الخميس 09 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رشا سمير: روايتى «المسحورة» رحلة تاريخية إلى عالم الأساطير

الروائية رشا سمير
الروائية رشا سمير

زيارتى لسيوة جعلتنى أمزق 150 صفحة وأكتب من منظور جديد

 لا أشتغل على فكرة الخيال بقدر ما أعمل على تحقيق الاختلاف

 كل أعمالى الروائية مغلفة باللغة الشعرية

 أكتب عن قضايا المرأة دون أن أكون كاتبة نسوية

غلاف رواية المسحورة

تقول إنها تكتب عن النساء، وعن قضاياهن وأزماتهن الخاصة، دون أن تكون كاتبة نسوية، فهى ترفض التصنيفات، وترى أن الكاتب يجب أن يكتب للإنسانية بشكل أشمل وأوسع.

إنها الروائية رشا سمير، التى تحتفل فى هذه الأثناء بصدور روايتها الجديدة «المسحورة»، عن الدار المصرية اللبنانية، بعد 4 سنوات من العمل عليها، مستخدمة فيها لغة شاعرية تليق بطبيعة الأحداث التى تتناولها، والتى لا تخلو من مسحة أسطورية وحالة غموض، بخلاف الحس التاريخى الذى يغلف العمل.

عن روايتها الجديدة وعن كواليس وأصداء كتابتها، دار هذا الحوار الذى أجرته «حرف» مع رشا سمير.

رشا سمير توقيع أحد روايتها

■ بداية.. كيف جاءت فكرة «المسحورة»؟

- «المسحورة» هى العمل الأدبى الحادى عشر لى، بعد ٦ مجموعات قصصية و٤ روايات، وبدأت العمل عليها عقب انتهائى من رواية «للقلب مرسى أخير»، أى منذ حوالى ٤ سنوات، تخللها الكثير من الصعوبات المتمثلة فى البحث والقراءة وزيارة الأماكن، التى تدور فيها أحداث الرواية، بل وصعوبات إنسانية أكبر، مثل وفاة والدى، وهى الفترة التى كان الحزن يجتاحنى بقوة فأبعدنى عن القلم.

وكتابة أى رواية تستغرق وقتًا طويلًا طبعًا، إلا أننى من المؤمنين جدا بفكرة عدم الاستعجال فى تقديم أى منتج أدبى، فقارئى يستحق الأفضل.

■ ما الباعث على كتابتها بالنسبة لك؟

- الباعث كان فكرة مختلفة طرأت ببالى بعد قراءات عديدة، تحدٍّ قررت أن أخوضه، إنها بخلاف كل إصداراتى رواية تاريخية أسطورية، وحالة غموض تغلف العمل ككل، كان من المنتظر خروجها إلى النور فى معرض القاهرة للكتاب، ولكن اخترنا أن نتريث من أجل الخروج بها فى أفضل توقيت وشكل ممكن.

■ قضيتِ ٤ سنوات فى الكتابة.. أليست هذه أطول مدة تستغرقينها فى كتابة عمل لك؟

- كما سبق وذكرت، أن الرواية بدأت بفكرة جعلتنى ألهث وراء جمع المراجع التى لم تكن متوفرة بسهولة، واضطررت أن أجمعها من هنا وهناك، عادة ما أبدأ القراءة ثم أنتقل إلى جمع المعلومات التى سوف أستند عليها فى الكتابة، ومن ثم أضعها فى ملف خاص بى، ليصبح مرجعى الوحيد إلى أن أنتهى من الرواية، وبعد الانتهاء من الكتابة تأتى مرحلة المراجعة التى أخذت بمفردها نحو ٦ أشهر، ما بين مراجعة لغوية وعمل الغلاف، بل والقراءة الكاملة للعمل أكثر من مرة.

أنا بطبعى دقيقة جدًا فى كل خطواتى، وأبحث عن تقديم الأفضل دائما لقارئى، الذى يحترمنى ويقدر فترة غيابى، ويقينه أننى سأعود للساحة بالأفضل، ولذا فأنا أحترمه فى المقابل، لك أن تتصور أننى قرأت هذه الرواية بالكامل ٤ مرات، وراجعت مع طاقم العمل بالدار ٣ بروفات.

غلاف رواية بنات فى حكايات

■ قلتِ إنك مزقت ١٥٠ صفحة بعد زيارة المكان الذى كنتِ تكتبين عنه.. ما ملابسات هذه الواقعة؟

- بدأت العمل على الرواية منذ أن اختمرت الفكرة فى رأسى، وبعد أن زرت المغرب عدة مرات، قررت الكتابة، وبعدما انتهيت من كتابة قرابة ١٥٠ صفحة، جاءتنى عن طريق الصدفة دعوة للسفر إلى سيوة، فإذا بالصورة التى رسمتها فى خيالى لهذا المكان الساحر وأنا مغمضة العينين، تتغير وتتبلور لتصنع أحداثا مختلفة، فعدت لأكتب من جديد بمنظور آخر، ومن هنا جاء التأخير الحتمى فى صدور العمل، حتى يتسنى لى ربط الأحداث بشكل أفضل وعن رؤية واقعية.

■ تبدو الكتابة وكأنها أجبرتكِ على محاولة إيجاد لغة تتناسب مع الحالة الشاعرية التى تسيطر على الرواية وتظهر بوضوح فى التصدير الخاص بها.. كيف تم ذلك؟

- الحقيقة أن كل أعمالى الروائية مغلفة بهذه اللغة الشعرية التى تفضلت وأشرت إليها فى سؤالك، فأنا منذ نعومة أظافرى من عشاق اللغة العربية، مفرداتها وكناياتها واستعاراتها.. لغة ثرية وتعطى أى مبدع مساحة كبيرة للتعبير والتميز بعكس كل اللغات الأخرى.

المختلف هنا أن أجواء الرواية تتناول لغة أخرى بالإضافة للعربية، وهى اللغة الأمازيغية وبالأخص السيوية، ما يكسب روح الرواية طابعًا مختلفًا، لأننى حاولت أن أقدم هذه اللغة فى سياق الأحداث، وتسليط الضوء على تلك العادات والتقاليد المختلفة.

غلاف رواية جوارى العشق

■ تشتغلين على فكرة الخيال وتناقشين الهم الخاص مع العام.. هل يمثل ذلك مشروعًا كاملًا تعملين عليه؟

- لا أشتغل على فكرة الخيال بقدر ما أعمل على تقديم الاختلاف، فى المواضيع واللغة والحقب الزمنية، أنا منذ بدأت الكتابة كنت قد قررت أن أكتب للإنسان وعن الإنسان.

لم تكن كتاباتى يوما للمرأة فقط دون غيرها، ولكن أكتب عن المرأة بصفتها الإنسانية المجردة، همومها ومشكلاتها والتحديات التى تجابهها، لمجرد أنها تنتمى لجنس يبدو هشًا برغم صلابته، ببساطة أكتب للمرأة دون أن أكون كاتبة نسوية.

أكتب عن البشر، عن الإنسان أينما كان، فالبشر همومهم واحدة ومقدراتهم واحدة بغض النظر عن الجنس والهوية.

من الممكن أن أقول إن هذا هو مشروعى الأدبى، التاريخ يكتب بنفس القلم، والأحداث تتكرر، ومن هنا أصبحت كتابة التاريخ مشروعًا، ولا أعتبر ذلك مشروعًا قوميًا مثلما يدعى بعض الكُتاب، ولكنى أعتبره مشروعًا إنسانيًا، فالكتابة إبداع وليست تأريخًا.

■ بعيدًا عن الرواية ناقشتِ العديد من القضايا المهمة فى المشهد النسوى ومنها ضعف الجانب النقدى.. فى رأيك ما أبرز المشكلات التى تعانى منها الكاتبات المعاصرات؟

- أرى أن الكاتبات أبحرن فى عالم الأدب بقوة فى السنوات الماضية، وفى الحقيقة نجحن فى الوصول إلى قمم النجاح، هناك زخم محمود فى المشهد الروائى النسوى، إن جاز لى أن أستخدم هذا المصطلح الذى يكبل الأقلام أحيانًا.

الكاتبات استطعن أن يقفن على أرض صلبة وينافسن بإبداعهن فى تقديم تاريخ الأوطان وتحديات المرأة فى العوالم المختلفة، إلا أن الكاتبات العربيات لم ينلن التميز الذى يستحقنه، لأنه وبكل أسف ما زالت هناك هيمنة ذكورية على المشهد الأدبى من حيث الجوائز الأدبية والنقد والمشاركات الثقافية.

أما عن ضعف المشهد النقدى، فأنا ما زلت مصممة على أن الحركة النقدية، لا تواكب الزخم الأدبى الموجود على الساحة، وأنا هنا لا أخص نوعًا أو جنسًا أدبيًا معينًا، بل أتحدث بوجه عام عن شللية ومجاملات فى تقييم الأعمال، وللأسف أحيانًا فى بعض الجوائز، لكن هذا لا ينفى وجود نقاد محترمين وجوائز عنوانها التميز بعيدًا عن المجاملات، لكننا نطمح فى الأكثر والأكبر،

المبدع طامع دائمًا فى نجاح أشمل، وهذا لا يعيبه بل يميزه.

غلاف رواية يعنى اية راجل

■ أصدرت ١١ عملًا بعضها وصل لقوائم الأعلى مبيعًا لفترة طويلة.. هل لديك أعمال لم تكتمل أو وجدت أنها تحتاج رؤية أخرى؟

- الحقيقة أنا تعودت على عدم التعجل فى إصدار رواياتى، ولا أرى ضرورة أبدًا فى إصدار عمل فى توقيت سنوى معتاد، مثل معرض الكتاب أو تاريخ فى مناسبة بعينها، فالكثير من الكتاب يرون أن إصدار رواية بشكل سنوى، يعتبر طقسًا مقدسًا، ولكن فى الحقيقة لا أرى ضرورة لذلك، لأن الإبداع ليس سباقًا محمومًا ينتهى إلى كم من الإصدارات، من وجهة نظرى التى تحتمل الصواب والخطأ أن الابداع إن لم يكن قادرًا على طرح فكرة جديدة وموضوع مختلف، فهو بلا قيمة، وسيظل حفنة أوراق على الرف، بغض النظر عن حجم المبيعات، الكيف أهم بكثير من الكم.

وليس لدى عمل لم يكتمل، اللهم إلا مجموعة قصصية كنت انتويت أن أصدرها قبل هذه الرواية، ولكن أنا وناشرى تريثنا حتى خروج الرواية، لأن القارئ كان فى شوق لرواية جديدة بعد طول غياب.

فكرة الرؤية الجديدة لم تحدث من قبل، إلا فى «المسحورة»، لأننى لم أكن قد زرت المكان، كما ذكرت من قبل، وبعد زيارته اختلفت الرؤية.

غلاف رواية سالقاك هناك

■ ما رؤيتك لأغلفة رواياتك؟

- أنا دقيقة جدًا فى اختيار أغلفتى وعناوينى، وكثيرًا ما تعطلت الرواية حتى الوصول إلى الاختيار الأفضل، الروايتان الأخيرتان جاءت أغلفهما معبرة وبشدة عن المحتوى، وحملت نوعًا من الإغراء والسحر للقارئ، وهنا يجب أن أشكر الدكتورة فرح هشام مصممة الأغلفة التى بذلت من جهدها، وأضافت من روحها، حتى صبغت الغلاف بصبغة إبداعية رائعة.

ودعنى هنا أصرح وهو ليس سرًا، أن المصممة هى ابنتى التى كانت إضافة حقيقية للعملين «للقلب مرسى أخير» و«المسحورة».

غلاف رواية للقلب مسرى أخرى

■ الأعمال التى أبرزت اسمكِ كروائية ناقشت المسكوت عنه.. كيف ترين ذلك؟

- يمكننى أن أقول إنه كونى كاتبة صحفية، إضافة إلى كونى فى الأساس روائية، جعلنى أمتلك حس الشغب إلى حد ما، فالقلم الصحفى يبحث دومًا عن القضايا المسكوت عنها، وينبش فى كل المواضيع التى قيلت والتى لم تقل، هكذا تعودت فى مقالاتى، وأعتقد أن الروايات أيضًا تطرقت بنفس الطريقة بشكل أو بآخر، إلى قضايا وجودية مثل حرية المرأة، ومعنى الغربة وقسوة الاغتراب، ومشكلات المراهقين، والتفكك الأسرى الناتج عن الطلاق والزيجات الفاشلة، والاحتلال الفكرى للعقول الناتج عن الإرهاب الدينى.

كل تلك المواضيع تمت مناقشتها فى رواياتى السابقة «جوارى العشق» و«سألقاك هناك»، و«بنات فى حكايات»، و«للقلب مرسى أخير»، و«يعنى إيه راجل؟»، وأخيرًا «المسحورة».