السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أحمد صبرى أبوالفتوح: الرواية باقية ما بقى الإنسان

الرواية
الرواية

ليست هذه أول مرة ولن تكون الأخيرة التى يُهاجم فيها فن الرواية. ليست أول مرة أيضًا ولن تكون الأخيرة التى يقول فيها أحد إن الرواية «فن تغرب شمسه»، فمنذ أكثر من قرنين من الزمان قال البعض إن فن الرواية يموت.

لكن فى هذين القرنين حققت الرواية مآثر خالدة، مآثر من كل نوع، وخاضت أشواطًا هائلة فى أرض جديدة، حتى فى المدارس التى سبق وظن البعض أنها أعطت كل ما فيها، الرومانسية الجديدة، الواقعية بكل تجلياتها، الرمزية، تيار الوعى، حتى ما يسمى بـ«الرواية الجديدة» بما تحرض عليه من نبذ مركزية الحكاية، وموت السرديات الكبرى، وتحطيم الحبكة واستقلالية الأشياء أو «التشيؤ» كما يقولون، والاجتراء على قواعد اللغة، والتداعى الحر.

كل هذا لا يثير القلق، فالرواية فن يستطيع دائمًا أن يتعافى، ولذا لا أقلق من أى هجوم على فن الرواية، وهو فن سيبقى ما بقيت الحياة وبقى الإنسان، فلا يمكن تصور أن يعيش الإنسان وتموت الحكايات، فالإنسان كائن اجتماعى بطبعه، وكونه كائنًا اجتماعيًا يعنى أنه يختزن فى ذاكرته وروحه تجاربه وصراعاته مع غيره ومع الطبيعة وحتى مع القدر.

هذا كله يفتح دائمًا كل الأبواب على مصاريعها أمام الخيال والإبداع، الذى هو فى الحقيقة نصف فعاليات العقل البشرى، والنصف الآخر للقوانين الحاكمة للعقل وللتفكير العلمى والمشاهدات الدافعة لهذا.

لهذا أنا أتعجب ممن يقولون إن الرواية لم تعد كما كانت من حيث كونها ديوان الحياة المعاصرة، الغريب هو أن هذا الرأى يتجاهل هذا التكالب الكبير على كتابة الرواية، ممن يجيدون هذا الفن ولا يجيدونه، الجميع يريد أن يكتب الرواية.

لهذا أنا لا أوافق من يهاجمون هذا الفن الراقى الراسخ الرأى. والحقيقة أنا لم أكن أنتوى الرد على من يهاجمون الرواية، فالإبداع الروائى المستمر، بل المضطرد، هو خير رد، ولكن لقيمة مفكر عظيم وقدير وعالم كبير مثل الدكتور جمال حمدان، أجدنى مضطرًا ليس للرد على ما قيل فى الحوار المنشور خلال العدد الأخير لجريدة «حرف»، ولكن لتفسيره.

القارئ للحوار لا بد أنه سيلاحظ أن الدكتور جمال حمدان لم يسفه الأدب على إطلاقه، بدليل أنه أثنى على إبداع ٣ من مبدعينا الكبار: نجيب محفوظ ويحيى حقى ويوسف إدريس، وكان فى الحقيقة يتعجب من أن يكون ورثة هؤلاء العظام هم من أورد أسماءهم من الأدباء، وربما كان دافعه لذلك هو تعجبه من أن يحظى هؤلاء الورثة بكل ذلك الحضور فى الوقت الذى أجرى فيه الحوار، فى حين أن مفكرًا عظيمًا مثله لا ينال ربع ما ينالهم من تقدير.

وهذه حالة تتعلق بالسياق، وليس بإصدار حكم قاطع بشأن قيمة الأدب، وحتى لو كان ذلك رأيه فى قيمة الأدب، فإنه برغم تقديرى له كمفكر وعالم كبير وعظيم، مخطئ فى تقديره هذا، وهى مسألة تتعلق بالذائقة، فربما لم يكن يتذوق الأدب.

على كل، فإننى أقول إن الرواية لا تزال هى ديوان الحياة المعاصرة، وهى مع الشعر والمسرح والفن التشكيلى والسينما والدراما مكونات مهمة لخلود الروح الإنسانية ورقيها، وإشباع توقها للمتعة والخلود، وتدريب الخيال على أن يرقق من هجير الحياة ومصاعبها، فى محاولة لتعميق فهم حقيقة الوجود وما بعد الوجود.

ستعيش الرواية ما عاش الإنسان، وفى الحالة العربية أرى أن الرواية تحتفظ وستظل تحتفظ بقيمتها وقدرها على قمة الفنون الإنسانية، برغم الاجتراء عليها ممن لا يمتلكون الموهبة، وبرغم ما نراه من محاولات لنيل الجوائز ممن لا يستحقونها، وبرغم هذا اللغط الذى نعيشه فى محاولة لدفع فاقدى الموهبة الى الأمام، على حساب الموهوبين الذين لا ينشغلون بهذا الصخب.