الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

على الشلاه: العراقيون يستطيعون الكتابة الآن دون خوف

على الشلاه
على الشلاه

- علينا مراجعة لهاثنا خلف النموذج الشعرى الغربى لأنه وصل لطريق مسدود

- اكتشفت بعد رحلتى أن الانشغال بأى هم خارج الشعر خطأ كبير

الشاعر الكبير على الشلاه رقم صعب فى عالم الثقافة العراقية خاصة والعربية عامة، فهو الذى يمكن وصفه بـ«رب الشعر والسياسة»، على غرار محمود سامى البارودى الذى لُقب بـ«رب السيف والقلم».

ولمَ لا وعلى الشلاه قد خاض غمار الكتابة الشعرية بكل تفان، وخاض أيضًا غمار الحياة السياسية ببلاده، فى أصعب المراحل التى مرت عليها، لدرجة أنه وصل لمنصب يعادل الوزير، وكان برلمانيًا محترفًا يُشار إليه بالبنان، كما نبغ فى العمل الإعلامى بشكل ساعده على خدمة الثقافة والأدب.

وأصدر الشاعر العراقى مؤخرًا ديوان «ما لم يدونه الرواة»، وهو مختارات من عدة أعمال نشرت من قبل، فى محاولة لتقديم تجربته بشكل متكامل ومختلف إلى القارئ العربى، بعد أن ترجمت أغلب أعماله إلى اللغات الأجنبية المختلفة.

عن هذا الديوان، ورؤيته للكتابة الشعرية ومشواره فى العمل السياسى، أجرت «حرف» الحوار التالى مع على الشلاه:

■ ديوانك «ما لم يدونه الرواة» وهو مختارات من عدة أعمال نشرت من قبل.. لماذا اخترت إخراجه بهذا الشكل؟

- «ما لم يدونه الرواة» هو مختارات شعرية من تجربتى كلها، واعتمدت فى الاختيار على ما اعتقدت أنه الأفضل شعريًا دون أن أقف عند الحدود الشكلية، سواء كانت النصوص مكتوبة قصيدة نثر أو قصيدة تفعيلة أو قبل ذلك بالقصيدة الكلاسيكية، هذه المجموعات طبعت فى عدة دول عربية، وحتى إننى فى بلدى العراق لم أطبع أيًا منها، ولذلك أردت أن تطبع لتكون تحت متناول يد المتلقين جميعًا، لإعادة الرؤية الشعرية التى يحملها على الشلاه إلى متلقيها الرئيسى وهو المتلقى العربى، وذلك لأن دواوينى الأخيرة صدرت بلغات عدة إنجليزية وألمانية وفرنسية وإسبانية وفارسية وتركية وصربية، وهذا ربما شغلنى إلى حد ما عن المتلقى العربى. 

ولذلك قررت أن أعيد طباعة الأعمال الشعرية. فصدرت كاملة عن اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين لأول مرة. وصدرت أيضًا فى المختارات عن دار خطوط وظلال فى الأردن، وأفكر فى نشر الأعمال الشعرية فى طبعة مصرية قريبًا.

■ لا تميل إلى الإطالة فى القصيدة والصورة لديك مركبة.. ما الرؤية التى تضعها نصب عينيك عند كتابة نص جديد؟

- أفكر دائمًا فى أن تكون هذه القصيدة وسيلة تواصل بين روحين، روحى وروح المتلقى. لكن أريدها أن تمس روحه، لا أن تبقى تدور فى القشور، ومن هنا أبنى القصيدة بناء محكمًا فى اختيار الكلمة، ثم فى رسم الصورة الشعرية، ثم تعمد أن تكون الصورة الشعرية المرسومة جديدة، وأن أكسر كذلك التوقع فى النصوص بحيث لا يبدو نصى نسجًا على منوال نص آخر أو قريبًا منه.

أعتقد أن القصيدة التى تبدو مألوفة فى كثير من الأحيان هى ليست القصيدة التى نبحث عنها اليوم، نحن نتشارك فى ثقافة معقدة وفى بيئات اجتماعية تطورت كثيرًا عن التلقى السطحى أو التلقى البسيط، ولذلك عليك أن تكون فى مكان وسط، لكى يصل المتلقى إليك ولا يجد النص سطحيًا.

■ كما تتناول قصيدتك الهم الشخصى تتناول الهم العربى أيضًا فنجد فيها أحوال العراق وفلسطين وغيرهما.. ما رؤيتك لهذا التناول؟

- بالنسبة للقصيدة الوطنية التى هى للعراق ولفلسطين فهذه ضرورة، كنت دائمًا فى السنوات الثلاثين الأخيرة أعقد علاقات وطيدة مع المشهد الثقافى العالمى، وكانت لى صديقة شاعرة فرنسية وحدثتنى عن النصوص التى يكتبها المثقفون والأدباء العرب الناطقون بالفرنسية. فقالت لى جملة ظلت ترن فى أذنى: «لا أريد أن أقرأها كأنى أقرأ مسخًا.. أريد أن أقرأها بهويتها العربية زمانًا ومكانًا ولغة»، وهو رأى أعتقد أنه صائب، الشاعر رغم إنسانيته يظل ابن محليته، وأعتقد أن علينا عربيًا أن نعيد اكتشاف لهاثنا خلف النموذج الغربى، لأنهم الآن وصلوا إلى طريق مسدود، وربما بارد ومتثلج فى كثير من نصوصهم وهم يبحثون عن الحرارة التى لدينا.

■ كنت رئيسًا للجنة الثقافة والإعلام فى مجلس النواب.. بالتأكيد مثل هذه المناصب تكون عبئًا على الشاعر، لأنها تأخذ حيزًا كان من المفترض أن يكون لإبداعه.. أليس كذلك؟

- بلى، كنت رئيسًا للجنة الثقافة والإعلام فى مجلس النواب لدورة كاملة، وترأست مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقى، ثم ترأست الشبكة بدرجة وزير، وهذه الحالة المستمرة لأكثر من تسع سنوات فى مناصب النائب ورئيس شبكة الإعلام العراقى، وكذلك رئيس مجلس الأمناء، أعطتنى رؤية مختلفة للأشياء. أولًا الانشغال بأى هم خارج الشعر خطأ كبير. فى سنوات العمل الرسمى لا تجد وقتًا للقراءة. كنت أحرج من زملائى وأصدقائى عندما يهدوننى ديوانًا أو رواية أو مجموعة قصصية ولا أجد وقتًا لقراءتها.

والهم الأكبر كان فى عمل الإعلام عندما كنت رئيسًا لشبكة الإعلام العراقى، وكنا فى أزمة «داعش»، وكنت أذهب باستمرار إلى مدينة الموصل فى أيام المعارك، وهذا أيضًا كان يقربنى من أمور كثيرة قد يحاول النص الشعرى أن يضع مسافة بينى وبينها. 

لكن ما زلت اليوم أعتقد بأن كل هذه التجارب قد تغنينى فى الكتابة مستقبلًا. خصوصًا إذا ما فكرت أن أكتب رواية عن تلك الأحداث، ناهيك عن أنها تمنحك شيئًا ما من دقة تقييم الأحداث والأسماء ورؤاهم وحقيقة مواقفهم بعيدًا عما يظهر فقط خلال الشاشات أو خلال الصحف.

■ من واقع كونك وزيرًا للإعلام فى العراق.. كيف ترى الوضع الثقافى فى البلاد الآن.. وما الذى تنشده مستقبلًا؟

- الوضع الثقافى فى العراق كما أراه اليوم هو من أفضل سنوات الثقافة، لأن شرط الحرية متوفر منذ سقوط الديكتاتورية فى العراق، وإلى اليوم أنت تستطيع أن تكتب وأن تقرأ وأن تعيش ككاتب، لأول مرة صار بوسع الكتاب والإعلاميين والأدباء أن يعيشوا ككتاب، وأن تكون صنعة الكتابة صنعة قابلة للمعيشة وقابلة لتوفير الرزق، ولتحويل الكتابة إلى عمل يمكن أن يعيش الفرد منه هو وعائلته، ولذلك أنا أعتقد أن التجربة الجديدة فى العراق اليوم ثقافيًا هى تجربة أكثر نجاحًا. 

أنا عملت مع كل رؤساء الوزارات الذين تعاقبوا فى المجال الثقافى. حتى عندما كنت فى البرلمان أو فى شبكة الإعلام. كنت دائمًا أحافظ على أن أبقى بقرب المشهد الثقافى أولًا، اختفت فكرة الخوف التى سادت سنوات الثمانينيات والتسعينيات، وصار بوسع الأدباء والكتاب والشعراء أن يكتبوا ما يريدون وأن ينتقدوا الحكومة كما يشاءون، ولذلك أنا اليوم أجد أن السنوات الأخيرة فى العراق سنوات ذهبية، سأضرب لك مثالًا، هناك ٥ دور نشر كانت فى بغداد فى سنوات التسعينيات، واليوم لدينا أكثر من ٥٠٠ دار نشر وبعضها دور نشر عملاقة، وأريد أن أذكر للتاريخ أن رئيس الوزراء الحالى الأستاذ محمد الشيعة السودانى لديه هذا الهم الثقافى، ويريد أن تكون هناك مشاريع ثقافية ناجحة وفعاليات ثقافية ناجحة.

■ ما رؤيتك لواقع الشعر العربى؟ وهل انحسر ديوان العرب لصالح الرواية؟

- لا أستطيع أن أقول إن الشعر تخلى عن مكانه للرواية، لأن هناك أمرًا غير منظور فى هذه المقولة، ومع احترامى لرأى صديقى الراحل الدكتور جابر عصفور فى زمن الرواية، إلا أننى أعتقد أن الشعر غزا الرواية أيضًا. يعنى غالبية كتاب الرواية لو تأملت نصوصهم الروائية ستجد لغة شعرية سائدة فى كثير من أعمالهم، ولذلك أنا من القائلين إن الشعر لن يختفى.

■ لك تجربة رائدة فى تنظيم مهرجان بابل للثقافات والفنون.. ما حكايتها؟

- حكايتى مع المهرجانات قديمة، فى البداية أسهمت فى تأسيس مهرجان الفينيق الشعرى فى التسعينيات. وحين سافرت إلى سويسرا أسست مهرجان المتنبى العالمى، وكان هناك حضور عالمى، عربى، ألمانى، فرنسى، إنجليزى، وبكل لغات الشعراء المشاركين الذين يزيدون فى كل دورة عن أربعين شاعرًا، ثم تطور المهرجان.

وأقمنا ١٣ دورة من مهرجان المتنبى العالمى حتى الآن، وستعقد فى منتصف العام المقبل الدورة الرابعة عشرة. هذه الخبرة نقلتها عند عودتى إلى العراق لأؤسس مهرجانًا ثقافيًا عالميًا دعمته اليونسكو لثلاث دورات وهو «بابل» الذى يعد من أهم فعاليات الثقافة العالمية، وحتى الآن أقمنا ١١ دورة، وفى أبريل ستكون الدورة الثانية عشرة.

■ ترجمت لك الدكتورة سلوى جودة عددًا من القصائد.. من واقع هذا كيف ترى حال الترجمة من وإلى العربية؟

- مشوارى مع الترجمة قديم، فقد صدرت لى عدة كتب بلغات مختلفة، وتفضلت الدكتورة سلوى جودة وترجمت لى نصوصًا حديثة، وهى من أفضل الترجمات التى حصلت لى للغة الإنجليزية، أنا أعتقد أن الترجمة وفق رؤيتنا اليوم هى ترجمة مختلفة، بمعنى أن المترجم هو مبدع آخر يقوم بمؤازرة النص، وربما يقدم رؤية اخرى من خلال فهمه إلى اللغة المنقول منها والمنقول إليها فى المشهدين الثقافيين. 

ومن هنا أعتقد بأن بعض الترجمات التى تظهر تحتاج إلى إعادة نظر.. لماذا؟ لأنك تحاول أن تعبر عن بعض الخصائص اللغوية النصوص العربية ذات اللغة الفخمة البلاغية الجزلة المعروفة. وهذه عندما تنقل إلى لغة أخرى قد تفقد كثيرًا من هذه الجزالة، وتظل الصورة الشعرية، ويظل المعنى الذى يقف وراءها مجهولًا. 

■ لك باع طويل فى حضور معارض الكتاب العربية والغربية.. كيف ترى حال واقع معارضنا مقارنة بالغربية؟

- الثقافة العربية المعاصرة تكاد أن تكون فى مفترق طرق. أولًا فكرة معارض الكتاب الآن بدأت تخفق عالميًا. ولذلك علينا أن ننتبه إلى أن أكبر معرض الكتاب فى العالم هو معرض فرانكفورت، وكنت مدعوًا به هذا العام وهناك شكاوى من خسائر كبيرة منى بها المعرض، لأن الكتاب الورقى لم يعد متداولًا كما كان سابقًا، بسبب ما يحصل من ثورة فى عالم الاتصال، بل ثورات متلاحقة أدت إلى أن تختفى أشياء مهمة وربما تتقلص الصحافة الورقية.

لذلك الآن الكتب الورقية تكاد تكون عرضة لا أريد أن أقول للاندثار ولكن عرضة للتقلص. ربما يعوضها أن تنشر الكتب إلكترونيًا. والثقافة العربية اليوم تعانى أساسًا من أن المتلقى العربى قليل القراءة. فكيف إذا كانت هناك مشكلة فى أن الكتاب نفسه لم يعد يطبع بالكثرة السابقة وإنما المراد هو الكتابة الإلكترونية أو الكتاب الإلكترونى.

■ كنت شاهدًا على تحولات عديدة فى المشهد العراقى والمنطقة العربية بأسرها.. هل يمكن أن نقرأ مذكراتك قريبًا؟

- بالنسبة لتجربتى أن أفكر بين أمرين، لا أخفيك أننى أحاول أن أكتب مذكرات، لكننى توقفت بين أن أكتبها رواية، أو أن أكتبها كأحداث سياسية واجتماعية مرت بالعراق، أو مرت بى طوال سنوات عمرى داخل العراق وخارجه. الفكرة موجودة وسأعمل على ذلك مستقبلًا. طموحى اليوم هو أن نعمل على مؤسسة ثقافية عربية عالمية حقًا تحضر فى المشهد العالمى، وتستطيع أن تقيم الثقافة العالمية، وأن تنشئ جوائزها، وأن تنشئ مهرجاناتها ومؤتمراتها فى العالم العربى وفى عدد من دول العالم لكى نكون فاعلين فى المشهد الثقافى العالمى وفى قراره. وألا نكون دائمًا خاضعين لقرارات توالى مزاجات ما يريده هذا المثقف الغربى أو هذه المؤسسة الغربية. 

وأبسط مثال على ذلك أننا اليوم شئنا أم أبينا نتبع فى بوصلتنا فى تقييم الأدباء والثقافة الجوائز الكبرى وأولها جائزة نوبل، ومن هنا أستطيع أن أقول إن الخطأ الذى اقترفناه هو أننا عندما أنشأنا جوائز فقد أنشأنا جوائز باسم ديكتاتوريات عربية، ولم ننشئ جوائز عالمية حقًا تحظى بالاحترام المطلوب، ومن هنا فإن محاولة بعض الأنظمة العربية فى الماضى أن تخلق جوائز مثل جائزة صدام وجائزة القذافى وغيرهما، ويعنى هذه الجوائز إنما هى هامش لتمجيد فعل سياسى، وهذا الأمر خاطئ، وكان علينا أن نسعى إلى إنشاء جائزة عربية عالمية كبيرة ربما باسم «بابل» أو باسم «سومر»، أو باسم الثقافة الفرعونية العظيمة.

■ماذا عن ديوانك المقبل؟

- أنا أعمل الآن على ديوان جديد اسمه «نصوص مختلفة»، وهو نصوص تعبر عن رؤيتى الحالية، ويعنى لا أخفيك بأن كثيرًا من المفاهيم فى الشعر وفى الحياة وفى كثير من مناحى الإنسانية تغيرت بالنسبة لى أو تغيرت رؤيتى لها.