا أن نقدمه من خلال الفن أن نعلى صوتنا رافضين ما يحدث فى غزة، مطالبين التركيز على قضية هند رجب وغيرها من أطفال غزة بتوقف هذه الإبادة، وهى أسوأ إبادة عرفها التاريخ الحديث، وأن نفض الصمت عنها ويتحدث الناس فيها، وأن يسرع أصحاب القرار فى اتخاذ موقف حاسم ورادع لهذا العدوان الذى قام بجريمة لا نستطيع إلا أن نصفها بأنها أسوأ ما رأينا، وما قمنا به محاولة لرفع الصوت عاليًا لرفض تلك الإبادة والمطالبة بوقفها والتركيز على المعاناة الإنسانية هناك، وأيضًا دعوة للتحرك السريع لوقف كل الانتهاكات.

■ لو سنتحدث عن محاور المهرجان هذا العام.. ما المقصود بـ«المقاومة واقتصاديات التراث»؟

- دائمًا ما أقول إن التراث وثيقة ملكية للوطن، وهو أحد الأسباب الأساسية فى صراعنا الوجودى مع الآخر، لأن الآخر يصارعنا من خلال تراثه، فإذا لم نعتز بما نمتلك ونؤمن بأن لدينا ما يستطيع أن يعبر عنا وننطلق من قناعتنا وعدم اختراع العجلة، سنذوب وستكون معركته معنا أيسر بكثير، لذلك المسألة الكبرى فى أن التراث مقاومة هو أن نقتنع أن لدينا إجابات حضارية تركها لنا أجدادنا وأسلافنا عن أسئلة ما زال الغرب يطرحها فى فلسفاته، ويناقشها ويدور حولها، على سبيل المثال الإشكاليات الوجودية على الصعيدين الدينى والفكرى.

لكننا التفتنا إلى إجابات الآخر ونسينا ما تركه لنا الأجداد من إجابات على أسئلة حضارية مهمة يمكن الاستفادة منها فى بناء تراثنا، فاستدعاء نظريات ومصطلحات من الغرب تفسر واقعنا وأدبنا ومقدساتنا عقم فكرى، خاصة أننا لدينا تراثنا وعقائدنا وأفكارنا الذى نستطيع البناء عليه لنصل إلى حضارة متميزة تعيد وجودنا على الخريطة الإنسانية بقوة وتوازن، ونسهم أيضًا فى بناء وعى إنسانى مغاير.

■ كيف يمكن لـ«اقتصاديات التراث» أن تسهم فى التنمية المستدامة للمجتمع؟

- مصر من أكثر البلاد التى استفادت من التراث فى الاقتصاد، لأن الحضارة الفرعونية والسياحة معتمدتان على ذلك ونستفيد منهما فى اقتصادنا، لكن هناك بُعدًا مهملًا وهو التراث المادى، وكيفية تحويله إلى اقتصاد، وعلى سبيل المثال إذا استعدنا فكرة الجلباب البلدى المصرى سنجد تصميمه مختلفًا من الجنوب إلى الشمال، وأيضًا الأطعمة والمشروبات مثل الفطير المشلتت والعرقسوس وغيرهما، لذلك لا بد أن نطرح تراثنا ونصدره للخارج سواء فى الملبس أو المأكل أو المشرب، والأراجوز ما هو إلا نموذج عملنا عليه وحولناه إلى قيمة اقتصادية، فلا بد أن ننتبه ونسعى جاهدين إلى الاستفادة من المقدرات المعنوية والمادية لنا ما يسهم فى توفير العملة الصعبة، وزيادة مستويات الدخل، وفتح فرص عمل تسهم فى تخفيف الضغوط الاقتصادية على الدولة.

■ ما الجديد الذى قدمته الدورة هذا العام؟

- قدمنا هذا العام تعاونات مهمة، وألقينا الضوء على قضايا كبيرة، واستضفنا مفكرين وباحثين على طراز رفيع للحديث عن التراث، وأيضًا قمنا بعمل شراكة مع الكاتب الفلسطينى غنام غنام فى مسرحيته «الديك القادر الغادر»، وقدمنا عرضه من خلال المهرجان، وأيضًا عرضنا واقعنا مع القضية الفلسطينية ورفضنا حرب الإبادة بصوت معلن، فالأراجوز هذا العام دخل فى مساحاته الوظيفية التى وجد فى الأساس من أجلها وهى مقاومة الاحتلال ورفض الاستعمار والظلم من خلال إطار فنى.

■ هل هناك شراكات دولية ومحلية تسعى من خلالها لاستمرار فن الأراجوز؟

- لدينا خطة بعيدة المدى تقوم على عمل شراكات دولية، وبالفعل تعاونا من قبل مع الصين وباكستان والمكسيك وإيطاليا وإسبانيا، وبيننا عروض مشتركة تشمل فى مساحة إنسانية كبيرة جدًا، وطوال الوقت لدينا جولات فى أمريكا وغيرها، وقريبًا سنشهد إنتاج شراكات مختلفة مع مؤسسات دولية نقدم من خلالها فن الأراجوز.

■ نعود إلى الوراء قليلًا.. كيف كانت بدايتك فى فن الأراجوز؟

- دائمًا لى سؤال يتعلق بالنهضة، وهو كيف ننهض وكيف نبنى حضارة؟ وبحثت ووجدت هيمنة الفنون الغربية علينا، وهم قسموها إلى فنون رفيعة، واستبعدوا الفنون القصيرة، وأصبح الفن كاملًا مكملًا فى معظم حالاته النخبوية، سواء فيما يقدم بالمسرح التجريبى أو الأوبرا وغيرهما، فقد عزل الفن عن الناس.

لذلك انتبهت لهذه الحالة وعندما درسنا المسرح قالوا إن العرب ليس لديهم مسرح، لكن كان لدى خبرة فى الطفولة عندما رأيت عرض أراجواز فى الشارع وكنت أبلغ حينها ٤ سنوات، وكنت مؤمنًا بأنه شكل من أشكال المسرح، وأدركت أن هناك انفصالًا بين المنتج الثقافى الذى ينتمى إليه الناس، وبين ما يراد أن يفرض عليه من النخبة بحجة الثقافة والوعى والتقدم، ومن ثم كان لدى تحد وهو نقل الأراجوز من الهامش إلى المركز، وكان هدفى عمل حراك نهضوى واتخذت الأراجوز نموذجًا، لأنه كان فى هامش الهامش، وكان هذا الأمر تحديًا بالنسبة لى حتى أقول للناس إنه يستطيع أن يعبر عنا.

وانطلقت بالأراجوز، وفى البداية قدمت ٤٥ عرضًا فى شوارع القاهرة بموافقة من وزارة الداخلية، وأدركت أن الجينات لدينا لها ذاكرة، وبأن ما يسعد الآباء يمكن أن يسعد الأبناء، ثم أسست فرقة ومضة فى ٢٠٠٣ بمشاركة صابر المصرى، وحسن خلوفة وغيرهما من شيوخ لعبة الأراجوز، ثم أصبح هناك اعتراف محلى بهذا الفن من خلال تثبيت عرض له فى «بيت السحيمى» وصرف مكافآت للعارضين، ثم اعتراف دولى، حيث شاركنا فى مهرجانات عربية مختلفة، وأيضًا شاركنا بمهرجانات دولية، ثم اعتراف أممى بتسجيل الأراجوز على قوائم اليونسكو، وأتمنى أن تكون هذه التجربة حافزا للاستثمار فى التراث، وجعله أحد عناصر بناء الدخل القومى.

■ تقول إن «النقد المسرحى بوابتى لاكتشاف التراث الشعبى».. حدثنا عن ذلك؟

- كانت لدى ملحوظة على الدراسات الأدبية فى أواخر السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، للأسف هناك من استدعى نظريات غربية ومن استدعاها لا يفهم غير قشورها فقط، وأرى أنه لا يصح استدعاء هذه النظريات ليقرأ بها الأدب العربى، فهذه أكبر حركة تجهيل قام بها أكاديمون فى العصر الحديث، وهى حالة من النصب العلمى، ورفضت الانضمام لها.

ومن ثم الدكتورة نجوى عانوس عرضت على العمل مع بديع خيرى للحصول على رسالة الماجستير، حيث فُتح لى عالم جديد، وبدأت فى جمع ديوانه، ثم تعرفت على شعراء مصر مثل بيرم التونسى، وجمعت ديوانه، وحسين شفيق المصرى وغيرهما.

وكان ما يجمع هؤلاء الشعراء هو التراث الشعبى، وتجربة «بديع» وسيد درويش مهمة جدا فى فهم هذا الأمر، وكانت بوابتى على فهم التراث الشعبى، وعملت على نموذج متشبع بالتراث تعرفت من خلاله على الأراجوز وخيال الظل، وعلمت أن ارتباطهم بالشعب هو ما جعل لهم حضورًا.

■ لماذا رفضت تطبيق مناهج النقد الغربى على نصوص مسرحية عربية؟

- لأن هذا الأمر يعنى قراءة واقعك وحاضرك بعيون الآخر، ويجعلنا نستعير إجابة الآخر عن سؤال نهضته حتى نجيب بها على سؤال نهضتنا، فالآخر ذهب للحضارة اليونانية والرومانية لبناء حضارته، لكن لا يصح أن نذهب مثله كمصريين، لا بد أن نذهب لحضارتنا العربية، فمن قام بذلك لم يكن مدركًا لما فعله أو مغالطًا، خاصة أننا كانت لدينا نهضة أدبية مميزة فى الأربعينيات والخمسينيات، لكن منذ السبعينيات ابتلينا بأشخاص ينقلون مصطلحات وفلسفات نقلًا أعمى، فغربوا الأدب والفكر والثقافة وجعلوها فى معزل عن الناس، وخطورة ذلك تكمن فى فصل النقد عن الناس، خاصة أن النظريات الغربية هى إحدى آليات المستعمر ليستعمرنا عن بُعد، ونفسر أنفسنا من خلال عقله للاستيلاء علينا، لذلك رفضت تمامًا هذا الأمر.

وأعتمد دائمًا على المنهج التحليلى والاستنباطى فى معظم دراساتى، وقررت الانتماء للمساحات الفكرية المرتبطة بالواقعين العربى والمصرى، وأن تكون دراساتى وتجاربى مرتبطة بالواقع، وأصبحت أقول «ما لا تفهمه أمى ليس ثقافة».

■ كيف يستطيع الأراجوز أن يعبر عن الشخصية المصرية؟

- الأراجوز نموذج للشخصية المصرية يتضمن تحته الكثير من المقاومة، وأستدعى دائمًا قصة سليمان الجوسقى، وهو شخص كفيف قام بعمل نقابة لذوى الهمم، وصنع بهم مقاومة عندما جاء نابليون إلى مصر، وأعجب به الأخير وعرض عليه ولاية القاهرة، لكن عندما جاء ليسلم عليه ضربه بالكف، هذا الأمر يشبه عصا الأراجوز التى تقاوم، فالشعب المصرى طرد حملة فريزر، وطوال الوقت كان يقاوم لكن لديه الكوميديا السوداء والسخرية من واقعه، وفى لحظة تتحول تلك الكوميديا السوداء إلى عصا الأراجوز ليقتص بها ممن ظلمه، فالأراجوز يحمل بداخله تركيبة الشخصية المصرية، واستطاع أن يعبر عن آلام الشعب ورغبته المستمرة فى المقاومة والتخلص من الظلم.

■ ما جديدك خلال الفترة المقبلة؟

- لدينا خطة لإنتاج عروض جديدة، وهناك عدد من الإصدارات الجديدة المتعلقة بالأراجوز، وستكون مختلفة لأنها تعتمد على العامل البصرى، وهناك حديث مع الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة حول تنفيذ تعاونات مختلفة ومستمرة وطويلة الأمد فى الحفاظ على الأراجوز، وهو رحب بذلك الأمر كثيرًا، خاصة أننا طوال الوقت نسعى للتركيز على أنها تجربة تصلح للاستلهام فى حقول كثيرة ومختلفة مثل الأزياء والحرف اليدوية وغيرها، فهو اقتصاد يمكن أن يعود علينا بالكثير من النفع، ويمكن أن يفتح أبوابًا كثيرة ومختلفة، كما أنه يقدم جديدًا على محاور متعددة بحيث يكون أحد عناصر زيادة الدخل القومى، ومد الخط مع الإرث الحضارى لبناء واستعادة نهضة حقيقية تأتى إجاباتها من واقعنا مما لدينا من معارف وفنون وأفكار.