المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الحشاشين.. لماذا يخافون؟ أبناء حسن البنا فى فخ جدهم حسن الصباح

افتتاحية العدد الحادي
افتتاحية العدد الحادي عشر من حرف

لست أول من ينزع هذا القناع ويمزقه، ولن أكون آخر من يفعل ذلك.

حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية هو النسخة المعاصرة من حسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين. 

أتباع حسن البنا الذين اتبعوه سمعًا وطاعة فأوردهم موارد التهلكة هم نفس أتباع حسن الصباح الذين ساروا خلفه فكتب أسماءهم على باب الجحيم رغم وعده لهم بالجنة. 

السياقات التاريخية مختلفة.

لكن الهدف واحد والرسالة واحدة. 

الأدوات متشابهة.. والمآلات متطابقة. 

اعتقد كل منهما أنه يمكنه المكر بالله وبالناس.. فوضعهما الله على قالب واحد، ولم يكن لكل منهما من الحسن إلا الاسم.. وكم من الأسماء خادعة. 

كان أول من قارب بينهما - وتخيلوا المفارقة- هو سيد قطب، ملك الدماء داخل الجماعة الإرهابية، مرشدها إلى بوابات النار وهاديها إلى مصائر المفسدين فى الأرض، هؤلاء الذين لعنهم الله، طردهم من رحمته فى الدنيا فكتب عليهم الشتات والتشرد، ووعدهم بعذابه فى الآخرة، فأنى للمخربين والقتلة أن ينعموا بعطاء الله وقد خرجوا عليه ونازعوه فيما اختص به نفسه. 

الرواية يرويها الدمرداش العقالى، الذى كان واحدًا من أعضاء التنظيم السرى للجماعة، اقترب فعرف، وبعد سنوات جلس ليحكى فى حوارات مطولة أجراها معه الكاتب الصحفى الراحل سليمان الحكيم، نشرها فى جريدة «السياسى المصرى» ١٩٨٥، ثم أصدرها فى كتاب مستقل بعد ذلك.

يقول الدمرداش: كان سيد قطب خال زوجتى، وهو من قرية «موشا» التابعة لأحد مراكز محافظة أسيوط، وكان أحمد محمد موسى ابن شقيقته وشقيق زوجتى من أتباع حسن البنا، وأحد المنخرطين فى صفوف الإخوان المسلمين، وكان سيد قطب إذا جاء إلى قريته والتقى ابن شقيقته الإخوانى ومعه عدد كبير من رفاقه أتباع حسن البنا، كان يكثر من سباب حسن البنا أمامهم، وفى بعض المرات سمعته يسأل ابن أخته هذا: ماذا فعل بك حسن الصباح وجماعة الحشاشين؟ 

لم يتوقف العقالى عند الواقعة، أشار كذلك إلى أن سيد قطب كثيرًا ما عقد مقارنات بين جماعة الإخوان المسلمين والحشاشين الشهيرة التى كان يتزعمها حسن الصباح، الذى كان يرى قطب شبهًا كبيرًا بينه وبين حسن البنا زعيم الإخوان، وكان ابن أخته حين يسمع خاله قطب يقول ذلك عن جماعته وزعيمها، يدخل فى شجار عنيف معه، لم يكن ينتهى إلا بتدخلنا لإنهائه. 

وفى كتابه «التاريخ السرى لجماعة الإخوان المسلمين» يقول على عشماوى: درس الإخوان جميع التنظيمات العالمية حين حاولوا بناء النظام الخاص، وقد تأثروا جدًا بالفكر الباطنى فى التاريخ الإسلامى، حيث كانت التنظيمات العباسية والعلوية، والشيعة وما صاحبها من فرق سرية مصدرًا أساسيًا تم الرجوع إليه ودراسته والاستنارة بالأفكار الحركية فى كل تنظيم على حدة، وفيها أيضًا كانت هناك وقفة شديدة أمام فرقة الحشاشين أتباع حسن الصباح، وكان الانبهار من وصولهم إلى حد الإعجاز فى تنفيذ آليات السمع والطاعة، وكيف كان الأفراد يسمعون ويطيعون حتى لو طلب منهم قتل أنفسهم. 

يحلو للبعض تصوير الأمر على أنه مجرد تشابه بين الجماعتين «الإخوان» و«الحشاشين»، لكن ما ورد فى أدبيات الإخوان، على عشماوى كان واحدًا من أعضاء النظام الخاص، وسيد قطب أصبح واحدًا منهم بعد ذلك، ولا أعتقد أنه تراجع عن رأيه فى حسن البنا – كان قطب يحتقره بالمناسبة – يؤكد أن الإخوان امتداد لجماعة الصباح، نسخة جديدة ليست معدلة ولكن متطابقة تمامًا، ولن يكون عائقًا أمامنا ونحن نقارب بينهما أكثر أن الحشاشين جماعة شيعية والإخوان جماعة سنية، فهما فى التطرف والإرهاب والدماء سواء. 

وقد يكون هذا تحديدًا هو سر حالة الفزع التى عاشتها الجماعة الإرهابية بعد إذاعة حلقات مسلسل «الحشاشين» الذى كتبه عبدالرحيم كمال وأخرجه بيتر ميمى ولعب بطولته كريم عبدالعزيز. 

من الساعات الأولى التى أعقبت عرض الحلقة الأولى من المسلسل وجدنا دعايات حمقاء تحيط به، إمساك ببعض هنات هنا أو هناك وتصديرها على أنها أخطاء تاريخية جسيمة، جدل حول العامية المصرية واستخدامها كلغة لأبطال العمل التاريخى الذى جرت أحداثه فى القرن الحادى عشر الميلادى، تعليق على المخرج وديانته، محاولة التحرش السياسى بالمسلسل واتهامه بأنه يقوم بعملية إسقاط على الجماعة.

كل ذلك فى الحقيقة يعبر بشكل قاطع عن حالة الخوف والفزع والهيستيريا التى أصابت جماعة الإخوان. 

فالجماعة تعرف أن هذا تاريخها الأصلى

تعى جيدًا أنها أعادت تجربة الحشاشين وزعيمهم حسن الصباح إلى الوجود. 

لقد استخدم حسن الدين لتحقيق أغراضه السياسية، لم يتورع عن القتل والاغتيالات ليصل إلى ما يريده، اتهم مخالفيه بالكفر والخروج على الإسلام واستحل دماءهم وأموالهم وأعراضهم، جنّد الشباب بعد أن غسل أدمغتهم، فلا أحد يستطيع مقاومة الوعد بالجنة المشفوع بآيات يتم تأويلها وأحاديث يقومون بدسها. 

بالطبع لن تسألنى عن أى حسن أتحدث. 

فحسن الحشاشين وحسن الإخوان فعلًا نفس الشىء. 

قد تتهمنى بالسذاجة، لأنك تعتقد أننى أعيد خوف الإخوان وفزعهم من مسلسل «الحشاشين» إلى أنه كشفهم وأظهر حقيقتهم وعرى خبيئتهم. 

ليس الأمر كذلك بالطبع، فقد عرف المصريون حقيقة الجماعة فخرجوا عليها فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ رافضين لها بشكل كامل، ولذلك فلا يحتاج الشعب المصرى لأحد يذكّره بالإخوان وما فعلوه. 

الخطر الذى يمثله هذا المسلسل تحديدًا والذى جعل الإخوان يحاولون تشويهه بكل الطرق، وشيطنته بكل السبل، وإهالة التراب عليه من كل اتجاه، يتمثل فيما يعرف الإخوان أنه يمثل تهديدًا حقيقيًا ومتجددًا لهم، خاصة أن الجماعة لا تريد أن تستسلم وتعترف بأنها انتهت وخرجت من الوجدان المصرى. 

لكن من أين يأتى التهديد الذى يدركه الإخوان، وربما لا يدركه كثيرون بنفس القدر؟ 

التهديد الأول أن المسلسل يذكّر الناس بحقيقة الإخوان، والذكرى تنفع المؤمنين، وكأننا أمام عملية حقن معنوى هائلة للذاكرة المصرية، حتى تظل محتفظة بحيويتها وقدرتها على مواجهة الجماعة التى تراهن على الزمن، وعلى أن الشعب المصرى من المؤكد أنه سينسى ما جرى، وأنهم يمكن أن يعودوا إلى ما كانوا عليه، فيأتى المسلسل كجرس إنذار: لا تنسوا فتهلكوا. 

لقد حاولت الجماعة عبر أبواقها الإشارة إلى أن المسلسل إسقاط سياسى، وأنه ما أنتج إلا لمحاربتها، وهو ما يمثل حالة غباء متكاملة، فهم خصوم ليس للدولة المصرية فقط، ولكن لكل ما تمثله مصر، ولذلك لماذا يستغربون عندما نحاربهم، فهل ينتظرون غير ذلك؟ 

ما يجعلك تشفق على هذه الجماعة، رغم أنها لا تستحق الإشفاق أبدًا، أنهم أوقعوا أنفسهم فى فخ «الحشاسين»، أبناء حسن البنا يدافعون عن جدهم حسن الصباح، كان يمكن أن يصمتوا، لكن ولأن المسلسل أوجعهم فقد خرجوا من أوكارهم صارخين.. وهو صراخ يؤكد صدق اتهامهم بأنهم ليسوا إلا أحفاد القاتل الأول حسن الصباح. 

التهديد الثانى وأعتقد أنه أكثر ما يزعج الجماعة هو الإلحاح على كشف حقيقتهم بما يجعل الناس ينفضون عنهم أكثر وأكثر. 

هذا هو أكبر ما يرعب الجماعة بالمناسبة، لقد بذلوا جهدًا خارقًا ليجعلوا الناس يحيطون بهم من كل جانب، لا أتحدث عن أعضاء الجماعة، ولكن عن الشعب المصرى الذى كان ينظر إليهم على أنهم «ناس بتوع ربنا»، فإذا به يكتشف أنهم لا يعرفون ربنا من الأساس. 

لقد صمدت الجماعة عقودًا طويلة لأن صراعها كان مع القلب الصلب للدولة – أجهزته السيادية والأمنية – وكنت ترى تعاطف الناس معهم عندما يدخلون السجون لأنهم كان يصدرون مظلومية دائمة، الآن صراع الجماعة مع الشعب، مع الناس، فلم يعد يتعاطف أحد معهم، وأعتقد أن هذه هى الخسارة الكبرى التى وقعت على رأس الجماعة، وأعتقد أيضًا أنهم يحاولون تعويضها طوال الوقت. 

قيمة مسلسل «الحشاشين» أنه يقطع الطريق على محاولة الإخوان جمع الناس حولهم من جديد، إذ كيف يلتف الناس حول مجموعة من القتلة الذين يستخدمون الدين من أجل الدنيا، ولا يتورعون عن ارتكاب أعتى الجرائم، فالمهم أن يحصلوا على ما يريدون.

«الحشاشين» ليس مجرد مسلسل، ولكنه معركة فى حرب طويلة ضد الأفكار المتطرفة، قل عنه ما شئت، اختلف معه كما تريد، حاول تسطيح الأمر – كما يفعل البعض – وتقول إن الإعجاب بمسلسل أصبح دليلًا على الوطنية، فالأمر ليس فى الإعجاب أو عدم الإعجاب، ولكن الواقع يقول إن المسلسل قام بعملية فرز حقيقية. 

من حقك أن تنتقد «الحشاشين» فنيًا، أن تمسك ببعض هناته من وجهة نظرك، لكن إياك أن تتجاهل رسالته، أو تعمى عن هدفه.. فهو واحد من أسلحتنا فى معركة فرضت علينا، ولا بد أن نخوضها حتى النهاية. 

إننى أتحدث بحالة كشف كاملة، لا أميل إلى تزيين الكلام أو الالتفاف حول ما يحدث أو تبرير موقفى، وعلى من يختلفون معى أن تكون لديهم نفس الشجاعة، فلا يختبئون خلف شعارات لامعة وعبارات رنانة. 

فما أشجع أن نعبر جميعًا عن مواقفنا وندافع عنها!