الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«صدفة»..كيف تسببت عُطلة زوجين فى وفاة 100 ألف شخص؟

عُطلة زوجين فى وفاة
عُطلة زوجين فى وفاة 100 ألف شخص

اتسم القرن الحادى والعشرون بالصدمات غير المتوقعة، والاضطرابات الكبرى التى قلبت العالم الذى عرفه الكثير منا رأسًا على عقب، وجعلت حياتنا تبدو فوضوية.

كل بضع سنوات يأتى حدث يشبه «البجعة السوداء»، أحداث مفاجئة ونادرة، ١١ سبتمبر، الأزمة المالية، الربيع العربى، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، انتخاب دونالد ترامب، جائحة فيروس «كورونا»، والحروب فى أوكرانيا وغزة. حتى الحياة اليومية يمكن أحيانًا أن تبدو وكأنها رمية نرد. العديد من الأحداث تنجم عن مصادفة، أحداث صغيرة عشوائية كان من الممكن بسهولة أن تتحول إلى خلاف ذلك. بدأ الربيع العربى مثلًا بأن أشعل بائع خضار فى وسط تونس النار فى نفسه، ما أدى إلى اندلاع حريق ثورات أطاحت بالحكام وأشعل النار فى المنطقة.

وربما قرر دونالد ترامب الترشح للرئاسة، بعد أن أهانه باراك أوباما بنكتة فى عشاء مراسلى البيت الأبيض عام ٢٠١١. وبغض النظر عن قصة أصل «كوفيد-١٩»، فهو فيروس واحد أصاب فردًا واحدًا فى ووهان الصينية، فأدى إلى إرباك حياة المليارات من الناس لسنوات. 

الاحتمالات والفوضى

«يمكن لصدفة واحدة أن تغير كل شىء، فى كل مكان، دفعة واحدة»، هذه هى الأطروحة التى يناقشها المؤلف بريان كلاس، فى كتابه «صدفة: الاحتمال والفوضى ولماذا كل ما نقوم به مهم».

الكتاب يستكشف كيف يعمل عالمنا مدفوعًا بتفاعلات غريبة وأحداث عشوائية، كيف تسببت عطلة زوجين فى وفاة ١٠٠ ألف شخص؟ هل قرارنا بالضغط على زر الغفوة فى الصباح يغير مسار حياتنا بشكل جذرى؟

يتساءل الكتاب أيضًا: هل تطور البشر كان حتميًا، أم أننا ببساطة نتاج سلسلة من الحوادث الغريبة؟ وبالاعتماد على العلوم الاجتماعية، ونظرية الفوضى، والتاريخ، وعلم الأحياء التطورى، والفلسفة، يقدم المؤلف نظرة جديدة على سبب حدوث الأشياء، مع تقديم دروس مذهلة حول كيف يمكننا أن نعيش بشكل أكثر ذكاءً، أن نكون أكثر سعادة، ونعيش حياة أكثر إشباعًا.

القنبلة النووية

من الأحداث التى يذكرها الكتاب، تلك الصدف التى قادت إلى إسقاط القنبلة النووية على «هيروشيما»، بدلًا من مدينة «كيوتو»، ففى ٣٠ أكتوبر ١٩٢٦، نزل السيد والسيدة هنرى إل. ستيمسون من القطار البخارى فى «كيوتو» باليابان، ودخلا الغرفة رقم «٥٦» فى فندق «مياكو» القريب، تجولا فى أنحاء المدينة، مستمتعين بالأجواء الخريفية، فى إجازة مدتها ٦ أيام، وقع «آل ستيمسون» خلالها فى حب «كيوتو».

بعد ١٩ عامًا، فى يوليو ١٩٤٥، كان هنرى ستيمسون وزيرًا للحرب فى أمريكا، وتلقى مذكرة أثارت قلقه، مفادها أن لجنة الأهداف الأمريكية تعتزم إسقاط أول قنبلة نووية على هدف استراتيجى مهم، هو مدينة «كيوتو».

حاول «ستيمسون» إنقاذ المدينة من الدمار، التقى مرتين الرئيس هارى ترومان، وطالب بإزالة «كيوتو» من القائمة، وهو ما رضخ له «ترومان»، فتم إسقاط القنبلة الأولى على «هيروشيما» بدلًا من «كيوتو»، وعاش ١٠٠ ألف شخص فى مدينة وماتوا فى أخرى، بسبب إجازة قضاها زوجان، قبل ١٩ عامًا.

كان من المقرر إسقاط القنبلة الثانية على مدينة «كوكورا»، لكن مع اقتراب القاذفة «B-٢٩» منها، جعل الغطاء السحابى رؤية الأرض تحتها صعبة. وكانت المشكلة غير متوقعة، بعد أن توقع فريق من خبراء الأرصاد الجوية فى الجيش أن تكون السماء صافية. وبالتالى، تحول الهدف نحو تدمير «ناجازاكى». وحتى يومنا هذا، يشير اليابانيون إلى «حظ كوكورا»، عندما ينجو شخص ما من كارثة دون علمه. 

انقراض الديناصورات

لا يقتصر الكتاب على التاريخ الحديث فقط، إذ يروى المؤلف عن انقراض الديناصورات من المنظور ذاته، فقبل ٦٦ مليون سنة، أدى تذبذب فى مسافة بعيدة من الفضاء إلى دفع صخرة فضائية عملاقة نحو الأرض، قضت على الديناصورات، ما سمح للثدييات بالظهور، ولو تأخر ذلك الكويكب ولو قليلًا، لما كان البشر موجودين. لقد تطور العقل البشرى، ليس لفهم الواقع المعقد، بل لاكتشاف الأنماط المباشرة للسبب والنتيجة فى عالم أبسط. أصبحت أدمغتنا الآن غير متوافقة مع الحياة الحديثة، فى نظام اجتماعى يضم ٨ مليارات شخص، وهو نظام معقد للغاية بحيث لا يمكن فهمه بالكامل. وفى محاولة لفهم هذه الحقيقة، فإن المجتمعات الصناعية الحديثة مبنية على مجموعة لا نهاية لها من النماذج، تحدد بعض المتغيرات الرئيسية، التى تتضمن دائمًا عوامل كبيرة وواضحة لما سيحدث بعد ذلك، لكن الأحداث الصغيرة أيضًا مهمة: فمنها تأتى «البجعات السوداء».