السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الشركة القابضة لروح السينما.. القائمة الكاملة لـ«الأصول» التى ستضيع قريبًا

مجمع سينمات ريفولى
مجمع سينمات ريفولى

 سينما «ديانا» مطروحة للبيع بـ11 مليونًا مع أن سعر الأرض وحده يزيد على 70 مليونًا!
 هل حرائق الاستديوهات وتخريب دور العرض «التاريخية» هو تمهيد لبيعها وتحويلها إلى مولات؟
 نطالب «حرف» بتبنى مؤتمر لإيجاد حلول حقيقية لإنقاذ السينما بدلًا من سياسة «بيع يا صبرى»


من أجمل الشخصيات الدرامية التى جسدها العملاق الراحل جميل راتب شخصية «لطفى بيه» رجل الأعمال غريب الأطوار فى مسلسل «رحلة المليون» (1984)، الذى قام ببطولته الفنان محمد صبحى، وفيه اشتهر الإفيه الذى كان يردده جميل راتب وهو يبلغ سكرتيره بقراره: بيع يا صبرى!
لم يعد «بيع يا صبرى» مجرد إيفيه كوميدى فى مسلسل درامى، بل نزل من الشاشة إلى الواقع، وتحول إلى شعار وسياسة تتبعها الشركة القابضة للاستثمار فى المجالات الثقافية والسينمائية، إذ كل شىء يخص السينما مطروح للبيع ومعرض للهدم، وهو ما يجعلنا نطالب بتعديل اسمها إلى الشركة القابضة لروح السينما!

قبضت الشركة على أصول السينما المصرية التى آلت إليها من شركة مصر للصوت والضوء التابعة لقطاع الأعمال العام، وبالتالى أصبحت الشركة القابضة بحكم ما صدر من قوانين ولوائح هى المالكة والمسئولة عن إدارة تلك الأصول، ويمكنك إذا شئت أن تسميها كنوز السينما، وتشمل:
أولًا: أهم وأكبر وأعرق استديوهات السينما:
• بداية من «ستوديو مصر» الذى أسسه طلعت باشا حرب، عملاق الاقتصاد الوطنى، وافتتحه فى ١٢ أكتوبر ١٩٣٥ على مساحة ١٧ فدانًا، وبأحدث التجهيزات العلمية والفنية، وفى بلاتوهاته صُورت باكورة أفلام السينما المصرية ومنه بدأت مسيرتها.
• «ستوديو الأهرام» الذى تأسس عام ١٩٤٤ على مساحة ٧ أفدنة.
• «ستوديو جلال» الذى أنشئ فى العام نفسه «١٩٤٤» على مساحة ٥ أفدنة.
• «ستوديو نحاس» الذى أنشأه الأخوان نحاس اللبنانيان بمشاركة من يوسف بك وهبى، على مساحة ١٢ ألف متر عام ١٩٤٨، وأصبح جزءًا من مدينة السينما التى تأسست عام ١٩٦٤ بتمويل من دولة ألمانيا الاتحادية على مساحة ٣٠ فدانًا.

وهى الاستديوهات التاريخية التى آلت ملكيتها إلى الدولة، وتتابع على ملكيتها وإدارتها مؤسسة السينما وصولًا إلى الشركة القابضة ومرورًا بشركة مصر للصوت والضوء.
ثانيًا: أهم وأفخم دور العرض السينمائية «التاريخية» بمعمارها الفاخر ومساحاتها الواسعة وأماكنها المميزة.. خاصة تلك التى تقع فى قلب القاهرة الخديوية «مترو، ريفولى، ديانا» مثلًا، وتمتد إلى أهم المناطق فى محافظات مصر، وكان عددها يزيد على الأربعين، والمتبقى منها حوالى ٢٤ دار عرض تبلغ مساحة بعضها ٤٥٠٠ متر، مثل سينما رادوبيس الصيفية بالهرم.
ثالثًا: الأصول الفيلمية: وأهمها الأفلام التى أنتجتها مؤسسة السينما خلال فترة تداخل الدولة فى الإنتاج السينمائى «منذ إنشاء المؤسسة العامة للسينما بالقرار الجمهورى رقم ٤٨ لسنة ١٩٦٣ وحتى نهاية التجربة عام ١٩٧١»، وتبلغ نحو ١٥٧ فيلمًا، يضاف إليها ما تبقى من أفلام «ستوديو مصر»، وهى فى المجمل تعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية وفخر إنتاجها «بعض المصادر تشير إلى أنها حوالى ٣٦٥ فيلمًا».
يضاف إلى ذلك معامل وورش واستديوهات للمونتاج والطبع والتحميض، أى أننا أمام أصول مهمة يمكن أن تقوم عليها صناعة سينمائية عظيمة إذا ما وضعنا فى الحسبان ما نمتلكه من أساتذة وأسطوات ونجوم وخبرات متراكمة وتاريخ مجيد يزيد على المائة عام فى تلك الصناعة التى بدأناها وأسسناها فى الشرق كله.

ملفات | قيام وانهيار سينمات وسط البلد.. تاريخ وحكايات ومعلومات تفصيلية -  منطقتي
سينما مترو

لكن يبدو أنه لا «التاريخ» ولا «الصناعة» يهمان القائمين على أمرها، بل التوجه- للأسف- هو التخلص من تلك التركة «الثقيلة»!
من جديد أعيد التأكيد على أننى لا أميل كثيرًا إلى فكرة المؤامرة، ولكنى لا أستطيع أن أمنع شبحها وأمامى تلك الحقائق المروعة:
- كل استديوهات السينما المصرية «التاريخية» تعرضت للحريق، وآخرها ذلك الحريق الذى وقع فى ١٦ مارس الماضى ودمر «ستوديو الأهرام»، وأكلت النيران تاريخًا لا يقدر بثمن.. ومثله ضاع تحت الركام فى استديوهات «نحاس وجلال ومصر»، فهل هذه مصادفة؟
- كل دور العرض «التاريخية» تتعرض لإهمال يبدو مقصودًا ومتعمدًا، فلا يمكن لمن يحمل ذرة من ضمير أن يرى ما يحدث من تخريب لتلك الدور العريقة ولا ينفطر قلبه ويحس بالأسى على سينمات فى أهم أماكن القاهرة الحيوية وقد تحولت إلى خرائب ينعق فيها البوم.
ويمكنك أن تعود إلى ما كتبه صديقنا المخرج السينمائى المعروف سعد هنداوى، على صفحته، ينعى فيه اثنتين من تلك الدور تحت صور حديثة التقطها لهما بكاميرته:
«بمناسبة فتح ملف دور العرض، ده نموذج لإتنين من أهم وأعرق سينمات وسط البلد (ميامى ومترو) صورتهم فى ديسمبر ٢٠٢٣.. اللى يقرب من الصور هايكتشف الحالة المزرية اللى واصلة له السينمات.. فما بالك من الداخل!».

ملف:سينما ميامى 2.png - ويكيبيديا
سيما ميامى 

وصور واجهتى «ميامى» و«مترو» لا تنطقان فقط.. بل تكاد تسمع أنينهما من البكاء المر عما آل إليه حالهما.
الحرائق المتتالية للاستديوهات والإهمال المزرى لدور العرض لا يمكن أن يكونا مصادفة إذا ما عرفنا أنها معروضة للبيع ومعرضة للهدم والإزالة، ومُلاكها الجدد سيقيمون على أنقاضها محلات ومولات!
سينما «ديانا» مثلًا معروضة للبيع مقابل ١١ مليون جنيه، وعرّاب الصفقة واحد من المخرجين السينمائيين المرموقين، وسعر البيع يثير الريبة، فمساحة الدور تزيد على ١٠٠٠ متر مربع، وسعر متر الأرض فى هذا المكان بعيدًا عن التاريخ والقيمة يمكن أن يرفع المبلغ إلى ٧٠ مليونًا على الأقل!
وتمتد الريبة إلى سبب إغلاق تلك الدور العريقة، سينما «الشرق» مثلًا، التى تقع فى قلب ميدان السيدة زينب بكل حيوية المنطقة مغلقة وتنعق فيها الغربان.
وحتى سنوات قليلة مضت كان أغلب تلك السينمات يحقق مكسبًا ماديًا رغم الإهمال المتعمد، فسينما «ديانا» المعروضة للبيع تحقق مكسبًا- رغم التخريب- يصل إلى ٤٠٠ ألف جنيه، وأكد آخر تقرير للمتابعة نصًا: السينما تعتبر مبنى أثريًا نظرًا لتاريخها العريق، فهى عبارة عن صرح معمارى مميز بوسط البلد، حيث إنه بعد التعديلات وطبقًا للمعايير الجديدة يكون إيراد السينما فى العام ٥ ملايين جنيه.
سينما «ميامى» مثلًا كانت حتى عام ٢٠٢٢ تحقق مكسبًا يصل إلى مليون جنيه سنويًا، ويمكن مع خطة للتطوير تقفز إلى ٢٥ مليونًا، والدراسات التى أجريت على تلك الدور كلها تؤكد أنها قابلة للنجاح والرواج ومضاعفة إيراداتها أضعافًا مضاعفة مع بعض التطوير والصيانة، لكنها نصائح ضُرب بها عرض الحوائط.
لا تطوير ولا إصلاح، بل البيع والهدم، وهو ليس مصير دور العرض التاريخية فقط، بل الدور على الاستديوهات التى يزيد عمرها على أعمار أغلب دول المنطقة!

سينما الشرق الجديدة - القاهرة - مصر - مواعيد حفلات، دليل دور عرض، أسعار  تذاكر
سينما الشرق

المؤشرات والقرائن تؤكد وتثبت أنها فى طريقها إلى الزوال والبيع..
لما حدث الحريق الأول باستديوهات مدينة السينما «٢٠١٦» تبرع المنتج الراحل محمد حسن رمزى بتكاليف الإصلاح والترميم بطلب من وزيرة الثقافة وقتها، إيناس عبدالدايم، وكان من المفترض أن تشدد الإدارة على إجراءات الصيانة والحماية المدنية، لكن تحقيقات النيابة فى حريق «ستوديو الأهرام» الأخير أثبتت أن آخر صيانة لكهرباء الاستديو كانت عام ٢٠١٨، وأن أقساط شركة التأمين لا تُسدد منذ سنوات، وبالتالى ليس من حق الاستديو مطالبة الشركة بمبالغ التأمين المستحقة.
إهمال فادح وفاضح، ولا تستطيع أن تمنع نفسك من استعادة فكرة المؤامرة، وأن ما يجرى هو خطة ممنهجة لبيع أصول السينما المصرية والتخلص منها.
وهو أمر يستوجب تدخلًا عاجلًا يسحب صلاحية بيع تلك الأصول التى هى ملك للدولة والشعب من الشركة القابضة لروح السينما!
وفى الوقت نفسه فإن هذا الاهتمام المتزايد بملف «اغتيال السينما المصرية» منذ أن فتحناه على صفحات «حرف» يجعلنا نتوجه بدعوة إلى صديقنا الصحفى والكاتب الكبير د. محمد الباز بأن يتبنى دعوة لمؤتمر موسّع للسينمائيين، يطرحون فيه كل مشاكل السينما وأزماتها على مائدة الحوار، يتناقشون بصراحة وشفافية، عسى أن نصل إلى حلول حقيقية للإنقاذ.. بدلًا من سياسة «بيع يا صبرى»!