الأربعاء 04 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

هاروكى موراكامى: أعمالى تتعرض لانتقادات كثيرة لكننى لا أبالى

هاروكي موراكامي
هاروكي موراكامي

الرواية المميزة تسعى دائمًا لطرح الأسئلة ولا تقدم أجوبة مباشرة

التباين بين العزلة والتعاطف جوهر رواية «المدينة وجدرانها غير المؤكدة»

ليس الجميع محظوظًا مثلى بهذا العدد المذهل من القراء

يعد الكاتب اليابانى هاروكى موراكامى من أبرز الأصوات الأدبية فى العصر الحديث. بدأ مسيرته الأدبية فى السبعينيات، ومنذ ذلك الحين أصبح أحد أكثر الكتاب قراءة له فى العالم، إذ ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات، كما حققت رواياته الشهيرة مثل «كافكا على الشاطئ» و«الغابة النرويجية»، وغيرهما نجاحًا كبيرًا، ليحظى بتقدير واسع من النقاد والجماهير على حد سواء. 

فى روايته الجديدة «المدينة وجدرانها غير المؤكدة» يواصل موراكامى مسيرته المتميزة، فبجمعه بين السريالية والرمزية، يسرد قصة بطل مجهول الهوية فى مدينة غامضة. يعكس موراكامى فى الرواية قدرة على خلق عالم يتجاوز الواقع التقليدى، ليجسد التوتر بين الواقع والحلم.. أجرى موراكامى هذا الحوار مع صحيفة «الجارديان»، بعد نشر الترجمة الإنجليزية لروايته، وفيه يتحدث عن الانتقادات الموجهة لأعماله، وأجواء الرواية الجديدة، وعلاقته مع القراء.

■ روايتك «المدينة وجدرانها غير المؤكدة» مبنية على رواية قصيرة كتبتها عام ١٩٨٠.. لماذا كان من المهم منحها جمهورًا جديدًا الآن؟

- هذا العمل هو العمل الوحيد الذى كتبته ولم أسمح أبدًا بإعادة طباعته فى شكل كتاب. وبعبارة أخرى، لم أكن راضيًا عن القصة. اعتقدت أن موضوعها مهم جدًا ولكن لسوء الحظ كنت أفتقر إلى مهارات الكتابة اللازمة فى ذلك الوقت لإيصاله بالطريقة التى كنت أتمناها. قررت أن أنتظر حتى أكتسب مجموعة المهارات اللازمة لى ككاتب، وعندها فقط أقوم بإعادة كتابة القصة بالكامل.

فى هذه الأثناء، كان لدى الكثير من الأعمال الأخرى التى أردت القيام بها ولم أتمكن من البدء فى هذا المشروع. والشىء التالى الذى عرفته هو أن ٤٠ عامًا قد مرت «فى لمح البصر على ما يبدو»، ووصلت إلى السبعينيات من عمرى. اعتقدت أنه من الأفضل أن أبدأ إذا كنت أرغب فى القيام بذلك حقًا، لأنه قد لا يتبقى لى الكثير من الوقت. كما شعرت بالحاجة القوية إلى الوفاء بمسئولياتى كروائى.

■ كتبت هذه الرواية خلال فترة الإغلاق العالمى، ونادرًا ما غادرت منزلك أثناء الكتابة.. هل أثرت هذه الطريقة على نبرة القصة أو محتواها؟

- بالتأكيد، عندما كنت أكتب هذه الرواية، كنت بحاجة إلى قدر معين من السلام والهدوء والتأمل. وضعية المدينة المحاطة بالأسوار كانت أيضًا استعارة للإغلاق العالمى. كيف يمكن للعزلة الشديدة ومشاعر الدفء والتعاطف أن تتعايش؟ كان هذا أحد الموضوعات الرئيسية فى الرواية، وفى هذا السياق، يمثل العمل قفزة كبيرة مقارنةً بالقصة الأصلية.

■ سأل بعض القراء اليابانيين عن الغموض فى الرواية، بينما اعتبر آخرون أن العناصر الغريبة والسريالية هى من أعظم متع رواياتك. هل تفضل ترك القراء أمام أسئلة بلا إجابة؟

- أعتقد أن الرواية المميزة دائمًا تسعى لطرح أسئلة مقنعة، لكنها لا تقدم نهاية واضحة ومباشرة. أحب أن أترك القراء، بعد إنهاء كتبى، مع شىء للتفكير فيه. مثل: ما النهايات المحتملة هنا؟ أضع تلميحات داخل كل قصة لتحفيزهم على التفكير. ما أتمناه هو أن يلتقط القراء هذه التلميحات ويصل كل منهم إلى نهاية فريدة خاصة به.

لقد كتب لى عدد لا يحصى من القراء قائلين: استمتعت بقراءة الكتاب نفسه عدة مرات. وبالنسبة لى كمؤلف، لا شىء يمكن أن يسعدنى أكثر من ذلك.

■ عندما تكتب عن شخصية مثل الراوى فى «المدينة وجدرانها غير المؤكدة»، أو تورّو فى «يوميات طائر الزنبرك» أو كافكا فى «كافكا على الشاطئ»، إلى أى مدى تكتب عن نفسك؟

- الأبطال المتحدثون بضمير المتكلم فى رواياتى ليسوا، بشكل صارم، أنا الحقيقى، بل أنا الذى كان من الممكن أن أكونه. من المثير للاهتمام استكشاف هذه الاحتمالات، إذ لا توجد الكثير من الفرص لتصبح شخصًا آخر غير نفسك.

■ من بين العديد من الكتاب الناطقين بالإنجليزية الذين قمت بترجمة أعمالهم إلى اليابانية، مثل سالينجر، وفيتزجيرالد، وتشاندلر، وكارفر، وكابوتى، من منهم يعنى أكثر بالنسبة لك؟

- لقد تأثرت بكل كاتب منهم. أنا منجذب جدًا إلى الأسلوب المرهف والدقيق لكل من فيتزجيرالد وكابوتى، رغم أنهما مختلفان تمامًا عن أسلوبى. وعلى الصعيد الشخصى، أنا شديد الإعجاب بأسلوب تشاندلر.

■ كيف تغيّر المشهد الأدبى اليابانى منذ بدأت الكتابة والنشر قبل أكثر من أربعين عامًا؟ وهل تشعر بأنك جزء منه أم خارجه؟

- أعتقد أن الكتّاب الشباب اليوم قد تخلّوا عن الأفكار المتكلّفة حول «هذا ما يشكل الأدب»، وأصبحوا يكتبون الروايات بأسلوب أكثر حرية ومرونة، وهو ما أقدّره كثيرًا. أما بالنسبة لى، فأنا أواصل العمل بطريقتى الخاصة، ولا يمكننى تحديد علاقتى بتلك التغيرات فى المشهد الأدبى.

■ ما هى التغييرات التى رأيتها فى قرائك، سواء داخل اليابان أو على المستوى الدولى، وهل تصبح الكتابة أسهل أم أصعب مع تقدمك فى الكتابة؟

- يبدو أن عدد قرائى حول العالم فى تزايد مستمر، سواء فى اليابان أو فى الخارج، وغالبًا ما أجد الأرقام مذهلة. فى لاوس، استوقفنى قارئ تايلاندى لإلقاء التحية، وفى دريسدن كان قارئًا من ألبانيا، وفى طوكيو كان قارئًا إندونيسيًا. أشعر فى كثير من الأحيان أننى لم أعد ذاتى الحقيقية، بل تحولت إلى شخصية خيالية بصورة ما.

لكن مع ذلك، لم يجعل أىّ من هذا كتابة الروايات أسهل أو أصعب. أنا ببساطة ممتن لأن الكثير من الناس، بعدد لم أكن أتوقعه أبدًا، يقرأون كتبى. ليس الجميع محظوظًا مثلى.

■ تشكل الروايات اليابانية الآن ربع الخيال المترجم المبيع فى بريطانيا.. ما تفسيرك لما تحظى به من اهتمام واسع؟ 

- لم أكن أعلم أن الروايات اليابانية تحظى بهذه الشعبية فى بريطانيا. ما السبب؟ لا فكرة لدى. ربما يمكنك إخبارى، فأنا أحب أن أعرف.

إن أداء الاقتصاد اليابانى ليس جيدًا هذه الأيام، وأعتقد أنه من الجيد أن تتمكن الصادرات الثقافية من تقديم مساهمة من نوع ما، على الرغم من أن الصادرات الأدبية لا تقدم الكثير، أليس كذلك؟

■ هل أثرت انتقادات ميتسو كاواكامى لشخصيات النساء فى كتبك، فى عام ٢٠١٧، على طريقة كتابتك للشخصيات النسائية؟ 

- تعرضت كتبى للكثير من الانتقادات على مر السنين، لدرجة أننى لم أعد أتذكر السياق الذى قُدمت فيه هذه الانتقادات. كما أننى لا أوليها اهتمامًا كبيرًا.

ميتسو هى صديقة مقربة وامرأة ذكية جدًا، لذا أنا واثق أن أى انتقاد وجهته كان فى محله. لكن بصراحة، لا أتذكر تحديدًا ما الذى انتقدته. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالنساء فى أعمالى، يمكننى القول إن قرائى من الرجال والنساء تقريبًا متساوون، وهذا أمر يسعدنى جدًا.