السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«أراكاتاكا» تعود للحياة بعد «100 عام من العزلة»

ماركيز
ماركيز

- مسقط رأس ماركيز يحلم بـ«انتعاشة» بفضل مسلسل «Netflix» المنتظر

- صديق طفولته: أخبرت جابرييل بأن الرواية أقل من أعماله الأخرى فوافقنى الرأى

تستعد منصة «Netflix» لعرض مسلسل مستمد من أحداث رواية «100 عام من العزلة»، للكاتب الكولومبى جابرييل ماركيز، بعد مرور 10 سنوات على وفاته.

ويأمل السكان المحليون فى أن يسهم المسلسل فى جلب حياة جديدة إلى مدينة «أراكاتاكا»، مسقط رأس «ماركيز»، التى عاش فيها حتى سن الثامنة مع أجداده لأمه، وفق صحيفة «الجارديان» البريطانية.

واستمد «جابرييل» كتاباته من الفترة التى عاشها داخل مدينة «أراكاتاكا»، ليجسد الواقعية السحرية، من خلال إلقاء الضوء على هذه المدينة النائية فى كولومبيا.

ومدينة «أراكاتاكا» الهادئة يبلغ عدد سكانها ٤٠ ألف نسمة، وكان من الممكن أن تبقى مثل العديد من المدن الأخرى فى جميع أنحاء المناطق الساحلية النائية فى كولومبيا، بلدة حارة يشوب طقسها الغبار وفقيرة وغير معروفة لبقية العالم، لولا الإلهام الذى قدمته لـ«ماركيز» فى الإعداد الخيالى لروايته «١٠٠ عام من العزلة»، الصادرة عام ١٩٦٧.

تمكن «ماركيز» من رسم صورة ساحرة للمدينة، عبر مزج الخيال مع الحياة اليومية، لإظهار الطبيعة الكوميدية والهزلية والمأساوية فى كثير من الأحيان للحياة فى أمريكا اللاتينية، فأصبح يمكن للقارئ تخيل هذه المنطقة، بل وجعلها تأسر القلوب فى جميع أنحاء العالم.

الصفحة الخامسة والعشرين من العدد الحادى والعشرين من حرف

وقال خايمى أبيلو، مدير مؤسسة «غابو»، وهو الاسم الذى أُطلق على جابرييل ماركيز فى المدينة قديمًا: «شِعر جابرييل وحبكاته حول تصوير المناطق الاستوائية بطريقة قوية وعالمية وصلت إلى قلوب الناس فى جميع أنحاء العالم».

وبث العرض الذى من المقرر أن تقدمه منصة «Netflix» الأمل مرة أخرى فى نفوس السكان المحليين، فبعد أن أُهملت «أراكاتاكا» لسنوات، من الممكن أن يُعاد إليها بريقها، مثل المدن الأخرى التى يرتبط اسمها بأدباء كبار حول العالم، مثل «ستراتفورد أبون آيفون» المرتبطة باسم الشاعر والكاتب المسرحى البريطانى شكسبير، و«دبلن» مع الشاعر والكاتب الأيرلندى جيمس جويس.

ومن المتوقع أن تعرض «Netflix»، فى وقت لاحق من هذا العام، أول ٨ حلقات من إجمالى ١٦ حلقة، من المسلسل الذى يمكن أن يصبح واحدًا من أغلى الإنتاجات التليفزيونية فى تاريخ أمريكا اللاتينية.

ورغم الأمل الذى يلقيه سكان «أراكاتاكا» على عاتق مسلسل «١٠٠ عام من العزلة»، فإن بعضهم شعر بالخيانة، لعدم تصوير العمل داخل المدينة.

وصورت «Netflix» المسلسل الجديد فى مدينة «إيباغيه»، على بُعد ٤٣٠ ميلًا إلى جنوب كولومبيا، تحديدًا على سلسلة الجبال الوسطى من جبال «الأنديز»، بالقرب من «نيفادو ديل توليما».

وقال روبنسون مولفورد، مدرس ثانوى فى مدينة «أراكاتاكا»: «نشعر بخيبة أمل كبيرة، لأن Netflix قررت عدم التصوير هنا، ولكننا نعلم جميعًا أن أى شخص ملهم بالمسلسل سيتعين عليه القدوم إلى أراكاتاكا، وسوف يشعرون باللطف هنا، وسيلمسون كل ما قاله جابرييل ماركيز عن منطقة البحر الكاريبى الكولومبية، سيتم استقبالهم جميعًا بالحب».

تبدو الحياة هادئة داخل المدينة فى الوقت الحالى، باستثناء العمل فى مزارع الموز والنخيل المحيطة بها، والمحال التجارية التى تعتمد على كسب عيشها من التدفق المتواضع للسياح.

غلاف كتاب مائة عام من العزلة

وخلال التجول فى طرقها، تجد صور وجه «جابرييل» المبتسم ذى الشاربين فى كل شارع تقريبًا، كما تنتشر تماثيل له فى جميع أنحاء المدينة. وأصبح مكتب «التليجراف» الذى كان يعمل فيه والده متحفًا الآن، وأعيد بناء منزل طفولته، مع ملئه بممتلكاته الأصلية.

وقال مانويل كيكى موخيكا، مرشد سياحى يكرس جهوده من أجل التعريف بـ«أراكاتاكا»: «أحاول أن أظهر للناس ليس فقط الأماكن فى أراكاتاكا، بل أيضًا قصصها، لأنها، فى نهاية المطاف، مهد الواقعية السحرية».

أما كارلوس نيلسون نوشيس، ٩٣ عامًا، وهو أحد أصدقاء طفولة «جابرييل»، ولا يزال يعيش فى مسقط رأسه، فقال: «لم أحب رواية ١٠٠ عام من العزلة أبدًا»، متذكرًا كيف كان «جابرييل» فى سن المراهقة يبيع الموسوعات، حتى يتمكنوا من شراء مشروب الروم، والاستماع إلى الموسيقى الصاخبة فى المنطقة الساحلية بكولومبيا، مضيفًا: «أخبرته حينها أن كتبه الأخرى أفضل، فوافقنى الرأى!».

ويُعتقد أن الكثير من الإلهام لرواية «١٠٠ عام من العزلة» جاء من القصص التى سمعها «جابرييل» من عماته وجداته، لكنه التقى أيضًا العمال المتجولين من جميع أنحاء كولومبيا والعالم، الذين هاجروا إلى المدينة فى عشرينيات القرن الماضى.

وذكرت «الجارديان» أن «جابرييل» صُدم عند عودته لزيارة نادرة إلى مسقط رأسه، فى عام ٢٠٠٧، تحديدًا من «مدى سرعة تلاشى ملامح المدينة». وقال أرييل كاستيلو، أستاذ الأدب بجامعة «أتلانتيكو» الكولومبية: «لقد وجد جابرييل الأمر مروعًا للغاية.. كيف تم تدمير كل هذا الروعة فجأة دون ترك أى أثر إيجابى».

لكن هناك أشياء أخرى لم تتغير على الإطلاق، فلا تزال أصداء أغنية «فاليناتو» المحبوبة تتردد فى الحانات المحلية، ولا يزال السكان المحليون الأكبر سنًا يروون حكايات طويلة عن الأرواح والأحباء الضائعين، ولا تزال المنطقة مبتلاة بالعنف، ومعظمه هذه الأيام من الجماعات شبه العسكرية.