السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أدباء جنوب سيناء.. إبداعات على جانب الطور

سيناء
سيناء

عند الحديث عن المشهد الإبداعى فى جنوب سيناء يتبادر إلى الذهن بعض التساؤلات التى تدور فى هذا الفلك، تتعلق بحقيقة الصورة؛ على اعتبار أن الفن يبحث فى طبيعة الإنسان، ويتشكل من وعيه بوجوده ومن نظرته الفلسفية لواقعه، فهل يمكن أن نعد إبداعات الكتاب فى جنوب سيناء من قصائد وروايات ومجموعات قصصية صورًا متراكبة تخلق مشهدًا إبداعيَّا متكاملًا؟.. أم أنها مجرد إبداعات فردية صنعها كل كاتب معتمدًا على ذاته، ومحاولة وضع هذه الصور فى مشهد واحد سينتج عنها صورة عشوائية لا توصل إلى صورة متكاملة؟ 

الواقع يكشف عن أن الحركة الأدبية فى هذه المنطقة اعتمدت بشكل كلى على النافذة الوحيدة التى يطل منها كل من فكر فى الكتابة، وهى المؤسسة الثقافية متمثلة فى فرع ثقافة جنوب سيناء؛ لذا نجد أن هيئة قصور الثقافة هى المتحكم الرئيسى فى صناعة المشهد الثقافى فى هذه المحافظة، وأن ازدهار الحركة الأدبية وركودها معتمد بشكل كامل على نشاط موظفى الهيئة ورغبتهم فى تسليط الضوء على المشهد أو إسدال الستائر عليه. 

جدير بالذكر أنه بعد تحرير سيناء مباشرة، ظهرت مجموعة من شعراء جنوب سيناء يتغنون بعودة سيناء ويقدمون نواة لمشهد من الشعر النبطى؛ فقدم الشاعر عنيز أبوسالم قصيدة عن حرب أكتوبر يقول فيها:

«ديارنا اللى المراجل دعتنا.. واتحرَّمتْ ع كل واحد ضلالى

حنا تلوعنا وهى لوعتنا.. ومنها رحلنا وهى نخلها دوالى»

ويستمر الشاعر فى إنشاد قصيدته؛ ليصل إلى زيارة خط بارليف وهو خالٍ من الصهاينة: 

«وجيوش من كل النواحى لفتنا.. لما ستولت ع السهل والجبالى

وخلو العدو يرحا واحنا سبتنا.. وجينا نزور خط بارليف خالى»

ويتحدث الشاعر سلمى الدخايلة عن أرضه؛ أرض سيناء، وقد دخلها متخفيًا فى سنوات الاحتلال الصهيونى، ويبدو أنه ذهب فى مهمة استطلاعية من مؤسسة «سينا عربية» التى كانت تعمل مع قواتنا المسلحة؛ عكس الصورة التى يتناقلها بعض وسائل الإعلام المغرضة عن بدو سيناء. 

يقول الدخايلة: «يا ديرتى ومرباى وقت الطفولة.. ما أنسى غلالك وجيتك اليوم زوار».. وينهى قصيدته: «سينا غذت ما ردها بالسهولة.. إن ما غزاها اليوم قد ألف طيار».

لم ينتبه أحد لهؤلاء الشعراء المبدعين، ولم يهتم الإعلام بنقل صوتهم، فاتجه بعضهم إلى مؤتمرات الشعر النبطى بالدول العربية المجاورة، واعتزل بعضهم الكتابة وانتهى هذا المشهد الإبداعى قبل بدايته رغم أن هذه النخلة كانت ستثمر وستخلق واحة من الإبداع تتناسب مع المكان. 

مع افتتاح قصر ثقافة طور سيناء، ووجود المؤسسة الثقافية بشكل رسمى فى أواخر الثمانينيات، كان لزامًا أن يكون هناك «نادى أدب» حتى تكتمل الصورة، لكن المسئول الثقافى لم يكلف نفسه عناء البحث عن الموهوبين من أبناء المحافظة وتسليط الضوء على إبداعهم ودعمهم، ومن ثم تم تشكيل ما يشبه المقهى الثقافى من الموظفين المقيمين فى مدينة طور سيناء؛ تحت مسمى «نادى الأدب»؛ يقدم فيه كل عضو ما يحلو له من خواطر. ورغم ضعف البداية، إلا أنها شكلت حجر الأساس، ومصدر الجذب للمبدعين الوافدين من محافظات الوادى والدلتا للعمل فى سيناء، وسلطت الأضواء بشكل كبير على المشهد الثقافى. 

وفى منتصف التسعينيات أفردت صفحات من الجرائد القومية، وقدم الكاتب يسرى حسان والكاتب حزين عمر ملفات عن الحركة الأدبية الواعدة فى جنوب سيناء، وطبعت دواوين شعرية للشعراء أحمد عمارة، ومحمود الأسوانى، ومحمد جمال أمين، وخضر إسماعيل.. ومجموعات قصصية للكتاب محمد أحمد الدسوقى، وطارق الصاوى. ولولا التناحر على رئاسة نادى الأدب والخلافات بين الأدباء على الألقاب لتطور المشهد الأدبى فى جنوب سيناء بشكل كبير.

عادت الستائر إلى النزول مرة أخرى، وتوزع الأدباء بين مكتف باسمه على كتاب واحد، وبين طامع فى أن يكون اسمه فقط على كل شىء؛ فنجد عددًا من الأدباء يبحثون عن المقعد الخالى، فيتحول من كتابة شعر الفصحى إلى العامية، ثم إلى القصة القصيرة، حتى لا يوجد على الساحة غيره. 

ظلت حالة الركود حتى منتصف الألفية الجديدة، ثم انضم بعض الوجوه الشابة إلى الصورة بكتاباتهم المختلفة، وظهرت بوادر التمرد على حالة الركود الثقافى، ومع سهولة التنقل من وإلى سيناء، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى، ومع اهتمام هيئة قصور الثقافة بجنوب سيناء، وتوسيع دائرة النشر الإقليمى صدرت دواوين للشعراء: إبراهيم صبحى، وعمرو شاهين، وتيمور مصطفى هيكل، ويونان سعد، وخيرى عبدالعزيز، ومحمد منصور، وحازم المرسى؛ كاتب هذه السطور، مما لفت انتباه النقاد: مسعود شومان، وأمجد ريان، وحمدى سليمان، ومحمد كشيك، وغيرهم، للكتابة عن أدباء جنوب سيناء. 

وتعد الفترة من بعد ثورة يناير حتى نهاية عام ٢٠١٧ أكثر فترات المشهد سطوعًا؛ حيث حصل العديد من شعراء جنوب سيناء وكتابها على جوائز كبرى على مستوى الجمهورية، بل على مستوى الوطن العربى؛ من خلال المسابقات التى تنظمها هيئة قصور الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة والهيئات العربية المتخصصة بالشئون الثقافية.

ولكن فيما يبدو أن هذا التوهج الذى توِّج بانعقاد مؤتمر أدباء مصر فى قلب جنوب سيناء فى نهاية عام ٢٠١٧، أزعج البعض، فقد كان ما قدمه المؤتمر من دراسات عن أدباء جنوب سيناء مهمًّا للغاية، كما تناول- فى بادرة هى الأولى فى مؤتمرات الثقافة- أعمال سبعة من شعراء جنوب سيناء الشفاهيين، وكان عدم اهتمام الوسط الثقافى بذلك غريبًا، خصوصًا من القائمين على الثقافة؛ فقد انهالت معاول الهدم على المؤتمر بشكل عام، وكأنه لقيط، وهو الأمر الذى أفقد المشهد بريقه؛ فبدلًا من أن يكون رد فعل تلك الدورة من المؤتمر تتويجًا لحالة التوهج فى المشهد الثقافى بجنوب سيناء، حدث عكس ذلك؛ فقد خلقت ردود الفعل حالة من المقاطعة بين أدباء جنوب سيناء وأنشطة الثقافة، ومع هذه المقاطعة- بالإضافة إلى فقد المشهد الشعرى أربعة من أهم الشعراء المؤسسين؛ هم: «أحمد عمار الشريف، ومحمود الأسوانى، ومحمد جمال أمين، وطارق الصاوى»- عادت الستائر إلى النزول مرة أخرى. 

فى النهاية يجب أن أنوه بأن التجارب الأدبية فى جنوب سيناء تجمع بين أشكال وألوان شتى، تتنوع تفاصيلها على المستويات المكانية والبصرية والزمنية؛ وهى تجارب منفتحة على مساحات من التأمل الكاشف لما هو كائن وراء الواقع المعيش، وأن هذه التجارب لا ينقصها سوى الاهتمام وتسليط الضوء. وتحية لجورنال حرف «الدستور الثقافى» على إحياء مبادرات الاهتمام بأدباء وكتاب مصر ومبدعيها فى المحافظات المختلفة. 

اقرأ من إبداعات أدباء جنوب سيناء

محمد الدسوقى يكتب: ابن جاد الله

أميرة محيى الدين تكتب: عابر سبيل

سلَّام مدخل سليمان يكتب: ثلاث قصائد

ياسر عامر يكتب: شواهد قبور

طارق الصاوى يكتب: انصرفوا وقولوا

يونان سعد يكتب: فى مزاجٍ أبيضٍ للبحر

خيرى عبدالعزيز يكتب: أسماك الفيل

عبدالرحمن مسعد محمد يكتب: الرأس وأجندة جدى