البقرة المقدسة.. عن الذى لا يريد أن يفهمه حزب الدكتور مغيث
حكاية التنكيل بثوار يناير أصبحت نكتة إلا إذا كان مغيث يعتبر عقاب المخالفين للقانون تنكيلًا
بعد يناير تحول الإعلام إلى وسيلة من وسائل غسيل الأموال
ما يطالب به فى الحبس الاحتياطى يتحقق على الأرض فما الذى يجعله يعود بنفسه إلى المربع صفر
مغيث يجيد فن التنظير دون أن يلتفت إلى ما يحدث على الأرض
من بين المداخلات المهمة فى جلسات الحوار الوطنى التى تابعتها بحرص شديد، كانت مداخلة الأكاديمى والخبير التربوى وعضو المركز القومى للتعليم الدكتور كمال مغيث.
مغيث الذى تحدث أمام لجنة التعليم فى الحوار الوطنى طالب بربط التعليم بمشروع وطنى تنويرى يؤسس للمواطنة، وألح على أهمية الوفاء بنصيب التعليم من إجمالى الدخل القومى، معلنًا أن التعليم لا يحصل بالفعل إلا على نصف مخصصاته.
كان مغيث واضحًا فى مطالبته برفع وصاية البنك الدولى عن عدم تعيين المعلمين فى مدارس التعليم الحكومى، فلا يليق التعامل مع المعلمين الذين هم أساس العملية التعليمية بالتعاقد أو التطوع.
ومن أرضية اهتماماته التى أنفق مغيث عليها معظم عمره بين الجامعات ومراكز الأبحاث، واجه الجميع بأن المعلمين فى مصر هم أفقر معلمى الأرض، فرواتبهم لا تتجاوز قيمتها ٨٠ دولارًا، وطالب بزيادة الرواتب بحيث لا تقل عن ٥ آلاف جنيه.
يتحدث كمال مغيث طوال الوقت بحماس، يعبر عن قضيته بشجاعة، يعلن ما يعتقد أنه صحيح دون خشية أو حسابات، وهو ما يجعلنى أتابع ما يكتبه أو يصرح به باهتمام شديد، فهو وطنى مخلص لا يبغى إلا الإصلاح ما استطاع إليه سبيلًا.
لكن من قال إن كل ما يقوله كمال مغيث هو دائمًا الحق؟
فى جلسة لجنة التعليم كان الدكتور محمود أبوالنصر، المقرر المساعد للجنة، حاضرًا، وأبوالنصر كان وزيرًا للتعليم من ١٦ يوليو ٢٠١٣ إلى ٥ مارس ٢٠١٥، وبحكم المنصب والاقتراب من كواليس العمل الميدانى فى مجال التعليم علق على ما قاله مغيث وغيره بقوله: مصر مش وحشة.. عندنا أساس كويس عايزين نبنى عليه.. أنا كنت فى المطبخ وشايف، والحوار لا بد أن تنتج عنه نتائج التخطيط السريع والمتوسط وطويل المدى، وأن تكون قابلة للتنفيذ والتمويل.
لماذا أتذكر هذه الواقعة التى جرت فى مايو العام ٢٠٢٣ الآن؟
لماذا أذكركم بما قاله مغيث؟
ولماذا أثبت رد الدكتور محمود أبوالنصر؟
كان الزملاء فى جريدة «الدستور» قد قرروا عمل أكبر استطلاع للمثقفين والمفكرين عبارة عن سؤال واحد هو: ما الذى يريده المثقفون من الرئيس فى الولاية الجديدة؟
كان الدكتور مغيث واحدًا من بين من حصل شباب الدستور على مداخلاتهم، وهى المداخلات التى نشرت جميعًا، ولم تنشر مداخلة الدكتور مغيث التى كنت قرأتها جيدًا، وكنت من قررت عدم نشرها.
ورغم أننى لست مطالبًا بإعلان سبب عدم النشر، فهذا أمر، كما يعلم الدكتور مغيث وهو رجل احترف التعامل مع الإعلام منذ سنوات، لكننى سأقول لكم وللدكتور مغيث السبب، فقد قررت عدم نشر ما قاله لأننا فى «الدستور» وببساطة لا ننشر مغالطات.
استعمل الدكتور مغيث حقه فى نشر رأيه، استخدم صفحته على الفيسبوك لإعلان ما قاله، بعد أن قدم بين يديه بمقدمة كشف فيها عن كواليس ما جرى.
فقد اتصل به صحفى شاب من صحيفة «الدستور» ليقول له: إحنا بنعمل فى الصحيفة ملحق بعنوان: ماذا يريد المثقفون من الرئيس بمناسبة ولايته الجديدة؟، ولو سمحت ممكن تشاركنا بمقال فى حدود ٣٠٠ كلمة.
يقول مغيث : ولأنى لم أتعود أن أتأخر على صحفى أو صحيفة يطلب رأيى فى قضية وأعتبر أن هذا من واجبى، فقد أرسلت المقال المطلوب، وبعد يومين اتصلت بالصديق الذى طلب المقال أسأله عن الرابط لأقرأه منشورًا، فقال لى: والله يا دكتور مش عارف أعتذر لحضرتك إزاى لأن ما كتبته لم ينل حظ النشر، فقلت له: ولا يهمك يا صديقى، سأنشره على صفحتى.
انتهت مقدمة الدكتور مغيث، وقد كشف دون أن يقصد ما حدث، فقد كان زميلنا الصحفى الذى تواصل معه أمينًا ودقيقًا، ولا أدرى كيف فات على التربوى الكبير ما قصده زميلنا؟ فقد قال له إن ما كتبه لم ينل حظ النشر، ولم يقل له إن ما كتبه رفض أو تم حظره.
وقد يسابق الدكتور مغيث سطورى ويقول: ما الفارق بين «لم ينل حظ النشر» و«منع من النشر»؟ فالنتيجة فى النهاية واحدة وهى أن ما كتبه لم ينشر ولم يطلع عليه القراء.
الفارق بالطبع كبير، فمنع النشر معناه أن ما كتبه الدكتور مغيث وجهة نظر تختلف مع سياستنا التحريرية وقد تعمدنا عدم النشر لإقصائه ومنع صوته من الوصول إلى الناس، لكن كون ما كتبه لم ينل حظ النشر، فلأننا رأينا أن ما كتبه ليس رأيًا ولكنه نوع من التضليل الذى يفارق الواقع ويخاصم الحقائق التى يبدو أن الدكتور يعمى عينيه عنها إما عمدًا وإما كسلًا وإما عن فلسفة عامة ينتهجها كبار مثقفينا، وهى أنهم يتحدثون عن واقع لا يراه غيرهم متجاهلين ما يحدث على الأرض، يتمسكون بما يعتقدون أنه صحيح، ويرفضون ما سواه، ولذلك فليس علينا أن نتحمل عبء تضليله، وكونه نشر كلامه على صفحته فهو يتحمل وزر تضليله وحده.
وحتى لا يكون كلامى مرسلًا، فيتهمنى الدكتور مغيث بالتضليل، فإننى سأعيد ما أرسله لنا ونشره على صفحته، ليس اقتناعًا بما كتب، ولكن لأظهر لحضراتكم ما فيه من تضليل ومخاصمة للواقع ومعاندة للحقائق.
تحت عنوان: ماذا يريد المثقفون من الرئيس؟ يقول الدكتور كمال مغيث:
أولًا: أعتقد أن أول ما يريده المثقفون من الرئيس هو الالتزام بالدستور الذى يعد أساس الحكم فى كل بلاد العالم الحديث، فلا يعقل أن لا يترك الرئيس مناسبة إلا وكال الاتهامات لثورة يناير العظيمة واعتبارها أنها السبب المباشر فيما نعانيه من ويلات، رغم أنها السبب المباشر فى وصول الرئيس إلى سدة الحكم، ورغم أن الدستور الذى أقسم الرئيس على احترامه يعتبرها «ثورة فريدة بين ثورات العالم الكبرى»، ومن هنا لا بد من توقف التنكيل بثوار يناير، بينما يترك لصوص مبارك أحرارًا يتمتعون بما نهبوه من أموال الشعب.
ثانيًا: ويريد المثقفون من الرئيس تغيير القوانين المعيبة التى تسمح باستمرار الحبس الاحتياطى لسنتين دون توجيه اتهام لمواطن برىء.
ثالثًا: ولا يعقل فى دولة حديثة غياب الشفافية فيما يتعلق بأموال الشعب، فليس من حكم الدستور ولا من الشفافية الحديث عن أن العاصمة الإدارية لم تكلف ميزانية الدولة جنيهًا، وكأن هناك أموالًا طائلة تفعل وتبنى ولا يعرف الناس مصدرها وطريقة إدارتها.
رابعًا: كما تغيب الشفافية تمامًا فى صفقات بيع أصول الدولة من أراض ومصانع وفنادق ولا أحد يعرف ما القوانين التى تباع بها تلك الأصول ولا الأجهزة الرقابية التى تتابع وتراقب وتضمن ثروة الشعب.
خامسًا: ولا يعقل فى دولة حديثة أن تغيب عنها الأجهزة الرقابية والتشريعية، فمجلس الشعب لم يتكون نتيجة حريات سياسية ومعارك سياسية كان الشعب هو العنصر الحاسم فيها وإنما أعد على أعين أجهزة الأمن لكى يكون مجرد ديكور حديث لدولة حديثة، بينما يغيب تمامًا دوره الذى حدده الدستور.
سادسًا: كما يريد المثقفون إعلامًا حرًا يناقش وينتقد ويطرح البدائل، لا إعلامًا حكوميًا موجهًا تسيطر عليه أجهزة الدولة.
سابعًا: كما يريد المثقفون توجهًا واضحًا من الحكم لسياسة عدالة اجتماعية واضحة المعالم فلا يعقل فى الوقت الذى تقيد فيه الحركات العمالية والنقابية والجماهيرية وتسيطر فيه الحكومة على سياسات الأجور أن يترك غالبية الناس لآليات السوق الرأسمالية التى لا ترحم.
ثامنًا: وأخيرًا كخبير تربوى نريد من الرئيس مشروعًا وطنيًا للنهوض بالتعليم، فلا بد من التزام الدولة بالنسبة المالية التى قررها الدستور للتعليم قبل الجامعى والجامعى والبحث العلمى والتى تبلغ فى مجملها ٧٪ من إجمالى الناتج القومى، ولا بد من إلغاء المصروفات فى المدارس الحكومية والتى بناها الشعب بأمواله بالمخالفة للدستور الذى ينص على مجانية التعليم فى مؤسسات الدولة ولا بد من أن يحصل المعلم على دخل يسمح له بحياة كريمة والتفرغ لمهنته السامية، ولا بد من الانعتاق من سياسة البنك الدولى التى ترفض تعيين المعلمين حتى أصبحت مدارسنا تعانى عجزًا يزيد على ٤٠٠ ألف معلم.
يمكن أن يجد الدكتور كمال مغيث من يصفق له، على اعتبار أنه قال ما لم يقله أحد، أو أنه أمسك بما لم يمسك به أحد، رغم أن النقاط الثمانى التى ذكرها لا تخرج عن كونها مجرد خطاب عشوائى يطلقه أصحابه دون أن يكونوا على دراية بما يحدث على الأرض فى مصر، فالخلط واضح، وتجاهل المعلن واضح، وتعمد عدم الرؤية واضح أيضًا.
وحتى نكون جميعًا على بينة بما سأقوم به، فسوف أناقش الدكتور مغيث فيما قاله، ليس لأنه يقوله وحده، ولكن لأن هناك من اعتبرهم حزبًا من المغيبين عن الواقع يرددون كلامه، ويعتبرون أنفسهم تأسيسًا على ذلك من المعارضين الأشداء الذين يمسكون بالإدارة المصرية متلبسة فى ميدان عام، يكشفون عورتها ويسقطون عنها ورقة التوت التى تستر نفسها بها.
القضية الأولى.. ثورة يناير
يذهب مغيث إلى أن الرئيس يخالف الدستور الذى يعتبر ثورة يناير ثورة فريدة بين ثورات العالم الكبرى، وأنه لا يترك مناسبة إلا وكال لها الاتهامات، وفى ترديد سمج يذهب إلى أنه لولا ثورة يناير ما وصل الرئيس إلى الحكم.
هذا فى الحقيقة كلام يليق بمراهقى السياسة، ولا يليق أبدًا بكاتب وأكاديمى وخبير تربوى، ولو كان منصفًا لقال إن الرئيس السيسى وصل إلى الحكم بسبب فشل ثورة يناير وفشل من قاموا بها، هؤلاء الذين فرطوا فيها بعد أن حماها الجيش وتركوها فريسة سهلة انقضت عليها جماعة الإخوان وأخذتها فى طريقها دون أن تلقى بالًا لمن شاركوا فيها، بل استخدمتهم وجعلت منهم مطايا لتصل إلى الحكم.
ثم ما هذا الخلط الهائل الذى يمارسه كمال مغيث؟
يقول إن الرئيس لا يترك مناسبة إلا وكال فيها الاتهامات لثورة يناير، ولا أدرى أين سمع مغيث هذا الكلام، وما دليله على ما يقوله؟
سيقول إن الرئيس يتحدث كثيرًا عن ثورة يناير، وعما حدث فى ٢٠١١، ويتوعد بأن ما حدث لا يمكن أن يتكرر أبدًا، ويلقى باللوم والتبعة فى أوضاعنا الاقتصادية والسياسية على ما حدث فى يناير، وسيعتبر أن هذا هو دليله على ما يقوله، ثم ينتظر منا تصفيقًا هائلًا لما توصل إليه.
لن نصفق للدكتور مغيث، بل نتهمه بالتضليل الكامل، فهو لا يستطيع التفريق بين ثورة يناير ومآلاتها.
يعتز الرئيس السيسى بثورة يناير كحدث، وأعتقد أن مغيث يتذكر كيف ساند الجيش الثورة وحمى الثوار، بل وحال بينها وبين انتقام نظام مبارك عندما أعلن المجلس العسكرى فى بيانه الأول أنه يقف إلى جوار مطالب الشباب المشروعة، ولا يزال من شاركوا فى الثورة يتذكرون لقاءاتهم بقيادات القوات المسلحة وعلى رأسهم الرئيس السيسى، وهى اجتماعات كان القادة يستمعون فيها إلى الشباب، ويقدمون لهم الدعم ليتحملوا المسئولية، لكنهم لم يجدوا أمامهم من هم على قدرها، بل مجرد شباب لا يعرف عن المسئولية شيئًا.
لا يُدين الرئيس السيسى الثورة أبدًا، ولكنه يُدين المآلات التى انتهت إليها، يعيب على النتائج التى أسفرت عنها، يحذر من تكرار فعل عانينا منه جميعًا وما زلنا نعانى، وهو ما لا يريد مغيث وغيره أن يعترفوا به أو يقروه، رغم أنه الحق، فالدولة الرسمية لا تزال تحتفل بذكرى الثورة، وعندما جرى تعديل للدستور لم يقترب أحد من ديباجته التى كتبها الشاعر سيد حجاب، والتى تؤكد احترام وتقدير الثورة.
هناك فارق كبير يا دكتور مغيث بين الحدث النبيل الذى شارك فيه ملايين المصريين وحلموا من خلاله بالتغيير وسانده الجيش لقناعته به، وبين نتائج كارثية أكلت فى طريقها الأخضر واليابس، فكيف نلوم الرئيس وهو يحذرنا من أن نلقى بأيدينا إلى التهلكة.
الخلط الكبير الذى سقط مغيث فى فخه كان فى ادعائه أنه يتم التنكيل بثوار يناير لحساب من أسماهم لصوص مبارك، وحكاية التنكيل بثوار يناير أدشصبحت نكتة، إلا إذا كان مغيث يعتبر عقاب المخالفين للقانون تنكيلًا، وتطبيق القانون على من يتجاوزون فى حق الدولة وإشاعة أخبار كاذبة وتحريض على الدولة تنكيلًا.
يقول مغيث ذلك دون أن يقول لنا هل يحترم القانون ويحترم الدولة أم يريدها فوضى تضرب فى كل مكان؟ أعتقد أن المثقف الكبير والأكاديمى المرموق والخبير التربوى المبدع لا يمكن أن يسير فى ركاب دعاة الفوضى... ولهذا فأنا أتعجب مما يقوله.
ثم كيف يخالف الدكتور مغيث ما تربى عليه من تقديسه لحرية الرأى والتعبير، فحتى لو كان هناك انتقاد لثورة يناير، فهل الانتقاد جريمة؟ هل تحولت ثورة يناير إلى بقرة مقدسة من يقترب منها يدخل النار؟ هل تحولت إلى حرم مصون لا نناقشه ولا ننتقده ولا نعيد النظر فيه؟
هذه أسئلة أعتقد أن الدكتور مغيث لا بد أن يجيبنا عليها.
القضية الثانية.. الحبس الاحتياطى
لا أقبل أى شىء يمس كرامة الإنسان، ولا يمكن أن يقر أحد قوانين معيبة تمس حرية الإنسان وتحرمه من حقوقه، ولا يقبل أحد بذلك على الإطلاق، ولو كان مغيث منصفًا لقرأ ما يتعلق بمسألة الحبس الاحتياطى، فهى ليست بدعة ابتدعتها الإدارة الحالية، ولكنها ميراث من عهود سابقة كان يحتاج إلى جهد كبير لإصلاحه.
ففى سبتمبر الماضى صرح الدكتور عمرو هاشم ربيع، عضو مجلس أمناء الحوار الوطنى، بأنه ستتم مناقشة قضايا الأحزاب ودعم حرية الرأى والتعبير وقضية الحبس الاحتياطى، وأشار إلى أن قضية الحبس الاحتياطى سيتم التوصل إلى مقترحات تمثل حلًا جذريًا لها وليس مسكنات بإفراجات عن محبوسين احتياطيًا، فالهدف من الحوار هو الوصول إلى تسوية الأوضاع بشكل نهائى.
فالرئيس الذى أطلق الدعوة إلى الحوار، وقدمت مؤسسات الدولة كل الدعم لإنجاحه هو من بدأ النقاش حول القضية، وقد وعد الرئيس أن ينفذ توصيات الحوار بما له من صلاحيات، وعليه فما يطالب به مغيث يتحقق على الأرض بالفعل، فما الذى يجعله يتجاهل ذلك ويعود بنفسه إلى المربع صفر، ليقول كلامًا إنشائيًا زاعقًا لا ظل له من الواقع؟
القضية الثالثة.. العاصمة الإدارية
أعترف لكم بأن الدكتور مغيث لم يكن موفقًا على الإطلاق فى حديثه عن العاصمة الإدارية، فهو يردد ما قالته لجان الإخوان وتبناها العامة، وهو كلام لا يليق بأكاديمى مفروض أنه يزن كلامه قبل أن يقوله أو يكتبه.
لقد تحدثوا كثيرًا عما أكده المسئولون أكثر من مرة من أن العاصمة الإدارية الجديدة لم تكلف موازنة الدولة جنيهًا واحدًا، ومن المضحكات ما قاله مغيث « وكأن هناك أموالًا طائلة تفعل وتبنى ولا يعرف الناس مصدرها وطريقة إدارتها.
كل ما أريده من الدكتور مغيث ومن يسيرون على نهجه أن يقف أمام المرآة ويردد هذا الكلام، ثم يرى وقعه عليه، ويمكنه أن يسأل نفسه وقتها: ما الذى يجعله يتجاهل كل ما صدر عن المسئولين فى الدولة عن بيع الأراضى وتحويل أموالها إلى تمويل البناء على أرض العاصمة الإدارية؟ وما الذى تفعله شركة العاصمة الإدارية التى تدير هذه الأموال؟ وكيف أن الشركة بنت المبانى الحكومية التى ستشغلها الوزارات والتى ستدفع مقابلًا لها؟
يمكن أن تراود الدكتور مغيث نفسه الأمارة بالتشكيك وتقول له إن هذه الأموال التى بيعت بها الأراضى للمطورين العقاريين كان لا بد أن تدخل إلى موازنة الدولة.
لن أقبل من الدكتور مغيث ردًا متهافتًا على نفسه، فيجب أن يقول لها إن هذه الأموال لا يمكن التعامل معها على أنها موارد لا بد أن تدخل إلى موازنة الدولة ننفقها فى الوجوه الاعتيادية، فلو لم يتم تنفيذ فكرة العاصمة بهذه الصورة ما كنا حصلنا على هذه الأموال التى يتم تدويرها فى بناء وتشييد عاصمة جديدة كنا نطالب بها من سنوات طويلة.
القضية الرابعة.. الاستثمار
بتضليل كامل صاغ مغيث مطلبه الرابع، فهو يريد- ولاحظ تعبيراته جيدًا- شفافية فى صفقات بيع أصول الدولة من أراض ومصانع وفنادق، مدعيًا أن لا أحد يعرف ما القوانين التى تباع بها تلك الأصول ولا الأجهزة الرقابية.
وسؤالى قبل أن أضع أيديكم على تضليل مغيث هو: من أين يحصل الدكتور على معلوماته؟ ومن هو المصدر الذى أكد له أن ما يحدث بعيد عن القوانين ومتابعة الأجهزة الرقابية؟
أنتظر إجابته بالطبع... فهذا ليس سؤالًا عابرًا.
أما التضليل فيأتى من استخدام الدكتور مغيث تعبير «بيع أصول الدول» متماهيًا بدرجة كبيرة مع من يرددون هذا الكلام عن غرض فى قلوبهم، وهو ما ننزه الدكتور عنه بالطبع، لكن هذا ما حدث.
لقد تم حصار الحكومة المصرية بأنها فشلت فى جذب الاستثمار، وأنها تزاحم القطاع الخاص وتطرده من أرضه، وعندما تأتى الحكومة لتصحيح مسارها فتدخل ملف الاستثمار بقوة، وعندما تفتح الباب أمام القطاع الخاص ليعمل ويشارك، يتم حصارها بأنها تبيع أصول الدولة.
ما الذى يختلف فيه الدكتور مغيث عن أى عابر سبيل يكرر هذا الكلام، وهو رجل مفروض أنه مطلع ويعرف ما يدور فى دول العالم المختلفة فيما يخص الاستثمار وتواجد أصحاب رءوس الأموال المحلية والأجنبية.
أعتقد أن الانصاف يقتضى أن يراجع الدكتور مغيث نفسه.
لن أطالبه، لا سمح الله، أن يتخلى عن قناعاته، ولكن على الأقل يستخدم التعبيرات الصحيحة، وهو يسأل عن مكان الشفافية فيما يتعلق بأصول الدولة، فالشفافية فى استخدام التعبيرات الصحيحة فى مكانها أمر مهم للغاية.
القضية الخامسة.. المؤسسة التشريعية
وكما يفعل من قرروا مناوأة الدولة فى كل حالاتها فعلها مغيث عندما طعن فى شرعية مجلس الشعب، هكذا أطلق عليه، وهو ما جعلنى أتأكد أن الدكتور مغيث لا يتحدث عن العصر الذى نعيش فيه، بل يتحدث عن عصر آخر، فلا يوجد لدينا مجلس شعب، ربما لا يدرى الدكتور أن اسمه أصبح مجلس النواب، فهل يعرف ذلك، أم أنه جاء بالكلام من جيبه القديم الذى لم يجدده بعد؟
يغفل الدكتور مغيث، كما يغفل كثيرون غيره، المهمة التى قام بها مجلس النواب منذ عودته إلى العمل، يتحدثون عن أدوار رقابية وهى أدوار مهمة، ولا يمكن أن نتسامح أنها لم تكن موجودة بالقدر الكافى، ولكن لماذا لم ينتبه الدكتور مغيث إلى المهمة التشريعية الثقيلة التى تصدى لها البرلمان، لقد كانت ولا تزال أمامه مهمة إعادة ترميم البيئة التشريعية المصرية، لقد كانت التركة ثقيلة تحتاج إلى سنوات، وأعتقد أن البرلمان كان يسير على طريق فقه الأولويات ولا يمكن أن نعيبه على ذلك.
أما التضليل الذى يبدو أن الدكتور مغيث يصر عليه ففى التلميح بحديث عن الأجهزة الأمنية ودورها فى تشكيل المجلس، فهو كلام يسير فيه على طريق جهات احترفت التشكيك ورمى الكلام دون أن يكون لديها دليل على ذلك، وأعتقد أن الدكتور يعرف أن المؤسسات التشريعية لا يمكن أن تعمل فى فراغ بعيدًا عن مؤسسات الدولة، لكن ولأنه ينظر من زاوية ضيقة جدًا فإنه يقول ما يقوله، دون أن يلتفت إلى أنه يطلق كلامًا فى الهواء يمكن أن يجر عليه مساءلة قانونية، فهو يتهم الآخرين دون دليل.
القضية السادسة.. الإعلام
يريد الدكتور كمال مغيث إعلامًا حرًا يناقش وينتقد ويطرح البدائل، فهو يرى أن الإعلام موجه تسيطر عليه أجهزة الدولة، وهو كلام فى الحقيقة لا يمكن أن يقوله إلا من لا يعرف ما الذى جرى فى مصر منذ ٢٠١١ حتى الآن، ولا يدرى شيئًا عما كان يخطط لهذا البلد باستخدام الإعلام، ولدىّ شهادة أعتقد أننى أفصحت عن بعض منها، لكن لا يزال لدىّ الكثير.
لقد تحول الإعلام فى مصر بعد يناير ٢٠١١ إلى سلاح يستخدمه من يدفع، وللأسف الشديد كان من يدفعون من خارج مصر وداخلها لتحقيق أغراضهم كثيرون، وهؤلاء لم يكن يشغلهم أن يحترق الوطن بمن فيه، كل ما كانوا يريدونه هو نشر الفوضى التى بها يسيطرون على كل شىء.
ما لا يعرفه كمال مغيث أن الدولة عندما تدخلت، قامت بأكبر مهمة إنقاذ للإعلام، ولولا ما فعلته لتشرد آلاف الصحفيين وأُغلقت بيوتهم وأصبحوا عالة على المجتمع.
قد لا يجرؤ أحد على أن يقول كلامى هذا.
لكنى أقوله لأننى لا أخدع نفسى، ولأننى لا يمكن أن أتجاهل الحقيقة.
لقد تحول الإعلام إلى وسيلة من وسائل غسل الأموال، أصبح ساحة تستباح فيها الشتائم وتنفذ من خلاله أهدافها، كان على وشك الانهيار، فهل يعيبه أنه تحول إلى أداة بناء بعد أن أراد له المغرضون أن يصبح معول هدم؟
كان يجب أن يعرف كمال مغيث ما جرى حتى يحكم حكمًا صحيحًا، لكن أن يردد ما يقوله من لا يعلمون، فهذا أمر لا يليق به ولا أرضاه له، أما إذا كان يرضاه هو نفسه، فهذا أمر يخصه.
القضية السابعة.. العدالة الاجتماعية
يريد مغيث توجهًا واضحًا من الحكم لسياسة عدالة اجتماعية واضحة المعالم، وهو أمر ليس غامضًا فقط، ولكنه مريب أيضًا، وهو ما يجعلنى أسأل الدكتور سؤالًا واضحًا: هل يعيش معنا فى مصر؟ هل يعرف ما أحدثته الدولة فيما يخص فئات كانت محرومة تمامًا من كل شىء؟ فإذا بها تجد نفسها على قمة أولويات الدولة، وهو ما جعل طبقات كانت تحصل على كل شىء تهاجم ما يحدث على الأرض، لقد انحازت الدولة المصرية بالفعل إلى فقرائها، راعت فيهم حقوق المواطنة، وصلت بمبادراتها ومشروعاتها إلى أماكن لم يكن يعرف أحد عنها شيئًا، ووضعت أيديها فى أيدى مواطنين لم يكن يعرف كثيرون أنهم يعيشون فى مصر من الأساس.
كغيره يتجاهل الدكتور مغيث الأزمات العالمية التى جعلتنا نعيش فى ضيق شديد، ويتجاهل ما فعلته مافيا المحتكرين الذين كانوا فى مرحلة معينة يحصدون المليارات على حساب المواطنين، وعندما تصدت لهم الدولة صرخ كثيرون من إجراءات الأجهزة الأمنية.
لا أريد من الدكتور مغيث انحيازًا، ولكن يكفى أن يكون منصفًا، فلو قرر أن يكون كذلك ما قال ما قاله، ولجلس إلى مكتبه ليقرأ ويعرف حقيقة ما يحدث على أرض مصر وهو كثير.
القضية الثامنة.. التعليم
هنا يتحدث كمال مغيث كخبير تربوى وهو كذلك، لا يمكن لأحد أن ينكر عليه الأمر، فهذا حقه، يطالب بمشروع وطنى للنهوض بالتعليم، يقول ذلك وهو يعرف المشاكل الهيكلية التى يعانى منها التعليم فى مصر، والتى تحتاج إلى جهود عقود طويلة، فالأمور لا يمكن أن تحل بقرار، ولكنها تحتاج إلى خطة كبيرة وطموحة، وهو ما تفعله الدولة بالفعل، لكن ماذا نفعل فيمن يستعجلون النتائج؟
لقد أنفق الدكتور كمال مغيث سنوات طويلة من عمره فى الحديث عن قضايا التعليم، وله الحق فيما يقوله، لكن ليس من حقه أبدًا أن ينكر ما يحدث على الأرض، فالأمر ليس مجرد قرار تصدره الدولة لينصلح التعليم فينصلح، ولكن الأمر يحتاج إلى ثقافة جديدة تمامًا، ثقافة يؤمن بها المجتمع ويفسح لها المجال للتطبيق، فالتعليم فى مصر ليس مشكلة دولة ولكنه مشكلة مجتمع.
إننى أثق فى رجاحة عقل الدكتور كمال مغيث، أعرف أنه يعرف مكامن الداء جيدًا، لكنه مثله مثل غيره من الخبراء، يجيد فن التنظير دون أن يلتفت إلى ما يحدث على الأرض، ولذلك يأتى حديثه دائمًا بعيدًا عن الواقع.
لكل هذا رفضت أن أنشر ما قاله الدكتور كمال مغيث... لأننا كما قلت لا ننشر تضليلًا.