الأحد 27 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

الأرض المحروقة.. حملة موسعة فى اتحاد الكتاب لسحب الثقة من علاء عبدالهادى: تجاوز كل الحدود

حرف

- طلال سيف: إهماله دفع الكتّاب لتسول المساعدة على «السوشيال ميديا»

- منى ماهر: يجب أن يتخذ الأعضاء موقفًا موحّدًا ضد ما يحدث

- نفيسة عبدالفتاح: كل إجراءات وقرارات الجمعية العمومية باطلة

- إيهاب بديوى: نريد تنقية العضويات وتسهيل الإدلاء بالأصوات

فى تطور يهدد بشرخ أعمق داخل اتحاد الكتاب، أثار انعقاد الجمعية العمومية، يوم الجمعة 11 يوليو الجارى، عاصفة من الغضب بين الأعضاء، بعدما تبين أنها شابتها مخالفات جسيمة تمسّ شرعيتها من الأساس. 

فبحسب لوائح الاتحاد، لم تُراعَ أبسط الشروط القانونية لانعقاد الجمعية، بدءًا من إخطار الأعضاء كتابيًا قبل الموعد المقرر، ومرورًا بعدم إرفاق جدول الأعمال بالدعوات، وهى إجراءات ليست شكلية، بل جوهرية لضمان النزاهة والشفافية. 

هذه التجاوزات، التى وصفها مراقبون بأنها «عبث بالعمل المؤسسى»، دفعت عشرات الأعضاء إلى التحرك عبر إطلاق بيان وحملة توقيعات واسعة لمطالبة مجلس الإدارة بالاستقالة، فيما يعد تمهيدًا لسحب الثقة من رئيس الاتحاد علاء عبدالهادى.

الأسئلة التى تطفو على السطح الآن: هل كان اجتماع الجمعية العمومية محاولة لتمرير أجندات بعيدًا عن أعين الأعضاء؟ ولماذا تُخرق القوانين بهذه الصورة الفجّة فى مؤسسة يفترض أنها حصن للديمقراطية والإبداع؟ فالأزمة تكشف ليس فقط عن فقدان ثقة، بل عن معركة وجودية حول هوية الاتحاد ومستقبله، وهو ما تواصل «حرف» التحقيق فيه خلال السطور التالية.

تزوير إرادة الأعضاء

لم تكن سوى ساعات قليلة تفصل بين انعقاد الجمعية العمومية المثيرة للجدل وبدء رد فعل الأعضاء الغاضبين، حيث أطلق آلاف الأعضاء فى اتحاد الكتاب حملة احتجاجية مكثفة عبر منصات التواصل الاجتماعى، تنادى بسحب الثقة من مجلس الإدارة والرئيس علاء عبدالهادى. 

وانتشرت بيانات الاحتجاج كالنار فى الهشيم، ووقعها مئات الكتّاب البارزين، بينما تحولت صفحات المثقفين على «فيسبوك» إلى ساحات للنقاش الحاد، وتضمنت هذه البيانات اتهامات صريحة لمجلس الإدارة بـ«تجاوز القانون» و«تزوير إرادة الأعضاء». 

وقال الكاتب طلال سيف، عضو الاتحاد، لـ«حرف»: «تلقيت عدة نصوص للبيان عبر الهاتف، بعضها معلوم المصدر وبعضها مجهول، وهذا حق مشروع لأى عضو أو مجموعة». 

وأضاف «سيف»، فى حديثه، أن موقفه لا ينطلق من خلاف شخصى، قائلًا: «ليس لدى أى تعنت ضد المجلس الحالى، فهم جميعًا زملاء أعزاء، لكن القضية تتجاوز الأشخاص إلى مصلحة الاتحاد الذى يجب أن يكون لائقًا بمكانة مصر الحضارية».

وعدد سيف انتقاداته للمجلس الحالى، قائلًا: «أولًا، قضية المعاشات المهينة: إذ يتقاضى كتّاب مصر مبالغ زهيدة لا تليق بمكانتهم، وثانيًا إهمال الكتاب المعوزين، حيث بعض الزملاء يلجأون للتسول عبر وسائل الإعلام، دون أن يتدخل الاتحاد لحل أوضاعهم الإنسانية، وثالثًا قضايا الفصل التعسفى ومنها مأساة فصل الشاعر سعدنى السلامونى منذ سنوات، بسبب خلاف مع رئيس الاتحاد». 

وأشار إلى تضارب تصريحات رئيس الاتحاد حول عضوية السيناريست عماد النشار الذى تعرض للفصل التعسفى، رغم وجود أحكام قضائية لصالحه بإلغاء الفصل، مردفًا: «هذه القضايا الجوهرية هى ما دفعتنى للتوقيع، فالاتحاد يجب أن يكون بيتًا للجميع، لا ساحة لتصفية الحسابات».

وتابع: «لا يوجد للكتّاب فى مجلس إدارة الاتحاد الحالى أى ميزات نسبية، فأنا أحد أعضاء الاتحاد الذين يواجهون دعاوى قضايا رأى منذ عام ٢٠٢٢ وحتى الآن، وتعرضت لعقوبات شديدة، ونُشر الكثير عن هذه الدعاوى التى وجهت لى».

وواصل: «برغم ذلك لم يتبرع الاتحاد ويسألنى أو يكلف محاميًا للدفاع عنى، لذا لا أرى للاتحاد أى فاعلية، وجملة الأخطاء التى أراها تستدعى أن أوقّع على أى بيان من جهة معلومة بسحب الثقة أو على أقل تقدير خوض انتخابات فى الاتحاد، فربما تضخ دماء جديدة تُحسن وتعدل من حاله».

التلاعب من أجل البقاء

أما الكاتبة منى ماهر، عضو الاتحاد، فقد عبّرت عن تحفّظها تجاه هذه الخطوة، قائلة: «اطّلعت على البيان، لكنّى لا أعرف الجهة التى تقف خلف الدعوة للتوقيع، فلكى يكون للبيان تأثير حقيقى، يجب أن يحظى بتوقيع مئة عضو على الأقل، كما يجب أن يتّفق الكتّاب على موقف موحّد، دون ذلك، تظلّ مثل هذه المبادرات مجرّد خطوات غير فعّالة».

وأضافت: «المطلوب أولًا تحديد الجهة المنظمة للبيان وضمان تمثيلها لأعضاء الاتحاد، كما أن أى تحرّك جاد يحتاج إلى توافق واسع بين الكتاب، وإلا فإنه سيفقد مصداقيته ويصبح مجرد ضجّة عابرة».

بدورها، رأت الكاتبة نفيسة عبدالفتاح، أن مثل هذه البيانات غير مجدية قائلة: «لم أوقع على البيان لأننى أعتقد بعدم جدوى ذلك الآن، وأن ما يجب اتخاذه من إجراءات حاليًا أكبر من بيان قد لا يؤتى ثماره، فالأولى حاليًا هو إبطال الجمعية العمومية غير العادية بكل ما تم اتخاذه من قرارات تعديل لبنود اللائحة».

وأضافت: «أنا عضوة قديمة فى الاتحاد، وتم التحقيق معى من قبل بسبب أدائى لعملى الصحفى بكل حياد ومهنية، وأنا روائية وقاصة، وصحة انعقاد الجمعية العمومية لها ضوابط قانونية ولا علاقة لها بحضور الأعضاء من عدمه، وإنما لها علاقة بسلامة الإجراءات وصحة الدعوة للانعقاد وغيرها من الضوابط التى حددها القانون».

علاء عبدالهادي

لكن الناقد د. إيهاب بديوى رأى أن البيان محاولة مهمة للفت أنظار المسئولين إلى ما يحدث فى اتحاد الكتاب من تجاوز للموعد المقرر للانتخابات لأسباب لا نعرف مدى حقيقتها. 

وقال إنه من وجهة نظره فإن الموضوع قانونى بحت ولا بد أن يضطلع به محامون أقوياء فى مسائل القوانين المنظمة للنقابات المهنية، مضيفًا: «من غير المعقول أن ينفرد صوت واحد بنقابة رأى، وأن تكون النسب المرجحة فى الانتخابات هى أقل من ٥٪ من أعداد الأعضاء».

إيهاب بديوى

وتابع: «عدد أعضاء اتحاد الكتاب تعدى الـ٤ آلاف عضو، لكن آخر انتخابات عام ٢٠٢١ والمؤجلة من ٢٠٢٠ كانت نسب التصويت منخفضة جدًا تراوحت بين ٢٠٠ و٣٠٠ صوت للفائز، وهو ما يعبر عن أزمة حقيقية فى التصويت ناتجة عن المركزية وصعوبة الانتقال من وإلى القاهرة، والانتقائية الشديدة، وعدم تحفيز كل الأعضاء على الإدلاء بأصواتهم، ومنع من لم يدفع الاشتراك قبل شهر من الانتخابات من الإدلاء بصوته، وغيرها من الصعوبات».

ورأى ضرورة تنقية العضويات وتسهيل الإدلاء بالأصوات فى الفروع المختلفة، وأن يكون الانتخاب من البداية على المناصب المختلفة، وأن تكون المنافسة على مقاعد الرئاسة والسكرتير وأمين الصندوق وغيرها من اللجان، لا أن تكون تلك المناصب مقتصرة على انتخابات داخلية بين من ينجح فى الحصول على العضوية.

وفى السياق، عبّر الشاعر ماجد أبادير عن أسفه من أن أغلبية مجلس إدارة الاتحاد غير فاعلة، وأن الجمعية العمومية كانت موجهة سلفًا، قائلًا: «رأيت بيان سحب الثقة من مجلس الإدارة على صفحات الزملاء، لكننى لا أعرف مصدره. وهو لا يختلف كثيرًا عن الرسالة الموجهة لوزير الثقافة بنفس المطالب مع اختلاف العنوان فقط».

طلال سيف

من جانبها، قالت الكاتبة هالة فهمى: «تلقيت أكثر من بيان يتضمن مطالب متشابهة بسحب الثقة من مجلس الإدارة والتحقيق فى ممارساته، ليس من باب الطعن فى نزاهتهم ولكن لاعتقادى بوجود إهدار للمال العام»، متابعة: «لم أوقع على هذه البيانات رغم اتفاقى مع مضمونها، لأن أولويتى حاليًا هى إبطال الجمعية العمومية الطارئة الأخيرة لوجود مخالفات قانونية فيها».

وكشفت عن أن «المجلس الحالى من المقرر أن يقدم استقالته عام ٢٠٢٦ لإجراء الانتخابات، ولكن فى حال تأخر ذلك، سنطالب فورًا بسحب الثقة وعزل الرئيس». مردفة: «الجمعية العمومية الأخيرة شهدت تزويرًا واضحًا بحضور أشخاص غير أعضاء، وهناك أدلة وثائقية على ذلك من صور وفيديوهات تثبت هذه المخالفات التى تكفى وحدها لإبطال الجمعية».

علاء عبدالهادي

اغتصاب الكرسى

قال الكاتب عماد النشار إنه فى وقتٍ يفترض فيه أن يكون اتحاد الكُتّاب منارةً للعمل الثقافى الحر والديمقراطى، تفجّرت أزمة حادة داخل أروقته، تُلقى بظلال الشك على مشروعية قيادته وسلامة إجراءاته التنظيمية. 

وأضاف أن الجمعية العمومية غير العادية التى عُقدت تحت مظلة الاتحاد يوم الجمعة، الحادى عشر من يوليو ٢٠٢٥، جاءت فى سياق يشوبه الكثير من التجاوزات القانونية والإدارية، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول قانونية انعقادها، ونزاهة قراراتها، وشرعية استمرار المجلس القائم. 

وتابع: «الجمعية العمومية باطلة قانونًا، نتيجة مخالفتها الصريحة لمواد قانون الاتحاد المنظّمة لإجراءات وشروط صحة انعقاد الجمعية العمومية، حيث نصّت هذه المواد بوضوح على كيفية الدعوة، وآلية الإخطار، وشروط الانعقاد، والتى لم تُلتزم فى هذا الاجتماع».

ولفت «النشار» إلى أنه إذ لم تُرسل خطابات بريدية لغالبية الأعضاء الذين يحق لهم حضور الجمعية، والبالغ عددهم على أقل تقدير نحو أربعة آلاف عضو، من جملة حوالى ستة آلاف عضو، على فرض أن الألفى عضو الذين تم استبعاد ذكرهم لم يسددوا الاشتراك قبل الموعد القانونى- فإنها تعد باطلة».

وواصل: «عدم قيام الاتحاد بإخطار الأعضاء رسميًا بمواعيد انعقاد الجمعيات العمومية، سواء الخاصة بالميزانيات أو بالانتخابات، ورسائل الـ(واتس آب) أو الإخطارات الهاتفية التى أرسلت تُعد باطلة ومخالفة للقانون، والعبرة تكون بالخطابات الرسمية المرسلة بعلم الوصول لكل أعضاء الاتحاد الموقرين».

وتابع: «إضافةً إلى ذلك، فإن الدعوات- سواء أُرسلت بالبريد أو عبر الـ(واتس آب)- لم يُرفق بها جدول الأعمال، وهو ما يُعد مخالفة صريحة. وبحسب علمى، لم يتم إخطار وزارة الثقافة».

وأوضح أن الدعوة تتضمن أن مجلس الإدارة والمجلس الاستشارى قد صدّقا على التعديلات، إلا أن أكثر من عضو بمجلس الإدارة كتب على صفحته أنه لم يطّلع على هذه التعديلات ولم يعلم عنها شيئًا، مؤكدًا أنه حاول الحصول عليها بإلحاح، دون أن يجد أى استجابة.

وقال: «وجود المجلس الاستشارى غير قانونى، إذ تنص المادة (٣٧) من قانون الاتحاد على ما يلى: (يتولى مجلس إدارة الاتحاد إدارة شئون الاتحاد والبتّ فى كل ما من شأنه تحقيق أهدافه)»، مكملًا: «هذا النص يُؤكّد أن إدارة الاتحاد منوطة فقط بمجلس الإدارة دون إشراك أى مجلس آخر أو لجنة، لكن رئيس الاتحاد، حين شكّل هذا المجلس من رؤساء الفروع، كان يهدف إلى كسب ولاء الفروع وأصواتها، وليس تفعيل العمل المؤسسى».

ورأى أن الطامة الكبرى تمثلت فى حضور نجلة الكاتبة الراحلة راضية أحمد اجتماع الجمعية العمومية، رغم أنها ليست عضوًا فيها، بل إنها ناقشت مادة الرعاية الصحية، واعترضت وهاجمت المجلس، محمّلةً رئيس الاتحاد مسئولية وفاة والدتها بدعوى تقاعسهم عن علاجها، مردفًا: «الأدهى من ذلك أنه تم تحويلها إلى التحقيق، رغم أنها ليست عضوًا بالجمعية!».

وتابع: «القانون يُحظر على أى عضو حضور الجمعية إذا لم يكن قد سدَّد اشتراك العضوية قبل شهر على الأقل من موعد انعقادها، ومن يثبت حضوره من أعضاء الجمعية العمومية دون استيفاء هذا الشرط، فإن الجمعية تُعد باطلة ومنعدمة الأثر وكأنها لم تكن».

منى ماهر

وأكمل: «استغل علاء عبدالهادى هذه المخالفة القانونية عندما كان عضوًا فى مجلس إدارة المجلس الذى كان يرأسه الكاتب الكبير محمد سلماوى، حيث حضر الجمعيةَ العمومية حينها أحدُ الأعضاء دون أن يكون قد سدد اشتراك العضوية قبل الموعد القانونى، وتم إثبات حضوره، فقام الدكتور عبدالهادى بالإجراء القانونى الذى أبطل انعقاد تلك الجمعية».

وكشف عن أنه منذ توليه رئاسة الاتحاد لا يُلقى بالًا بالقوانين أو اللوائح، بل يمنع الأعضاء من حقهم الدستورى فى اختيار مجلسهم، بتأجيل الانتخابات تارة، وإلغائها تارة أخرى، بحجج واهية.

وتابع: «يكفى أنه يجلس على كرسى الرئاسة منذ انتهاء مدته فى مارس ٢٠٢٠، وسيبقى حتى مارس ٢٠٢٦، دون إجراء انتخابات نصفية كل سنتين كما ينص القانون، أو انتخابات شاملة كل أربع سنوات، فى سابقة لم تحدث فى تاريخ العمل النقابى».

نفيسة عبدالفتاح

وقال: «استمرار هذا التجاوز الفاضح للقوانين واللوائح لا يهدد فقط شرعية الجمعية العمومية، بل يهدد بأسرِه شرعية اتحاد الكُتّاب كهيئة شرعية حقيقية لأعضائه، هذا العبث المتكرر بحقوق الأعضاء وخرق النصوص القانونية لا يمكن السكوت عنه أو التغاضى عنه، وإلا تحوّل الاتحاد إلى مجرد واجهة صورية تفقد كل معانى العمل المؤسسى والمهنى».

وناشد وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو، بتحمّل مسئولياته الوطنية والقانونية، والقيام بدوره فى حماية حقوق الأعضاء وصون الشرعية القانونية للاتحاد، والتدخل الفورى لوقف هذه الانتهاكات، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، ضمانًا لاستمرارية الاتحاد كبيتٍ حرٍ للكُتّاب وأصواتهم الحرة.