السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رحلة البحث عن اليقين بين الأديان.. إله واحد وشرائع متعددة (ملف)

حرف

بداية دعنا نتفق أن الأسر قد يكون أكثر ألفة من الحرية الغريبة لدى البعض وأن حدود العقل لا تعنى شيئًا أمام طوفان الشغف. الأسر الذى أتحدث عنه هنا هو شرنقة الفكر وسياج العقل الذى يركن إلى كثبان رملية متحركة تقدس المألوف وتأبى أن تتجاوزه؛ خشية السقوط فى فخ المعرفة أو فى نار الحميم.

أما حدود العقل التى يعتصمون بها مجرد خطوط حمراء رسموها سالفًا للتحليل والاستنباط، وشجاعتها لا تتعدى حدود التبرير عوض التفسير، وهى ذاتها التى تجاوزها إبراهيم عليه السلام، حين شرع فى رحلة البحث عن القوة المطلقة التى تصبغ كلّ ما يراه بصبغة المنطق، عن إله يلهمه الإيمان ودفء السكينة التى لطالما فتش عنها.

ألم يكن إبراهيم عليه السلام هو أول من استخدم العقل للوصول إلى الله، والقرآن وثق الرحلة فى سورة الأنعام بقوله تعالى «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّى فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّى فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّى هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».

ألا ينتهى العديد من آيات القرآن الكريم بـ«أفلا تفكرون»، «أفلا تتدبرون» «أفلا تعقلون» بما يعنى ضرورة إعمال العقل والتفكر والتدبر. ألم تكن أولى رسائل السماء للنبى على جناحى جبريل كوحى «اقرأ باسم ربك الذى خلق»؟ ليرسى مبدأ أن أسمى مقاصد العقيدة فتح باب الفكر والنظر.

ألم يقل ابن الجوزى «فى التقليد إبطال لمنفعة العقل»، فلماذا ننكر على الباحثين السؤال ونتهمهم بالضياع، بل والكفر فى أغلب الأحيان. هل ترضى أن يقول إن الحق هو ما ولدت عليه ووجدت آباءك عليه دون أن تتأكد؟ هل ترضى أن تأخذ بقشور الأمور دون أن تختبر جوهرها؟

إن رحلة البحث عن الله لا تعنى بالضرورة عدم الإيمان به، بل ربما هى رحلة البحث عن اليقين الثابت غير المراوغ عن بقعة الضوء التى تنير مسارات الوصول إليه بما يتخللها من الآلام، الضّياع، الخوف، والتّردد، الشّك، واليقين، والبحث، والسّؤال.

إلى كل الحيارى والتائهين الباحثين عن الله.. لقد كنت يومًا مثلكم، كنت أردد أن الشتات قدرى الذى عاندته كثيرًا وهزمنى مرارًا، لم أكن أدرك حينها أن صحراء التيه ليست سوى سبيل الوصول إلى واحة اليقين. أرهقتنى عشرات الأسئلة، صرت أُكلم نفسى دائمًا، وأنا ما زلت طالبة بالصف الثالث الثانوى، غير أن السؤال الأهم الذى ظلت أناته تؤرق عقلى الصغير حينها: إذا كان كل أتباع الديانات السماوية، وحتى الوضعية يزعمون أنهم أصحاب الحق المطلق فى الجنة، وأن جزاء ما دونهم الدرك الأسفل من النار.. فما الدليل على أننى على الصواب.. وهل خلق الله كل هؤلاء البشر ليعذبهم؟

ولأن السؤال من زاويتى هو بداية المعرفة، وشهيتى فى طرح الأسئلة لا تفتر مطلقًا، فقد أمضيت سنوات أنقب وأبحث بين مراجع السنة فى محاولة بائسة للوصول إلى إجابات مريحة باردة.. بيد أن محصلتها كانت مزيدًا من التساؤلات العالقة بألسنة اللهب دون إجابات. إذ لم تشفع لى نصف أجزاء القرآن التى حفظتها دون سن العاشرة ولا التيارات الدينية التى تدثرت بالاقتراب منها فى ملء براح عقلى المثقل بعلامات الاستفهام، كنت أريد أن أقبض على البرهان الثابت والحقيقة القاطعة التى لا تقبل الشك، فلن يقف شخص مكانى أمام الله حتى ولو كان شيخ الإسلام، لقد وجدت الله واحدًا فى كل شرائعه وإن اختلفت طقوس التقرب إليه، فسبحانه جل شأنه رحمته وطن المستضعفين وقلوبنا بين يديه ونحن جميعًا من روحه.. ألم يقل «ونفخنا فيه من روحنا».

اقرأ في الملف: 

الله كما رأيته عند الصابئة هو ذاته عند المسلمين

الله فى سفر التكوين.. تشابه الطقوس الدينية مع الإسلام إلى حد التطابق

التفسير الثورى لآيات القرآن ونهاية اليهود

التثليث المسيحي في روح القرآن الكريم