الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

حلمى التونى يهزم قسوة العالم

حلمى التونى 
حلمى التونى 

منذ أيام قليلة، اُفتتح معرض الفنان التشكيلى الكبير حلمى التونى، فى «جاليرى بيكاسو» بمنطقة الزمالك، وسط حضور جماهيرى وصحفى كبير، لمشاهدة عشرات اللوحات التى يضمها المعرض، والذى جاء تحت عنوان: «يحيا الحب».

حين تبدأ جولتك فى المعرض ستجد «بوسترات» مطبوعًا عليها إحدى لوحات الفنان التشكيلى الكبير، وأسفلها عنوان المعرض «يحيا الحب». وتُظهر اللوحة البديعة الموجودة داخل «البوستر»، الذى يوزع مجانًا، كمثال للحضور الأنثوى المهم والجوهرى فى كل أعمال «التونى»، أنثى تقف وتنظر بقوة فى عين الناظر إليها، وتمسك فى يسراها درعًا على شكل قلب، وفى يمناها سيفًا ترفعه عاليًا، كأنها تحاول مواجهة العالم متسلحة بالحب.

فى حوار سابق، قال «التونى» إنه أطلق على معرضه هذا العنوان، ليكون الحب هو السلاح الذى يواجه به الإنسان الحروب التى تجرى الآن، والعنف والقسوة بشكل عام، معتبرًا أن «الشىء الوحيد الذى يعالج كل المظاهر السيئة هو الحب».

 

كما أن أول ما يأتى فى ذهن الزائر، حين يسمع «يحيا الحب»، هو الفيلم المصرى الذى يحمل نفس الاسم، وعرض فى عام ١٩٣٨، أى منذ أكثر من ٨٠ عامًا، وهو فيلم رومانسى فى غاية العذوبة، من بطولة الموسيقار العظيم محمد عبدالوهاب، والجميلة ليلى مراد. 

ومن المعروف أن «التونى» دائمًا ما يجعل المرأة محورًا رئيسيًا فى جميع لوحاته، وحتى فى أغلفة الكتب التى صممها، فالمرأة هى رمز لكل شىء عنده، أحيانًا للحبيبة أو الحب ذاته أو الوطن، وهو ما يبرز بشدة فى الغلاف الذى رسمه لرواية «١٩٥٢»، للكاتب جميل عطية إبراهيم.

يستلهم «التونى» تشكيلاته البصرية والجمالية من جماليات الحضور الأنثوى بتفاصيله كافة، وفى أوقات كثيرة يجعل المرأة فى مكانة أعلى من الرجل، وأحيانًا تكون هى ظل الرجل الذى يثبت وجوده وحضوره.

وفى لوحات أخرى، نرى «التونى» وقد رسم للمرأة أجنحة، كأنه يعوضها عن الظلم الذى قد تواجهه فى الواقع بحرية الطير، بحرية وتحرر لا حدود لهما. يبرز هذا فى إحدى اللوحات داخل المعرض، وهى لوحة تحاكى تلك الصورة التقليدية التى كان يلتقطها أجدادنا فى حفلات زفافهم، يجلس الرجل بوقار وهيبة على الكرسى، وتقف المرأة بجواره فى خشوع واضعة يدها على كتفه، لكن «التونى» يعكس الوضع ويبدله، حيث تجلس المرأة فى هيبة على الكرسى، والرجل هو الذى يقف بجوارها فى انحناء مشيرًا إليها.

وفى إحدى اللوحات الأخرى بالمعرض، نرى لوحة لأنثى تحتضن الصبار، الذى تنبت منه قلوب صغيرة، هذه اللوحة مثل كل لوحات «التونى»، من الصعب تفسيرها فى قالب واحد محدد وصارم، بل هى ككل لوحاته، يمكن أن تكون لها العديد من التأويلات والتفسيرات المختلفة. ولكنها ربما تشير إلى قدرة المرأة المدهشة على التحمل والصبر، وأيضًا تحملها الحب، مهما كانت أشواكه جارحة.

كما يستعين حلمى التونى أيضًا ببعض العناصر التراثية والموروثات الشعبية، التى يستطيع بقدرة مدهشة على أن يمزجها فى هذا «الديالكتيك» الذى تتفجر منه اللوحة، فهو دائمًا ما يستخدم علامات وإشارات ذات دلالة تراثية، كطائر الهدهد الذى يستند إلى القصص القرآنى، أو إلى الكف والعين والطيور والأسماك، وغيرها من العناصر التى تجعل لوحاته مهمومة بالتعبير عن الإنسان وعن الطبيعة بكل عناصرها.

احتار المختصون فى تصنيف «التونى» داخل مدرسة بعينها، نظرًا لتغير الأساليب التى يستخدمها، ونظرًا لأنه أسس نمطًا معينًا خاصًا فى لوحاته، فمن النادر جدًا، حين تنظر إلى لوحة من إبداعاته، ألا تعرف أنه صاحبها، قبل أن تقرأ توقيعه. 

وحلمى التونى فنان مصرى من مواليد بنى سويف عام ١٩٣٤، حصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم الديكور المسرحى عام ١٩٥٨، ولكنه تخصص فى التصوير الزيتى.

كما حصل على عدة جوائز محلية وعالمية، أبرزها جائزة «اليونيسف»، عن ملصقه فى العام الدولى للطفل عام ١٩٧٩، كما حصل على جائزة معرض بيروت الدولى للكتاب، لثلاث سنوات متتالية.

ويستمر معرض «يحيا الحب» فى استقبال الزوار يوميًا مجانًا، من العاشرة والنصف صباحًا وحتى التاسعة مساء، عدا يوم الأحد، ومن المقرر أن يستمر حتى الأحد المقبل ١٠ مارس الجارى.