الإثنين 02 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

شريف سعيد: فيلم «حجازى» عمل متكامل الأركان عن «شاعر مصر الحقيقى»

شريف سعيد
شريف سعيد

- كل شارع وزقاق فى مصر يحتوى على حكاية تستحق التوثيق.. ولولا دعم «المتحدة» ما كان للقناة أن تستمر

- رغم كل ما أنجزناه أقول دائمًا للزملاء: «لسه ما عملناش حاجة».. وفيلما «الزعيم» و«فاتن حمامة» نموذجان للفن الذى يمثل الهوية المصرية

فى فترة وجيزة، استطاعت القناة الوثائقية أن تحجز لنفسها مكانًا مميزًا بين القنوات المماثلة فى منطقتنا العربية، خاصة مع الدعم القوى من قبل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وتميز الإنتاجات التى تقدمها القناة، واهتمامها بالوصول إلى مختلف الشرائح الجماهيرية.

أنتجت القناة العديد من الأفلام الوثائقية التى جمعت بين القيمة العالية وتوافر عناصر الجذب الجمهورى، لتتغلب بذلك على الكثير من التحديات التى تواجهها مثل هذه القنوات، وتصبح فى المقدمة على مستوى الوطن العربى ككل. عن رحلة القناة منذ عامين وأكثر، وأهم الأعمال الوثائقية التى أنتجتها خلال الفترة الأخيرة، وعلى رأسها فيلم «عُمر من الشعر.. سيرة أحمد عبدالمعطى حجازى وشهادته»، عن حياة الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، إلى جانب أفلام أخرى مرتقبة عن الزعيم عادل إمام وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وشاعر القضية محمود درويش، كان لـ«حرف» هذا الحوار مع شريف سعيد، رئيس قطاع الإنتاج الوثائقى بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.

■ مر أكثر من عامين على انطلاق القناة الوثائقية.. كيف تقيّم هذه التجربة حتى الآن؟

- بداية، أوجه شكرى العميق لكل الزملاء فى مختلف الإدارات، فنجاح القناة لم يكن وليد لحظة، بل نتاج تعب وجهد جماعى. تقييم التجربة بعد سنتين وشهور لا يكون فقط من خلال عدد المشاريع، بل من خلال تأثيرنا فى الشارع، ومدى وصول رسالتنا.

منذ انطلاق القناة، فى ١٧ فبراير ٢٠٢٣، ونحن نسعى لتقديم محتوى يليق بتاريخ مصر. وعلى الرغم مما أنجزناه، أقول دائمًا للزملاء: «لسه ما عملناش حاجة»، لأن كل شارع، كل زقاق فى مصر، يحتوى على حكاية تستحق التوثيق، وهذا ما يميزنا عن أى قناة وثائقية أخرى.

■ لماذا ترى أن ما قُدم حتى الآن لا يعتبر كافيًا؟

- السبب الرئيسى أننا فى مصر لدينا خصوصية ثقافية فريدة. أى شخص عادى فى الشارع عنده قصة تستحق التوثيق، وأى ركن أو زقاق أو حى يمكن أن يكون فيه كنز حكايات. لذا، مهما فعلنا، سنظل نشعر بأننا لم نفعل شيئًا بعد. هذه الحالة تجعلنا دائمًا تحت ضغط مستمر كى نغطى هذا الإرث الهائل من القصص والتجارب.

■ هل ترى أن وجود قناة وثائقية متخصصة فى مصر يمثل فارقًا عن التجارب المماثلة فى دول أخرى؟

- طبعًا، وجود قناة وثائقية متخصصة فى مصر أمر مختلف تمامًا. كنا نفتقر لهذا النوع من المنصات قبل إطلاق القناة، التى يعكس وجودها وعيًا بضرورة امتلاك ذاكرة بصرية وطنية.

■ ما أبرز التحديات التى تواجهكم فى عملية الإنتاج؟

- المنتج الوثائقى غير مغرٍ للمعلن، ولا يمكن الاعتماد عليه تجاريًا. لولا دعم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ما كان للقناة أن تستمر. لأن إنتاج الوثائقيات تحدٍّ وطنى وليس استثمارًا رأسماليًا، وهو ما يجعلنا حريصين على كل جنيه يُنفق، لأن أى وفرة تعنى إنتاج مشروع جديد.

نحن نعمل وفق نموذج إنفاقى دقيق، هذا النموذج هو الذى يضمن لنا الاستمرار والانتظام فى ضخ المحتوى. خاصة أن المنتج الوثائقى ليس جاذبا للإعلانات، وهو بطبيعته منتج غير ربحى بالمفهوم التجارى، كما سبق أن ذكرت.

المنتج الوثائقى تفرضه الضرورة الوطنية وليس رأس المال، فلن نجد رجل أعمال يدخل فى مشروع قناة وثائقية بسهولة، لأن العائد المادى محدود، بعكس ما هو عليه فى الدراما أو الترفيه.

■ كيف ترون تأثير القناة فى الشارع؟

- تأثير القناة لا يمكن قياسه بالأرقام بدقة، لكننا نلمس التفاعل اليومى. الجمهور يتسع، والقبول يزداد، والفضل فى ذلك يعود إلى تنوّع الإنتاج، واستهدافنا شرائح مختلفة من المجتمع. كل يوم نكسب جمهورًا جديدًا، وكل عمل يجعلنا نكسب أرضًا جديدة، ويجعلنا أيضًا نعمل على التنوع، كى نلبى اهتمامات شرائح مختلفة من الناس.

■ ما السبب فى هذا النجاح من وجهة نظرك؟

- الفضل بعد ربنا يرجع إلى التنوع فى الإنتاج، فنحن لا نقتصر على نوع معين من الوثائقيات، بل ننتج أعمالًا فى شتى المجالات: التاريخ، الشخصيات، التراث، القضايا الاجتماعية، ما يلبى احتياجات كل فرد فى المجتمع ويرضى جميع الأذواق.

■ هل هناك مجالات معينة ركزتم عليها لتوسيع جماهيرية القناة؟

- منذ البداية، أنا حريص على ألا نقتصر على جمهور معين، بل نذهب إلى جماهير لم يكن هناك تواصل وثيق معها من قبل. على سبيل المثال، فى مجال الرياضة بدأنا العمل على فرق جماهيرية مثل النادى الإسماعيلى، ثم انتقلنا إلى الاتحاد السكندرى، والآن نعمل على خط إنتاج خاص بأندية جماهيرية أخرى، خاصة تلك التى لم تحظَ بما يكفى من التوثيق أو التغطية الإعلامية فى محافظات مختلفة. كل هذا يفتح لنا أبوابًا لقطاعات جماهيرية جديدة ومهمة جدًا.

كما حرصنا على الوصول إلى أهالينا فى الصعيد من خلال تقديم سيرة الشيخ أحمد برين. واشتغلنا على التراث الفنى من خلال أعمال عن فرقة رضا، والريحانى، وأسامة أنور عكاشة، وغيرهم.

أنتجنا أيضًا واحدًا من المشاريع المهمة جدًا بالنسبة للقناة، وهو تسجيل شهادة الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى. شهادته بالنسبة لنا لا تُقدّر بثمن، ومن الأعمال التى حازت على اهتمام كبير جدًا من الأوساط الفنية والثقافية والسياسية كافة، لأنه، ببساطة، اسم لا يمكن تجاوزه. 

أحمد عبدالمعطى حجازى شاعر مصر الحقيقى، وتسجيل شهادته ليس رفاهية، بل واجب وطنى وثقافى، لنا وللتاريخ. والفيلم المُقدم عنه تناول العديد من الجوانب التى تجعله متكامل الأركان، وهو مُتاح بالكامل على «يوتيوب» وجميع منصات التواصل الاجتماعى الخاصة بالقناة، وأعتبره أحد أهم المشاريع التى أنتجتها الوثائقية.

■ وماذا عن الإنتاج الذى يوثق التاريخ السياسى والعسكرى لمصر؟

- هذه نقطة أساسية فى خطتنا الوثائقية. اشتغلنا على ملفات مثل العدوان الثلاثى، وملف طابا، وحرب الاستنزاف، و«دراما النصر»، ونواصل العمل فى هذا المسار بشكل متنوع ومتكامل.

وللأسف، لا أحد فى الإقليم تناول «حرب الاستنزاف» مثلما فعلنا. فلنتكلم بصراحة، مَن عمل على تقديم «حرب الاستنزاف» فى المنطقة؟ لا يوجد غيرنا تقريبًا. هذا يحسب للقناة الوثائقية، لأنه لا يوجد أحد غيرها أراد التطرق إلى هذا الملف، لأسباب مفهومة، منها الحسابات السياسية، والدوائر المغلقة التى تحاول دائمًا اختزال التاريخ، أو تجاهل بعض جوانبه. هذا إلى جانب تقديم العديد من الأعمال التى ترصد بطولات الجيش والشرطة، بهدف ربط الأجيال الجديدة بحاضرها وماضيها، لأنهم يفتقدون هذا الربط للأسف.

■ ما المعايير التى تستندون عليها فى اختيار أفلام «الوثائقية»؟

- هناك خطّان رئيسيان فى إنتاجنا: كل ما يرسخ الهوية المصرية، وكل ما يُفكك أطروحات «التأسلم السياسى». حتى لو كان الفيلم عن الرياضة أو الفن، سنجد فيه هذين البعدين بشكل ما. 

مثلًا، وثّقنا سيرة عبدالوهاب المسيرى فى مواجهة الصهيونية، وقدمنا أعمالًا أخرى تصدت للتطرف الدينى والتيار المتأسلم، لأنك لن تستطيع مواجهة هذه التيارات بطريقة مباشرة أو حادة فقط، فمواجهة الفكر المتطرف ليست أمنية فحسب، بل أيضًا فكرية وثقافية. عندما توثق فنًا أو رياضة أو تاريخًا، أنت بترسخ مفاهيم مضادة للتطرف، دون أن تعلن عن هذا بشكل مباشر.

■ لماذا تبث القناة أعمالها عبر شاشات أخرى؟

- نعتبر ذلك جزءًا من مسئوليتنا. نحن نغذى قنوات مجموعة «المتحدة» كلها بوثائقيات، من «DMC» إلى «CBC» و«الحياة». المحتوى يصل أيضًا إلى قنوات التليفزيون المصرى، وهذا هدف استراتيجى بالنسبة لنا، أن نغذى هذه القنوات بوثائقيات تعزز الوعى والثقافة.

■ هل تعتمدون على أرشيف خاص بكم فى إنتاج المادة الوثائقية؟

- للأسف، لا نملك أرشيفًا متكاملًا، وليست لدينا عصا سحرية أو «كنز على بابا»، لذا نعتمد على مؤسسات داخلية فى مصر، بالإضافة إلى تعاونات دولية. المعلومة الموثقة أساس العمل، ونحن نحرص على أن تكون من مصادر معتمدة، لا من أخبار متداولة دون تدقيق، أو منصات مجهولة.

■ فى ظل تناولكم قضايا حساسة، تصورون فى مواقع صعبة.. كيف تتغلبون على هذه الصعوبات؟

- بالتأكيد نواجه العديد من الصعوبات فى التصوير، أو للحصول على مواد تندرج تحت حقوق الملكية الفكرية، لكن اسمحِ لى أن أوضح نقطة مهمة هنا. عندما يُقال: «لدينا مادة ثرية»، هذا لا يعنى أن هذه المادة موجودة لدينا بالفعل، فنحن دائمًا فى حالة بحث مستمر عن هذه المادة.

«إحنا مش جهة أرشيف، ومش عندنا خزائن مغلقة». لذا نتعاون مع مؤسسات مصرية مختلفة، ومع جهات دولية أيضًا، لكى نحصل على المواد التى نستطيع أن نقدم بها محتوى موثقًا، كما سبق أن ذكرت.

■ هل تستخدمون تقنيات «الذكاء الاصطناعى» فى عملكم؟

- نعم، ولكن بحذر شديد. نستخدمها فى المونتاج والتصميم أحيانًا، لكن إذا استخدمناها لصنع صورة غير حقيقية، ننوّه بذلك على الشاشة. أما فى البحث، فنرفض تمامًا الاعتماد على «الذكاء الاصطناعى» كمصدر دون تحقق، لأن له أخطاؤه، والموضوع له أبعاد كبيرة.

نحن نستخدم «الذكاء الاصطناعى» كأداة ميسّرة لبعض الملفات البحثية، لكن ينبغى على الباحث أن يكون شديد الحذر وفى منتهى اليقظة، لان استخدام هذه التقنيات سلاح ذو حدين، وفى النهاية الإنسان هو من يغذيها بالمعلومات ، وهذا يجعلها غير معصومة من الخطأ.

أهم شىء فى «الشغل الوثائقى» هو المصدر، فالبحث من غير مصدر دقيق «شبه انتحار مهنى»، لذا الباحث مطلوب أن يكون مصدره كتاب، معروف مؤلفه، ووزنه العلمى، لن آخذ معلومة من مصدر إخوانى مثلًا، ولا مصدر ملون، ولا حتى من مصدر واحد، ينبغى أن يكون هناك أكثر من مصدر، وهذا ما يميز العمل الوثائقى الحقيقى.

■ كيف تقيسون نسب المشاهدة والتأثير؟

- سابقًا كانت لدينا شركات تقيس نسب المشاهدة بشكل علمى ودقيق. لكن الأمر الآن مختلف للأسف، ومع تراجع دور هذه الشركات، أصبح الاعتماد الأكبر على مؤشرات بديلة، مثل التفاعل على المنصات الرقمية، ورأى المتخصصين، وتحليل ردود الفعل.

وكما سبق أن ذكرت، نحن نعمل فى اتجاهين أساسيين: الأول هو الحفاظ على تنوع الموضوعات، كى نستطيع أن نخاطب شرائح جماهيرية أكبر وأعمارًا مختلفة، والثانى هو تأكيد الهوية الثقافية المصرية من خلال المحتوى الذى نقدمه.

■ ما سر دعمكم لمهرجانات فنية مثل مهرجان الإسماعيلية للأفلام القصيرة والوثائقية؟

- نرى أن هذا دورنا، دعم الفنون البديلة وسينما الشباب أمر حتمى فى هذه المرحلة. نحاول فتح نوافذ جديدة للشباب عبر رعاية مثل هذه المهرجانات، ليس فقط الرعاية الإعلامية، بل بمنح جوائز إنتاجية، والجائزة الإنتاجية أصعب بكثير من الجائزة المالية، لأنها ليست مجرد مبلغ فقط، بل تمثل التزامًا حقيقيًا منا بإنتاج مشروع فنى، وهذه تكلفة أكبر بكثير، لكننا نرى أنه استثمار مهم جدًا.

■ أنتجتم مؤخرًا عددًا من الأعمال عن فلسطين.. ما خطتكم المستقبلية فى هذا الملف؟

- نحن لا نغطى الحدث الجارى، فهذا دور القنوات الإخبارية. دورنا التوثيق لما وراء الأحداث. وثّقنا معبر رفح، وما وراء النكبة، وقضية درويش كشاعر فلسطين. هذا الخط سيستمر، ونحن بصدد إنتاج أعمال توثق الموقف المصرى من القضية بشكل أعمق.

■ بذكر فيلم «درويش.. شاعر القضية» المقرر عرضه قريبًا.. ما فكرته الأساسية؟

- الموضوع فى ظاهره أدبى، لكنه فى جوهره سياسى وتوثيقى. عندما نتكلم عن محمود درويش، نكون مجبرين على الدخول إلى عمق القضية الفلسطينية، جذورها ورموزها وما إلى ذلك.

■ ماذا عن سلسلة «الحضارة المصرية» التى أعلنتم عنها مؤخرًا؟

- هى سلسلة وثائقية من عدة حلقات، بالتعاون مع الفنان محمد خميس، تهدف إلى توثيق حياة المصرى القديم وحضارته. خطوة كبيرة ضمن مشروع أوسع لتوثيق تاريخ مصر القديم، وسيكون فيها إعادة تصوير، و«جرافيك»، وتصوير فى أماكن حقيقية، وأيضًا محاكاة للأحداث التاريخية. محتوى بصرى ضخم ومعلومات دقيقة سيتم الإعلان عن تفاصيله بشكل كامل حال الانتهاء منها.

■ ماذا عن فيلمى «الزعيم» و«فاتن حمامة»؟

- عندما نقدم فيلمًا عن «الزعيم» أو «سيدة الشاشة العربية»، لا نوثق حياة رموز فنية فحسب، بل نقدم نموذجًا للفن الذى يمثل الهوية المصرية. الفن ليس رفاهية، بل جزءًا أصيلًا من وجداننا، وهذا ما نعمل عليه بمثل هذه الأفلام. نحن هنا نتكلم عن ركن من أركان الذاكرة الفنية لمصر، ومن لا يعرف تاريخ فنه، من الصعب أن يفهم مجتمعه. 

هذان الفيلمان ليسا تكريمًا للزعيم عادل إمام وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، بل يتضمنان كذلك تسجيلات مع عدد من شركاء رحلتهما الفنية، إلى جانب نقاد وفنانين ومتخصصين كبار. وأقول بكل ثقة: لدينا محتوى مهم جدًا يغطى جميع الجوانب التى نحتاجها لتقديم صورة متكاملة عن أهم نجوم مصر.