السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

صمت وز ير السينما عجز أم احتكار؟

لماذا كل هذا الصمت يا عزيزى خالد؟

خالد عبدالجليل
خالد عبدالجليل

- المواقع التى يتقلدها عبدالجليل تبدو فارغة من أى حوكمة أو بنية مؤسسية

- هل رد فعل مسئول السينما الخالد فى وزارة الثقافة احتقار أم عجز أم شىء آخر؟

على مدى أربعة أسابيع متتالية تتابع جريدة «الدستور» المحترمة قضايا فساد وانهيار قطاع السينما بالكامل فى وزارة الثقافة، وملاحقة المسئول عن هذه الملفات، والمتعدد الأبعاد، بالأسئلة المنطقية والوقائع التى يصرخ بها الواقع، والتى تسد عين الشمس، وتعرض الوثائق والملفات العالقة التى يرقى بعضها فى خطورته للمساس بأمن مصر القومى، فيما لا أحد يرد على الإطلاق، وإذا كان ذلك المسئول يتقلد عددًا من الوظائف ذات الطبيعة التنفيذية كالمشرف على نشاط شركة السينما التابعة للشركة القابضة، ورئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، ومقرر اللجنة العليا للمهرجانات، فهو بجانب ذلك مستشار وزيرة الثقافة لشئون السينما، وهو ما يحتم عليه الخروج وتوضيح ما هو ملغز ومريب فى القضايا التى فرضت نفسها بقوة بعد فاجعة حريق «ستوديو الأهرام»، الذى كان القشة التى قصمت ظهر البعير.

خالد عبدالجليل

ولكن لم يظهر خالد عبدالجليل فى أى مساحة إعلامية مرئية ولا مقروءة ولا مسموعة، كأن ما طرح لا يعنيه، أو كما يشيع هو فى الأروقة الداخلية أن من يتحدثون لا يمثلون إلا أنفسهم، ويتصور عبثًا أنه يخرج لسانه لنا جميعًا، ويبدو أن المسئول المخضرم الذى تتداعى أيامه يأبى على نفسه أن يقف ولو مرة واحدة موقفًا نزيهًا ومتعادلًا ومسئولًا بحكم موقعه ومسئولياته. 

ولأن أروقة الثقافة والسينما مهما تشعبت فمساراتها تؤدى لبعضها، فإن الوسطاء وما يتردد عبرهم، وما يشاع فى كل قطاع يحط فيه عبدالجليل قدميه، يعكس ما يند عنه من تشوش وتخبط له العجب، فتارة هؤلاء الذين يتحدثون لا يمثلون جموع السينمائيين الذين أغلبهم داعمون لمجهوداته وإنجازاته، وتارة من يفتح ملفاته السوداء هم أصحاب مصالح وأغراض وأحقاد، وتارة يهذى بتلك الأسطوانة التى ملّها الجميع من كونه مدعومًا من أجهزة سيادية وأنه بعيد كل البعد عن أى نقد وتقييم بأى حال وكل حال، ناهيكم عن تلك التصرفات الفاجعة من إنشاء صفحات مزيفة ركيكة وكريهة، تسب وتهدد وتنتهك خصوصيات الناس بشكل غير مسبوق، كأننا فى ساحة ردح بمستوى وضيع، والأدهى أن اسمه يأتى صراحة على لسان هؤلاء السبابين المنتهكين، ويعلنون بمنتهى الأريحية أنهم يدافعون عنه ويدعمونه «فحبايبه كتير» و«وهيبقى وزير كمان»، هذا الجنون الكامل يحدث على مرأى ومسمع من وزارة الثقافة وكل الجهات الاعتبارية فى الدولة، وفى واقعة غير مسبوقة لم نعهدها فى مسئول ترك منصبه، أو يتم انتقاد أدائه المتهافت، وفى حالتنا هذه نحن بصدد طرح قضايا تخص ملفات بالغة الخطورة يمسك بتلابيبها جميعًا، لا أحد يعرف أولها من آخرها. 

وزيرة الثقافة

ولمن يسأل أين وزيرة الثقافة من كل هذا؟ فلا أحد يدرى، الشاهد أمامنا أنها تلوذ وتحتمى بالصمت أمام ملفات تُطرح فى الصحافة وبجريدة مهمة وموثوق بها كجريدة «الدستور»، وانتقلت لساحة الإعلام المرئى، وللحق فقد ردت علينا بعبارة مقتضبة «الشكاوى تقدم مدعومة بمستندات».

جميعنا نعلم علم اليقين أن أمامها أكوامًا من الشكاوى والمستندات الخطيرة، التى تخص مستشارها السينمائى ومستشار «عشرتاشر» وزير سبقها، لكن هذه العبارة ربما تنطوى على عجز عن مجابهة ذلك الذى بدلًا من أن يبرئ ساحته وساحة من أبقوه كل هذه السنوات التى قاربت العقدين، يتستر وراء من يحمونه لحماية مصالحهم، ويقضى وقته فى إنشاء صفحات مزيفة تكتب وتهدد لصالحه بما يندى له الجبين.

وربما يدها المغلولة تلك هى حيرة إزاء قضايا ضخمة تشكل مشهدًا أقرب للمشهد الشهير الذى صممه محسن نصر فى فيلم «أريد حلًا»، عندما صور فاتن حمامة تقف ضائعة وسط أطنان من الملفات، ومن يدرى؟

الأكثر غرابة هو أن هذه المواقع التى يتقلدها عبدالجليل تبدو فارغة من أى حوكمة أو بنية مؤسسية، فالشركة لها رئيس مجلس إدارة وهو المخرج عمر عبدالعزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية، ومجلس إدارة يضم عددًا من الأسماء المعروفة، أبرزهم الأستاذ مسعد فودة نقيب السينمائيين ورئيس اتحاد الفنانين العرب.

والجميع لا حس ولا خبر، كأن الأمر يحدث خارج نطاق اهتمامهم، أو فى قطر آخر، وربما اطمأنوا اطمئنانًا غافلًا للسبات الطويل الذى غرق فيه السينمائيون من فرط اليأس والإحباط، حتى ظنوه مواتًا كاملًا، لم يكن فى حسبان أحد على ما يبدو أن تفتح ملفات السينما يومًا ما، ولم تبتئس قلوبهم لحظة أو تهتز ضمائرهم وهم يرون صناعة عظيمة وضخمة تنهار أمام أعين الجميع، تاريخ ثمين من الأفلام والعُهد المتحفية والمنشآت التراثية، يباع جملة وقطاعى، وحاضر مشتت لا يليق بنا ولا بالأسماء المصرية العظيمة التى سطرها التاريخ بحروف من نور فى مجالات الفكر والفن والثقافة.

سينما

إن ما يدمى القلب أن السينما التى بدأت فى مصر كعمل وطنى بالأساس، وتشكلت بملامح قومية واضحة، ناطحت بأفلامها التى شكلت هذه الملامح سينمات الدنيا، وبعقل ووجدان مبدعين مصريين طاولوا فى وقت من الأوقات أهم مخرجين وصناع السينما فى العالم، ولم نسايرهم فحسب- اليوم يؤول حالها لما نشهده الآن من انهيار شامل، ونهب غير مسبوق لتراثها القديم، ومسئولين سلخوها من جذورها تمامًا.

إن الافتتان بالسينما المصرية على مستوى شتى البقاع العربية، كما جاء على لسان مصطفى الحسناوى المخرج المغربى الكبير، لم يكن راجعًا فحسب إلى قدرتها على بناء عالم خيالى ميلودرامى متين ومتماسك، يجد فيه المشاهد البسيط على امتداد الوطن العربى ذاته، وإنما كان يعود فوق ذلك، وعلى الخصوص، إلى كون المشاهد المغربى كان يعزز ويجدد انتماءه العربى عبر لهجة دارجة قريبة من لهجته الدارجة، ما دام أصل اللهجتين واحد وهو اللغة العربية، وعبر مواضيع اجتماعية ونفسية تكاد تكون مواضيعه هو بالذات، الشىء الذى ما كان ليحدث تجاه الأفلام الكولونيالية غريبة اللغة والموضوعات، والتى تقيم وجودها على تهميشه ووضعه فى درجة أدنى من الوجود.

لقد كانت السينما المصرية عبر تاريخها معية رحبة، يشعر من خلالها كل مواطن عربى بهويته ووجوده الأسمى، فى مقابل من يهمشونه ويضعونه فى مرتبة أدنى.

أليس ما آلت إليه سينمانا المصرية من انهيار وتجريف بفعل من قبضوا على روحها منذ انهيار القطاع العام فى ثمانينيات القرن الماضى موصولًا بزمن ذلك المسئول الخالد، ومن ورائه ممن ارتضوا لأنفسهم أن يشكلوا بطانة ومعاول هدم لأجمل ما فينا.

إن مجرد الفرجة على فيلم مصرى لم نعد نملكه على أى قناة عربية تشعرنى بالتشتت وبحجم الفاجعة، وبشعور مرير بالاحتقار تجاه صمتنا وعجزنا عن أن نحرك ساكنًا، والحديث هنا موجّه لجموع السينمائيين والمثقفين، أنتم تلمسون انهيار كل شىء على حياة أعينكم، فما الذى تنتظرونه، وهذا المسئول، وغيره، لن ينجو بمسلكه ومنهجية عمله المريبة وبطانته التى كونها وتكونت عبر وجوده، أو بتشكله لأستار حديدية عبر سنوات اختبأ وراءها من ذبحوا الدجاجة التى كانت تبيض لنا ذهبًا، سينمانا المصرية وصناعاتنا الإبداعية برمتها، والتى تآكلت ولم يعد يبقى منها شىء.

إن الإحساس بالخجل والأسى لا يفتأ يعاودنى كمرض مزمن كل حين، عندما أسترجع فى منهج تاريخ السينما العربية، الذى أدرسه لطلابى مبدعى الغد والأمل الصافى، كلمات المخرج المغربى الكبير عن قيمة ونفوذ سينمانا المصرية فى قلوب كل أبناء الوطن العربى الذين تشكلوا عبر مبدعين كبار، مقابل وضعنا الحالى الذى بصدق لا نستأهله ولا يليق بنا ولا بتاريخنا، ولن نصمت حتى لو كنا كما يدعى هذا اللا مسئول «خمسة أنفار» على من شارك فى تقزيم الفن المصرى وأهان الإبداع والمبدعين المصريين، وأبدًا لن نرضى عن أن يكون هذا الرجل ومن هم على شاكلته واجهة السينمائيين ولا وزارة الثقافة المرموقة ولا الدولة المصرية العظيمة، ويجب ألا نسمح بأن تتشكل بعد الآن صور ولا نسخ منه، مصر بصدق تستحق منا ما هو أجمل وأكثر نبلًا وروعة.