السبت 12 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

محمد داود: «القومية المصرية» تيار المسلم والمسيحى واللا دينى والأهلاوى والزملكاوى

حرف

- لو حصل احتلال عربى لليابان لأى مدة هل يجعل ذلك اليابانيين عربًا؟!

- أطالب باعتماد «العامية» لغة رسمية فى مصر بدلًا من «العربية»

- الفصحى لغة ميتة قاصرة عن ملاحقة التقدم.. وأنصارها «إقصائيون»

ما إن تُذكر كلمة «كمايته» إلا ويربط البعض بينها وبين التحيز للعرق المصرى الخالص، مقابل تجاهل حقيقة دخول العشرات من الأعراق إلى مصر، واختلاطها بشعبها على مدار التاريخ، مع رفض ومعاداة العرق العربى تحديدًا، وكل ما يرتبط به، رغم أنه مكون أساسى من المكونات المصرية. لكن الكاتب محمد داود يرى صورة مغايرة لتلك الصورة الذهنية المتداولة عن تيار «الكمايتة»، ويعتبر أن الاتهامات التى توجه إليهم، وعلى رأسها «احتقار كل ما هو عربى»، وأنها «دعوة عنصرية تتسم بالشوفينية»، على خلاف الحقيقة تمامًا، مؤكدًا فى الوقت ذاته أن مصر «مصرية»، وأن ذلك هى موقف قانونى لكل مصرى غير متعلق بالأصل العرقى.

فى حواره التالى مع «حرف»، يشرح الكاتب والمفكر والباحث وجهة النظر هذه، مفندًا كل الاتهامات التى توجه إلى «التيار القومى المصرى»، الذى اصطلح على تسميته بـ«الكمايته». 

■ البعض يرى أن أصحاب الفكر الكيمتى يتحيزون للعرق المصرى الخالص مقابل تجاهل حقيقة دخول العشرات من الأعراق إلى مصر واختلاطها بشعبها على مدار التاريخ.. ما ردك؟

- التحيز العرقى من الأباطيل التى ينسبها لنا خصومنا من أنصار العروبية و«الإخوان»، وغيرهم من الجماعات المتطرفة المعادية لـ«مصرية» مصر. هذه «مغالطة رجل القش»، يتقولون علينا بما لم نقله، يحاولون وصمنا بما يجعل من السهل عليهم مهاجمتنا به. كنا نتمنى ألا تكون مثل تلك المغالطات المنطقية من أساليب الحوار.

مصر «مصرية». هذا هو الطبيعى، والمفترض ألا يكون موضع جدال. غير الطبيعى هو إقحام هوية استعمارية على مصر من خارجها، فيُقال مصر «عربية». لنفترض حصل احتلال عربى لليابان لأى مدة من الزمن، هل يجعل ذلك اليابانيين عربًا؟! لماذا يتعين على المصريين أن ينسبوا أنفسهم للعرب؟!

«مصرية» شخص ما هى موقف قانونى غير متعلق بالأصل العرقى، ليلى مراد مصرية ولو كانت أصولها العرقية يهودية، هل فى هذا شك؟! كذلك الفنانة لبلبة من أصول أرمينية، لكنها مصرية. المسألة واضحة وبسيطة. هذا هو الطبيعى بأى مكان فى العالم.

لو أمكن لأحدهم أن يؤصل نسبه لقبيلة «خزاعة» فى ماضى شبه جزيرة العرب، فهو مصرى ما دام لا يعرف لنفسه وطنًا غير مصر، ومن غير المنطقى ولا المقبول أن يزعم أن مصر كلها عربية مثل قبيلة «خزاعة». المصريون المعاصرون لديهم بصمات جينية من شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، ورغم ذلك يقول بعض الدراسات إن المكون المصرى القديم ٧٨٪.

ليس لدعوتنا أساس عرقى، إنها دعوة حاضر ومستقبل على أساس الحداثة، نريد دولة وطنية حديثة، تساوى بين مواطنيها، ولا تفرض على الجميع هوية أحد مكوناتها. قد يختلف الفرنسيون مثلًا فيما بينهم، كما تحدث الاختلافات والتوجهات داخل أى دولة، لكن على الأساس الوطنى الفرنسى.

■ ترفض اللغة العربية رفضًا قاطعًا حتى إنك فى أحد الحوارات السابقة معنا أشرت إلى أنك «اضطررت» للكتابة بالفصحى.. لماذا هذا الرفض؟

- اللغة الحية هى التى يتكلم بها الناس، اللغة الميتة لا أحد يتكلم بها. يضيق المجال عن ذكر إشكالات اللغة العربية، وأكبر هذه الإشكالات أنها ميتة، لا أحد يتحدث بها، هذا فضلًا عن صعوبة نحوها وصرفها، وسيولة بنيتها، وماضوية ألفاظها، وقصورها عن ملاحقة الواقع المتطور والتقدم العلمى. كما يتميز أنصارُها بالإقصائية، وبعضهم ينسبون لها سمات فوق بشرية. وهى مفروضة كلغة رسمية، وفى منافذ الوعى والثقافة كافة، وها أنا أجيب بها عن أسئلة هذا الحوار.

فى العمق، لا أرفض لغة ما، أيًا كانت. كل اللغات إرث إنسانى ينبغى احترامه. لكنى أرفض الفرض القسرى للغة العربية القديمة «الفصحى» على حياتنا، رغم أنها لغة ميتة. كما أرفض أن يحدث هذا على حساب اللغة المصرية، لغة السكان الأصليين، لغة الحياة والتفكير والأحلام.

القصد، أنا لا أرفض اللغة العربية القديمة بذاتها، الرفض هو لتقديسها وتحصينها من النقد، الرفض هو لفرضها القسرى الإقصائى على الحياة. الرفض هو لأن تكون غاية فى ذاتها، وليست وسيلة تفكير وتعبير. ينبغى أن تكون اللغة فى خدمتنا، لسنا عبيدًا مُكرَسين لخدمتها.

الرفض هو لرفض الاعتراف باللغة المصرية. لماذا لا تكون اللغة المصرية لغة رسمية فى مصر؟! والقصد باللغة المصرية ليس لغة قدماء المصريين، لكن اللغة التى نتكلم بها فى حياتنا اليومية، وهى تطور تاريخى للغة فى مصر القديمة، هى لغة مستقلة عن اللغة العربية بناءً وصرفًا ونحوًا وألفاظًا، رغم مناطق من التأثير والتأثر.

بالنسبة لـ«العروبجية» فإنهم يرون مجرد وجود اللغة المصرية تهديدًا. هذا عجيب. يريدون أن نظل فى خدمة «جثة اللغة العربية الميتة»، ويكرسون جهودنا وطاقاتنا وعقول أبنائنا وأموالنا لأجل أن تبعث من رقادها، ويسعون لقتل اللغة المصرية خوفًا على الجثة. فرض اللغة العربية القديمة علينا نتج وينتج عنه كم هائل من الاستنزاف فى الطاقات والإحباط للإبداع، وتأكيد قوالب تفكير ماضوية منتهية الصلاحية، جالبة للتخلف والفقر.

■ دعوت أيضًا للكتابة بالعامية كما نتحدث، ألا ترى أنها فكرة مستحيلة، بل تحدث خللًا وإرباكًا خاصة أن استقبالنا اللغة المكتوبة أصبح بديهية فيزيائية.. بمعنى آخر، هناك صعوبة فى القراءة بالعامية؟

- وهل يتمكن الإنسان فى مصر من القراءة بالفصحى دون صعوبة وارتباك؟! حروف الكتابة من إشكالات اللغة العربية ذاتها. ولا أظن أن هناك صعوبة أكثر من الفصحى، فى القراءة باللغة المصرية التى يُقال لها «العامية»، وكأن هذا يصمها بأنها لغة العامة، ونرى ذلك ميزة لا عيبًا.

لو نالت اللغة المصرية الاعتراف فى وطنها، لحظيت بما ينبغى من الدراسة والعناية، وتطورت من كل الجوانب، بما فى ذلك طريقة الكتابة. لكن للأسف، الفرض القسرى للغة العربية القديمة، ويُقال «الفصحى»، يشمل هذا الإقصاء والإهمال للغة المصرية، لغة الناس والحياة فى مصر.

■ يغلب على خطاب «الكمايته» العدوانية والتطرف ورفض كل ما هو غير منتم لمصر القديمة ألا ينفر هذا الخطاب منكم؟

- لعل من الضرورى الآن أن أثبت أنى لا أتحدث باسم أحد، أقول وجهة نظرى فقط. أرى أن فى مصر الآن تيارًا وطنيًا مصريًا قوميًا قويًا، البعض يطلق عليه «الكمايته»، هذا التيار يرى أن مصر مصرية، وأن مصر القديمة أساس تاريخى للهوية المصرية، أقدم نقطة ارتكاز تعبر عن مصر قبل توالى الغزاة على البلاد.

«الكمايته» اسم رمزى فقط. «كيمت» اسم لمصر القديمة. وتعبير «الكمايته» مثل تعبير «العامية»، أُطلق أصلًا بهدف «التحقير»، مع ذلك فرضه الواقع، كما حدث كثيرًا فى التاريخ الأعرابى القديم، حيث كانت تطلق على بعض الفرق أسماء ساخرة، ومع الزمن تسقط دلالة التحقير.

على كل حال، الأسماء والعناوين ليست هى الإشكال، كل من يعتقد أن مصر مصرية، بلا انتماءات خارجها، هو من «الكمايته». بهذا يمكن القول إن «الكيمتية» تيار موجود منذ بدأت محاولة النهضة والحداثة وإنشاء الدولة الوطنية الحديثة. تبلور هذا بوضوح فى ثورة ١٩١٩، يمكن مثلًا اعتبار أحمد لطفى السيد وسلامة موسى من أعلام «الكمايتة».

إذن التيار القومى المصرى ليس جديدًا، ربما الجديد أن يُطلق عليه اسم «الكيمتية» ويقال لأنصاره «كمايتة»، ولعل هذا ما يثير غضب أنصار وعملاء «العروبية الرجعية»، لقد فوجئوا بأن «مصرية» مصر باقية، وتتأكد، وتتبلور تحت عنوان كبير، فى تيار يجتذب المزيد من الأنصار، رغم طول الفرض القسرى للهوية الاستعمارية العروبية.

كنت أتمنى لو يقبلونه كتيار وطنى مصرى، بالتجاور مع توجههم العروبى، دون ما يبذلونه من محاولات النبذ والإقصاء بالتسفيه والتشوية والشيطنة، واستغلال الأخطاء والإشكالات التى تحدث عادة فى أى تيار طبيعى، خاصة أنه من بعد وضع لافتة «الكمايته» عليه، يمكن اعتباره، رغم التأصيل منذ بدء محاولة النهضة والحداثة، فى طور التكوين، وكثير من أنصاره قد لا تكون الرؤية واضحة فى أذهانهم.

القصد، غالبًا الإشكالات التى تثار حول «الكمايتة» هى الغبار الذى يثيره أنصار الهوية الاستعمارية العروبية، بزعم الدعم من المُقدَس الإسلامى، مع أن المسلم الإيرانى مثلًا أو الأفغانى والباكستانى والسنغالى والنيجيرى يظل مسلمًا، ولا يزيد من إسلامه أن «يتعربن» ويمسخ نفسه وهويته الوطنية فيقول إنه «عربى».

■ توجه إليكم أيضًا تهمة «معاداة العرق العربى» وكل ما يرتبط به رغم أنه مكون من المكونات المصرية؟

- هذا غير صحيح. هذا من الأباطيل التى تثار ضد التيار القومى المصرى، ضديتنا هى للعقل السلفى العربى القديم بمفاهيمه وتصوراته الاستعمارية الإقصائية، منتهية الصلاحية، جالبة التخلف والفقر. «مصر مصرية»، هذا قولنا، وهذه مسألة حاضر ومستقبل، ليست عرقية، ليست سلفية مصرية قديمة، ولا سلفية «بول البعير» طبعًا.

«مصرية» مصر تعنى هوية وطنية بالمعنى المتوافق مع آخر ما وصل إليه العقل والضمير فى البشرية كلها، يعنى دولة وطنية حديثة، بكل ما تقوم عليه فكرة الدولة فى الحداثة المعاصرة، يعنى وطن يتعامل مع أفراده بالمساواة بصرف النظر عن العرق والجنس والدين، أنصار «الرجعية العروبية» يسقطون علينا هذه الإقصائية، بما فى العقل السلفى المتمكن منهم.

أنا لا أعادى كل ما هو عربى. أعادى فرض عقل أعرابى قديم بمفاهيم وتصورات ماضى صحراء «نجد والحجاز» منتهية الصلاحية، بزعم القداسة الدينية. الدين معتقدات وإيمانيات وطقوس لها كامل الاحترام فى إطارها الدينى. ولا يمكن قبول استعمال الدين فى فرض لغة وقوالب وأنماط تفكير ماضوية على العقل والحياة.

■ لماذا توجه إليكم اتهامات بالعنصرية ضد اللاجئين.. ولماذا ترفضونهم؟

- ليس للتيار القومى المصرى إطار تنظيمى، ولا أحد يملك الحق فى الحديث باسمه، وهو تيار متنوع يجوز مستقبلًا أن يتبلور وينعكس فى تشكلات فى الواقع، تختلف فى مواقفها من مختلف القضايا على أرضية وطنية مصرية. من هنا لا أظن أن عموم «الكمايتة» لهم موقف موحد من كل القضايا بما فيها اللاجئون والمهاجرون.

■ ألا تحمل «الكيمتية» رفضًا للآخر وشوفينية تتعارض مع روح الهوية والشخصية المصرية؟

- الإصرار على إلصاق تلك الاتهامات الظالمة بالتيار القومى الوطنى المصرى هو من التحديات التى ستسهم فى بلورته وتقويته، لكنه يضعف إمكانات الحوار، إن لم يقض عليها.

«الشوفينية» ورفض الآخر ليسا من معانى مصرية مصر والهوية الوطنية المصرية، هل من الضرورى- مثلًا- أن تعنى الهوية الوطنية الفرنسية ازدراء للهويات الأخرى؟!

■ رغم تعدد وتنوع الأعراق التى مرت بمصر من يونان وبطالمة وفرس وأمازيغ وعرب إلا أنكم اخترتم الوقوف عند مصر القديمة.. لماذا؟

- نرى مصر القديمة نقطة ارتكاز وأساسًا للهوية المصرية؛ لأنها الأقدم قبل كل الغزاة، وليس فى ذلك تنكر لأى طبقة من طبقات التاريخ بما فيها الحقبة العربية ويقال الإسلامية.

■ «الحُشاشة الدينية» توصيف أو مصطلح صكه محمد داود.. ماذا يعنى؟ ولماذا تعتبر هؤلاء أصل كل الشرور؟

- كثيرون يدعمون هيمنة الرجعية الدينية دون تصريح بذلك، وربما بدون وعى، تجدهم دائمًا ما ينتهون فى مواقفهم واختياراتهم للمراد الدينى الرجعى، مهما كان مخربًا للحياة، حاولت تفسير ذلك، اقترحت أنهم يحلون نوعًا من الصراع الداخلى نتيجة تنافر معرفى بين تأسيس وتنشئة على مفاهيم وقوالب تفكير تحتية، يعنى «حُشاشة» دينية رجعية من جهة، واطلاع وواقع وتجارب متناقضة مع تلك المفاهيم من جهة أخرى، بذلك يقدمون قشرة أو ظاهرًا عقلانيًا لجوهر خرافى لا عقلانى. 

هذا هو التيار الرئيسى فى الواقع الآن. معظم المثقفين لديهم «حشاشة دينية»، أنماط تفكير دينية تحتية تأسسوا عليها، تجعلهم مثلًا فى غاية التشنج ضد التيار القومى المصرى «الكمايتة»، دون حوار عقلانى. 

إنهم بذلك يعبرون عن قوالب التفكير الدينية الرجعية الأعرابية القديمة الرافضة للاختلاف، المعادية للمختلفين، الكارهة للمختلف الحضارى خاصة المصرى القديم، الموالية لكل رجعى يقال له: الوطن العربى، الأمة العربية، الأمة الإسلامية، دولة الخلافة.. إلخ.

■ لو افترضنا أن الدولة قررت غدًا تنفيذ مطالب «تيار الكمايتة».. هل يمكن أن تعددها لنا؟

- أؤكد أننى لا أتحدث باسم أحد. لكنى أتمنى الاعتراف باللغة المصرية الحديثة التى يقال لها «العامية»، وجعلها لغة رسمية، ولو بالتجاور مع اللغة العربية القديمة، كما أتمنى مناهج تعليم تنطلق من أن «مصر مصرية». 

■ كيف ترد على اتهام البعض لأصحاب هذا الفكر بأنهم «ملحدون» أو «لا دينيون» أو حتى إنهم ينطلقون فى أفكارهم من كراهية الإسلام تحديدًا؟

- مرة أخرى تلك الاتهامات ظالمة. التيار القومى المصرى فيه تنوع دينى وعرقى، فيه المسلم والمسيحى واللا دينى والأهلاوى والزملكاوى.. كأى تيار فى التاريخ، هذه مسألة طبيعة وواقع، ليس اختيارًا.

■ لماذا يتجاهل أصحاب «الفكر الكيمتى» الفترة التى سبقت الفتح «الغزو» العربى وينسبون «انهيار» الحضارة المصرية إلى الفتح العربى وما بعده؟

- لا أعرف من ذلك الذى يتجاهل الفترة التى سبقت الغزو العربى، أو ينسب انهيار الحضارة المصرية للغزو العربى. نؤكد أننا أهل حاضر ومستقبل بدون سلفية مصرية قديمة. حضارة مصر القديمة العظيمة هى أقدم أرضية تاريخية جامعة، ليس لدينا أى نوع من التقديس لها أو النظرة الشوفينية المحقرة لغيرها. إنها نقطة ارتكاز، ومنطلق نرى أننا محظوظون به، وبالفعل يحسدنا عليه غيرنا، ومن الجيد استثماره فى القضاء على التشويش الهوياتى نتيجة هيمنة الخرافة العربية القديمة على العقل والحياة فى مصر من 1400 سنة متصلة، وهذا كله بهدف تحسن الحياة فى الحاضر والمستقبل، ليس كهدف العقل الرجعى المهيمن، الذى يسعى فقط لمزيد من الهيمنة بجشع تخريبى لا ينتهى.