السبت 05 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ابنة يوسف عزالدين عيسى: أنشر 4 أعمال جديدة لوالدى.. قريبًا

يوسف عزالدين عيسى 
يوسف عزالدين عيسى 

- بيتنا «متحف صغير».. وما زلنا نحتفظ بكتبه وورقه ومقالاته ومسودات كتاباته

- كان يكتب أمام البحر وكأنه يمليه ما يكتب.. والجوائز آخر ما اهتم به

- ارتبط بعلاقة طيبة مع كل كُتّاب جيله.. وظلوا على تواصل معنا بعد وفاته

جمع بين الأدب والعلم فى أعلى مستوياتهما، ليصبح أديبًا صاحب عالم ومدرسة خاصة فى الكتابة، يختلط فيها الخيال والحلم بالواقع بشكل رمزى، ليقدم تحليلًا دقيقًا لعالمنا الحديث الواقعى الذى نعيشه اليوم.

إنه الأديب الكبير يوسف عزالدين عيسى، الذى ألف كل الأجناس الأدبية، من رواية وقصة قصيرة ومسرحيات وقصائد شعرية، فضلًا عن ريادته فى الدراما الإذاعية والتليفزيونية، من خلال أعمال تميزت بالتشويق الشديد واللغة السلسة.

كسرت رواياته الحاجز التقليدى للرواية العربية، فتعدى حدود الزمان والمكان، وكان من أوائل رواد «الواقعية السحرية»، بل «أسس مدرسة جديدة فى الكتابة الأدبية تأثر بها الكثير من الأدباء»، وفق ما جاء فى حيثيات جائزة الدولة التقديرية فى الآداب، التى حصل عليها فى عام 1987، كأول أديب مصرى ينال هذا التكريم وهو يعيش خارج العاصمة، وتحديدًا فى الإسكندرية.

عن هذه المسيرة الحافلة للكاتب الكبير يوسف عزالدين، وكيف كان يعيش فى بيته، وما تبقى من مكتبته الضخمة، وطقوسه فى الكتابة، وغيرها من التفاصيل الأخرى، يدور حوار «حرف» التالى مع ابنته «فاتن». 

■ بداية.. كيف كان يوسف عزالدين الأب؟ وهل يختلف عن الكاتب؟

- يوسف عزالدين الكاتب كان لديه العديد من صفات يوسف عزالدين الأب. ككاتب كان حساسًا جدًا، يشعر بالإنسان والمشكلات التى تواجهه ويعبر عنها بطريقة غير مباشرة من غير زمان ومكان. وكأب كان حنونًا وحساسًا جدًا وبمثابة صديق، ليس بيننا أى حواجز، ونستطيع التحدث إليه فى كل الأمور.. مثل الأصدقاء «مبيزعلوش من بعض وبيثقوا فى بعض».

■ هل تأثر والدك بمجال عمله العلمى فى الكتابة؟

- بالتأكيد، تأثر أبى بعمله فى الكتابة، لكنه قبل أن يكون أستاذًا جامعيًا فى كلية العلوم، كان دائمًا يحب جميع الأشياء متصلة ببعضها، العلم والأدب والفن والموسيقى، فكان يقرأ فى الشعر كما يقرأ فى العلم.

وبعد التحاقه بكلية العلوم، لم يشعر بأن هذا الأمر سيؤثر على الكتابة، فى ظل فكرة اتصال كل الأمور لديه، دون أى تضارب بينها، التى جعلته أكثر عمقًا، مع اعتقاده بأن العالِم عندما يتحول إلى فنان، يكون فنانًا أكثر عمقًا، إذ يرى أمورًا كثيرة من نواحٍ أكثر وبعمق أكبر، بالإضافة إلى دقة الأسلوب وخلوه من الإطالة، وهذا خلق التشويق فى أسلوبه.

■ كان والدك مِن أوائل مَن كتبوا روايات ما يسمى بـ«الواقعية السحرية».. كيف تنظرين إلى هذه الأعمال؟

- الواقعية السحرية فى كتابات أبى كانت تعتمد على معالجة الواقع بالخيال، مع إدخال السحر والحلم فى هذا الخيال، وغيرها من الأدوات التى تساعد على التعبير عن الواقع، من دون الشعور بالانفصال عن القراءة.

ولوالدى عدة كتابات قديمة جدًا تنتمى إلى الواقعية السحرية، مثل «سيكوسيتا»، التى تحكى عن مدينة ليس لها وجود على الخريطة، يتخيلها ويتخيل بها أشياء عجيبة تحدث. لو قارناها بعالمنا الحالى سنجدها شبيهة له تمامًا، لكنها مكتوبة بطريقة ساحرة، إلى جانب رواية «الواجهة»، التى كتبها فى ١٩٨١ تقريبًا، وبها تحليل دقيق جدًا لحياة أى إنسان فى أى زمان ومكان. بأسلوبه الساحر استطاع التأثير فى نفس القارئ حتى الآن.

■ هل كانت للدكتور يوسف عزالدين طقوس معينة فى الكتاب؟

- رغم أنه كان يستطيع الكتابة فى أى مكان، كان يفضل الكتابة أمام البحر، وقبل المجىء إلى الإسكندرية، كان يحب الجلوس أمام النيل. المياه بالنسبة له لم يكن لها شط آخر مثل النيل، وهذه من أعمق أفكاره الفلسفية، تمامًا مثل فكرة «الما لا نهاية» التى تحدث عنها الفلاسفة. كان يصحب معه أشياء أثناء الكتابة، ويتوجه إلى أحد المقاهى على البحر، ويجلس بحيث يرى البحر أثناء الكتابة، وكأن البحر يملى عليه ما يكتب.

■ مَن مِن الكُتاب كان على صداقة به وتواصل دائم؟ 

- كانت علاقته طيبة بكل الكُتاب المصريين المعاصرين له، والذين كانوا يتواصلون معه، مثل ثروت أباظة ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف السباعى ويوسف إدريس ويحيى حقى. كانت علاقتهم وطيدة جدًا، وحزنوا كثيرًا لوفاته. استمرت العلاقة مع معظم الكُتاب حتى بعد رحيل الوالد، فقد كانوا يتواصلون معنا للاطمئنان علينا، بعد وفاته.

■ وماذا عن مكتبة والدك؟ هل ما زالت كما هى؟ وهل كتب وصية للتبرع بها أم لا؟

- لدى أبى مكتبة كبيرة ورائعة جدًا، وكل غرفة لدينا فى بيتنا، إلى جانب غرفة المكتب الرئيسية، بها مكتبة صغيرة، وكان مهتمًا بتفاصيل المكتبة، لونها وشكلها، وبالتأكيد نوعية الكتب بها، النادرة والعظيمة.

لم يكتب وصية تتعلق بالمكتبة، لكنه كان على ثقة بأنها ستكون فى يد أمينة. لذا، نحن لا نزال محتفظين بكل شىء كما تركه تمامًا، المكتبة والكتب ومكتبه وقلمه وورقه ومقالاته المنشورة كلها، إلى جانب مسودات كتاباته.

البيت بأكمله يشبه المتحف الصغير، ولا أعرف من الذى سأوكله بالحفاظ على المكان كما هو بعد رحيلى، وأتمنى أن تكون جهة ذات صلة بالدولة، مثل وزارة الثقافة أو مكتبة الإسكندرية، المهم بالنسبة لى الحفاظ على كل شىء كما تركه الوالد تمامًا.

■ هل فى العائلة مَن ورث عن الأب موهبة الكتابة؟

- بالتأكيد ورثنا عنه موهبة الكتابة لكن بشكل مختلف. شقيقى الدكتور «أيمن» كان أستاذًا جامعيًا أيضًا، كان رئيس قسم أمراض المخ والأعصاب بالتحديد، ولديه إسهامات جميلة فى القصة والشعر، ولا زلت محتفظة بكتاباته. كان يكتب بأسلوب جديد وجميل. أنا أيضًا أكتب الشعر لكن باللغة الإنجليزية. أيضًا ورثنا عنه موهبة الرسم وحب الموسيقى والقراءة.

■ هل مازالت هناك أعمال لم تُنشَر بعد للدكتور يوسف عزالدين؟

- بعد وفاة الوالد كان هناك بعض الأعمال غير المنشورة، مثل رواية «عواصف»، قبل أن تُنشر فى الدار المصرية اللبنانية، وهى الدار التى أعادت طباعة أعماله،  وطباعة غير المنشور منها من قبل. لم يتبق الآن إلا  قصتان قصيرتان، وهما «الجمجمة» و«بدون عنوان»، ومسرحيتا «عجلة الأيام» و«العبقرية تبكى»، وأعمل على نشرها قريبًا.

■ ما الذى لا تنسيه عن والدك وعلاقتكما بصفة عامة؟

- الذى لا أستطيع نسيانه لوالدى هو الحميمية الشديدة بيننا وبين إخوتى وأمى. أيضًا لا أنسى حبه لإلقاء أشعار أحمد شوقى وبيرم التونسى وأحمد ناجى. لا أنسى أبدًا الشعر بصوته الجميل، الذى أثر فىّ وفى ثقافتى، بجانب محاولاته البقاء معنا كأنه أحد أصدقائنا المهتمين بكل مشاكلنا الصغيرة. كان إنسانًا جميلًا وحنونًا.

■ ما هوايات والدك المفضلة؟

- كان لأبى هوايات كثيرة أولاها الكتابة، لأنها لم تكن وظيفته الأساسية، وأيضًا كان يحب القراءة جدًا، ويحب مشاهدة المناظر الطبيعية خاصة البحر، ويحب الموسيقى التى كانت بالنسبة له غذاء الروح، كل أنواع الموسيقى، أجنبية عربية كلاسيكية أو حديثة. أيضًا كان يكتب مذكراته.

■ من كاتبه المقرب؟ وما أبرز عمل يفضله له؟ 

- كان والدى يحب القراءة للعديد من الكُتاب، ومن المحتمل ألا يكون قد فضل مؤلفًا دون آخر، وكان يحب أعمالًا بعينها من تأليف مؤلفين عديدين، ومعظم من قرأ لهم كثيرًا وكتب عنهم مقالات هم: وليم فوكنر وفرجينيا وولف وإتش جى ويلز، بجانب ماركيز، والكاتب الألمانى هنريش بول، خاصة عندما كتب قصة «الوجه الحزين».

أعجبته جدًا «الحرب والسلام» لتولستوى، وقرأها عدة مرات، وأحب دوستويفسكى وتحليله النفسى، وكافكا الذى كان يعتبره عبقريًا، وسامرز بوم أيضًا، والذى لا أظن أن أحدًا قرأ له كل إصداراته غير والدى الدكتور يوسف عزالدين عيسى.

■ هل كان الدكتور يوسف عزالدين يهتم بالجوائز؟

- كأن آخر ما يهتم به والدى هى الجوائز، ولا أظن أن الكاتب الحقيقى يضع عينه على الجوائز وهو يكتب، فالكاتب يكتب عندما يشعر بأن هناك ما يريد قوله، وهذا الأهم بالنسبة له. لكن إذا أتت الجوائز فيسعد الكاتب بها، لأنها تشعره بالتقدير.