الأربعاء 04 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الرسام يكتب القصص أيضًا.. الأعمال النثرية لفنان الكاريكاتير حجازى

حرف

- جاءت تجربة «حجازى» مع تلك الكتابات التى بدأها فى 24 يناير 1963 تحت لافتة جميلة «أسطورة قديمة»

فى كتابها الشامل «حجازى.. تاريخ مصر بالكاريكاتير»، رصدت الباحثة فوزية الأشعل فى سفر كبير، المراحل التى مر بها حجازى منذ جاء شابًا حالمًا من مدينة طنطا، ثم يلتحق بمجلة «التحرير»، ويبدأ فيها رسوماته الأولى، التى أبرزت كثيرًا من مواهبه المخزنة، وكان مع الشاب أحمد ابراهيم حجازى بعض الفنانين الآخرين فى مجلة «التحرير»، منهم صلاح الليثى وإيهاب كامل وغيرهما، وعندما بدأ أحمد بهاء الدين يجهز لمجلة «صباح الخير»، التى صدر عددها الأول فى 12 يناير 1956 استعان بفنان كبير، وأحد صنّاع كثير من المجلات والكتب والصحف التى كانت فى ذلك الوقت حسن فؤاد، الذى كان مشرفًا على إعداد وتصميم مجلة «التحرير» التى صدرت فى أعقاب قيام ثورة يوليو مباشرة فى 15 سبتمبر 1952.

أتى له بمجموعة غير تقليدية بمجموعة كبيرة من الفنانين والكتاب الشباب، وفى العشرينيات من أعمارهم، منهم مفيد فوزى، وأحمد حجازى، ورجائى ونيس، وغيرهم، كما أن صلاح جاهين، وجورج البهجورى كانا يعملان فى مجلة «روزاليوسف» منذ عام ١٩٥٤وواصلا حتى أصبحا نجمين فى «صباح الخير» مع بهجت عثمان، وتماضر توفيق زوجة الفنان هبة عنايت، وسوسن زوجة صلاح جاهين، وسميحة حسانين، ثم جاء حسن فؤاد بحجازى ليكون بين هؤلاء، ويقول الفنان محمد بغدادى فى مقال له: «عندما جاء مع حسن فؤاد قادمًا من مجلة (التحرير) التى نشر فيها أول رسوماته، كان الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين يضع اللمسات الأخيرة لإطلاق مجلة (صباح الخير) من ضلع (روزاليوسف) الأعوج، فهى مجلة اللوع، والتمرد والخروج على المألوف، ويقول حجازى القادم من طنطا منذ شهور: عندما دخلت (روزاليوسف) و(صباح الخير)، التقيت بالناس الجامدة قوى فى الكاريكاتير.. صلاح جاهين.. جورج البهجورى، ورجائى ونيس»، ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلة حجازى فى الصحافة المصرية، ليصبح بعد سنوات قليلة من أشهر رسامى الكاريكاتير فى مصر والعالم العربى.

فعلًا أصبح حجازى من أمهر وأشطر وأكفأ الرسامين، ليس فى مجلة «صباح الخير»، و«روزاليوسف»، فقط، بل فى مصر والعالم العربى كما قال بغدادى وآخرون من العارفين بفن حجازى، وبدأت رسومات حجازى الأولى دون توقيعه، وبدأ يرسم بورتريهات، حيث إنه كان بارعًا فى رسم البورتريهات، وفى ذلك سار على نهج فنان آخر فى «صباح الخير»، وهو جمال كامل، ولكن حجازى برع فيما بعد فى فن الكاريكاتير، وكانت أول رسمة له فى المجلة، وتحمل توقيعه، جاءت فى١١ أكتوبر ١٩٥٦، ضمن موضوع تحت عنوان «مشروعات تجارية تديرها النساء»، ثم انطلق بعد ذلك، ويتميز كل فنان فى المجلة بخطوطه وريشته، وخفة ظله المفرطة، وكانت أفكاره التى نبعت من ثقافته العميقة، وممارسة الحياة فى كل صورها، هى الينبوع الأول الذى كان يعطى لرسوماته أبعادًا مختلفة تفوق الطرافة والسخرية والفكاهة، إلى الاحتجاج والتمرد، حتى غضب جمال عبدالناصر شخصيًا من إحدى رسوماته المتمردة، ما أثار بعض قلق للمؤسسة نفسها، وكان ذلك يهدد بتقليص الحرية التى كان يتمتع بها حجازى، وبالطبع كان رسامو المجلة كلهم يعرفون كيف يتجاوزون تلك الخطوط الحمراء بذكاء وخفة دم، وكانت السلطات تسمح بذلك، طالما كانت تأتى فى إطار الصالح الاجتماعى العام، دون تشكيل خطر واضح على كيان الدولة نفسه، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة دءوبة ومخلصة وليست منحازة، حيث إن كثيرًا من الباحثين رصدوا أشكال العوار فى ممارسة الديمقراطية، وهذا حقهم، وبالطبع كانت الملاحظات حقيقية، إلا إذا انحرفت لأغراض أيديولوجية، فتجنح إلى الكذب واختلاق صور غير حقيقية، كما جاء فى مذكرات كثير من جماعة الإخوان، ولكن لم نر أحدًا من هؤلاء يرصد ويقرأ ويحلل مساحات الحرية التى كانت متاحة بشكل واضح للغاية، خاصة عند رسامى الكاريكاتير، خاصة عند حجازى، وصلاح جاهين، وزهدى، وبهجت عثمان، كانت رسومات التمرد لها أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية ودينية، وفى كل المجالات، نحتاج بالفعل إلى دراسة تلك الحقبة، وإلا ما الذى خلق النهضة الفنية والثقافية والفكرية التى تجلّت فى تلك المرحلة.

حجازى كان أبرز نجوم تلك الفترة، وأميز رساميها، وأكثرهم إقلاقًا فى التمرد على السائد والتقليدى والمستتر، كان يمزج المعلن بالمخفى، وذلك كان يحدث نوعًا من القلق، فعندما كان يرسم مايوهات النساء كان يجد بعض الاعتراض، رغم أنها ظاهرة قائمة وفاعلة ومنتشرة اجتماعيًا، لكن أصحاب الفضيلة المفتعلة كانوا يريدون أن يظل ذلك المعلن اجتماعيًا، مستترًا فى الصحف والمجلات، مثل تلك النعامة التى تدفن رأسها فى الرمال.

عندما كان يقود أحمد بهاء الدين مجلة «صباح الخير» منذ نشأتها، فعل فى الصحافة المصرية الكثير، والكثير، بعدما ضم إلى المجلة شبابًا مجهولين، ليصبحوا نجومًا فوق معلومين، بفضل المهارة الصحفية المتنوعة التى أبدعتها عبقريات رسامى وكتّاب المجلة، ثم تركها عام ١٩٥٩، ليتولاها الكاتب الصحفى والروائى فتحى غانم، ويجد نفسه أمام شكل من التحدى الرهيب لكى يصنع جديدًا فى المجلة، وكان «غانم» أهلًا بذلك التحدى، فصنع مجالات جديدة فى المجلة، من أهمها إرسال بعثات صحفية لاستكشاف كثير من المدن والمناطق الجغرافية الوعرة، وإرسال مع كل صحفى أحد الرسامين، ومن ثم ذهب عبدالله الطوخى رحلة فى النيل، وأخذ معه حجازى، وذهب صبرى موسى إلى الواحات، وكان معه الفنان مصطفى رمزى، وذهب مصطفى محمود إلى السودان وإفريقيا، وكان معه رجائى ونيس، وأصدر تلك الرحلة فى كتابه «الغابة»، وهكذا، وأبدع كتّاب ورسامون كثيرون فى المجلة، ومن بين تلك الإبداعات أن يكتب رسامو الكاريكاتير قصصًا مرسومة، وغير مرسومة، ومن ثم جاءت تجربة «حجازى» مع تلك الكتابات التى بدأها فى ٢٤ يناير ١٩٦٣، تحت لافتة جميلة «أسطورة قديمة»، ويستمر فيها عدة أسابيع، وهى، كما سنلاحظ، مزج بين الواقع والخيال فى لغة بسيطة، ولكنها ممتعة، ولـ«حجازى» نصوص أخرى كثيرة فى ذلك الإطار، ولكنها أتت تحت لافتات مختلفة، ولا يسعنى سوى أن أترك القارئ مع النصوص لكى يكتشف جمالها ومغزاها وأبعادها المتنوعة بنفسه.

1

كان فقيرًا لا يملك غير ملابسه ورغيفًا فى كل وجبة ولكنه كان يحب..

حبيبته كانت أميرة.. تملك كل شىء، وأبوها ملك عظيم يذبح كل يوم خمسة رجال، ويتزوج خمس فتيات.

وفى أحد الأيام بينما الملك جالس فى أنتريه القصر يشرب القهوة المظبوط ويدخن سيجارة بلمونت دخل عليه وزيره قائلًا:

- مولاى.. الأميرة تحب رجلًا من عامة الشعب..

قال الملك:

- هل تعرف شجرة التفاح التى تطل عليها نافذة الأميرة؟..

قال الوزير: نعم يا مولاى..

قال الملك: اشنق حبيبها على هذه الشجرة هذا أمر ملكى.

ألف عين تبحث عن العاشق لتشنقه فوق شجرة التفاح.

وعلمت الأميرة، فبكت وفتحت نافذتها التى تطل على الشجرة، وقالت:

- يا شجرة التفاح.. هل تشنقين حبيبى؟..

قالت الشجرة:

- أنا شجرة طيبة.. لكن الملك يشنق من يشاء.

وظل أعوان الملك يطاردون عاشق الأميرة شهرًا، حتى قبضوا عليه وهو نائم فى لوكاندة الانشراح الكبرى وصنعوا له حبلًا ليشنقوه على شجرة التفاح.. لكن الشجرة مالت بجذعها ونامت على الأرض وظل العاشق حيًا، فحمله أعوان الملك إلى شجرة ثانية لكنها مالت بجذعها أيضًا ونامت على الأرض..

شجرة ثالثة.. ورابعة..

مليون شجرة..

ماتت كل الأشجار ولم يمت عاشق الأميرة..

فأمر الملك بسجنه فى غرفة لها سبعة أبواب على كل باب سبعة من الحرس.. وفى يد كل حارس سبعة مسدسات، وفى كل مسدس سبع طلقات..

وجلس العاشق حزينًا فى السجن، لكن عصفورة شقشقت من بين القضبان، وقالت:

- أيها العاشق.. هل تريد أن ترى الأميرة؟

ثم ألقت حبة من القمح من منقارها وقالت:

- كل هذه الحبة، وستحول إلى عصفورة مثلى.. 

وأكل العاشق حبة القمح، فتحول إلى عصفورة وطار من بين القضبان إلى قصر الأميرة.

واكتشف الحراس الأمر، وقال رئيسهم:

- يا جلالة الملك.. إنه عاشق مسحور.. لقد رأيت عصفورة تدخل من نافذة السجن.. وبعد لحظة رأيت عصفورتين تخرجان من النافذة..

جن جنون الملك، فاقتحم غرفة ابنته فوجدها جالسة على حافة الفراش تضحك كأنها أسعد امرأة فى العالم، فسألها:

- هل رأيت عصفورة هنا؟..

قالت الأميرة وهى تضحك وتسوى شعرها:

-هل تريد عصفورة يا أبى؟..

وخرج الملك من غرفة ابنته غاضبًا..

ويقولون إنه فقد عقله من يومها، واشترى نبلة يصطاد بها كل عصفورة تقابله!..

2

كان ياما كان فى سالف العصر والأوان مدينة غريبة، كل رجالها عباقرة، وكل نسائها جميلات وفاضلات، لكن المدينة العظيمة استيقظت ذات يوم فوجدت رجلًا غريبًا يسير فى طرقاتها وهو يضع يديه فى جيوبه ويدخن سيجارة.. وبدأ رجال المدينة العباقرة يضحكون عليه، لأنه صعلوك.. لكن النساء بدأن يفتحن النوافذ ليتفرجن عليه أثناء سيره فى الطرقات.

فى هذه الليلة، نامت كل نساء المدينة وهن يفكرن فيه، كم هو وسيم وساحر، لكنه بلا قلب.

فى الصباح وقعت فى حبه امرأة، فأخذها إلى حجرته فى أطراف المدينة، فقبلها فى فمها ثم علقها من شعرها فى سقف الحجرة، وأشعل سيجارة ووضع يديه فى جيوبه وعاد يسير فى طرقات المدينة، وعند أحد المنعطفات نادته امرأة بصوت خافت.. أحبته.. فأخذها إلى حجرته وقبلها فى فمها وعلقها من شعرها بجانب المرأة الأخرى.

يوم.. یومان.. شهر.. سنة.. أحبته كل نساء المدينة فعلقهن من شعورهن جميعًا فى سقف الحجرة. 

وأصبح رجال المدينة العباقرة دون نساء.. فاجتمعوا فى ميدان عام، واتفقوا على قتله.. فساروا فى مظاهرة ضخمة حتى أطراف المدينة وعندما اقتربوا من المكان أحس الصعلوك بذلك، فقال للنساء المعلقات من شعورهن.

- الرجال قادمون.. سيقتلوننی.

- لن يقتلوك.. لأننا نحبك.

- لماذا تعلقنا من شعورنا والرجال قادمون، أحضر مقصًا ودعنا ننزل من السقف لندافع عنك، ففعل، وخرجت النساء من الحجرة، واشتبكن مع الرجال العباقرة فى معر كة رهيبة، استمرت يومين حتى قتل النساء والرجال بعضهم البعض.

ولم يبق من حى واحد سوى الصعلوك الذى وقف ينظر إلى القتلة ثم أشعل سيجارة جذب منها نفسًا عميقًا ونفض رمادها على جثث الرجال العباقرة والنساء الفاضلات ثم وضع يديه فى جيوبه وخرج من المدينة.

3

يحكى أن شابًا فقيرًا ذهب ليخطب الفتاة التى يحبها جدًا.. ولكن أباها رفضه لأنه فقير. فحزن الشاب حزنًا شديدًا ووقف ينتظر المواصلات على محطة الأتوبيس وقال فى نفسه «آه لو كنت غنيًا.. لأستطعت أن أتزوج حبيبتى».

فسمعته السماء..

ولم يكد ينتهى من كلامه حتى وجد نفسه يركب عربة شيفروليه سوداء وفى جيبه دفتر شيكات على بنك الجمهورية، فركن عربته فى شارع سلیمان واشتری من الملابس والمجوهرات ما لذ وطاب.

بيت حبيبته فى شبرا، ولكن ماذا يهم ما دامت معه عربة شيفروليه.

بعد خمس دقائق سيصل إلى البيت ويطلب يدها ولن يرفضه أبوها لأنه غنى.. غنى..

وبينما هو فى الطريق جاء الشيطان ووقف على أذنه اليسرى ووسوس له قائلًا: «قبل أن تذهب إلى حبيبتك، ما رأيك فى كأس من الويسكى؟».

واحد ويسكى. تلاتة ویسکی. عشرة ويسكى.

ثم نهض ليذهب إلى خطيبته فوقف الشيطان على أذنه اليسرى ووسوس له قائلًا: «إنت مبسوط جدًا.. كان الويسكى فى غاية الجودة.. أليس كذلك؟».

أجاب الشاب: «نعم.. أنا جدع».

فقال الشيطان: «ما رأيك إذن لـو ذهبنا إلى كباريه، نتناول العشاء ونتفرج على الرقص الشرقى؟».

حمام وفراخ وسكلوب بانیه وکبد وکلاوى ورقصة شرقية.

ولم يذهب الشاب إلى حبيبته. أطاع الشيطان وذهب إلى الكباريه نسى حبيبته.

ثم خرج من الكباريه وركب العربة الشيفروليه.. وعند أحد المنعطفات شاهد حشدًا كبيرًا من الفتيات يعترض الطريق. فتوقف بالعربة فقالت له الفتيات: «نحن نريد أن نتزوجك»، فقال الشاب: «أنا لا أفكر فى الزواج»، فقالت الفتيات: «فلنكن أصدقاء على الأقل».

فكر الشاب قليلًا.. ثم أعطى نمرة تليفونه لكل فتاة. 

ونسى حبيبته، ورأته السماء، فجاء ملاك الخير ووقف على أذنه اليمنى وقال له: «لقد كنت تتمنى الغنى حتى تستطيع الزواج من حبيبتك، فلما أصابك الغنى نسيتها». 

ثم أشار ملاك الخير بإصبعه إلى دفتر الشيكات الذى فى جيب الشاب فتحول إلى «نوتة حساب شكك»، ثم أشار إلى العربة الشيفروليه فتحولت إلى أتوبيس عام مزدحم بالركاب.

ونزل الشاب من الأتوبيس فقيرًا معدمًا، وتوجه إلى الغرفة التى يسكنها فى البدروم وجلس على حافة الفراش. وأشعل سيجارة.

ومن يومها وهو يدخن.

4

 

ذهب الشاب إلى المستشفى لأنه كان مريضًا وجريحًا، فطلب سريرًا وطبيبًا وممرضة، وأجاب المستشفى طلبه، فنام على السرير، وعاده الطبيب، ثم جاءت الممرضة فمسحت على جبينه وسألته «مش عايز حاجة تانية» لأ، فقال لها «عايز أحب»، فأحبته وأحبها- وتعاهدا على الوفاء.. وشاعت قصة حبهما فى المستشفى وصارت مثلًا، حتى علم بها مدير المستشفى الشرير فأمر بطردهما رغم أن الشاب المريص لم يكن قد أكمل علاجه بعد..

وجلست الممرضة العاشقة على الرصيف تبكى حبيبها الذى يتلوى بجانبها من المرض، ثم جرت إلى البقال لتطلب بوليس النجدة بالتليفون، لكن البقال ردها خائبة لأنها لا تملك المكالمة فوقفت حائرة لا تدرى ماذا تفعل حتى رأت رجلًا يسير بسرعة فاعترضت طريقه وطلبت منه قرشين صاغ ثمن المكالمة، لكن الرجل اعتذر لها بأنه موظف صغير مرتبه ١٨ جنيهًا، ويعول أسرة تتكون من زوجه وخمسة أطفال! فانصرفت خائبة، ووقفت تبكى حتى رأت سيدة عجوز فطلبت منها قرشين، لكن السيدة اعتذرت بأن زوجها توفى منذ خمسة شهور والمصلحة لم تسو معاشه حتى الآن! فانصرفت خائبة ووقفت تبكى حتى رأت عربة قادمة فرفعت ذراعها فتوقفت العربة وأطل منها شاب أبيض حسن الصحة فطلبت منه قرشين، فابتسم الشاب وفتح باب العربة وهو يقول لها «اركبى.. سأعطيك جنيهين!» لكنها لم تركب، فأغلق الشاب باب العربة ومضى فى طريقه..

فعادت إلى الرصيف الذى ينام عليه حبيبها فوجدته ينام ساكنًا فى بركة من الدماء وصدره يعلو ويهبط بسرعة رهيبة ونادت عليه.. حبيبى.. حبيبى.. لكنه لم يسمع، فجعلت تصرخ ثم انحنت على وجهه تقبله وتبكى. وفى هذه اللحظة مر أحد عساكر بوليس الآداب فرآها تقبل حبيبها، فاعتبر ذلك فعلًا فاضحًا فى الطريق العام، وأحضر عربة بوليس الآداب فحملتهما إلى قسم البوليس، وأمر الشاويش النوبتجى - وهو نصف نائم - بوضعهما فى التخشيبة..

وبينما العاشقان فى التخشيبة ظهرت قطة سوداء ثم ماءت وقالت «السلام عليكم ورحمة الله».. وتمالكت الممرضة أعصابها وردت السلام، فتحولت القطة السوداء إلى قطة بيضاء، ثم ماءت وقالت: «لبيك لبيك.. ماذا تطلبين؟»، فأشارت الممرضة إلى باب التخشيبة المغلق وقالت «نريد أن نخرج من هذا السجن» - قالت القطة «هذا ليس حلًا.. ستجدين العساكر فى انتظارك» ثم نشبت القطة أرض التخشيبة فانفتحت طاقة، ثم لمست الشاب المريض فعادت إليه الصحة، ثم قفزت داخل الطاقة التى فتحتها وقالت «اتبعانى»، فتبعاها وهبطا معها سلمًا ضيقًا قادهم إلى مدينة جميلة كأنها فرح، وظهر شيخ جليل يرتدى ملابس بيضاء، وسأل «ماذا»؟ فقالت له القطة «إنهما عاشقان يطلبان العدل» فأشار لهما الشيخ أن يتبعاه، فسارا خلفه حتى وصلا إلى بناء يشبه المحكمة ثم قال:

- لقد طردكما المدير من المستشفى.. أليس كذلك.. ووضعكما الشاويش النوبتجى فى التخشيبة.. أليس كذلك؟..

ثم أشار بإصبعه فى الهواء فانشقت الأرض عن المدير والشاويش.. ووقف المدير والشاويش يرتعدان من الخوف، فأشار الشيخ بإصبعه فى الهواء، فتحولا إلى فأرين فأكلتهما القطة..

ثم قادهما الشيخ إلى بيت جميل بجانبه مصنع ومستشفى ومدرسة ودار للسينما.. فعاشوا فى التبات والنبات وخلفوا صبيان وبنات..

5

يحكى أن سيدة كانت لا تصوم فى رمضان، وفى صباح أحد الأيام أمسكت بفرخة سمينة لتذبحها، فقالت لها الفرخة:

- لماذا تذبحيننى.. لأ.. فأجابت السيدة: حتى أتغدى.

فقالت الفرخة: أنت صايمة ولا فاطرة؟

فأجابت السيدة: أنا فاطرة طبعًا..!

فقالت الفرخة: يا فاطرة رمضان يا خاسرة دينك.. كلبتنا السودة تقطع مصارينك!

لكن السيدة لم تهتم بكلام الفرخة وذبحتها وسلقتها وحمرتها فى السمن الهولندى، ثم فتحت الثلاجة لتضع فيها الفرخة، فقالت لها الثلاجة: أرجوك مش عايزة أكل.. أنا صايمة!

فأجابت السيدة: أنا أشيل الأكل فيك على كيفى.. أنا شارياكى بالتقسيط المريح!

فسألتها الثلاجة: أنت صايمة ولا فاطرة؟

فأجابت السيدة: أنا فاطرة طبعًا. 

فقالت لها الثلاجة: يا فاطرة رمضان يا خاسرة دينك.. كلبتنا السودة تقطع مصارينك!

لكن السيدة لم تهتم بهذا الكلام ووضعت الفرخة فى الثلاجة، ثم جلست تنتظر زوجها على الغداء، وعندما حضر زوجها وجلس إلى مائدة الطعام فتحت الثلاجة، لكنها لم تجد الفرخة المحمرة.. فسألها زوجها:

أين الفرخة المحمرة؟

فأجابت: مش عارفة والنبى.. أنا حمرتها وشيلتها فى التلاجة.

فقال لها زوجها: لازم أنت أكلتيها يا مجرمة!

وضربها علقة.

ومن يومها والسيدة تصوم كل رمضان!

6

ست الحسن والجمال، أكلت الجبنة القريش وشربت من ماء النيل حتى كبرت، صار عمرها عشرين عامًا.. نظرت إلى نفسها فى المرأة سوت شعرها وعدلت فستانها الأخضر، ثم توجهت إلى النافذة فاتكأت عليها وراحت تنظر إلى الشارع.

منذ أربع سنوات وهى تنتظر الشاطر حسن، ثم تراه فى حياتها لكنها عاشت عمرها على أمل أن يأتى يومًا فيخطفها على حصان أبيض، ويقدم لها البيت والحب والطعام.

قال الشاطر حسن:

- أبى وأمى أنا أحب ست الحسن والجمال التى عاشت عمرها فى انتظارى، وسأركب فى سبيلها الصعاب.

- نخاف عليك.

- لا تخافا.. وأعطيانى حبة من القمح ونقطة من الماء..

وحمل الشاطر حبة القمح ونقطة الماء وودع والديه وسار حتى اختفت المدينة وراء ظهره، وانبسطت أمامه الصحراء، وبينما هو يسير رأى دجاجة وحيدة بين الرمال.. فلما اقترب قالت الفرخة:

- أكاد أموت جوعًا، فهل أجد معك قليلًا من الزاد؟

فأعطاها الشاطر حبة القمح ونقطة الماء فأكلت وشربت ثم سألته «إلى أين؟»، فقال لها: «إلى مدينة ست الحسن والجمال»، فقالت له الدجاجة: إن باب المدينة مغلق ولكن سر عشرة أميال، ثم احفر عشرة أقدام، وستجد مفتاح المدينة.

فعل الشاطر كما أمرته الدجاجة ولما وصل إلى أبواب المدينة فى الليل غافل الحراس وفتح الباب، ودخل وظل يسير فى شوارعها حتى رأى ست الحسن والجمال تطل من النافذة، لكنه ما كاد يرفع عينيه إليها حتى أمسكه من ياقته مارد طويل وتكلم المارد فقال:

- أنا أعرف كل شىء.. أنت الشاطر حسن أتيت تبحث عن ست الحسن والجمال.. ولكن انظر..

ثم فتح المارد عباءته السوداء فبان تحتها مسدس وسيف ومشنقة، ثم عاود المارد الكلام فقال:

- من قبلك حاول الكثيرون، لكنى قتلتهم جميعًا، انظر إلى وجهى جيدًا، أنا لى ألف عين ترى كل ما يحدث فى المدينة..

اختفى المارد لكن الشاطر حسن ظل واقفًا كالمبهوت، ثم سار حتى وصل إلى نخلة فجلس فى ظلها فتساقط عليه البلح فأكل ونام.

وفى الصباح استيقظ فوجد أمامه الدجاجة فقالت له:

- أنت الشاطر حسن، لكنه مارد جبار، يملك المسدس والسيف والمشنقة وله ألف عين.. أنصحك أن تذهب إلى الثعلب..

فنهض الشاطر حسن وذهب إلى الثعلب.

- سأعطيك قوتى ولكنى أنصحك أن تذهب إلى الأسد..

فأخذ الشاطر مكر الثعلب ثم ذهب إلى الأسد فقال له:

- سأعطيك قوتى ولكنى أنصحك أن تذهب إلى العصفورة..

فأخذ الشاطر قوة الأسد، ثم ذهب إلى العصفورة، فأعطته قدرتها على الطيران..

وسار الشاطر حسن فى قوة الأسد، ومكر الثعلب وخفة العصفورة حتى وصل إلى ست الحسن والجمال فابتسمت له وخفق قلبها.. لكن المارد الشرير نبت مثل الشيطان، خلف الشاطر حسن وأمسكه من ياقته..

وكانت معركة رهيبة، استمرت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، أصيب الشاطر بجرح فى صدره، لكنه انتصر أخيرًا وقتل المارد..

ضحكت ست الحسن والجمال..

خطفها الشاطر حسن على حصانه الأبيض..

وعاشا فى التبات والنبات..

7

كان يا ما كان يا سعد يا إكرام رجل فى الخمسين، زوجته طيبة، لهما بنت صغيرة جميلة تضحك وترقص وتغنى..

كانت لهما أمنية واحدة، أن تدخل ابنتهما المدرسة، لكن على رأس الحارة غول رهيب.. سجنهم فى المنزل ومنعهم من الخروج، فكروا أن يفتحوا الباب لكن الغول يأكل من يخرج.

فى كل صباح، كان الغول يضع لهم أمام الباب طبقًا من الفول وبصلة وثلاثة أرغفة، فيوارب الأب باب المنزل، ثم يخرج يده مثل الأرنب المذعور فيخطف الأكل إلى الداخل ويغلق الباب بسرعة..

وفى أحد الأيام، استيقظت الطفلة التى تضحك وترقص وتغنى، وقالت لأبويها: «أريد أن أخرج»..

فقالا: «إذا خرجت، أكلك الغول»، فجرت الطفلة إلى حجرتها وبكت لأول مرة فى حياتها الصغيرة، فسقطت من عينها دمعة كبيرة، ثم تحولت الدمعة إلى لؤلؤة، ثم تحولت اللؤلؤة إلى تفاحة.. وخُيل لها أنها تسمع فى أذنها اليمنى صوتًا يقول لها: أيتها البنت الصغيرة، أحضرى سكينًا وقسّمى التفاحة إلى أربعة أقسام ورددى اسمك أربع مرات..

وفعلت البنت الصغيرة كما أمرها الصوت، فتحولت إلى أربع بنات صغيرات، خرجن إلى الأب والأم وقلن:

- أبى، أمى، أنا ابنتكم الصغيرة، ولكنى أكلت التفاحة فتحولت إلى أربع بنات صغيرات وسأخرج من البيت فإذا أكلنى الغول ثلاث مرات، فلن يأكلنى فى المرة الرابعة..

بكى الأب وبكت الأم.. لكن الأربع بنات الصغيرات خرجن إلى الحارة وسرن حتى اقتربن من الغول وعندما رآهن الغول أخذ يضحك وهو يقول:

- كنت أظن أنهما لم ينجبا سوى بنت واحدة.. ولكن يا لقدرتهما العجيبة.. أربع بنات صغيرات؟.. لماذا لم يحددا النسل؟!..

وضحك الغول مرة أخرى ثم عاد يقول:

- سمعت أن واحدة منكن تضحك وترقص وتغنى..

- لن نرقص ونغنى لك: نحن لا نحبك..

فاغتاظ الغول، ثم أمسك واحدة من الفتيات وأمرها أن تضحك فرفضت فأكلها، ثم أمسك بالثانية وأمرها أن ترقص فرفضت فأكلها، ثم أمسك بالثالثة وأمرها أن تغنى فرفضت فأكلها.. ولم يبق سوى البنت الرابعة فقال:

- لقد أكلت أخواتك الثلاث أمام عينيك، فلماذا لم تبكِ؟

قالت البنت الصغيرة بكيت مرة واحدة، فتحولت دموعى إلى تفاحة فقسّمت التفاحة إلى أربعة أقسام ثم أكلتها فتحولت إلى أربع فتيات صغيرات..

ففرح الغول، وقال لها:

- سأضربك حتى تبكى فتتحول دموعك إلى تفاح ثم يتحول التفاح إلى فتيات صغيرات..

وأحضر عصا طويلة، ظل يضرب بها الفتاة الصغيرة حتى بكت وسقطت من عينيها دمعة كبيرة، ثم تحولت الدمعة إلى لؤلؤة، ثم تحولت اللؤلؤة إلى مسدس سريع الطلقات، فأمسكته الفتاة وقتلت الغول ثم جرت إلى المنزل وطرقت الباب وهى تقول: «أنا ابنتكم التى تضحك وترقص وتغنى، افتحا لقد قتلت الغول»..

وانفتح الباب لأول مرة.. وخرج الأب والأم إلى الحارة وقَبّلا ابنتهما ألف قُبلة..

مات الغول..

ومن يومها والأسرة سعيدة لا تأكل الفول!

8

يحكى أن شابًا فقيرًا كان يعانى من عدم الزواج، فكان يحلم فى الليل أنه يركب أتوبيسًا مزدحمًا بالبنات، وفى النهار يحلم بزوجة جميلة تنجب له طفلًا كل تسعة شهور!..

وقد حدث ذات عام أنه كان يعمل مسحراتيًا أى «مسحراتى»، فكان يمر على الناس الجالسين حول التليفزيون فيوقظهم ليتسحروا، وليأخذ فى العيد شيئًا من الكحك والنقود..

وفى أول أيام العيد بينما هو يدق جرس إحدى الشقات فتحت له الباب فتاة جميلة بيضاء القوام فقال لها كل سنة وإنتى طيبة فأدركت أنه المسحراتى فقالت له إستنى:

وعندما جاءت مامتها قالت:

- أيها الشاب الوسيم، لماذا تعمل مسحراتى؟..

فقال لها الشاب: ذلك لأنى فقير ولا أملك سوى الطبلة.

فقالت له: تلاعبنى طاولة؟؟..

وأشارت بطرف عينها إلى ابنتها، فانصرفت إلى حجرتها، ثم قادته من يده إلى حجرة الصالون وقالت له: سألعب معك عشرة طاولة فإذا غلبتنى كان لك ما تريد..

فقال لها الشاب هيا بنا.. ولاعبها وغلبها..

ولكن يا للعجب، لقد فرحت عندما غلبها، ودارت ترقص فى الغرفة فسألها «لماذا»؟ فقالت له: «منذ خمس سنوات أعلنت أننى لن أزوج ابنتى إلا لمن يغلبنى فى الطاولة»..

وقدمت له مفتاحين، مفتاح عربة، ومفتاح فيلا فى الهرم، ثم فتحت أحد الأدراج وأخرجت منه مجموعة شهادات..

فأعطته بكالوريوس الهندسة بامتياز..

وفرح الشاب وأخذ مفتاح الفيلا والعربة ووضع يده فى يد الفتاة الجميلة التى فتحت له الباب.. وركب معها العربة وذهب إلى الفيلا التى فى الهرم فتزوجا وعاشا فى التبات.

وبعد أسبوعين أصبح مهندسًا مشهورًا، له مكتب وتليفون.

وفى أحد الأيام بينما هو فى مكتبه دخل عليه شاب نابت الدقن وجلس على أحد المقاعد بدون استئذان قائلًا:

- ربما لا تذكرنى.. ولكن.. قل لى ما هو سر نجاحك؟

فأشعل المهندس المشهور سيجارًا وارتاح بكرسيه إلى الوراء ثم قال: أما سر نجاحى.. فهو الطاولة..

وانزعج الشاب النابت الذقن قائلًا: الطاولة؟..

قال المهندس المشهور: نعم.. الطاولة، تلاعبنى؟..

وقد كان.. وظلا يلعبان الطاولة حتى خسر المهندس المشهور كل شىء، الزوجة، والفيلا، والعربة..

ونهض الشاب النابت الذقن بعد أن كسب كل شىء وقال:

-.. حقًا.. لقد أدركت الآن فقط أن الطاولة.. هى سر النجاح!..

9

كان يا ما كان رجل فقير يشتغل فى بناء العمارات، يظل يحمل الأسمنت والطوب فوق ظهره طول النهار، وفى وقت الغذاء يشترى بتعريفة فول ورغيف ويجلس بجانب الجدار ويظل يفتح كل فولة ليخرج منها السوسة. فقد كان يحب أن يأكل الفول من غير سوس.

وفى أحد الأيام بينما هو يخرج السوسة من الفولة قالت له السوسة:

- سيدى.. اسمح لى أن أشكرك باسم كل زملائى..

قال الرجل: العفو.. ولكن لماذا تشكرينى؟..

قالت السوسة: لأنك إنسان نبيل.. كل الناس يأكلون زملائى أثناء الأكل.. ولكنك لا تفعل مثلهم..

ثم أشارت السوسة إلى فولة فتحولت إلى ديك رومى بالخلطة، ففرح الرجل وشمّر عن ساعد الجد وبدأ يأكل وهو يضحك من الفرح، وانتظرت السوسة حتى انتهى من تناول الطعام ثم قالت:

- .. والآن اجلس فى طبق الفول وتعالَ معى..

وقال الرجل: كيف ذلك.. الطبق لا يسعنى؟..

فأشارت السوسة إلى طبق الفول فتحول إلى طبق طائر..

وظلا طائرين فى الجو ٧ ساعات وسبع دقائق، ثم هبط الطبق إلى الأرض، فنزل الرجل، وقفزت السوسة بجانبه، وأشارت إلى الطبق فتحول مرة أخرى إلى طبق فول.

ثم قالت: نحن الآن فى الجزيرة الخضراء.. انظر حولك، وتناول هذه الزلطة من على الأرض..

وأمسك الرجل بالزلطة بين أصابعه فقالت له السوسة: هذه هى زلطة التمنيات أمسكها بيدك وتمنى أى شىء.

قالت السوسة هذا الكلام ثم قالت له: باى باى وقفزت عائدة إلى طبق الفول..

ووقف الرجل ساعة لا يدرى ماذا يفعل، ثم أمسك الزلطة بيده اليمنى وتمنى فيلا وعربة ومليون جنيه، وفى لحظة وجد كل شىء أمامه، فرمى زلطة التمنيات من شدة الفرح ووضع المليون جنيه فى جيبه وركب العربة بجانب زوجته الجميلة وظل يتفسح حتى قالت زوجته: أنا جائعة..

فركن العربة ونزل يبحث عن الأكل فلم يجد شيئًا يؤكل، ثم تذكر زلطة التمنيات فظل يبحث عنها ولكنه لم يجدها أبدًا.. لم يجد سوى طبق الفول!