السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ابنة حلمى رفلة تفجر الفضيحة.. ضياع نيجاتيف فيلم «معبودة الجماهير»

معبودة الجماهير
معبودة الجماهير

قبل نحو عامين «فبراير 2022» ذهبت السيدة نادية رفلة لتتسلم درع تكريم والدها المنتج والمخرج السينمائى الرائد حلمى رفلة فى جمعية الفيلم، ففوجئت بالدكتور خالد عبدالجليل يقدمها بحماس ساخر للفنان الكبير حسين فهمى الجالس بجانبه: دى مدام نادية رفلة اللى إحنا سارقينها وسارقين أبوها!

ولما كانت تلك «التحية» الغريبة قد تكررت قبلها فى مناسبات ولقاءات مختلفة، فإن السيدة نادية لم تستطع هذه المرة أن تكتم استفزازها، فسألته وهى تحاول السيطرة عليه: وأنت يا دكتور ليه فخور قوى كده إنكم سارقينا؟.. وهنا حاول المسئول الأول عن السينما فى مصر أن يمتص غضبها، ويدارى حرجه أمام الحاضرين، فبرر «سرقة» مؤسسته لأفلام حلمى رفلة وحقوق ورثته بأنه «أنا جيت لقيت الوضع ده كده».. وهو تبرير زاد من استفزاز السيدة نادية رفلة فسألته: وليه طول السنين اللى فاتت ما صلحتش الوضع المشين ده ؟.. لكنها لم تتلق إجابة إلى الآن! 

تنتظر السيدة نادية رفلة إجابة عن سؤالها منذ عامين، والأهم أنها تنتظر إجابة أخرى من نحو ٤ أشهر على سؤال جديد أكثر خطورة: أين فيلم «معبودة الجماهير»؟

معبودة الجماهير

وحتى تفهم خطورة الأمر وفداحته وما تعيشه السيدة نادية رفلة من مأساة ينبغى أن نستعيد القصة من أولها..

بدأت مأساة المخرج والمنتج الرائد الراحل حلمى رفلة ذات صباح من العام ١٩٦٤، وكان وقتها واحدًا من أهم وأنجح منتجى ومخرجى السينما المصرية، بل جرى استدعاؤه إلى مكتب وزير الثقافة عبدالقادر حاتم لهذا السبب «الشطارة والنجاح» ليدفع ثمنهما غاليًا!

وقتها كانت الدولة قد بدأت فى تأسيس وإنشاء القطاع العام السينمائى، وخرجت فكرة مؤسسة السينما فى البداية لتقدم الدعم إلى صناعة السينما وصناعها، ثم سرعان ما قررت الدولة أن تدخل بنفسها وثقلها إلى ساحة الإنتاج وتتولى إنتاج الأفلام وتؤمم الصناعة من استديوهات ودور عرض.

ووقع اختيار عبدالقادر حاتم على حلمى رفلة ليتولى إدارة سينما القطاع العام استغلالًا لخبرته وشطارته، وكانت شركته تنتج ٧ أفلام فى المتوسط كل عام تحقق نجاحات وإيرادات لا تخفى على أحد.

أدرك حلمى رفلة بذكائه أنه لا يملك ترف الرفض، واقترح على الوزير حلًا تصور أنه يُرضى كل الأطراف، وهو أن يتنازل عن إدارة شركته الخاصة لابنه الأكبر منير رفلة الذى كان قد اكتسب الخبرة والدراية التى تؤهله لتلك المهمة، ويتفرغ هو لإدارة شركة القطاع العام.

لكنه فوجئ برفض قاطع من الوزير، بل جاءه الوعيد بلا مواربة: عليك الاستقالة وإغلاق شركتك والتفرغ الكامل لإدارة المؤسسة الجديدة.. وإن لم تفعل سنضطر آسفين إلى تأميمك ووضعك تحت الحراسة!

ورغم رضوح حلمى رفلة للأمر وإغلاق شركته، فإنه اضطر فوق ذلك إلى القبول بصفقة من شقين:

- الأول: يتنازل عن الأفلام الـ٣٩ التى أنتجتها شركته لصالح مؤسسة السينما.

- أما الشق الثانى فكان يخص الأفلام السبعة التى كان بصدد إنتاجها فى ذلك العام، ويتعهد فيه بأن يسلمها للمؤسسة فور الانتهاء من تصويرها، ويوقع مع المؤسسة عقدًا مستقلًا بشأنها، تتعهد فيه بأن تدفع له ٥٠ ٪ من أرباح عرضها، عندما تصل إيراداتها إلى ٤٥٠ ألف جنيه.. «وهذه الأفلام السبعة هى: معبودة الجماهير، زوجة من باريس، فارس بنى حمدان، كنوز، المماليك، خطيب ماما، شىء فى حياتى».

وفى مذكراته كتب حلمى رفلة فيما بعد أنه كان يشعر وهو يوقع على العقد بأن هناك من يضع مُسدسًا فى رأسه!

على أى حال فإن تجربة القطاع العام فى السينما لم تطل، وتوقفت بعد أن تعرضت لخسائر كبيرة، اضطرت معها الدولة إلى إغلاق المؤسسة وطى صفحتها «١٩٧٢»، وحاول حلمى رفلة كثيرًا وطويلًا أن يستعيد أفلامه المؤمّمة بلا وجه حق، أو على الأقل يحصل على نسبة الخمسين فى المائة من إيرادات وتوزيع أفلامه السبعة كما يقول العقد المبرم بينه وبين وزارة الثقافة، لكنه حتى رحيله فى العام ١٩٧٨ لم يحصل على أى مقابل.

وقضى نجله الأكبر منير رفلة سنوات أخرى فى معركة استرداد حقوق والده الضائعة، لكنه رحل هو الآخر قبل أن يحصل على أى حقوق.

ولم تجد ابنته نادية من حل سوى اللجوء إلى القضاء، وبالفعل أقامت دعوى قضائية فى العام ١٩٩٨ بشأن حقوق الأفلام السبعة، كسبتها منذ عامين فقط، وحكمت لها المحكمة بالحصول على نسبة الخمسين فى المائة من حقوق توزيعها.

ومر عامان على هذا الحكم ولم تحصل نادية رفلة على مليم من المؤسسة، بحجة أن المؤسسة لم تبرم أى عقود مع القنوات أو المنصات الراغبة فى عرضها، وحدث قبل ٤ أشهر أن تلقت السيدة نادية اتصالًا من إحدى تلك القنوات تطلب حقوق عرض فيلم «معبودة الجماهير» وهو واحد من تلك الأفلام، وواحد من أشهر وأهم ما أخرجه وأنتجه حلمى رفلة، من بطولة عبدالحليم حافظ وشادية، وواحد من أوائل ما أنتجته السينما المصرية بالألوان الطبيعية.. وأخبرتها إدارة القناة أنها ترغب فى الحصول على نسخة صالحة للعرض لأن النسخة الموجودة فى المؤسسة غير صالحة وبها عيوب فنية، وإذا تعذر حصولها على نسخة بمعايير الجودة المطلوبة ستضطر إلى عدم إتمام التعاقد.

ولأن نادية رفلة على يقين من كل نيجاتيفات أفلام والدها موجودة فى المؤسسة، فقد استلمتها رسميًا من والدها، وهى الجهة الوحيدة التى تملك تلك النيجاتيفات، فإنها ذهبت بنفسها إلى السادة المسئولين فى المؤسسة تسأل عن نيجاتيف «معبودة الجماهير»، فلم تحصل على «عُقاد نافع» كما يقولون، لكن الحقيقة الساطعة تؤكد أنه غير موجود فى ثلاجة حفظ الأفلام.

هل تعرض نيجاتيف «معبودة الجماهير» للتلف ؟!.. هل «تسرب» إلى جهة ما ؟!.. هل «سُرق» ؟!.. هل بيع بشكل غير قانونى ؟!.. لا توجد إجابة شافية.. وهو ما أكد لها ضياعه!

وحتى تنقذ السيدة نادية رفلة ما يمكن إنقاذه ولا يضيع عليها حقوق بيع الفيلم للمحطة، فإنها قدمت لها نسخة ديجيتال جيدة كانت بحوزتها.. بالصدفة!

ولأن الأوضاع فى المؤسسة تجرى بشكل عبثى بلا منطق، فإنها استعانت بجهة محترفة لمتابعة ما يُعرض من أفلام والدها على القنوات والمنصات، وفوجئت بما أدار رأسها من الصدمة والذهول:

- هناك ٤٠٠ قناة ومنصة تعرض فيلم معبودة الجماهير على سبيل القرصنة ولا تدفع عنه للمؤسسة أى حقوق!

- هناك جهة عرض وتوزيع استولت على ٢٢ فيلمًا من أفلام حلمى رفلة ولا تدفع عنها أى حقوق!

ومن جديد سألت نادية رفلة السادة المسئولين عن تراث السينما وذاكرة الأمة، تسأل وتستفسر وتستغيث، فكانت إجاباتهم فى غاية الغرابة: أصلنا ما نعرفش.. أصل فيه محطات بره مصر ومش عارفين نوصل لها!

وتوجهت إلى غرفة صناعة السينما، فلم تجد عندهم أكثر من تلك الردود العبثية وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأنهم ليسوا المسئولين عن هذه الأفلام وحفظها وحمايتها من اللصوص!

حلمى رفلة

وقررت من حينها نادية رفلة أن تحمى حقوقها بنفسها، فالأفلام أولًا وأخيرًا هى أفلام والدها وشقى عمره، ولأنها وريثته أوكلت إلى إحدى الجهات بأن تتعامل باسمها على حقوق تلك الأفلام، فما دام أحد لا يحمى حقوقها فلتفعل ذلك بنفسها وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء!

وفوجئت باتصال من المسئول الذى خذلها فى غرفة صناعة السينما يسألها بما يشبه التهديد عن ذلك الإجراء فانفجرت فيه: أنتم سايبين كل حرامية البلد تسرق أفلام أبويا.. وجايين تحاسبوا أولاده إنهم عايزين يستفيدوا منها.. إذا كنتم سامحين بالسرقة لأفلام حلمى رفلة فإحنا أولاده الأولى إننا نسرقها.. لأننا الوحيدين اللى لم يستفيدوا منها من سنة ١٩٦٤!

النزاع على حقوق أفلام حلمى رفلة يمكن حسمه بطرق شتى.. لكن السؤال الأهم: أين نيجاتيفات أفلام حلمى رفلة؟

هل يمكن أن يخرج علينا السيد وزير السينما ليجيبنا ويجيب عن سؤال السيدة نادية رفلة: فين نيجاتيف معبودة الجماهير؟