السبت 08 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

مرة واحدة لا تكفى.. من الحجز إلى المغادرة.. دليلك لزيارة المتحف المصرى الكبير

حرف

سجل التاريخ فصلًا جديدًا فى ملحمة الخلود المصرية بافتتاح المتحف المصرى الكبير، من خلال احتفالية شاهدها أكثر من مليار شخص حول العالم، وأبهرت الجميع بعظمة ما تحمله الجينات المصرية من تفرد، والآن جاء الوقت لزيارة هذا المتحف، الأعجوبة الخالدة التى تضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، وتوفر للزائر تجربة غير مسبوقة تجمع التاريخ بالحاضر.

فى السطور التالية، تقدم «حرف» لكل راغب فى مشاهدة العظمة، دليلًا شاملًا لزيارة المتحف المصرى الكبير، منذ لحظة الحجز الإلكترونى على موقع المتحف، حتى زيارة قاعة الملك الذهبى توت عنخ آمون، ثم المغادرة، التى لن تغلفها سوى عبارة واحدة سينطق بها كل مغادر: «إلى اللقاء مع عودة قريبة جدًا»، فزيارة واحدة للمتحف المصرى الكبير لا تكفى!

البداية

فى البداية، وقبل أن تفكر فى زيارة المتحف المصرى الكبير، عليك أن تزور الموقع الإلكترونى، حيث يمكنك التأكد من مواعيد الزيارة، بالإضافة إلى إمكانية الحجز الإلكترونى، الذى يجعل التجربة أسهل بكثير. ويمكنك من خلال الموقع حجز «جولة إرشادية»، وهو خيار يُنصح به إذا كنت تزور المتحف لأول مرة.

الوصول 

بمجرد وصولك أبواب المتحف المصرى الكبير استعد لتجربة مختلفة تمامًا. ستجد نفسك أمام واجهة معمارية فريدة تؤهلك لما هو قادم، بعدما تم التركيز فى تصميم الواجهة على استخدام مفردات جمالية تنتمى إلى الحضارة المصرية بشكل أساسى، علمًا بأنها نُفذت بأيادٍ مصرية خالصة.

المسلة المعلقة

لن تجد صعوبة فى تمييز أولى مفاجآت المتحف فور دخولك، وهى المسلة المُعلَقة، التى تعد أول مسلة من نوعها فى العالم، وتعتبر معجزة هندسية وفنية بحق. المسلة المعلقة للملك رمسيس الثانى تقع أمام الواجهة التى ترتفع لـ٥ طوابق لتتوافق مع ارتفاع الهرم الأكبر، ونفذها اللواء المهندس عاطف مفتاح، المشرف العام على مشروع المتحف المصرى الكبير، فى سابقة تحدث لأول مرة فى العالم.

التصميم الفريد يجعل المسلة تبدو وكأنها تتدلى من الهواء بدلًا من استقرارها على الأرض، ما يُمكّن الزوار من رؤية قاعدتها من الأسفل لأول مرة، وهو أمر غير مسبوق فى تاريخ عرض المسلات. وتُعد هذه الطريقة الفريدة فى العرض ابتكارًا هندسيًا يتيح للزوار رؤية الخرطوش الملكى للملك رمسيس الثانى، التى كانت فى العادة غير مرئية فى المسلات التقليدية التى تُعرض بشكل عمودى.

البهو

مع بداية دخولك المتحف، أيضًا، ستجد مجموعة متنوعة من المطاعم والكافيتريات الحديثة، التى روعى أن تقدم أكلات ومشروبات مصرية أصيلة تعبر عن الهوية المصرية وتعززها، لكن بشكل يتسم بالحداثة، وهى السياسة التى يؤكدها المتحف ويسير عليها فى كل ركن.

تمثال رمسيس الثانى

دقائق معدودة وستجد نفسك أمام تمثال رمسيس الثانى وجهًا لوجه. شعور مختلط ينتاب الزوار فى هذه اللحظة، بين الانبهار والتأكد من فرادة التجربة. رمسيس الثانى يقف شامخًا وسط بحيرة صغيرة وكأنه خرج من بينها للتو، وفى البهو نفسه ستجد مكتبًا للاستعلامات، وخزنًا مخصصة للأمانات، وشاشات عرض تمكنك من أخذ صورة مميزة ليرسلها لك المتحف على بريدك الإلكترونى لتظل ذكرى لا تنسى.

 نهضة مصر والمتحف الكبير

لا أدرى لمَ أتفاءل تفاؤلًا عظيمًا بالمتحف المصرى الكبير، أكبر متحف فى العالم. فأراه فاتحةَ خير على مستقبل الشعب المصرى ورغده.

فهو ليس متحفًا فحسب، بل استحضارًا لأعظم حضارة ماضية على ظهر الكوكب. وهذا الاستحضار كفيل بتغيير حياة القاهريين أولًا، ثم بقية المدن والحواضر، من استهلاك الأفكار إلى صنعها. ذلك أن هذا المتحف بالذات ليس موجوداتِ ماضٍ عظيم فحسب، بل مصدر إلهام يجدر به أن يقلب حياة المصريين قلبًا، ابتداءً من المناهج المدرسية، وليس انتهاء بتثوير أدوات السياحة وإمكاناتها وتثوير العلم والاقتصاد. فالأمل العظيم لا يأتى إلا من الفكرة العظيمة؛ فما هو أعظم وأجلّ من أن يستعيد الشعبُ المصرى مكانتَه فى قيادة التاريخ نحو خير البشرية، وخير العرب، من ثمَّةَ؟.

الدرج العظيم

الآن فقط ستبدأ الزيارة الفعلية، فبعد مقابلة تمثال الملك رمسيس الثانى، سيتعين عليك «الصعود عبر التاريخ» حرفيًا للوصول إلى قاعات العرض، وستتعرف على سبب وصف «الدرج بالعظيم» فقط عند الوقوف على درجاته، حيث يصطف على جانبى الدرج ٦٠ قطعة أثرية ضخمة يبلغ وزن بعضها طنًا أو أكثر.

هذه القطع الضخمة لم توضع بشكل عشوائى، بل تصطف بترتيب معين طبقًا لسيناريو عرض مدروس يتناول الحياة الملكية فى مصر القديمة، بما فى ذلك الملوك وأماكن العبادة، وعلاقة الملك بالآلهة، مع شرح فكرة الحياة الآخرة عند المصرى القديم. راعى تصميم المتحف الظروف الصحية المختلفة للزوار، إذ يوازى الدرج سلم كهربائى لكبار السن والأطفال، بالإضافة إلى مصعد كهربائى يُمكن الزوار من الصعود بعجلات الأطفال أو الكراسى المتحركة لكبار السن، وهو ما نادى به الكثيرون فى المتاحف المختلفة حول الجمهورية.

قاعة العرض الرئيسية 

بمجرد الانتهاء من صعود الدرج بالطريقة التى تناسبك، ستجد أمامك حائطًا زجاجيًا ضخمًا يعرض مشهدًا بانوراميًا مبهرًا لأهرامات الجيزة القريبة من المتحف، تبدو معها الأهرامات وكأنها معروضة فى «فاترينة» عرض. بمجرد دخولك قاعة العرض ستدرك أنك داخل متحف مختلف بحق. قبل الوصول لأول قطعة أثرية ستجذبك الرحابة التى تتميز بها هذه القاعة شاهقة الارتفاع شاسعة المساحة. ولكى لا تضيع وسط هذا الصرح، قُسمت القاعة إلى ١٢ منطقة عرض يحتوى كل منها على فترة زمنية محددة، وستجد فى كل ركن لوحات إرشادية توضح الفترة الزمنية التى تتواجد فيها حاليًا، وموقعك من باقى الفترات التاريخية. تبدأ المنطقة الأولى من عصر ما قبل التاريخ، وعصر ما قبل بداية الأسرات، وعصر بداية الأسرات، وعصر الدولة القديمة، ثم بعد ذلك ننتقل إلى عصر الدولة الوسطى، ثم عصر الدولة الحديثة، وننتهى بعصر الانتقال الثالث والعصر المتأخر والعصر اليونانى الرومانى، طبقًا لسيناريو العرض.

وداخل قاعة العرض الرئيسية ستتمكن من تكوين فكرة واضحة عن المجتمع وتطوره فى مصر القديمة، بالإضافة إلى إبراز أهمية الملكية فى مصر القديمة. كما ستجد لمحات عن المعتقدات عند المصرى القديم منذ عصور ما قبل التاريخ، وصولًا إلى عصر الانتقال الثالث والعصر المتأخر والعصر اليونانى الرومانى.

كل حقبة من هذه الحقب بها مجموعة مميزة جدًا من الآثار باستخدام أسلوب عرض متميز، بالإضافة إلى «فتارين» عرض متطورة يبلغ عددها ١٥٥ «فاترينة» عرض، صُممت خصيصًا لتوفر تحكمًا بيئيًا على أعلى مستوى فى درجات الحرارة والرطوبة والإضاءة، ما يتناسب مع كل قطعة، بالإضافة لما يقرب من نحو ١٠٠ قاعدة تحمل الآثار الثقيلة المعروضة خارج «الفتارين».

قاعة توت عنخ آمون

والآن مع درة تاج المتحف المصرى الكبير، وهى قاعة الملك توت عنخ آمون، التى تعرض المجموعة الكاملة لـ«الملك الذهبى» لأول مرة، ويبلغ عددها ٥٣٩٨ قطعة. وسابقًا، لم يُعرض سوى ثلث المجموعة فقط أمام الجمهور، سواء القناع الشهير وكرسى العرش وبعض القطع الضخمة الأخرى، فى المتحف المصرى بالتحرير، بالإضافة إلى ١٠ قطع فى متحف شرم الشيخ، و١١ قطعة فى متحف الغردقة. أما باقى القطع، التى تمثل ثلثى المجموعة تقريبًا، فتعرض لأول مرة هنا، فى تجربة فريدة وغير مسبوقة.

وتعرض قاعات «الملك الذهبى» مقتنيات الملك توت عنخ آمون بالكامل، ما يشكل عنصر جذب عالميًا، خاصة مع تقديم معلومات كثيرة عن الخلفية الاجتماعية والسياسية والدينية لـ«الملك توت»، بل أسلوب حياته والموضة فى عصره.

وقُسمت قاعتا «الملك توت» وفقًا لتخطيط مقبرته الأصلية فى وادى الملوك، وهى مكونة من ٤ حجرات، واحدة لعرض القطع الجنائزية للملك، والثانية تعرض فكرة البعث والحياة مرة أخرى التى كان يعتقد فيها المصرى القديم، والثالثة عن هوية الملك وأسرته، ثم القطع المعبرة عن أسلوب الحياة وموضة العصر، ومنها بقايا ملابسه ومنسوجات قبره، وطريقة ارتدائه إياها، وكلها تُعرض بشكل كامل لأول مرة.

كما سيكون هناك عرض لبعض تقنيات مصر القديمة، مثل «سرير الملك» الذى يمكن طيه لإغلاقه، وهى تقنية عالية جدًا من ٣٥٠٠ عام، إلى جانب تقنية الصناعة الدقيقة لأوانى «الألباستر»، والصناعة الرائعة للتماثيل الخشبية للملك.