الخميس 10 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

عصمت 2024.. صحفيون فى مصيدة «هنية»

لقطة من فيلم الإرهاب
لقطة من فيلم الإرهاب

- قامت مؤسسات صحفية حزبية ومستقلة بدور محامى الشيطان ومبرر إجرامه

فى فيلم الإرهاب قدمت الفنانة نادية الجندى فكرة رمزية لم تلقَ ما تستحقه من اهتمام وتوثيق. فكرة علاقة الصحافة بالإرهاب فى العقود الأخيرة من القرن الماضى. قامت الفنانة بدور الصحفية عصمت التى تتولى رئاسة قسم الحوادث بمؤسسة قومية كبرى حين تقع جريمة إرهاب كبرى. أشارت أصابع الاتهام وتحريات رجال الشرطة إلى الإرهابى عمر الصناديلى- الفنان فاروق الفيشاوى- الذى يقرر استقطاب الصحفية عصمت لكى تقوم بدور «الظهير الإعلامى» له. يتصل بها بعد الجريمة ويطلب لقاءها، وفى هذا اللقاء الأول استطاع بالفعل السيطرة العقلية على الصحفية المخضرمة، وذلك حتى قبل أن تنشأ بينهما فيما بعد علاقة حميمية. بعد اللقاء الأول مباشرة تنحاز الصحفية لجانب الإرهابى وتقوم- فى ذروة تفجر الإرهاب فى مصر- بإخفاء مكان الإرهابى وإخفاء معلومات مهمة اقتناعًا منها ببراءته، ولم تفترض ولو واحد بالمائة أنها خطأ وذلك نتيجة سيطرته العقلية عليها. قيامها بذلك ساعد مجموعته الإرهابية على اقتراف جرائم أخرى.

ثم يتحول دورها إلى مساعدته بشكل مباشر قوى فى الحصول على أماكن للتخفى والهروب، وفى استخراج أوراق مزورة تمهيدًا لتهريبه خارج مصر. حدث هذا التطور بعد نشوء علاقة حميمية بينهما. وهذه العلاقة هى الفكرة الرمزية الرئيسية فى الفيلم والتى ترمز إلى امتطاء الإرهاب بعض المؤسسات الصحفية الحزبية والمستقلة وبعض الأسماء العاملة فى مؤسسات صحفية قومية، وقد حدث هذا بالفعل فى عقدى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى!

أما مشاهد نهاية الفيلم فقد جاءت متسقة مع هدفه، حيث تكتشف عصمت بمحض المصادفة حقيقته كاملة وترى وجهه القبيح سافرًا. فقد قرر استخدامها فى حمل حقيبة بها قنبلة وهى مسافرة لحضور فعاليات مؤتمر صحفى بإحدى الدول العربية على متن طائرة تصادف أنها يستقلها بعض الوزراء. تكتشف أنه قرر التضحية بها رغم كل ما قدمته له.. تقوم بالإبلاغ عنه وتقوم بقتله. هذه النهاية لم تمنع ما حدث بالفعل وما قامت به سابقًا منذ لقائهما الأول، ومما أدى إلى اقتراف جماعته مجموعة من الجرائم الإرهابية بينها تفجير مدرسة!

لا يحمل الفيلم أى افتراء على الحقيقة. بل يمكننى القول إن ما عرضه أقل بكثير جدًا مما حدث فى هذين العقدين تحديدًا حين كانت دماء المصريين- من مواطنين ومفكرين ورجال أمن- تُسفك وتسال فى شوارع مصر على أيدى مجرمى جماعات التطرف المتمسحة كذبًا بالإسلام. حيث قامت وقتها مؤسسات صحفية حزبية ومستقلة بدور محامى الشيطان ومبرر إجرامه، حيث قام بعضها بالمساندة الصريحة لفكر الإرهاب الضال، بينما قام البعض الآخر بدور مبرر تلك الجرائم وتقديمها وكأنها رد فعل على ما كانت تدعيه على أجهزة الأمن المصرية. فصحيفة حزبية ناطقة بلسان حزب ليبرالى عريق كانت تفرد صفحات كاملة لتوجيه اتهامات لأجهزة الأمن المصرية بتعذيب مجرمى الجماعات الإرهابية، حتى فُضِحت تلك الجريدة فضيحة كبرى موثقة بالصوت والصورة فى إحدى مؤسسات مصر البرلمانية!

صُحف أحزاب يسارية سارت على نفس النهج وقدمت للمصريين رؤية ضالة أو يمكن القول إنها تبنت رواية الجماعات الإرهابية فيما كان يحدث على أرض مصر والتى مختصرها أن الإرهاب وجرائمه ليس إلا رد فعل على ممارسات الدولة القمعية وعلى الفشل الحكومى فى إدارة ملفات اقتصادية ومجتمعية، حتى ظهر للمصريين تهافت رؤية تلك الصحف فى الأربعة عشر عامًا الماضية. بعض الأقلام التى وجدت طريقها لبعض مؤسسات صحفية قومية، وحتى بعض المنتسبين لتلك المؤسسات دأبوا على بث سمومهم على صفحات صحف يتم تمويلها من ميزانية الدولة المصرية ذاتها! 

صحف ومطبوعات ناطقة باسم مؤسسات دينية مهمة تبنت علنيًا الرواية الدينية المتطرفة. فى تلك السنوات القاتمة قام كثيرٌ من كبار علماء الدين بالتشويش على العقل المصرى الجمعى باستخدام مصطلحات مضللة مثل «شباب الصحوة الإسلامية» و«الصحوة الإسلامية» قاصدين بذلك تلك الجماعات المارقة ومن ينتمون إليها، بل وتورط بعضهم رسميًا فى تبرير جرائم قتل اقترفها بعض أعضاء تلك الجماعات، بخلاف جملة من الفتاوى التى كانت تتهم الدولة المصرية وقوانينها بالخروج عن الشريعة الإسلامية. كان هؤلاء يمثلون أحد جناحى ذلك الظهير الذى استندت إليه تلك الجماعات وأدى إلى إطالة أمد المواجهة بينها وبين الدولة المصرية. أما الجناح الآخر فقد تمثل فى «ظهير إعلامى صحفى» مثلته تلك المؤسسات وهذه الأقلام وتجسد دورها إجمالًا فى تسويق رؤية أن الإرهاب هو رد فعل وليس فكرة لها أهدافها المحددة، والتى تستبيح سفك الدماء من أجل الوصول إلى تحقيقها! ولقد كتبتُ ونشرت منذ حوالى عامين مقالًا مطولًا عما حدث صحفيًا فى تلك السنوات بعنوان الصحافة التكفيرية!

لكننى أستدعى اليوم شخصية «عصمت» بسبب هذا المشهد الصحفى الذى تابعته عقب اغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة حماس، والذى يلقى بحجر ضخم فى بركة مياه يتحرج كثيرون من الاقتراب منها! مشهد صحفى آلمنى وأغضبنى كثيرًا كمواطن مصرى، وأرى أن ألمه وغضبه لا يختلفان عن مشاهد الثمانينيات والتسعينيات حتى مع اختلاف التفاصيل. صحفى مصرى يقترح على نقابة صحفيى مصر أن تفتح أبوابها لتلقى العزاء فى مقتل هنية! كتب اقتراحه على صفحته، ثم توالت بعض الردود الصحفية الغريبة على الاقتراح الأغرب! وأكثرها غرابة لى هو رد نقيب الصحفيين بأنه سيعرض الأمر على المجلس! بينما أثنى آخرون على الاقتراح ووصفه بعضهم بأنه اقتراحٌ عظيم! بينما عبّرت صحفية تتولى موقعًا مهمًا فى مؤسسة صحفية قومية بأنها تتحفظ على الاقتراح، لأنه ربما يشكل سابقة يحاول بعض من تورطوا فى دماء أن يقلدوها فيما بعد! وبعضهم سخروا من تعليقات بعض المصريين الذين استنكروا الاقتراح! وانبرى آخر فى موضع منفصل على صفحته يفند رؤية هؤلاء المصريين واتهامهم لحماس وقياداتها بالمسئولية عن استشهاد جنودنا المصريين فى سيناء! وانصب تفنيده على تلك المكالمة المسجلة لمحمد مرسى وأحد الأشخاص عقب جريمة قتل الجنود المصريين. حيث يقول هذا الصحفى إن هذه المكاملة لا تخص هنية وإنها كانت مع الظواهرى، وإن الدولة المصرية قد تعاملت مع قيادات حماس بالفعل بعد هذه الجريمة، واعتبر أن هذا التعامل هو وثيقة براءة لحركة حماس!

بصراحة نحن أمام مشهد عبثى يستلزم التوقف أمامه وعدم المرور عليه أو تمريره هكذا وكأنه لم يكن! لنبدأ بقصة المكالمة التى أصبحت فجأة وكأنها حدٌ فاصل بين موقفين، إما إدانة حماس ورئيسها، أو تبرئتهم جميعًا! ما كل هذا العبث والدجل الفكرى والسياسى؟! لنفترض أن المكالمة لم تحدث أو ليس لها وجود إطلاقًا، ولنراجع أو لنتذكر بعض ما عاصرناه فى مصر منذ ٢٠٠٨م وحتى ٢٠٢٢م تحديدًا، مع التوقف عند بعض التواريخ الهامة مثل ٢٠١١م، و٢٠١٥م و٢٠١٦م و٢٠١٨م وأخيرًا ٢٠٢٢م! ولنستعن فى ذلك بالأرشيف الصحفى المصرى ذاته! فنحن عامة المصريين عرفنا ما عرفناه من مصدرين، الأول بيانات المتحدث العسكرى المصرى، والثانى ما نشرته الصحف ومواقع الأخبار الرسمية، ولنستبعد كل ما هو غير مصرى! 

أما بيانات المتحدث العسكرى المصرى فموجودة ومتاحة لمن يريد أن يراها ثانية. ومن يشكك فى أى مما ورد بها فلا مجال للحديث معه لأننا لم نشاهد حتى الآن مواطنًا من أى دولة يشكك فى بيانات قواته المسلحة الرسمية خاصة فى زمنٍ لا مجال فيه لإخفاء أخبار عسكرية أو مدنية! أما المصدر الثانى وهو الأرشيف الصحفى، فقد كتبه ووثقه نفس هؤلاء الصحفيون الذى يتناقش بعضُهم اليوم حول فتح أبواب نقابة صحفيى مصر لتلقى العزاء فى قيادة حمساوية!

قطعًا لا يتسع المقام هنا لذكر كل ما نُشر فى تلك السنوات، لكننى سأكتفى فقط بالقدر القليل مما تم نشره صحفيًا لعلى أستطيع تنشيط ذاكرة من شاركوا فى هذه المناقشة العبثية! 

عام ٢٠٠٨ اقتحام الحدود المصرية وقيام عناصر حمساوية بتفجير بوابة معبر رفح واستشهاد الرائد ياسر فريج عيسوى! ٢٠١١م ضبط حامد محمود سلامة فلسطينى حمساوى بحوزته مولوتوف فى ميدان التحرير! إخفاء الداعشى ممتاز دغمش الضالع فى جريمة اختطاف رجال أمن مصريين. ضبط ٦ عناصر بجوازات سفر مزورة من إيران بحوزتهم رسومات لمواقع عسكرية مصرية. بيان المتحدث العسكرى المصرى الأسبق أحمد على يذكر كميات الأسلحة المضبوطة فى سيناء عليها أختام كتائب عزالدين القسام «الفيديو موجود على صفحتى الخاصة!». فى عام ٢٠٢٢م تم قتل ابن شقيقة يحيى السنوار المدعو مصعب جميل مطاوع أو «أبوجميل الغزاوى». ابن جميل مطاوع القيادى بحماس ومسئول جمع الزكاة. ونجل دكتورة جميلة السنوار شقيقة يحيى السنوار. وكان يحاول التسلل لمواقع خاصة لعناصر داعش أثناء مباراة مصر والسنغال معتقدًا انشغال المصريين بالمباراة! والدته كانت تلقب بأم بلال كلقب تنظيمى فى داعش. الأب مسئول جمع التبرعات فى خان يونس وابنه الآخر صهيب قيادى بكلٍ من حماس وداعش! 

كان مقتل مصعب مفاجأة مدوية أثبتت تورط قيادات حمساوية فى تمويل تنظيم داعش بسيناء! علاقة مقاتلى حماس بحركة داعش- رغم محاولة حماس للتنصل من ذلك- أصبحت حقيقة واقعة بعد ثبوت انتماء بعض مقاتلى حماس لداعش وعلى رأسهم مصعب مطاوع! وبعد أن أكدت المصادر الصحفية أن علاقة مصعب بخاله كانت قوية وطيدة وأنه قد نشأ وترعرع فى أحضان كتائب عزالدين القسام وأنه أحد كوادرها.. فلا مجال إطلاقًا للتنصل من تلك العلاقة! وفى نفس العام تمت تصفية داعشى غزاوى وهو المتهم الرئيسى فى جريمة مذبحة مسجد الروضة! حمزة عادل محمد الزامنى «أبوكاظم المقدسى»! من سكان زعرب بغزة! وكان شقيقه محمد قد تمت تصفيته قبل ذلك فى مواجهات مع القوات المسلحة المصرية. 

بين عامى ٢٠٠٨ و٢٠٢٢م لدينا عشرات المنشورات الصحفية عن عناصر حمساوية تمت تصفيتها أثناء قيام القوات المسلحة المصرية بمهامها فى تطهير سيناء وتدمير ما يزيد عن ألفى نفق تشرف عليها حماس! فمثلًا فى عام ٢٠١٣م، وحسبما نشرت المواقع الصحفية، فقد أكد وزير الداخلية الأسبق محمود وجدى رسميًا أن «حماس» ساعدت «الإخوان المسلمين» فى اقتحام السجون المصرية خلال الثورة فى مصر وإطلاق سراح عدد من أعضاء حماس وحزب الله! وأعلن مبارك أثناء محاكمته أن «حماس» أرسلت حوالى ٨٠٠ مسلح إلى مصر عام ٢٠١١م! ممن تمت تصفيتهم من مقاتلى حماس على الأراضى المصرية محمد مؤنس «أبومالك المقدسى»، رائد وائل أبوالعينين ومحمد زهير حماد «أبوالعباس الغزاوى وأبوعمر المهاجر»، وقد قتلا فى غارة جوية نفذتها القوات الجوية على وكر فى بئر العبد، خطاب المقدسى وأبوشامل المقدسى قتلا فى محاولة منهما للهجوم على مقر الكتيبة ١٠١ بالعريش عام ٢٠١٨م، وغيرهم كثيرون.. تقريبًا لم يمر عام منذ ٢٠٠٨ وحتى ٢٠٢٢م دون تصفية أحد أو بعض مقاتلى حماس على الأراضى المصرية!

هذا يعنى بوضوح أن هذه الحركة فى تلك السنوات كانت توجه جهدها العسكرى وأموال التبرعات، التى من المفترض أن تكون لمقاومة الاحتلال الصهيونى، لمحاربة الدولة المصرية! هذا بخلاف ما يعرفه الجميع وتم تصويره وهو فيديو عن عمليات نهب لممتلكات مصرية بعد ثورة يناير وعرضها للبيع فى شوارع غزة بعد تهريبها عبر أنفاق حماس! وبخلاف تورط الحركة فى عمليات تفجير خطوط الغاز المصرية! وبخلاف الاتفاق الذى كشفه رئيس السلطة الفلسطينية بين إخوان مصر وحماس على محاولة الاستيلاء على جزء من الأراضى المصرية! 

إسماعيل هنية 

فهل بعد كل هذا يحتاج صحفى مصرى إلى مكالمة تليفونية ليحدد موقفه تجاه مسائل تمس الثوابت الوطنية؟!

هل نحتاج إلى أن نعلم صحفيًا أبجديات العمل الإدارى المؤسسى الذى تقوم به مؤسسات أى دولة؟ هل لا يدرك أى صحفى حتى لو كان مبتدئًا أن الدولة- أى دولة- تتعامل بصفتها ومسئولياتها الدستورية مع جميع الدول والأطراف المحيطة بها حتى الشيطان نفسه، لكى تضطلع بمهامها الدستورية والقانونية؟. كيف يستقيم الأمر حين يرى صحفى أن تعامل الدولة المصرية مع حركة حماس هو صك براءة مما اقترفته تلك الحركة؟. فلقد قامت مصر بعد انتصار أكتوبر مباشرة بالتفاوض مع عدوها الأول ووقعت اتفاق سلام معه، وهذا من طبائع الأمور، فالدول تتعامل كمؤسسات تعمل لتحقيق أهداف شعبها، يجلس ممثلوها على مائدة واحدة مع ألد خصومها وأعدائها لكى تحقق تلك الأهداف. هناك دول تعلن شعبيًا عن مواقف مقاطعة زاعقة ثم نكتشف بعد سنوات أنها لم تقطع فى لحظة واحدة تلك العلاقات، لكنها كانت سرية كالعلاقات الآثمة. مصر دولة سرها كعلنها.. هذا الشرف وهذه الشجاعة سمات لا يفقهها آخرون من هواة الغرف السرية. بعد انتصار القوات المسلحة على تلك الميليشيات ومن منطلق مسئولية الدولة وواقع الجوار كان عليها أن تتعامل مع من يحكمون القطاع ليس فقط حماية لحدود مصر وسلامة أراضيها، إنما أيضًا لعدم ترك سكان القطاع رهينة فى أيدى هذه الميليشيات. ربما يكون مفاجأة للبعض ما سأذكره.. بعد آخر عدوان صهيونى على القطاع قبل السابع من أكتوبر وذلك عام ٢٠١٨م، لم تقدم أى دولة من تلك الدول، التى تملأ الدنيا ضجيجًا الآن وتدعى أنها محور المقاومة، دولارًا واحدًا مساعدة لأهل القطاع. كل ما فعلوه أنهم تصوروا أمام كاميرات القنوات الإخبارية وأعلنوا عن تبرعاتهم، ثم لا شىء. تحملت مصر كاملًا ومنفردة عبء إعمار القطاع بعد آخر عدوان. وهذه المعلومة كنتُ قد كتبتها فى مقالٍ سابق بعد أن علمتها من شخصية فلسطينية مهمة تسكن القطاع. لقد فرّقت مصر الدولة بين أهل القطاع، وبين حركة اتسمت سيرتها وسلوكها مع مصر بالعدوانية والشره للاعتداء على أراضيها وتجرأت على سفك دماء أبنائها. تساند الدولة أهل القطاع وتبذل كل ما تستطيعه لمد شرايين الحياة إليهم ولكى تبقى لهم أرضهم، لكنها تتعامل مع الحركة بصفتها أمرًا واقعًا لا مفر من التعامل معه.

لكن أى صحفى أو مؤسسة صحفية لا يمكنها أن تتمسح بدور الدولة، وتحاول أن تلقمنا الباطل على أنه حق. فأى نقابة لا يقع عليها ما يقع على الدولة من مسئوليات، خاصة نقابة الصحفيين ونقابات القوى الناعمة الأخرى، والتى من المفترض أن تكون ممثلًا حقيقيًا للمشاعر الجمعية لهذا الشعب المصرى. فهى لسان حال صحفيى مصر، وهم لسان حال شعب مصر. ألستم أنتم أصحاب فكرة المقاطعة الشعبية للعدو الصهيونى بعد توقيع اتفاقية السلام؟. ألستم أنتم مَن هاجمتم الصحفى على سالم حين تحدى هذه المقاطعة الشعبية وسافر لإسرائيل؟. ألم تخبروا المصريين لسنوات أن نقابة الصحفيين تعبر عن الموقف المصرى الشعبى من القضايا الوطنية؟. وأن الدولة تحكمها مواءمات للحفاظ على الأمن القومى، بينما المؤسسات الصحفية ينبغى أن تتحرر من تلك المواءمات؟.

ما الفارق، فى عقلية صحفى مصرى، بين دولة احتلت جزءًا من أرض مصر، وبين جماعة، مُصنّفة فى بعض الدول العربية والإسلامية كجماعة إرهابية، اعتدت على الأراضى المصرية واستباحت دماء رجال قواتها المسلحة واقترفت جرائم تمس السيادة الوطنية المصرية؟. قام جنود مصريون بعد اتفاق السلام بقتل جنود إسرائيليين، كما قام جنود إسرائيليون بنفس الشىء مؤخرًا.. وفى كل الحالات سارعت الدولتان بالاتفاق على أنها حوادث فردية وتمت تسوية كل واقعة على حدة. لكن ما اقترفته حماس لم يكن خطأً، أو حتى عمدًا لكنها تبرأت منه وأعلنت أنه خطأ.. بل هى عقيدة سياسية دينية. تمامًا كعقيدة متطرفى اليهود أو الصهاينة فى اعتقادهم بحقهم فى أرض سيناء.. وفى كلتا الحالتين على مصر أن تحمى أراضيها بالقوة. لكننى أتساءل: كيف يرى أى مواطن مصرى وليس فقط الصحفى الفارق بين الحالتين أو الاعتداءين، الإسرائيلى والحمساوى؟. لماذا مثلًا لم تقترح أصوات صحفية مصرية أن تفتح نقابة صحفيى مصر أبوابها لتلقى العزاء فى رابين بعد اغتياله بعد انخراطه فى محادثات سلام؟. هل الديانة هى السبب مثلًا؟ أتفق قطعًا مع جنون فكرة أن أحدًا ما يطالب بذلك فى حالة رابين، لكننى أيضًا أعتقد أنه نفس الجنون فى الحالة الأخيرة التى نحن بصددها حتى لو كان بطل الواقعة مسلمًا. فحين نجرد كلًا منهما من ديانته نرى أننا أمام عدوين، كلاهما طامع ومُعتدٍ فى وقتٍ ما على الأرض المصرية، أحدهما مسلم، والآخر يهودى.