الجمعة 17 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

اللهو غير الخفى.. شهادات خاصة لـ حرف عن «المترجم الغامض بسلامته» رفائيل كوهين

رفائيل كوهين
رفائيل كوهين

- مثقفون: على أنصاره الإجابة عن سؤال: لماذا طُرد من مصر فى التسعينيات؟

- لا وجود لمنظمة «من أجل تحرير فلسطين» لينتمى إليها.. واسمه وحده يثير الشكوك

- هل من المنطقى أن يكون إنتاج مترجم يعمل لأكثر من 20 عامًا 7 أعمال فقط؟

- انبرى بعض المثقفين المدافعين عن الاختيار متسلحين بلغة الوصاية والاستعلاء

- الجائزة التى تحمل اسم نجيب محفوظ لا يمكن أن تعيش بالغموض أو الجدل

- لماذا تصر «دار نشر الجامعة الأمريكية» على تشويه نجيب محفوظ.. وإحاطة جائزتها بالشبهات وترويج المعلومات الناقصة والخاطئة؟!

لا حديث فى الوسط الثقافى، خلال الأيام القليلة الماضية، سوى عن رفائيل كوهين، الذى أعلنت الجامعة الأمريكية عن اختياره ضمن أعضاء لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ، التى تمنحها منذ سنوات طويلة، خاصة بعدما نشرت صحيفة «الدستور»، يوم الخميس 3 أكتوبر، تقريرًا صحفيًا موثقًا بالأدلة بعنوان: «عضو مشبوه فى لجنة جائزة نجيب محفوظ.. رفائيل كوهين يُثير الجدل من جديد».

تقرير «الدستور» حمل الكثير من التساؤلات المهمة حول هوية ذلك الرجل «الغامض»، مَن يكون؟ من أين جاء؟ وما دلالة اختياره فى لجنة جائزة تحمل اسم أكثر كُتَّاب مصر تأثيرًا فى الوجدان الجمعى المصرى والعربى على حد سواء، وهو شخص يحمل اسمه كل إحالات الغضب والرفض بعد عامين من إبادة الفلسطينيين فى غزة؟

دافعت إدارة الجائزة عن اختيارها، وقالت إن رفائيل كوهين «يتمتع بخبرة واسعة فى مجال الترجمة الأدبية، وترجم العديد من النصوص والروايات بين العربية والإنجليزية»، لكن هذا يجعلنا نتساءل: أين مُنتَجه فى الترجمة؟ أين ما أنجزه من ترجمات خلال أكثر من 20 سنة؟ وهل الأعمال السبعة التى ذكرها بيان إدارة الجائزة رقم كافٍ طوال هذه السنوات؟

والسؤال المهم أيضًا: لماذا اسمه وهويته مثار غموض، ولماذا أغلب الكتاب والمثقفين المصريين، كما يتضح فى السطور التالية، يؤكدون أنهم يسمعون عنه لأول مرة؟ وما عمله الذى يتكسب منه رزقه؟ وهل الترجمات القليلة هذه تغطى نفقات معيشته؟

«حرف» تتبع القصة الكاملة وراء «اللهو الخفى» المُسمى رفائيل كوهين، من خلال شهادات خاصة يقدمها بعض أطراف القصة، بداية من الشاعر أحمد الشهاوى، الذى نشر فى جريدة «الحياة»، عام 1996 تحقيقًا مفصلًا وشاملًا حول «كوهين» وهويته، مرورًا بالكاتبة الكبيرة عبلة الروينى، أرملة الشاعر أمل دنقل، التى رفضت عرضًا من الرجل الغامض لترجمة مختارات من أشعار زوجها الراحل، قبل 20 عامًا، إلى جانب عدد من المثقفين الآخرين.

أحمد الشهاوى: كشفتُ جنسيته.. ولم يجرؤ على مقاضاتى

أحمد الشهاوى

منذ نحو ٣٠ عامًا، نشرت تحقيقًا حول رفائيل كوهين، فى جريدة «الحياة» اللندنية، وقبلها كنت قد قابلته فى شيكاغو، خلال فترة التسعينيات، فى حفل بمنزل الشاعر أحمد طه، لكننى لم أتحدث معه، وأحبطت محاولته التعرف علىَّ. بعدها بعدة أيام وجدته أمامى فى أحد المحال التجارية بمدينة شيكاغو أيضًا، وحاول أن يتعرف علىّ من جديد، لكنى أحبطت محاولته مرة أخرى. استغربت هذه المصادفة، وبدأت أعتقد أنه يرصد تحركاتى، إذ كيف ألتقيه مرتين خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة فى مدينة بحجم شيكاغو؟

كنت أول من أثار قضية وجود رفائيل كوهين فى مصر، وعلامات الاستفهام التى تدور حوله، ومع ذلك لم يُقاضنى، فعلى الرغم من أننى، فى التحقيق سالف الذكر، كشفت عن هويته الحقيقية، وأنه يحمل جنسيتين، والتحق بـ«الأهرام ويكلى» بتوصية من الملحق الثقافى البريطانى، ورغم أنه رفع دعوى قضائية ضد جريدة «الحياة» بسبب هذا التحقيق، بوصفه بريطانيًا فى المحاكم الإنجليزية، فإنه لم يُقاضنى شخصيًا أبدًا.

والسؤال الأهم فى كل الأحوال هو: لماذا تلجأ لجنة جائزة نجيب محفوظ إلى رفائيل كوهين على وجه التحديد، رغم وجود العديد من مترجمى الأدب العربى والأساتذة العظام فى الولايات المتحدة وكندا؟ هل لا يوجد غيره؟

عبلة الروينى: رفضت عرضه لترجمة أشعار أمل دنقل 

عبلة الرويني

رغم كل السنوات التى عشتها فى الوسط الثقافى، وما يتردد عن كونه واحدًا من أبرز المترجمين البريطانيين المهتمين بالأدب العربى المعاصر، لم أسمع عن اسم رفائيل كوهين، ولم أرَ منجزه، حتى تابعت تشكك البعض فيه وفيما يُثار حوله، بعدما اختير ضمن لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ.

أؤكد مرة أخرى: رغم أننى ناشطة فى الحركة الثقافية العربية منذ سنوات طويلة، لم أسمع عن رفائيل كوهين، فلم يكن لديه نشاط أو حضور ثقافى. أما بالنسبة لما يُقال عن كونه إسرائيليًا من عدمه، فهذا أمر لا أعرفه، لا أستطيع تأكيده أو نفيه، وليست لدىّ معلومات عنه. لكن اسمه وحده يثير الشكوك بأنه إسرائيلى. سبق أيضًا أن سمعت عن رغبته فى ترجمة مختارات من أشعار أمل دنقل، لكننى رفضت تمامًا، لأننى لم أكن أعرف هويته، من يكون ومن أين جاء؟ كان الوضع برمته يثير الشبهات، ولم أكن أعرف من هو ولا تاريخه، ولم أملك أى معلومات عنه غير أن اسمه «رفائيل كوهين»، وهذا وحده كان كافيًا لإثارة الشكوك لدىّ، وأن يكون محل تساؤل. وغير صحيح أنه عرض ترجمة أشعار أمل دنقل، بعدما رفضت فى المرة الأولى، هو لم يحاول عرض الأمر من جديد، وأظن أن ذلك وصل إلى الصحافة وتداولته إحدى الجرائد وقتها، وبعدها لم أهتمّ بالبحث وراء الاسم، فقد انتهى كل شىء برفضى طلبه.

أحمد الخميسى: هو نفسه لا ينكر علاقاته القوية بإسرائيل

أحمد الخميسى

يدهشنى للغاية أن يكون رفائيل كوهين عضوًا فى لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ، وهو نفسه لا ينفى علاقته بإسرائيل.. فهل خلت الساحة المصرية والعربية من المثقفين ليستعينوا بـ«كوهين»؟

ما زال السؤال الذى طرحه البعض قائمًا، ولا يجيب عنه أنصار رفائيل كوهين: هل طُرد من مصر فى التسعينيات؟ ولماذا طُرد؟ لا بد من الإجابة عن هذا السؤال بشكل قاطع من هؤلاء الأنصار، خاصة أن «رفائيل» نفسه لا ينكر أن لديه علاقات قوية بإسرائيل، كما سبق أن ذكرت.

أما ما يُقال عن انتمائه إلى منظمات دولية تدافع عن فلسطين، فإن كل تلك المنظمات التى ترفع شعارات عامة، تمثل «غطاءً للتطبيع»، وليست بينها منظمة واحدة باسم: «من أجل تحرير فلسطين»، وكلها تتخفى تحت كلمات عامة مثل: «الأممية» و«السلام» و«التغيير»، بينما هى فى حقيقتها منظمات ممولة لأهداف محددة، وانتماء «كوهين» لها لا يمثل شيئًا على الإطلاق.

أنس دنقل:  لم يترجم حرفًا من أعمال «أمل»

أنس دنقل

نفى أنس دنقل، شقيق الشاعر الكبير الراحل أمل دنقل، أن يكون رفائيل كوهين قد تواصل معه بشكل أو بآخر للحصول على حقوق ترجمة ديوان شقيقه: «أوراق الغرفة رقم ٨»، الصادر عن دار «الشروق».

وقال أنس دنقل: «لا أعرف من هو كوهين من الأساس، غير أننى رأيت حسابه ضمن الأصدقاء المقترحين على صفحتى الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك)، وهالنى كم الأصدقاء المشتركين بيننا».

وأضاف «دنقل»، ردًا عما يُثار عن حصول «كوهين» على حقوق ترجمة ديوان «الغرفة رقم ٨» لشقيقه «أمل»: «الحقيقة لم يتواصل معى أحد فى هذا الشأن، وحتى لو تواصل مع دار (الشروق)، من الطبيعى أن نعرف ذلك، خاصة أن الدار نفسها موكلة بالتعاقد مع المترجمين حول العالم لترجمة أى عمل لأمل دنقل».

وواصل: «بعد صدور الأعمال الكاملة لشقيقى أمل دنقل، عن طريق إحدى دور النشر العربية، وتكفل الأصدقاء بإبلاغى، تواصلت مع (الشروق) لرفع دعوى قضائية على الدار التى نشرت الأعمال الكاملة دون وجه حق».

واختتم بقوله: «لم يتواصل معى رفائيل كوهين بخصوص الترجمة، وأؤكد أنه لم يترجم أى حرف من أعمال أمل إلى أى لغة».

الفلسطينى على أبوخطاب: لم نسمع به أبدًا كداعم للقضية

على أبوخطاب

رغم أنى نشيط فى الوسط الثقافى الفلسطينى، وحتى المصرى والعربى، عبر زياراتى إلى القاهرة، ومتابعتى من بعيد عن طريق المواقع والمجلات الثقافية، وتواصلى الدائم على «فيسبوك»، ورغم أننى مترجم، هذه المرة الأولى التى أسمع بها عن رفائيل كوهين، أليس هذا غريبًا؟ 

إذا كان الرجل موجودًا فى مصر كما يقولون، لماذا يُخفِ نفسه؟ لماذا لا نجده فى فعاليات أو مجلات أو قنوات؟ وإذا كان قد عاش سنوات طويلة فى مصر، من هم أصدقائه الكُتَّاب؟ لا نعلمهم.

ومما يزيد استغرابى، أن المدافعين عنه حاولوا أن يجعلوا منه أيقونة تضامن مع الفلسطينيين، ونحن ككُتَّاب فلسطينيين نعرف كل من تضامن معنا من كُتَّاب يهود وإسرائيليين، لكن لم نسمع باسمه مطلقًا ضمن حركات التضامن مع القضية الفلسطينية.. إنه أشبه بـ«اللهو الخفى».

إيهاب بديوى:  هل حضوره «ورش ترجمة» كافٍ لاختياره؟

إيهاب بديوي

عادة يمر الجميع مر الكرام على خبر تشكيل لجنة التحكيم فى الجوائز الأدبية. فالكل يعلم أن هناك عواملَ خارج جودة العمل تحكم القوائم والفوز فى معظم الجوائز. منها عوامل فنية تخص الطباعة والنشر، ومنها عوامل غير مُعلَنة تخص توجه الجهات المانحة للجائزة، وغيرها من العناصر.

لكن هذا العام توقف الجميع عند تشكيل لجنة تحكيم مسابقة نجيب محفوظ، التى تنظمها الجامعة الأمريكية منذ منتصف التسعينيات، وأول دورة حكمها «الأستاذ» بنفسه، وفاز بها الكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد، وذلك لوجود اسم رفائيل كوهين بين المُحكمِين.

رفائيل كوهين، ذلك الاسم الغامض فى الوسط الثقافى، الذى فجرت صحيفة «الدستور» قضية وجوده ضمن تشكيل لجنة التحكيم، متسائلة عن هذا الغامض المتغلغل فى أركان الثقافة منذ التسعينيات، مع تضارب الأقوال حول ترحيله من مصر لأسباب أمنية، ثم رجوعه بعد عدة سنوات وكأنه مصمم على تنفيذ مخطط ما.

 ما يعنينى هنا ليس البحث فى خلفياته وأنشطته المريبة، هذه مهمة الجهات الأمنية. لكن ما أتحدث عنه هو معايير اختيار لجان التحكيم فى الجائزة. سارعت الجامعة الأمريكية إلى إصدار بيان تدافع عن اختيارها، وتصفه بأنه مترجم محترف. والبعض قال إنه يحضر ورش ترجمة فى إحدى دول الخليج، لكن هل هذا كافٍ ليدخل «كوهين» فى لجان تحكيم جائزة مهمة مثل هذه؟

ما المعايير الفنية والنقدية التى يمكن أن يتم تطبيقها على الأعمال المتنافسة؟ والأهم: ما الموضوعات التى ستكون مرشحة أكثر من غيرها للتقدم فى المسابقة الأدبية؟ الوسط الثقافى المصرى يفاجئنا من آن لآخر بما لا يمكن أن يخطر على بالنا. ربما السر يكمن فى وسط القاهرة المغلق على من فيه!

عبدالله السلايمة: عرفنى بنفسه باسم غير «كوهين» وسألنى عن «كامب ديفيد»

عبدالله السلايمة

فى خضمّ الجدل الدائر حول رفائيل كوهين، وجدتنى أسترجع واقعة حدثت معى:

بعد عودتى من مؤتمر أدباء مصر العام فى شرم الشيخ عام ٢٠١٢، فتحت بريدى الإلكترونى لأجد رسالة من شخص يعرّف نفسه بأنه أستاذ فى الجامعة الأمريكية، يُدعى «رفائيل». وللإنصاف، لم يكن اسمه الثانى «كوهين»، بل كان اسمًا آخر لا أذكره الآن بدقّة. قال «رفائيل»، فى رسالته، إنه قرأ روايتى «قبل المنحنى بقليل»، وقرأ كذلك رواية للكاتب إدريس على، وإنه يعمل على بحث يتناول الروايتين معًا.

بدا الأمر فى ظاهره عاديًّا، إلى أن وصل إلى سؤاله الغريب: ما رأيك فى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل؟ وهل تراها فى صالح مصر أم مُجحِفة بحقها؟.

رددتُ بوضوح ودون مواربة فى رسالة، قلتُ فيها: إننى أرى المعاهدة ليست فى صالح مصر، على الأقل فيما يخصّ حقها فى فرض سيادتها الكاملة على سيناء.

بدافع الفضول، حاولتُ البحث عن اسم «رفائيل» فى ذلك الوقت على الإنترنت، فلم أجد ما يشير إلى وجوده الأكاديمى أو الثقافى، فنسيت الأمر. لكن حين عاد الحديث اليوم عن «رفائيل كوهين»، تذكّرت تلك الحكاية التى أيقظت سؤالًا: ترى، كم من «رفائيل» مرّوا بنا وتركوا وراءهم علامات استفهام لم ننتبه إليها؟.

أسعد سليم:لا يعرفه 99% من المثقفين

أسعد سليم

كيف لمترجم يعيش منذ ٢٠ عامًا فى القاهرة كما يزعمون ولا يعرفه ٩٩٪ من المثقفين؟، عن رفائيل كوهين، عضو لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ فى الجامعة الأمريكية، هناك أمور غامضة تدعو للريبة. هؤلاء الذين هاجوا وماجوا لمجرد طرح سؤال عن حقيقة الرجل ومواقفه، مجرد سؤال وليس اتهامًا، لماذا يخشون ويتحاشون الحديث عن هوية الرجل الغامض، فى حين أنه إذا تكرم أحدهم وتفضل علينا بالرد تكون إجابته غاضبة متعالية متهمة الجميع بالجهل وعدم القدرة على التفريق بين «اليهودية» و«الصهيونية».

الجميع يدور فى فلك روايتين: الأولى مقال الشاعر أحمد الشهاوى، فى جريدة «الحياة»، منذ نحو ٣٠ عامًا، الذى يكيل فيه الاتهامات بالعمالة والجاسوسية للرجل، والثانى «بوست» حديث للصحفية دينا سمك تدافع فيه عن الرجل بكل ما أُوتيت من قوة. نحن لا نريد أن نغرق فى تفاصيل ملتبسة، فقط نطرح أسئلة حول هوية الرجل وانحيازاته الفكرية، وهل حقًا يستحق أن يكون عضو لجنة تحكيم فى جائزة مرموقة؟ إننى أكاد أجزم أن أكثر من ٩٩٪ من المثقفين لا يعرفون هذا الرجل، وتلك بالمناسبة ليست خطيئة ولا جرمًا، فكيف لرجل يعيش، كما يزعمون، منذ أكثر من ٢٠ عامًا فى القاهرة، ولديه نشاط ثقافى معتبر كما يدعون، ولا يعرفه المثقفون؟

فضل الكثيرون الابتعاد عن تلك القضية الشائكة، وآخرون انبروا للدفاع عنه بكل حماسة، والبعض هاجم بضراوة، ولا تزال الحقيقة غائبة. أين دور الصحافة الثقافية والاستقصائية؟ أين دور الإعلام الذى لم تطرح القضية بعد على مائدته؟ هل هناك تجريم لحق السؤال وطلب المعرفة؟ وهل نحن بحاجة لبيان من الحكومة لتبيان حقيقة وموقف الرجل؟

أنا لا أتهم أحدًا بشىء، وإذا اتضحت حقيقة «كوهين» بأنه مناضل ومساند للقضية الفلسطينية كما يزعم البعض، سأكون أول المعتذرين والمقبلين لرأس الرجل.. لكن كيف يطمئن القلب وسط هذا العالم الملىء بالأسرار؟.

هداء الجالى: كثير من المدافعين عنه تحركهم «سبوبة الخارج»

هداء الجالى

الحوار المثار عليه ضجة حاليًا فى الوسط الثقافى، يخص بريطانيًا يهوديًا اسمه رفائيل كوهين، وهو مترجم ومستشرق اختير عضو فى لجنه التحكيم الخاصة بجائزة نجيب محفوظ، وسط اتهامات له بأنه «صهيونى» و«جاسوس»، وذلك استنادًا لمقالات قديمة، نشرت فى فترة وجوده بمصر بين ١٩٩٢ و١٩٩٤.

ليست مسئوليتنا أن نتهم أحدًا موجودًا فى مصر قبل توجيه الاتهام إليه من الأجهزة الأمنية وفقًا لدلائل وشبهات، وإن كنت بصراحة، أعتبر أن أى يهودى هو صهيونى، ليس كراهية فى أحد، بل هذا ثابت لدى، حتى لو يقول المثقفون: ينبغى أن نفصل بين اليهودية والصهيونية.

فلنترك هؤلاء يفصلون بين اليهودية والصهيونية، لأن أغلبهم يحتاج للحفاظ على الحد الأدنى من الآراء غير المعادية للسامية، لكنى أقف تحديدًا عن نقطة «مستفزة جدًا»، وهى أن بعض المدافعين عن الرجل فى الوسط الثقافى، وبينهم سيدة لا أعرف إن كانت كاتبة أو صحفية، يصفون كل من يتهمونه أو يعيدوا نشر أى شىء يتعلق به، بأنهم «جهلة».

هذه السيدة تقول: «أنا مش هعتب غير على النشطاء»، وهذا ما أريد أن أفهمه، ما المقصود بمفهوم «النشطاء» بالضبط؟ «سبوبة» التقرب من الأشخاص الذين لديهم علاقات بالخارج، والخارج هنا يدخل فى نطاقه دول كثيرة، وذلك بهدف الحصول على جوائز أو منح أو مكافآت أو فرص.. المهم «يبقى فيها بالبلدى كده لحلوح يعنى فلوس»!

السؤل الآن: ماذا لو وُجه إليه اتهام رسمى، أو استبعاد أمنى خارج البلاد، ما الذى سيفعله «النشطاء» وهذه السيدة المدافعة عنه هى وباقى المدافعين؟ وسؤال آخر: ما مدى تورط البعض معه؟ وما مدى تشعب علاقتهم رغبة فى المصلحة و«السبوبة الثقافية»؟.

محمد عبد الرحمن: رفائيل كوهين.. لقد انتهت جائزة نجيب محفوظ يا أصدقائى 

محمد عبد الرحمن

قد تكون أزمة صاحب كل هذه الأسماء قد انتهت «شكلًا» كما يأمل مناصروه، لكن «موضوعًا» لا يمكن حساب الأثمان الباهظة التى سيدفعها هو أولًا، والمدافعون عنه ثانيًا، الذين يدّعون أنهم يفهمون فى «السياسة» هم أبعد ناس عنها، والذين يزعمون أنهم يصحون وينامون من أجل الشارع، هم أبعد من يعرف كيف يفكر «الرأى العام» فى بلد يحق لأبنائه التعامل بحساسية فى فترة أقل ما توصف بـ«العصيبة».. القضية لم تعد الجامعة ولا الجائزة، لكن «الشره» الذى دفع الأصدقاء للتضحية بـ«حبيبهم».

بدلًا من أخذ خطوة للوراء، اندفعوا نحو المنزلق، صورة الرجل وتفاصيله باتت معروفة ومرصودة، كل مقال سيكتب، كل مكان سيذهب سيخضع لقياس مدى إيمانه حقًا بالقضية الفلسطينية، تمام هو مؤمن بها أنا أصدقكم، لكن فى ظروف كهذه ننصح حتى المناصرين لنا بمتى يظهرون ومن يتراجعون.

شره العناد، شره المكاسب المنتظرة، شره الدفاع عن الشلة وجلسات المقاهى، طغى عليهم، ينتظرون الآن الروايات المتقدمة «لعل النتائج معروفة أصلًا فسماسرة الجوائز فى كل زاوية»، يفكرون فى الاسم الذى سيقبل الجائزة بعد كل هذا الجدل، ومن سيتحمل الانتقادات، كل هذا غير مهم، المهم أن نلتقى على المقهى فى نهاية اليوم وقد انتصرنا على جحافل المغيبين وأدعياء الثقافة، مبروووووووووووك.. انتصار مؤقت ستعقبه هزائم لا نهائية، أزعم أننى أفهم جيدًا فى «مزاج الرأى العام» وأقول لكم «هذه الجائزة انتهت» حتى لو استمرت ١٠ سنوات أخرى، وصديقكم سيلومكم متسائلًا: «لماذا سلطتم علىّ الأضواء؟؟»..

أخيرًا: إلى المركز القومى للترجمة، أن تأتى متأخرًا أفضل من أن نترك اسم نجيب محفوظ عُرضة لأهواء «غير مصرية».. أطلق جائزة ترجمة فورًا، لدينا عشرات المحكمين من غير مثيرى الجدل، وكلهم باسم واحد، وصورة واحدة، ولا يحتاجون لدفاع من أصدقائهم، سيرتهم فوق كل اعتبار، ونجيب محفوظ يستحق منا النأى به عن «شره» بات آفة حارتنا هذه الأيام.