الأربعاء 11 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

في مقال نادر بمجلة روز اليوسف..

سميحة أيوب تكتب: كيف أنقذنى محسن سرحان؟

حرف

كانت هوايتى فى الصغر أن أشاهد الأفلام السينمائية، ثم أعود إلى البيت لأنصب فى الفناء مسرحًا صغيرًا أزينه ببعض الورود القديمة، وأعيد تمثيل ما رأيته على الشاشة.. وكانت هذه الهواية تعجب أهل البيت الذى أعيش فيه لأنها تُسليهم.. وكانوا يشجعوننى ببعض القروش، التى أذهب فأشترى بها بعض الحاجيات التى يحتاج إليها مسرحى الصغير.

وكبرت، وكبرت معى هوايتى.. والتحقت بمدرسة سان جوزيف فى عام ١٩٤٢، وكوّنت مع صديقاتى فريقًا للتمثيل لم تعترف به المدرسة فى أول الأمر. ولكنها عادت فاضطرت إلى السماح لنا بإقامة بعض التمثيليات بعد أن ألححن نحن التلميذات على مديرة المدرسة.

وكانت الخطوة الثالثة بعد ذلك هى أننا- بصفتنا أعضاء جمعية التمثيل الجديدة- كان علينا أن نزيد من نشاطنا بعض الشىء، فذهبنا إلى معهد التمثيل العالى، وكان هو أول ما خطر على بالنا لأن فيه فتيات مثلنا.

وهكذا التحقت بالمعهد العالى للتمثيل دون أن يكلفنى هذا أكثر من أن أوافق عندما قيل لى «هل تمثلين؟».

وبدأت الصعاب أمامى منذ ذلك اليوم.. فلم أستطع فى بداية الأمر أن أقول لأهلى فى البيت وبالأخص خالى- وكان ناظر مدرسة الزراعة بمشتهر، وهو الذى يتولى تربيتى- خشية نظرته المتزمتة إلى وسائل التربية، خصوصًا الفتيات.. ورحت ألح عليهم وأرجوهم فهاج البيت من أوله إلى آخره، وحرّموا علىّ ذكر التمثيل، وطالبوا المدرسة بإخراجى من جماعة التمثيل.

ولكن الأمر لم يكن سهلًا كما تصورت.. إذ سرعان ما تسربت الأخبار شيئًا فشيئًا حتى وقعت الطامة حين علموا أن ابنتهم سميحة أيوب طالبة فى المعهد العالى للتمثيل، وأن المعهد سوف يؤلف فرقة للتمثيل سأكون أنا واحدة من أفرادها، ووقعت فى مأزق لم أعرف كيف أتخلص منه.. خصوصًا وأن بعض الشركات السينمائية كانت قد بدأت تتعاقد معى على بعض الأدوار. وبدأت أحس بقيمة الأجر الذى يتقاضاه الفنان لقاء مجهوده.

وفى وسط هذه العواصف أرسل الله لى مَن ينقذنى من حرجى، فى شخص الزميل محسن سرحان، الذى رآنى فى أحد تلك الأفلام فأحبنى، وأحببته.. وتزوجنا. 

مقال نادر لسميحة أيوب فى مجلة روزاليوسف ١٢ يوليو ١٩٥٤

وحسبت أن إشكالاتى قد انتهت، وإلى الأبد.

قضيت مع محسن حوالى السنة ونصف زوجة طائعة وتركت التمثيل، وأنجبت له فى هذه الفترة ابنى الوحيد وأسميناه محمود فهمى النقراشى- وهو الآن يعيش مع محسن وأراه بين حين وآخر- ولكن أنباء فرقة المسرح الحديث كانت تصلنى بين الحين والآخر، فيملأ قلبى الحسد على أولئك الزميلات اللاتى كنت أعتبر أننى لا أقل عن واحدة منهن.

وعدت أمر بالتجربة الأولى.. كان محسن قد اشترط علىّ أن أترك التمثيل إلى الأبد، وكنت أنا قد وافقت على أساس أن حياتى إلى جانب ممثل قدير كمحسن سرحان سوف تعوضنى عن هوايتى.. ولكن المسألة لم تكن هينة إلى هذا الحد.. فإن الرغبة فى الوقوف على المسرح، ومواجهة الجمهور، عادت تأكل صدرى من جديد.. وعدت ألح على محسن أن يسمح لى بالتمثيل مع زميلاتى اللاتى لعبن دورًا هامًا فى هذه الفترة بزياراتهن المتكررة، وقصصهن عن إعجاب الجمهور بهن بعد النجاح الذى تلاقيه الفرقة.

وضاق محسن يومًا بإلحاحى فجلس فى هدوء ليُخيرنى بين حياة الزوجية إلى جانبه وبين التمثيل.. وطلبت مهلة أسبوعًا أعيش بعيدًا عنه لأستطيع أن أحكم عقلى وقلبى.

ولقد عدت إلى محسن فى اليوم التالى لأقول له إننى لا أستطيع الحياة بدونه.. ولكن هوايتى للتمثيل لا تزال تأكل صدرى.

وتركت محسن أسبوعًا آخر.. ولم أكف طوال هذا الأسبوع عن البكاء، كنت أريد زوجى، وكنت أحب هوايتى وانتهى الأمر بيننا بالطلاق.

إننى اليوم أعيش لفنى ولزوجى الجديد.. وتمر كل هذه الأحداث بذاكرتى فأعجب كيف يتكون الفنان فى حياته؟