عماد أبوصالح
حفظته مقاهى وسط المدينة ومقاعدها فى التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة، حفظت صوته الجهورى الهادئ، وإخلاصه لـ الشعر.
بـ أتكلم هنا عن عماد أبوصالح، اللى قعدت معاه كتير، ما أفتكرش خالص إنه دار بينا حوار عن أى حاجة غير قضايا الشعر، لـ درجة إنى عمرى ما فكرت هو منين ولا بـ يشتغل إيه ولا حالته الاجتماعية ولا خلفيته الاجتماعية، ولا انحيازاته السياسية ولا أى حاجة، هو شاعر.
لفت انتباهى فى البداية، زى ما لفت انتباه ناس كتير، طريقته فى نشر قصائده ودواوينه، ساعتها ما كانش فيه مواقع تواصل اجتماعى، ولا حتى إنترنت منتشر، فـ الطريقة الوحيدة هى طباعة الدواوين، ودا كان موضوع صعب ومكلف، ومفيش دور نشر كتير، والموجود مش مهتم بـ الشعر.
كان الملجأ الأساسى لـ نشر الأشعار هو الدولة، اللى بـ تطبع سلاسل مختلفة ومتنوعة، وكان الأمر فيه تنافس شديد، ومحتاج علاقات قوية، واللى بـ يفوته قطر الدولة كان بـ يدفع لـ دور النشر، ويتحمل كل المشاكل الناتجة من البيع، ومراقبته وطرق توزيع عائداته إن كانت هناك عائدات.
عماد قرر إنه يبعد عن كل الأمور دى، وكان بـ يطبع دواوينه بـ نفسه، لـ حسابه وعلى حسابه، ولا يطرحها لـ البيع، لكن يوزعها هدايا، فـ يتخير قارئه بـ نفسه، ودى كانت طريقة فريدة فى النشر والانتشار، والمفروض إنها لا تساعد توسيع نطاق مستقبلى إنتاجه، لكن اللى بـ يحصل كان هو العكس.
ورغم أنه عماد امتلك الفرصة لـ تغيير الطريقة دى، ومن أوسع الأبواب وبـ أيسر الطرق، لكن تحسه كان بـ يخاف من الشهرة أكتر منه بـ يرفضها، وكذا مرة يردد قدامى تعبير: «الشهرة فضيحة»، ولـ ذلك كان يبدو وكأنه يزداد خجلًا كلما لمع اسمه، ودا كان مناسب جدًا لـ طبيعة قصايده ودواوينه.
صعب تصنف عماد فى تيار أو حساسية أو جيل معين، أو حاجة من الحاجات اللى اعتدناها، فضلًا عن إنى عمرى ما سمعت اسمه فى خناقة أو تحزب أو منافسة ما على أى حاجة: منصب أو جايزة أو سفريات أو ما إلى ذلك، هو شاعر صديق وفقط.
قصايده كمان كدا، كل قصيدة وكل ديوان تحسه صديق عنده ونس، وعنده خبرة ينقلها لك، ومتأثر بـ خبراتك وتصرفاتك الشخصية فـ بـ يرصدها، أحيانًا لـ مجرد الرصد، وأحيانًا لـ نوع خاص من التحليل مش قايم على التفكيك، بـ العكس، فيه ربط بين أمور مدهش جدا إنه يرصد ارتباطها.
كمان عماد لم يكن مهتمًا على الإطلاق بـ النقد، ولما أقول مش مهتم أقصد إنه مش مهتم، هو مش صديق ليهم ولا عدو كمان، ولا عنده مشكلة معاهم، لـ إنه دى ظاهرة ملحوظة، اللى مش بـ يشوف ما ذكره النقاد مهم، عادة بـ يشن عليهم هجوم، إنما هو «غير مهتم» بس كدا.
علشان كدا عماد لا يستنكف كتابة أى حاجة، خوفًا من إنها تصنفه فى أى حتة، فجأة تلاقى سطر ساخر، دون خوف من الاتهام بـ الزجلية، أو تلاقى مجاز سينتمتاليتى من غير ما يفكر إنه دا هـ يخليه يضطر يدافع عن ملمح رومانتيكى. يغرق أحيانًا فى التفاصيل اليومية فـ يكتب عن المعالق والشوك والسكاكين، وأحيانًا يوغل فى المجرد اللى هو تحسه لسه قارى ديوان لـ شاعر قديم من شعراء أبوللو، لكنه مطلقًا لا يقترف رذيلة الفذلكة، ولا يصطنع حرفا علشان يبدو فى صورة ما.
ما زمان ما تابعتش عماد، ولا قابلته، لكنه دايمًا حاضر كـ صديق مؤثر بـ أشعاره قبل ما يكون بـ شخصه.