الأحد 03 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

نهى محمود: نقاد الأجيال السابقة جاملوا «الكتابة النسوية»

نهى محمود
نهى محمود

ترى الكتابة سلاح البشر الأهم لمواجهة القبح وتجميل العالم، ووسيلتهم لخلق عالم موازٍ من الجمال والهدوء، وشق طريق ربما يهتدون به، عندما يسأمون من القتل والدماء.

تعتبر أن العالم دون كتابة صامت ومقبض ووحيد، وأن الكتابة دليل على أننا مررنا من هنا، كانت لنا قصص ومشاعر وأحزان، بل «هى كل شىء»، ومن خلالها فقط تشعر بأنك أقوى وأكثر احتمالًا للحياة، تتألم أكثر، وتبدو أكثر رهافة وحساسية للمؤثرات، حتى تعيش و«كأن العالم كله فى قلبك».

إنها الروائية والقاصة نهى محمود، الكاتبة المتسقة مع عوالمها الخاصة، التى سبق أن طرحتها فى عناوين عديدة، منها روايتا «راكوشا» و«فى الشرفة حتى تجىء زينب»، وصولًا إلى مجموعتها القصصية الأحدث «السير فى طرق ممتدة وبعيدة»، الصادرة عن دار «كيان» للنشر والتوزيع، وتحاورها «حرف» فى السطور التالية، للاقتراب أكثر من تجربتها الإبداعية.

■ فى ظل الحروب والصراعات والفوضى التى تجتاح العالم، ماذا يمكن أن تفعل الكتابة أو الحب؟ 

- يمكنها أن تلعب دورها، أن تصمد فى وجه القبح وتُجمِل العالم، تخلق عالمًا موازيًا من الجمال والهدوء، تخلق طريقًا، ربما يهتدى به البشر عندما يسأمون من القتل والدماء. أضعف الإيمان أن تُقَص حكايتنا، تبرز ضعفنا وإنسانيتنا، ورغبة الكثير منا فى السلام وحق الحياة. الكتابة قوية وباقية، دليل على أننا مررنا من هنا، وكانت لنا قصص ومشاعر وأحزان، والحب هو الآخر ذراع قوية فى مجاديف سفينة البشرية، به يربت البشر قلوب بعضهم البعض، ويمدون أيديهم بالونس والمؤازرة.. لذا، فإن العالم صامت ومقبض ووحيد دون كتابة أو حب.

■ كتاباتك تتميز ببهجة واضحة.. هل يجب أن يرتبط الإبداع بالتفاؤل، أم الحزن هو الذى يكون أكثر صلة بالإبداع؟

- فى الحقيقة، الكتابة تشبهنا تمامًا، كأنها طفل ورث كل صفاتنا الجينية. يشبه الكاتب ما يخترع، لأنه بالأساس طريقته فى رؤية العالم، هواجسه وتساؤلاته، يضع فيها الحزن والفقد والأمل والحب، وتتسرب روحه عبرها، وأحيانًا تكون هى شخصيته الحقيقية.

■ كيف تقيّمين «الكتابات النسوية» فى السنوات العشر الأخيرة؟

- مجموعة رائعة وجادة من الكاتبات ظهرن فى السنوات الأخيرة، يمتلكن وعيًا ورهافة وحساسية كبيرة، ومشروعًا يشبه عالمهن وتحدياته، وما مررن به من خبرات.

■ ننتقل للحديث عن مجموعتك القصصية الأخيرة «السير فى طرق ممتدة وبعيدة»، لماذا نشعر عند قراءتها بوجود مساحات أو فجوات تحتاج إلى الملء؟

- أرى أن القصص ممتلئة بالتفاصيل، ممتدة بروح رواية، وهذا نابع من رغبتى فى الكتابة عما أراه فى عقلى، لم أرد ترك لمحة واحدة، كانت دفقة زخمة بالغضب والسخرية ومحاولة الإجابة عن أسئلة تشغلنى. ربما لو أعدت كتابتها فى وقت آخر سأغير فيها الكثير، وأحذف الكثير، لكنها كما قلت، أجابت وقتها على كل ما أردت طرحه وتقديمه.

■ البعض يعتقد أن علاقة الناقد بـ«كتابة المرأة» مختلفة، هل يمكن أن «يتعاطف» الناقد مع نصوص الكاتبات تحديدًا؟

- ربما حدث ذلك فى أجيال سابقة، اتسمت الأمور وقتها بالمجاملات، والزهو بوجود نساء وسط الرجال فى الندوات والمقاهِ الثقافية. لكن مع ظهور مصطلح «الكتابة الجديدة» فى مطلع الألفية، اتسم الأمر بالجدية.

بدا الأمر وكأن كاتبات مهدن طريقًا لأخريات، وتمرنت الكاتبات فى التجارب السابقة، لتتحدث الكتابة النسائية وكأنها تنتقم من سنين الصمت والخفاء، وتنضج حتى الوصول لتجارب تختبر عالم له خصوصيته.

■ هل تؤمنين بأنه ما زال هناك مجتمع وتسلط ذكورى، أم ترين أن الرجل والمرأة كلاهما له مأزقه وقيوده؟

- فى تجربتى لم تكن هناك ذكورية ولا تسلط، فقد نشأت فى عائلة تحترم وتقدر النساء وتحنو عليهن، فظننت أن هذا هو العالم، ثم اختبرت فيما بعد «خبل» التسلط والسيطرة، وما يعكسه من أمراض نفسية ذكورية، وضعف فى الشخصية، وأمراض التربية وغيرها مما يضخم ذات الذكر الشرقى غير الناضج.

كانت الصدمة كبيرة، بدت مثل لحظة كشف لـ«تويست» فى عمل فنى، كأن تمشى فى قرية بأمان، وفجأة تكتشف أنك فريسة مُطاردة فى بلدة مصاصى دماء. هذا عما اختبرته. أما ما يحدث فى الحياة، فكل شىء موجود، فسلم القهر يتدرج ليطال الجميع، وينجو من يرفض أن يعيش فى دور الضحية.

■ الطيبة ونقاء الروح بالنسبة للمبدع أو الفنان، هل تلقى ظلالها على عالمه الإنسانى والنفسى والكتابى أم تتحول إلى مجرد مخزون؟

- «كل إناء ينضح بما فيه»، يمكن لشخص أن يخدعك بعض الوقت، يتظاهر بما ليس فيه، لكن الروح كاشفة جدًا، لا يمكن لشخص أيًا كان تملؤه المشاحنات الداخلية والغضب وعدم التصالح، أن يبدو هادئًا محتفظا بسلامه النفسى. السلام الداخلى يبدو مثل الأربطة والعضلات، يتحكم فى كل ما نفعله ويصفى شوائبنا ويتحول إلى كتابة وإنسانية.

■ كيف ترين دور الصفحات الثقافية فى تقييم الأعمال الأدبية والإبداعية؟

- تلعب الصفحات الثقافية دورًا عظيمًا فى تقديم الكتب والكُتاب، تفعل ذلك طوال الوقت، مدفوعة بشغف تقديم الكتب «الحلوة»، والكتابة التى تستحق. فى تجربتى مع الصحافة، اخترت دراسة هذا المجال، لأنها تعادل شغفى بالكتب، وحضور الندوات والمسرحيات. لم أفهم فى سن مبكرة معنى أن تكون كاتبًا، لكننى كنت أحب جدًا أن تكون الكتابة مهنتى، الورق والصفحات البيضاء وذلك العالم اللطيف. والحقيقة أنا محظوظة للعمل فى مهنة أحبها، وأتحرك وسط مفرداتها بالخفة نفسها التى أحتاجها لأمضى فى الحياة.

■ ما المحركات الأساسية للكتابة فى حياتك؟

- أمى.. كانت سيدة استثنائية، ورثت منها كل ما أحب، الكُتب والسينما والحكايات، كل ما أشارت لى نحوه وشاركتها فيه هو ما لملم قطع «البازل» فى روحى. أنا صنيعة تلك السيدة الرائعة، وأشعر أننى فقط امتداد لها أو اختيار آخر. لو كانت فضلت أن تجرب طرقًا أخرى غير ما مضت به، كانت ستكون فى حياة أخرى. أحب هذه الفكرة، وتعوضنى كثيرًا فقدها المبكر.

■هل الكتابة تعتبر مصالحة ولملمة للروح بالنسبة للكاتب؟ 

- الكتابة هى كل شىء، شىء غامض وسحرى تمامًا، تشعر طوال الوقت بأنك أقوى وأكثر احتمالًا للحياة لأنك كاتب، تتألم أكثر، وتبدو أكثر رهافة وحساسية للمؤثرات، لكن ذلك يعنى أنك تملك «عطية» خاصة، خالصة لك وحدك، كأن العالم كله فى قلبك.