الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

صدمات وسيم السيسى.. الصلاة والزكاة والصوم والحج فى «مصر القديمة»

وسيم السيسي
وسيم السيسي

- المصريون القدماء كانوا يحجون إلى أبيدوس بسوهاج حيث قبر أودوريس وإلى الجزيرة حيث الكعبة التى بناها إدريس المصرى

- الصوم كان من الفجر حتى غروب الشمس والهدف «مسح الذنوب» و«غفران الخطايا»

هل تتخيل أن المصريين القدماء عرفوا «الإله الواحد» قبل الدنيا كلها.. وأنهم كانوا يصلون ويصومون ويزكون بل ويحجون البيت؟!.. ولا تندهش عندما تعرف أن عقيدتهم بُنيت على «خمس» وسميت بـ«العقيدة الخماسية».

هذا وأكثر يكشفه الدكتور وسيم السيسى، عالم المصريات، فى كتابه «المسكوت عنه فى التاريخ»، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، وفيه يحاول أن يعيد كتابة التاريخ المصرى دون انتقاء أو تزييف، واصفًا ما يقدمه بأنه «مسكوت عنه»، ومعنى هذا أنه «مسكوت عنه بالنسبة للغالبية العظمى من الشعب المصرى، ولكنه معروف لدى قلة قليلة من المتخصصين».

«حرف» تسلط الضوء هنا على بعض مما جاء فى الكتاب المهم، مع التركيز على «الجانب الدينى» فى مصر القديمة.

أجدادنا كانوا يقولون «الله واحد أحد ليس كمثله شىء» و«الإله خالق نفسه بنفسه»

يبدأ الدكتور وسيم السيسى من «عقيدة التوحيد» فى مصر القديمة، فيذكر أن المصريين القدماء كانوا يؤمنون بالإله الواحد، وكان يقولون: «الله لا يمكن معرفة اسمه، لأنه فوق إدراك عقول البشر»، وكانوا يصفونه بصفات مثل «آمون» بمعنى الباطن، أو «رع» بمعنى الظاهر، أو «بتاح» بمعنى الخالق.

ويستشهد بما هو مكتوب فى معبد إسنا أن «بتاح خالق نفسه بنفسه»، بل إن أجدادنا كانوا يقولون «نتر واع واعو نن سنو إف» أى «الله واحد أحد ليس كمثله شىء»!

وكانت ربة السماء «نوت» ملتحمة برب الأرض «جب»، فخلق الإله رب الهواء «شو»، فتفتق الماء عن الأرض، وخلق الإله النون الأزلى «ننو» أى «الماء»، ثم خلق لوتسة زرقاء فبزغ منها قرص الشمس «نفرتوم» أى كاملة الأوصاف.

والمفاجأة أنه كان من أسماء الإله «خنوم» أى خالق البشر، وقد أنجب أبوالسلالة البشرية وهو «آتوم» أخوين وأختين، قتل أحدهما وهو «ست» أخاه «أوزوريس»!

ونجد فى كتاب الموتى، وتحديدًا الفصل ١٧، أن «رع» هو «أوزير» و«أوزير» هو «رع»، وكان «أوزير» هو رب الموتى، وكان المتوفى يحاكم أمام محكمة العدل الإلهية بواسطة ٤٢ قاضيًا، وفى الميزان نجد القلب فى كفة، وريشة العدالة فى الكفة الأخرى، لمعرفة من خفت موازينه ومن ثقلت موازينه.

فمن كان طاهر اليدين نقى القلب فتحت له أبواب «يارو» أى «الجنة»، حيث يجد أنهارًا من عسل وماء زلال وخمر مقدس، ومن كان شريرًا يلتهمه وحش كاسر اسمه «عم موت».. و«عم» أى «يلتهم»، و«موت» يساوى «الميت».

المصريون القدماء كانوا يصلون بعد الوضوء.. والأذان كان يقول «حى على الصلاة»

إذا كان المصريون مؤمنين بـ«التوحيد» فكيف كان الدين عندهم من الأساس؟

كلمة «دين» كلمة مصرية قديمة جاءت من «دى» أو «ديو» المصرية ومعناها خمسة، والنون معناها عقيدة «النون الأزلى».

ومن هنا يكون معنى كلمة «دين» العقيدة الخماسية، وكانت أركان هذه العقيدة هى:

- التوحيد

- الصلاة بعد الوضوء

- الصوم 

- الحج 

- الزكاة 

وقبل أن تستغرب يؤكد الدكتور وسيم السيسى أن أجدادنا كانوا يوحدون الله، فنجد على «متون الأهرام»: «الله واحد أحد ليس له ثان»، كما نجد نصًا يقول: «أنا الإله واحد أحد موجد نفسى بنفسى، وليس مثلى أحد».

أما الصلاة فكانت بعد الوضوء، وبيت الوضوء فى اللغة المصرية القديمة «بر» أى «بيت»، «ضوا» أى «الوضوء»، وهناك جدارية للملك مينا ذاهبًا إلى «البر ضوا» أى «بيت الوضوء»، ووراءه خادمه يحمل له «إبريق ماء».

وكانوا يدعون إلى الصلاة «حى على الصلاة»، وكلمة «حى» معناها «قم وانهض»، وكانوا يتجمعون صفوفًا وراء بعضهم بعضًا، وأمامهم واحد اسمه «إمم»، وهى كلمة مصرية قديمة معناها «إمام»، والجدارية معروضة فى متحف اللوفر بباريس. وكان المصريون يصلون وأذقانهم للأرض وليس جباههم، حتى يواجهوا الإله بوجوههم، وقد جاء ذكرهم فى القرآن الكريم فى الآية ١٠٧ من سورة الإسراء «إذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا»!

أجدادنا كانوا يصومون أيضًا، وكلمة «صوم» جاءت من كلمة مصرية «صاو»، أى يمتنع عن طعام أو شراب أو كلام، وكانوا يصومون من الفجر حتى غروب الشمس، ثلاثون يومًا.

والمفاجأة الأكبر أن أجدادنا كانوا يحجون، والحج كلمة مصرية معناها «النور» أو «الضياء»، وكلمة «كابا» كلمة مصرية دخلت الإنجليزية فأصبحت «cube» أى «مكعب»، كما دخلت العربية فأصبحت «كعبة».

أما كلمة «آز» فهى كلمة مصرية معناها «المتجه إلى»، وقد دخلت العربية فأصبحت «اجتاز» أو «يجتار»، فإذا وضعنا كلمة «حج» إلى جوار «آز» تصبح «حجاز» أى «المتجه إلى النور».

ووفق الدكتور وسيم السيسى فإن «الأجداد» كانوا يحجون إلى أبيدوس فى جنوب سوهاج حيث قبر أودوريس - النطق المصرى القديم الصحيح لكلمة أوزيريس – وإلى الجزيرة حيث الكعبة التى بناها إدريس ٥٥٠٠ قبل الميلاد، والذى جاء ذكره فى القرآن الكريم (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا)».

أما كلمة «ماعو» فهى كلمة مصرية معناها الزكاة، وهذه الكلمة جاءت فى القرآن الكريم «ويمنعون الماعون»، و«النون» معناها «عقيدة» أو «شعيرة دينية»، ومن ثم يكون معنى الآية «يمنعون الزكاة»، كما جاء فى تفسير ابن كثير.

الصوم 30 يومًا يمتنعون خلالها عن الطعام أو الشراب وحتى الكلام

بتفصيل أكثر تحدث الدكتور وسيم السيسى عن الصوم، وينطلق من الآية ١٨٣ من سورة البقرة «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم».

ثم يسأل: «من هم الذين من قبلنا؟».

ويجيب ناقلًا عن هيرودوت أن «المصريين يصومون»، وعن المؤرخ الإسلامى أحمد شلبى أن «المصريين القدماء عرفوا الصوم». ويقول هو أن كلمة «صوم» كلمة مصرية قديمة من مقطعين؛ «صاو» بمعنى كبح أو حبس أو منع، والمقطع الثانى هو حرف «الميم» بمعنى «عن»، فيكون معنى الكلمة هو «امتنع عن الطعام أو الشراب أو حتى الكلام».

وفى سورة مريم الآية ٢٦ «إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا»، وقد فسرها ابن عباس «صومًا أى صمتًا».

ومن أهداف الصوم الكفارة، أى التكفير عن الذنوب والخطايا، قال تعالى «فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم».

وكلمة «كفارة» كلمة مصرية قديمة بمعنى غطى أو أخفى أو مسح، ودخلت هذه الكلمة المصرية للعبرية والعربية، بل الإنجليزية وهى Cover، فالكفارة إذن هى مسح الذنوب أو غفران الذنوب، وتذكر لنا دائرة معارف الدين أن الصوم كان كفارة من أعراف القدماء المصريين لمسح الخطايا وغفران الذنوب.

ويبين وسيم السيسى أن اليهودية لم تعرف الصوم إلا يومًا واحدًا، فرضه القاضى صمويل «كفارة» عن عباداتهم لآلهة عديدة.

والمسيحية لم تفرض صومًا إلا تشبهًا بالسيد المسيح، الذى صام أربعين يومًا.

والصابئة المندائيون الذين أخذوا الدين عن إدريس المصرى، عليه السلام، كانوا يصومون ثلاثين يومًا، وكان شهر رمضان بالتحديد!

ويستشهد بـ«ابن حزم» الذى قال، فى «الملل والنحل» الجزء الأول صفحة ٣٤، «والصابئة يصومون شهر رمضان».

وكان شهر رمضان يبدأ عند رؤية الهلال، وكانوا يغنون «وحوى يا وحوى» ترحيبًا بمقدم شهر الصوم، كما يذكر د. أحمد شلبى فى مؤلفه «مقارنة الأديان».

أما ليلة القدر فقد كانت عند العرب قبل الإسلام، وفق تفسير ابن كثير، كما كانت عند الصابئة المندائيين، وهم كما قلنا أخذوا كل معارفهم الدينية من الديانة المصرية القديمة، بل كان لديهم عيد كبير، وهو عيد من يومين، والليلة التى بينهما هى ليلة القدر.

عرفوا الثواب والعقاب والجنة والنار.. والدليل «بردية الحكيم آنى»

كما كان لمصر القديمة «السبق الدينى» فى «التوحيد»، كانت رائدة فى الأخلاق أيضًا، والدليل هنا «بردية الحكيم آنى»، وهى بمثابة «قانون الأخلاق»، متضمنًا الثواب والعقاب «الجنة والنار».

وجدت هذه البردية سنة ١٨٨٠ م، وكانت فى حوزة أسرة عبدالرسول، وسمع بها عالم المصريات البريطانى والاس بادج، وكان معروفًا عنه أنه لص آثار.

يقص علينا بريان فاجان فى كتابه «اغتصاب النيل» قصة هذه البردية، التى يبلغ طولها ٢٤ مترًا وعرضها حوالى ٤٠ سم، وهى بالغة الروعة، ولوحاتها بالألوان الزاهية الطبيعية.. وقد اشتراها «والاس» وخبأها فى مخزن ملاصق لحديقة فندق الأقصر.

غير أن السلطات المصرية سمعت بهذه البردية، فجاءت الشرطة وشمعت المخزن بالشمع الأحمر، لكن «والاس» اتفق مع عمال ألبسهم ملابس عمال حدائق، تظاهروا بالعمل فى حديقة الفندق، وعند المساء حفروا سردابًا تحت المخزن من الجهة الخلفية، وسرق «والاس» البردية، وأرسلها للميناء البحرى بالإسكندرية، الذى كان لا يخضع للسلطات المصرية، ومنه أرسلت لمتحف البريطانى، وهذه البردية التى دونت من ٣٣٥٠ عامًا محفوظة بالمتحف البريطانى تحت رقم ١٠٤٧٠.

البردية أو كتاب «قانون الأخلاق» كان بمثابة التوارة أو الإنجيل أو القرآن، لذا كانت توضع فى قبر المتوفى، وفيها نجد «الاعتراف الإنكارى للمتوفى».. ومنها نقرأ:

- أنا لم ألوث مياه النيل.

- أنا لم أرتكب إثمًا.

- أنا لم أسرق.

- أنا لم أقتل الناس «يتولها مرتين».

- أنا لم أكذب.

- أنا لم أسبب أى كآبة لغيرى.

- أنا لم أزن.

- أنا لم أشته زوجة جارى.

- أنا لم أسبب البكاء لأحد..

- أنا لم أغش فى الميزان.

- أنا لم يرتفع صوتى على أحد.

- أنا لم أسبب شقاءً لحيوان.

- أنا لم أعذب نباتًا بأن نسيت أن أسقيه ماء.

ثم يسأل القاضى روح المتوفى عن الإيجابيات، فيذكر ٤٢ إيجابية منها:

- كنت عينًا للأعمى.

- ويدًا للمشلول.

- ورجلًا للكسيح.

- قلبى نقى ويداى طاهرتان.

وهنا يعلن» تحوتى».. رب المعرفة.. «الأوزير» أى «المرحوم».. قلبه نقى ويداه طاهرتان من أى إثم!

ثم يقول أوديريس رئيس المحكمة «محاكمة الروح»:

يكتب اسم الأودير – النطق المصرى القديم الصحيح لكلمة الأوزير – فى سفر الحياة، وتفتح له أبواب «يارو» أى الجنة حيث يجد:

- أنهارًا من ماء زلال

- أنهارًا من عسل مصفى 

- أنهارًا من خمر مقدسة 

- سنابل قمح من ذهب.

أما إذا كان المتوفى شريرا يقول أوديريس:

يمسح اسم المتوفى من سفر الحياة، ويلقى إلى «عم موت»، وهو الوحش الكاشر الذى تحدثنا عنه.