الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

اختراق المجتمع الإسرائيلى بسيرة النبى محمد

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

- مؤلف من منطقة الجليل الأوسط كتب قصصًا استلهمها من أحاديثه صلى الله عليه وسلم 

- لا يوجد فى المكتبة الإسرائيلية كتاب واحد يحدث الأطفال عن الإسلام من زاوية إيجابية أو على الأقل زاوية محايدة

- اختار مؤلفه من خلال رسومات معبرة نشر مجموعة من القصص المكتوبة بأسلوب ولغة عبرية سهلة لتشجيع الأطفال على قراءتها

- الكتاب اسمه «قصص النبى محمد والتقاليد الإسلامية».. وأول نشر له كان فى عام 2021 باللغة العبرية

الكتاب ليس حديثًا، نعرف ذلك، لكن ليس معنى أنه ليس حديثًا أنه ليس موجودًا، كان أول نشر له فى العام 2021، اسمه « قصص النبى محمد والتقاليد الإسلامية»... ويمكن أن تحبس أنفاسك قليلًا، لأنك ستعرف الآن أنه صادر فى إسرائيل، كتبه صاحبه باللغة العربية، لكنه لم ينشره بها، بل انحاز إلى ترجمته إلى العبرية، لتكون النسخ الموجودة فى الأسواق الإسرائيلية منه بالعبرية فقط. 

لم يلتفت إلى الكتاب أحد من قبل، رغم أهميته، ورغم الدلالة التى يحملها، ولا يجب أن نجعلها تعبر دون أن نتوقف أمامها ونتأملها. 

لا نحاول النفخ فى الموضوع، ولكن الكتاب وكواليس إنتاجه تقول إننا أمام محاولة جادة لاختراق المجتمع الإسرائيلى بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. 

يقولون إن الكتاب يظهر من عنوانه، وعنوان الكتاب الذى بين أيدينا محايد تمامًا، لا تستطيع أن تعرف ما الذى يرمى إليه بمجرد مطالعته، تحتاج قليلًا إلى الانتظار، يمكن أن تنخدع بالتصدير الذى حرص مؤلفه أن يضعه فى صدر الكتاب، فقد طرح سؤالًا بسيطًا جدًا، قال فيه: متى كانت آخر مرة قمت فيها بعمل صالح أو ساعدت محتاجًا أو أشفقت على حيوان فقير». 

عنوان الكتاب المحايد فيما أعتقد كان مقصودًا، فمؤلف الكتاب فى الغالب كان يقصد ذلك، لم يكن يرغب فى استفزاز أحد، أراد فقط أن يقرأه الإسرائيليون وتحديدًا الأطفال دون أن يكون هناك موقف عدائى من الكتاب قبل الدخول إليه. 

لن تلتفت كثيرًا إلى أن سعر الكتاب حوالى ٥٨.٤ شيكل، أى ما يعادل نحو ١٦ دولارًا، حسب أحد المواقع الإسرائيلية المتخصصة فى عرض الكتب وبيعها، ولكن أعتقد أنك لن تستطيع تجاهل منهج الكتاب الذى اختار مؤلفه من خلال رسومات معبرة نشر مجموعة من القصص المكتوبة بأسلوب ولغة عبرية سهلة لتشجيع الأطفال على قراءتها، والعجيب أنه يقول إن هدفه هو تعريف الأطفال الإسرائيليين بأخلاق النبى محمد وقيم الإسلام. 

سنسير مع الكتاب فى طريق حسن النية ولن نغادره، وهو ما سيجعلنا نتعرف أكثر على ما جاء فيه. 

فالكتاب يحتوى بالأساس على عدة حكايات تستند إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهى حكايات بالأساس حول مساعدة الفقراء والمساكين وشكر الله على ما يمنحه للإنسان من نعم، وأهمية وضرورة التوكل عليه، وإلى جانب ذلك قصص تهتم بالإشارة إلى القيم الإسلامية التى تؤكد الرحمة بالناس والأطفال والحيوان. 

 

بإطلالة سريعة على كتب الأطفال فى إسرائيل سنكتشف أنه الكتاب الأول من نوعه على الإطلاق، فلا يوجد فى المكتبة الإسرائيلية كتاب واحد يحدث الأطفال عن الإسلام من زاوية إيجابية أو على الأقل زاوية محايدة، ونعتقد أن مؤلفه لجأ إلى القصة البسيطة؛ لأنه كان يريد الوصول إلى أكبر عدد من الأطفال فى إسرائيل، وأن يؤثر عليهم بقيم الإسلام، دون أن يلفت الإنتباه إلى أن يريد أن يفعل شيئًا محددًا.

الأمور لم تمر ببساطة بالطبع عندما صدر الكتاب فى العام ٢٠٢١، فقد أثارت قصص النبى محمد جدلًا كبيرًا فى المجتمع الإسرائيلى، فقد التقط بعض الكتاب الإسرائيليين مكمن الخطر القادم من هذا الكتاب، خاصة أن القصص المنشورة فيه، والتى تقدم قيم الإسلام وأخلاق رسوله صلى الله عليه وسلم مكتوبة بلغة عبرية بسيطة لا تحول بين القراء والفهم، بل والاقتناع بها، ولما كان المستهدف بهذه القصص هم الأطفال تحديدًا، فقد تزايد الشعور بالخطر الذى يحمله الكتاب. 

يمكننا أن نفتح الكتاب معًا لنتعرف على محتوياته عن قرب، ولن يكون غريبًا بالنسبة لك عندما تكتشف أن كل القصص الواردة فيه تعتمد على الأحاديث النبوية الموثوقة، فقد كان مؤلف الكتاب حريصًا على الاعتماد على أحاديث النبى الصحيحة، أو كما أشار هو، كان يعمل على الوصول إلى ما قاله النبى محمد بنفسه، بعيدًا عما نسبه إليه الآخرون. 

قصص الكتاب تشتمل على الآتى: 

القصة الأولى... «السحابة والفلاح الصالح»... وهى قصة عن سحابة أنزلت المطر لرجل صالح كان يوزع أملاكه دائمًا على الفقراء، وأكد المؤلف أن رسالة هذه القصة هى أن من يعمل خيرًا فله أجره عند الله. 

القصة الثانية.. الثلاثة العالقون فى الكهف».. وهى قصة معجزة عن حجر كبير سد الكهف على ثلاثة أشخاص، وحركته قوة الأعمال الطيبة والصادقة للأشخاص العالقين فى الكهف، وهدفها كما يقول المؤلف التأكيد على فكرة جواز الدعاء إلى الله، وأن نطلب منه المساندة فى أوقات الضيق التى نمر بها، وأننا يمكن أن نتشفع له بالأعمال الطيبة التى نقوم بها. 

القصة الثالثة.. «بائع الخمر والقرد».. وتحكى هذه القصة حكاية القرد الحكيم الذى عاقب الرجل غير الأمين الذى باع الخمر المخفف بالماء إلى زبائنه، ورغم أنه لا يجوز للمسلمين شرب الخمر، إلا أن القصة تخبر الأطفال أن البائع الذى باع زجاجات الخمر الممزوجة بالماء لم يحصل على نصف الربح بسبب خداعه، وهو يحاول غرس قيمة الأمانة والبعد عن الغش. 

القصة الرابعة.. «عمل قليل أجره كبير».. فى هذه القصة نتعرف على حكاية امرأة فقيرة تصدقت بثلاث تمرات، وتصدقت بتمرة لابنتيها، وعندما أرادت أن تأكل رفيقاتها طلبت الفتيات المزيد، فلم تفكر فيما لديها، بل قسمته إلى نصفين وأعطته لهن، فوعدت هذه المرأة بالدخول إلى الجنة، رغم أن الخير الذى قامت به صغير لا يكاد يذكر. 

هذه فقط نماذج فقط من القصص التى وردت فى الكتاب، ورغم أن القيم التى تعكسها هذه القصص فى النهاية قيم إنسانية، ويمكن أن نعثر عليها فى كل الأديان، فالأديان مصدرها واحد، والقيم التى تسعى إلى ترسيخها واحدة، فمصدرها واحد من عند الله، إلا أن ربطها بالإسلام وبالنبى محمد على وجه الخصوص هو ما أزعج البعض فى مصر. 

لقد تجاهلنا كثيرًا مؤلف الكتاب؟ 

أعتقد أننا لم نفعل ذلك عمدًا، بل كنا ندخر قصته وكما يقف وراءه، حتى نتعرف على الكتاب وما جاء فيه. 

مؤلف الكتاب القصصى اسمه « هارون تخاوكو» عمره الآن ٤٢ عامًا، وهو من سكان «كفر كما»، التى تقع فى منطقة الجليل الأوسط، متزوج ولديه أربعة أطفال، عمل لفترة من حياته صحفيًا ومحرر محتوى، من يعرفونه يؤكدون أنه يحب القراءة ويجعل من الكتب عالمه، يكتبها ويترجمها، ويبذل فى هذا نشاطًا كبيرًا، والآن لديه موقع محلى يعرض عليه أخبار الإسلام، ويهتم بعرض أفكاره بشكل موسع، وإلى جوار هذا النشاط الإعلامى، يقوم بنشاط اجتماعى ملحوظ، فهو يسعى إلى مساعدة المجتمع المسلم فى البلدة التى يسكنها «كفر تخاوكو». 

لكن ما الذى دفع « هارون» إلى كتابة هذا الكتاب القصصى تحديدًا؟ ما الذى يريده من ورائه؟ 

فى السيرة المهنية التى يحملها هاورن يمكننا أن نعرف أنه من خلال نشاطه الصحفى والاجتماعى يبذل جهدًا كبيرًا ليصل إلى مزيد من الاندماج بين المجتمعين العربى والعبرى فى إسرائيل.. يريد أن يجعل من وجود المسلمين طبيعيًا فى المجتمع الذى يتعامل مع المسلمين بعنصرية واضحة. 

هارون نفسه تحدث، فى إحدى المقابلات الصحفية التى أجريت معه بعد صدور الكتاب قال: إن جيل الشباب فى المجتمع العربى يدعو إلى الاندماج مع نظيره الإسرائيلى، ولذلك فهو يتحدث باللغة السائدة فى البلاد. 

ويضيف هارون: بما أنه من المهم بالنسبة لى أن يقترب الأطفال من النبى محمد، أدركت أن إحدى أفضل الطرق للقيام بذلك ستكون باللغة العبرية، ومن ثم عملت على ترجمة قصص الأنبياء، لا سيما قصص النبى محمد إلى اللغة العبرية، وأنا أرى أن للنبى محمد أهمية كبرى، فهو فى النهاية آخر الأنبياء وأهمهم. 

كان الاهتمام بما فعله هارون كبيرًا، لذلك كان الإنصات له مهمًا، تحدث عن الرسائل التى أراد توصيلها إلى الأطفال من خلال كتابه القصصى، بأنها بالأساس رسائل بالإنسان بغض النظر عن جنسيته أو عقيدته أو مذهبه، فالإنسان هو الأحق بالاهتمام، خاصة أن الصراعات التى تأكل الأخضر واليابس الآن فى العالم وليس فى إسرائيل فقط لها أساس دينى طوال الوقت. 

ويتابع هارون: أنا أعلم أطفالى بهذه الطريقة أيضًا، من المهم بالنسبة لى أن أعلمهم هويتهم وعاداتهم وجذورهم، ومن ناحية أخرى قبول الآخرين أيضًا، وأعتقد أن الجميل فى مجتمعنا هو أننا نعرف كيف ننسجم مع الجميع، فالقصص الموجودة فى الكتاب تنقل أمثالًا مع الأخلاق بلغة بسيطة وطلاقة يمكن لكل طفل أن يتعلمها ويفهمها، وأهمها اللطف وقبول الاختلاف ومساعدة الآخرين وكرم الضيافة والرضا بالقليل وحب الطبيعة والإنسان. 

ويستكمل هارون رؤيته، فهو يريد أن يقول للأطفال من خلال هذه القصص إن الإنسان لا يمكنه أن يصل إلى هدفه ولا يمكن أن يحقق ما يسعى وراءه فى الحياة لو اعتمد على الحيل والأكاذيب. 

القصة تكتمل بما قاله هارون أيضًا عن ظروف إنتاجه كتابه القصصى، يقول: تأليف الكتاب وتحريره استغرق نحو ٧ أشهر، ودفعنى إلى إنجازه أننى عثرت على مئات الكتب التى يتداولها الأطفال، لكن لم يكن من بينها كتاب واحد يتحدث عن الإسلام بالصورة التى أعرفها. 

قرر هارون أن ينتج الكتاب، قرأ الأحاديث جيدًا وفهمها واستخرج منها الرسائل التى يريدها أن تصل إلى الأطفال، وبعد أن انتهى من الكتابة بحث عن رسام أنجز له المهمة، فقد كانت الرسومات مهمة ليصل المعنى إلى الأطفال بشكل أسرع، وبعد أن انتهى من الكتابة والرسومات، ترجم النص إلى العبرية، ثم تقدم به إلى ناشر، والمفاجأة أنه لم يجد أى معارضة أو رفض، وهكذا نشر الكتاب. 

لم يلق كتاب هارون ترحيبًا كبيرًا فى إسرائيل بالطبع، بل ما جرى أنه تمت محاصرته، فلا يعنى أنه نجح فى نشر الكتاب، ولا يعنى نزوله إلى السوق الإسرائيلية وتداول الأطفال له، أن تتاح له فرصة الانتشار والتأثير، فقد اعتبر بعض العاملين فى سوق النشر الإسرائيلية أن الكتاب بمثابة اختراق ناعم بسيرة النبى محمد للمجتمع الإسرائيلى، وأنه استهداف واضح للأطفال بهدف التأثير عليهم، ولم يلتفت أحد إلى ما قاله هارون عن كتابه بأنه يسعى من خلاله إلى زيادة الاندماج فى المجتمع الذى يعيش فيه.