المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

فتحى عبدالوهاب.. شيطان تمثيل على الشاشة فى «الحشاشين»

فتحى عبدالوهاب
فتحى عبدالوهاب

يتعلق جانب مهم من التعاطى مع الشخصيات الدرامية فى مسلسل «الحشاشين» بالنظر فيما وراء حقائقها التاريخية إن كانت شخصية تاريخية، مثل حسن الصباح أو عمر الخيام أو الشيخ الغزالى وغيرهم، أو دورها المحدد حال كانت شخصية درامية متخيلة، مثل ز يد بن سيحون أو يحيى ابن المؤذن، فالبعد الدرامى هو البوصلة التى توجّه شخصيات المسلسل بصورة عامة نحو مسارها التاريخى أو الفكرى أو الاثنين معًا. ومن هذا المنظور يمكن قراءة شخصية «نظام الملك» فى مسلسل «الحشاشين»، التى قام بأدائها الفنان فتحى عبدالوهاب بمهارة بالغة تعكس أبعادها المختلفة بسلاسة وحرفية. 

تعكس شخصية «نظام الملك» بالمسلسل حقيقة الدور الكبير والمكانة الرئيسية التى كان يتقلدها نظام الملك الطوسى فى الدولة السلجوقية، فهو، حسبما تشير المصادر التاريخية، لم يكن مجرد وزير وإنما كانت له أدوار رئيسية فى تاريخ الدولة السلجوقية جعلته مدبرًا رئيسيًا لشئون الولاية، وقائمًا على تنظيم أمورها العسكرية والتنظيمية بمهارة بالغة، استرعت إعجاب السلطان «ملكشاه» وثقته غير المحدوة به، لكنها أيضًا جلبت له مكائد المتآمرين الذين سعوا للوقيعة بينه وبين السلطان إلى أن توترت العلاقة بينهما ووصلت إلى حد تقليص مسئولياته ومحاولات نبذه.

كان أداء فتحى عبدالوهاب لهذا الجانب التاريخى لشخصية «نظام الملك» بارعًا، فقد عبّرت لغة جسده عن القوة والحزم وكذلك الدهاء السياسى المميزين للشخصية بسلاسة لا تشوبها مبالغة، فكان الأداء البسيط أو على الأرجح السهل الممتنع هو البوابة التى تمكن «عبدالوهاب» عبرها من ملامح الشخصية التاريخية منذ الحلقات الأولى للعمل الدرامى. 

وعلى الرغم من أن هذا الجانب كان له الحضور الأبرز فى المسلسل، فإن البعد الإنسانى للوزير نظام الملك كان حاضرًا بصورة رئيسية فى علاقته بصديقيه عمر الخيام وحسن الصباح، وبصورة فرعية فى العلاقة مع الزوجة. فالعلاقة مع الصديقين تكشف عن أبعادهم الإنسانية والفكرية والتمايزات بينهم التى من خلالها تتبلور ملامحهم بصورة أوضح، أما العلاقة مع الزوجة فقد استهدفت بالأساس الكشف عما يجول فى نفس نظام الملك من صراعات وأفكار ورغبات وصول لا تهدأ ولا تنتهى، وهنا يحضر واحد من الجوانب الدرامية فى شخصية «نظام الملك» كما ظهرت فى «الحشاشين»، فالرسم الدرامى للشخصية لا يتوقف عند حقيقتها التاريخية وإنما يستهدف الوصول إلى الصراعات النفسية والفكرية التى قد تأخذ حينًا صبغة الانكسار ولكنها غالبًا ما تكتسى بثوب التحدى والتمسك بالانتصار والسيطرة على الأمور حتى الرمق الأخير. 

هذا الرسم المتقن لشخصية «نظام الملك» بأبعادها المختلفة جعل منها رمزًا لرجل السلطة أو السياسى بشكل عام فى كل زمان ومكان، فهو فى جبهات صراع متعددة تقتضى يقظة وحذرًا دائمين وسعيًا لا يتوقف إلى الإمساك بتلابيب الأمور وسط نصال تستهدف زعزعة الأمان وتحقيق مصالح خاصة مضادة، وهو رغم حرصه الأول على مصالح وطنه، قد يسىء تقدير الموقف أحيانًا، ولكن مواقفه كثيرًا ما يُساء تقديرها من جهة أخرى. 

يثبت البعد الدرامى للعلاقة بين نظام الملك وحسن الصباح، أيضًا، أنه لا صداقة تدوم بين دين وسياسة وإن كانت محفوظة بمواثيق غليظة، فالمحبة السابقة بين الأصدقاء الثلاثة وعهدهم السابق بأن تعلو الصداقة فوق أى اختلاف، لم ينجحا فى حماية رجل الدين من الانسياق وراء شهوة الوصول وبريق السلطة الملتحفة برداء الدين والخروج على كل عهد سابق، كما قادا إلى وقوع أمور الحكم فى مزالق متتالية لم يكن الخروج منها يسيرًا. من هنا، يمكن القول إن هذا العمل الدرامى ككل، وعبر شخصياته الدرامية الرئيسية، يعود إلى التاريخ لا ليعيد تقديمه وإنما ليمنح المشاهد مرآة ينظر من خلالها إلى راهنه بعد أن يكون قد استقى من الماضى دروسه الكبرى.