الإثنين 02 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الروائى والمخرج شريف سعيد: أعمل على مشروع أدبى لإعادة قراءة التاريخ

المخرج والروائي شريف
المخرج والروائي شريف سعيد

نجاح تلو الآخر يحققه الإعلامى والمخرج والروائى شريف سعيد، ففضلًا عن مجهوده الواضح فى رئاسة «القناة الوثائقية»- الذى أثمر عن الكثير من الأعمال المتميزة التى عُدت إضافة مهمة للإعلام المصرى فى الآونة الأخيرة- أصدر روايتين، هما «وأنا أحبك يا سليمة»، فى عام 2017، و«عسل السنيورة»، فى العام الماضى.

واستطاع «سعيد»، من خلال الروايتين سالفتى الذكر، الوصول إلى شريحة واسعة من القراء، ولفت انتباه الأوساط النقدية والأدبية، التى بدأت تردد اسمه كروائى يُرسخ نفسه على مستويات مختلفة، ويعِد بتجربة إبداعية ثرية تتجلى ملامحها مع كل عمل جديد. 

«حرف» التقت شريف سعيد، للحديث عن مساره الأدبى، الذى بدأ بخطوات راسخة ومهمة، وعن مدى تأثير عمله فى الإخراج والإعلام على رسم ملامح تفضيلية لهذا المسار على المستويين الموضوعى والفنى، إلى جانب رؤيته لصعوبات كتابة الرواية التاريخية، وغيرها من التفاصيل فى الحوار التالى.

■ بدأت حياتك المهنية بالعمل الإعلامى، فكيف بزغت الرغبة فى الكتابة الإبداعية لديك؟

- الكتابة الإبداعية لا تظهر فجأة، وإنما هى نتاج بذرة تنمو ببطء على مدار السنوات، ومنذ سن مبكرة كنت شغوفًا بالقراءة فى مختلف المجالات الإبداعية، وفى مرحلة الدراسة الجامعية كانت لدى محاولات على استحياء لكتابة المقال والقصة القصيرة، وهى محاولات غير منشورة، وأعتبرها بمثابة تجارب أولية وتدريبات على الكتابة، ثم بعد أن تخصصت فى دراسة «الإذاعة والتليفزيون» بكلية الإعلام، كتبت بعض الأغانى، وكانت لى محاولات شعرية حرة، لكن لم أفكر فى نشرها. 

انشغلت بالعمل الإعلامى فى أثناء دراستى الجامعية، فعملت فى إعداد برنامجين بـ«الفضائية المصرية»، وكانت الكتابة مقتصرة على التقارير التليفزيونية، ثم عقب تخرجى انتقلت إلى «النيل للأخبار»، حيث تعلمت الصنعة الإخبارية والوثائقية فى هذه القناة، التى كانت من المراكز المهمة للصناعة الوثائقية، وكنت محظوظًا بالعمل مع مخرجين كبار فى هذه الصناعة. 

منذ عام ٢٠١١، بدأت كتابة المقال فى عدد من الصحف، هى «الوطن» و«الأهرام المسائى» و«المصرى اليوم»، وفى هذا التوقيت أيضًا بدأت فى كتابة الرواية الأولى، التى ضمت جزءًا من التاريخ وآخر من الواقع، وهى رواية «وأنا أحبك يا سليمة».

■ هل ثمة محرك من الواقع آنذاك دفعك نحو كتابة الرواية الأولى؟ 

- الكتابة مساحة تنفس واستراحة من كل صخب الواقع المعيش، أهرب بها من كل ضغوط الواقع، وحينما تكون الكتابة حول حقب تاريخية بعيدة تصير مخرجًا آمنًا من الواقع الضاغط بشتى صنوفه، يتيح لى تقمص الشخصيات، والانغماس فى الحقب التاريخية، وهذا جزء من حبى للتاريخ، ورغبتى فى إعادة قراءته بشكل مختلف. 

■ كيف تشكل هذا الشغف بالتاريخ لديك؟ 

- أدين بالفضل لأستاذ التاريخ المعروف، الدكتور محمد عفيفى، فقد كان من أساتذتى خلال المرحلة الجامعية، ومنه تعلمت أهمية الابتعاد عن القوالب المحفوظة للواقعية التاريخية، وضرورة إعادة قراءة التاريخ بمنظور مختلف وعبر مصادر غير تقليدية، وحينما تخرجت لم تنتهِ علاقتى به، وصار ليس فقط أستاذى ولكن صديقى العزيز أيضًا، ودومًا أتناقش معه فى بعض الوقائع التاريخية التى أقرأ عنها أو أفكر بها. 

وفى الحقيقة، رغم حبى لقراءة تاريخ مختلف الحقب والعصور، فإن فترة العصر الحديث منذ بداية الحملة الفرنسية على مصر، هى ما تستهوينى بشكل خاص، لا سيما فى الكتابة، لأن هذه الحملة كانت نقطة تحول للتاريخ المصرى، فقد تغير كل شىء منذ ذلك الوقت، وضُرِب كل ما كان ثابتًا فى مقتل، وهى الحالة التى لم نخرج منها حتى الآن. 

من هنا، كتبت روايتى الأولى «وأنا أحبك يا سليمة»، التى تمثل إعادة قراءة لحملة محمد على فى السودان، فـ«سليمة جارية» تم أسرها من السودان، وجاءت إلى القاهرة، وساقتها الأقدار إلى كنف «كلوت بك»، لنشاهد التقاء بين حضارتين وثقافتين مختلفتين، وقد اشتملت الرواية على وقائع حادة وصادمة. 

■ فيما يخص مراجعة حقبة محمد على، يمكننا أن نذكر بعض كتابات الدكتور خالد فهمى التى ارتكزت حول ذلك، فإلى أى مدى اعتمدت عليها فى الرواية؟ 

- لا يمكننا إنكار أهمية مؤلفات خالد فهمى فى هذه المساحة، لكن بالنهاية ثمة اتفاقًا واختلافًا فى الكثير من النقاط، كما أن الرواية اعتمدت على الكثير من المصادر العربية والأجنبية، التى تنصهر بداخل الكاتب ليخرج العمل الروائى، الذى هو فى النهاية ليس عملًا موضوعيًا، وإنما عمل ذاتى وشعورى وليس توثيقيًا. 

يمكننا بطبيعة الحال أن نناقش شكل التعاطى مع الحقائق التاريخية فى العمل وطبيعة فهمها، فأنا من أنصار إطلاق العنان للخيال فى إعادة تفسير الوقائع، وربما خلق دوافع مغايرة لها، دون كسر ثابت تاريخى، مثل نتائج المعارك أو توقيت حدوثها أو ما شابه، فى حين تعمد مدارس أخرى إلى إطلاق الحرية لكتابة تاريخ بديل مغاير للحقيقة التاريخية. 

■ هل تهدف إلى تأسيس مشروع لإعادة قراءة التاريخ من خلال أعمالك الروائية المنشورة والمقبلة؟ 

- المشروع يكتمل مع الوقت، فى النهاية تفضيلى الشخصى هو مزج الواقع بالتاريخ، وفى عملى المقبل أعود أيضًا إلى حقبة تاريخية، لكنها مغايرة لما ظهر فى العملين الماضيين، لأعيد قراءة بعض المشاهد وأعبر عن ذاتيتى بشكل أساسى، فالكتابة بالنسبة إلىّ ليست مصدرًا للدخل، وإنما هى باحة خلفية، مرفأ آمن نلجأ إليه كى لا ننفجر من الضغوط. 

وفى أعمالى لا أهدف إلى كتابة عمل موضوعى عن التاريخ، فالرواية التاريخية كما أراها، قد نناقش من خلالها الواقع فى بعض المساحات، وقد تشتمل على تفسيرات مغايرة للدوافع الإنسانية والسلوكيات والظواهر المختلفة.

 ■ بم تفسر هذا الاهتمام الراهن الكبير بكتابة الرواية التاريخية؟ 

- قد تختلف الدوافع من كاتب لآخر، فالبعض قد يجد فيها متنفسًا، والآخر ربما يهتم بكتابتها لظنهم بأنها قد تحظى بجوائز أكثر من غيرها، وآخرون قد تستهويهم الحقب التاريخية موضع الكتابة، وربما قد تكون مساحة آمنة لمعالجة مسائل معاصرة، خاصة لدى بعض الدول العربية التى لا تتمتع بقدر كبير من الحرية. 

■ تولى اهتمامًا كبيرًا فى الروايتين بقضايا المرأة، عبر تناول مختلف فى كل مرة.. فما بواعث هذا الاهتمام؟ 

- تشغلنى بالفعل قضايا المرأة وواقعها المتردى. فى رواية «وأنا أحبك يا سليمة» تحدثت عن الاستعباد الواقع على «سليمة» واسترقاقها، وناقشت هموم الشخصيات المعاصرة فى الرواية، من استباحة المرأة ومقايضتها، إلى الغياب المستمر للزوج بسبب السفر والوضعيات الضاغطة على شتى المستويات. أما فى «عسل السنيورة» فقدمت اجتهادى الشخصى فى هذه المساحة أيضًا، التى تهمنى وتثير لدىّ الكثير من التساؤلات. 

تقتضى هذه المساحة استدعاء المخزون المعرفى على مدار الحياة لكل من قرأت لهن من النساء، ولكل المدونات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعى التى قرأتها، والتجارب التى سمعت وقرأت عنها من مختلف المصادر القريبة والبعيدة، فضلًا عن معايشة بعض النماذج، للكتابة عن حالات مماثلة لها، مثلما فعلت فى حديثى مع فتاة كفيفة بمرحلة الدراسة الجامعية، لأتعرف عن قرب على مشاعرها وتصوراتها، كى أكتب بدقة شخصية «حسنة» فى رواية «عسل السنيورة»، والتى عانت من فقدان البصر. 

■ فيما يخص رواية «عسل السنيورة» كان هناك ما يشبه الدفاع عن إيجابيات الحملة الفرنسية، هل قصدت أن يغفل خطاب العمل الروائى مثالب الاستعمار الفرنسى؟

- لم أغفل الجانب الاستعمارى فى الرواية، فما ورد على لسان «بونابرت» بها هو الخطاب الدعائى الذى كان يروجه بين قادة الحملة أو المقربين، أو الخطاب الموجه إلى المصريين، وحرصت رغم كل شىء أن أُظهر وحشية «بونابرت» فى قصف القاهرة، بالإضافة إلى وحشيته فى إعدام الأسرى، انطلاقًا من أن «بونابرت» لا يمتلك وجهًا واحدًا، وإنما وجهان متضادان، وجه العبقرية العسكرية والسياسية وبعد النظرة، والوجه الآخر الوحشى شديد القسوة. 

قسوة الاحتلال كانت ظاهرة فى مشاهد ما بعد انتفاضة القاهرة الأولى، ومن ضمن إعادة القراءة للتاريخ فى الرواية، أنى سميتها «انتفاضة» وليس «ثورة»، انطلاقًا من أن تسميتها بـ«الثورة» كانت مرتبطة بالبعد القومى، وهو ما يحتاج إلى مراجعة. 

ومع ذلك، لا يمكن أن نغفل الدور التنويرى الذى لعبه علماء «بونابرت»، فقد قدموا إسهامات عظيمة، وعلى رأسها مجموعة «وصف مصر»، التى تعد مرجعًا لا غنى عنه لتلك الحقبة.

■ اعتمدت على الكثير من المراجع فى كتابة هذه الرواية، فهل جاءت الحقائق التاريخية على حساب التخييل؟

- بالفعل، فمن المصادر التى اعتمدت عليها «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» ج٣ وج٤ وج٥، و«مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس»، والعملان لـ«الجبرتى»، وأيضًا مذكرات نقولا ترك التى تحمل عنوان: «أخبار المشيخة الفرنساوية فى الديار المصرية»، وكتب عبدالرحمن الرافعى مثل: «تاريخ الحركة القومية» ج١ وج٢، و«عصر محمد على» ج١ وج٢، فضلًا عن «مذكرات نابليون»، «ترجمة عباس أبوغزالة، المركز القومى للترجمة»، و«لمحة عامة إلى مصر» لكلوت بك.

واعتمدت أيضًا على «الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس» لشفيق غربال، و«ديليسبس الذى لا نعرفه» لأحمد يوسف، و«أعيان الريف المصرى فى العصر العثمانى» لرضا أسعد أشرف، و«مطبعة بولاق»، الصادر عن مكتبة الإسكندرية، و«علماء بونابرت فى مصر» لروبير سوليه، وكذلك «مصر تحت حكم بونابرت.. غزو الشرق الأوسط» لخوان كول، و«رحلة أبى طالب خان إلى العراق وأوروبا»، و«رسائل فرانسوا برنوييه».

بذلت جهدًا كبيرًا لأصل إلى رسائل فرانسوا برنوييه، ثم لأترجمها عن الفرنسية، وفى الرواية كل من «جوليا» و«فرانسوا» هما شخصيتان حقيقيتان، لكن فى الحقيقة لم تكن لهما علاقة ببعضهما البعض، وتلك العلاقة فى الرواية هى مزج روائى، وهذا المزج يحضر فى العديد من المواضع الأخرى. 

■ كيف تُدبر الخروج من الانغماس فى مطالعة المراجع التاريخية المختلفة إلى كتابة الرواية بكل عوالمها الفنية المغايرة؟ 

- فى لحظة معينة أتخذ قرارًا بالتوقف عن الانسياق وراء التفاصيل، وفى الكتابة لا أستعين إلا بالتفاصيل التى تسهم فى تنمية الدراما، فخلفيتى الإخراجية تجعلنى أحاول رسم صورة مكتملة دون تفاصيل مملة، وهو ما قد يراه البعض مضرًا بـ«المونولوج» الداخلى للشخصيات أو بأبعادها المختلفة، ومن ثم أحاول تحقيق الموازنة بين الأمرين.

■ إن تحدثنا عن اللغة فى «عسل السنيورة» فهى ليست مقتصدة بالقدر ذاته، ثمة انشغال بجمالياتها وفنياتها وتركيز كبير على إبراز ذلك.. ما السبب؟ 

- اللغة مثل الكائن الحى تتطور مع الوقت ومع الممارسة والقراءات، أحاول عدم الانسياق وراء التفاصيل ومغريات مفردات اللغة، الذى قد يقود إلى منطقة صعبة بالنسبة للقارئ، ففى النهاية العمل الروائى موجه إلى القارئ العادى. 

فى روايتى الأولى كانت اللغة أكثر اقتصادًا، وأحاول فى عملى المقبل أن أصنع حالة وسط بين بساطة اللغة فى رواية «وأنا أحبك يا سليمة»، ورصانتها فى «عسل السنيورة».

■ من هم كُتّابك المفضلون؟ 

- فى الأدب، أحب كل ما كتب نجيب محفوظ، فكل أعماله مهمة، ومن رواياته شديدة الجرأة فى لحظتها رواية «السراب»، فقد أسس «محفوظ» الرواية العربية وطوّرها، وهو نموذج تعجيزى لأى كاتب. 

أحب أيضًا كتابات ماركيز وبهاء طاهر ومحمد المنسى قنديل، وبالطبع إبراهيم عبدالمجيد، ومن أعماله البديعة «لا أحد ينام فى الإسكندرية»، وتلك الرواية الرقيقة «فى كل أسبوع يوم جمعة»، وأيضًا «عتبات البهجة»، التى تضم سطرين فى نهايتها ينمان عن تجربة حياتية عظيمة. أما فى الفلسفة فأفضل كتابات نيتشه وعبدالرحمن بدوى وبرتراند رسل، وفى التاريخ هناك العديد من الكتّاب، وعلى رأسهم الجبرتى وعبدالرحمن الرافعى.