السبت 05 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مزاج البـابـا.. 5 أعمال أدبية يرشحها POPE FRANCIS إلى القراء

حرف

- دعا لقراءة الرواية والشعر والقصص وكتب العلوم الإنسانية

- قال إن العالم فى أمس الحاجة إلى قراءة الأدب

فى الوقت الذى صدمنا فيه مؤخرًا أحد الأصوات، التى قللت من قيمة دراسة الفلسفة واللغات والآداب والتاريخ والمنطق، دعا البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، قبل أيام، إلى التوسع فى قراءة الأدب بما فيه الرواية والشعر والقصة وكتب العلوم الإنسانية، واصفًا إياها بالأدوات المهمة التى تساعد الإنسان على النضج وتؤدى إلى إثراء الثقافة البشرية بشكل عام.

وأحدثت دعوة البابا حراكًا ثقافيًا كبيرًا حول العالم، ومثّلت تشجيعًا على قراءة الأدب بشكل خاص، كما عكست رؤيته الواعية لقيمة العلوم الإنسانية ودورها فى تنمية الإنسان.

 

 

تصفية الروح

كتب البابا فرانسيس رسالة حول دور الأدب للقساوسة والمسيحيين بشكل خاص وللبشر بشكل عام، وصفها النقاد بأنها وثيقة غير متوقعة فى ظل أنها تخرج من رجل ذى سلطة دينية.

ورغم أن الرسالة حملت طابعًا شخصيًا للغاية، أراد البابا منها توضيح قيمة قراءة الروايات والقصائد لجميع الناس، ذاكرًا بعض عناوين الأعمال القصصية والشعرية، التى أثرت الأدب حول العالم، لكتاب مثل الأرجنتينى خورخى لويس بورجيس، والأمريكى تى إس إليوت، وغيرهما.

وشرح الحبر الأعظم فى رسالته كيفية إعادة اكتشاف أهمية القراءة، قائلًا: «أن تعثر على كتاب جيد للقراءة فكأنك عثرت واحة تحميك وتحافظ على صحتك النفسية والعقلية»، مشجعًا الناس على وضع الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعى جانبًا من أجل الاستمتاع بقراءة الأعمال الأدبية.

وذكر أن القراءة يمكن أن تفتح مساحات داخلية جديدة وتخلص المرء من الوقوع فى فخ بعض الأفكار والوساوس، التى يمكن أن تعوق مسار النمو الشخصى، مشددًا على أهمية تخصيص الوقت للقراءة الهادئة ومناقشة الكتب الجديدة والقديمة، التى لا يزال لديها الكثير لتخبرنا به. ولكنه أعرب عن أسفه فى رسالته، ممن يرون أن الأدب غالبًا ما يُعتبر مجرد شكل من أشكال الترفيه، مؤكدًا أن هذه الرؤية يمكن أن تؤدى إلى حالة إفقار فكرى وروحى خطير.

كما تحدث عن تجربته كمدرس للأدب فى إحدى المدارس منذ عام ١٩٦٤ إلى عام ١٩٦٥، متذكرًا تردد طلابه عليه لدراسة مسرحية «السيد» التى تحكى عن التعارض بين الحب والواجب لمؤلفها الكاتب المسرحى الفرنسى پيير كورنـِيْ من القرن السابع عشر والملقب بـ«شكسبير فرنسا»، مضيفًا: «يجب علينا اختيار قراءاتنا بعقل منفتح وأكثر مرونة واستعدادًا للتعلم، ومحاولة اكتشاف ما نحتاجه فى كل نقطة من حياتنا».

وأضاف: «أنا من جانبى، أحب المؤلفين التراجيديين، لأننا جميعًا نستطيع أن نحتضن أعمالهم وكأنها أعمالنا كتعبير عن الدراما الإنسانية التى تحتويها، خاصة عند البكاء على مصير شخصياتهم، إذ نجد أننا نبكى فى الأساس على أنفسنا، وعلى فراغنا ونواقصنا ووحدتنا، وسيجد الجميع كتبًا تتحدث عن حياتهم الخاصة وتمثل رفقاء حقيقيين لرحلاتهم».

وبين أن قراءة الأدب تمكن المرء من فهم الثقافات الأخرى، قائلًا: «الأدب والفن يسعيان إلى اختراق النفس البشرية وإلقاء الضوء على معاناتنا وفرحنا، واحتياجاتنا وإمكاناتنا، فقد تعلم الكتاب كيف يعرضون كل جمال ومآسى الحياة دون تردد».

وأشار البابا إلى أن قراءة الروايات تساعد على تحرير المشاعر وتجنب ما أسماه بالصمم الروحى، قائلًا «تطلق فى غضون ساعة، كل الأحزان التى قد تستغرق سنوات كاملة لخروجها، والتى قد لا تكتشف وتمنعنا شواغل الحياة من إدراكها»، مستشهدًا برواية الكاتب الفرنسى مارسيل بروست «البحث عن الزمن المفقود».

واستشهد أيضًا بالكاتب الأرجنتينى خورخى لويس بورخيس، الذى كان يعرفه شخصيًا، والذى قال لطلابه عنه إنهم قد لا يفهمون سوى القليل جدًا مما يقرأونه له، لكنهم فى كل الأحوال سيسمعون صوت شخص مختلف، موضحًا أن هذا تعريف الأدب الذى يحبه كثيرًا، وهو: الاستماع إلى صوت شخص مختلف.

طرد الأحزان

تحدث البابا فرانسيس عن مدى خطورة التوقف عن الاستماع إلى أصوات الآخرين، والتى تؤدى فى النهاية إلى العزلة الذاتية.

وقال «تخصيص الوقت للقراءة يسمح لنا بالدخول فى علاقة مع شخصيات تخرجنا من عزلتنا، فعندما نقرأ قصة، نستمتع بمشاعر وخيال المؤلف، ونشاهد الكثير من المواقف القاسية والمبهجة، مثلًا يمكن لكل منا أن يرى بكاء فتاة هجرها حبيبها، أو امرأة عجوز تسحب الغطاء من فوق حفيدها النائم، أو كفاح صاحب متجر يحاول كسب لقمة العيش، وأكثر من ذلك».

وتابع «القراء يمكنهم من خلال قراءة الأدب أن ينغمسوا فى الشعور الداخلى لبائع الفاكهة، والعاهرة، والطفل اليتيم، وزوجة البنّاء، والعجوز التى لا تزال تعتقد أنها ستجد ذات يوم أميرها الساحر، ويمكن للقراء الشعور بذلك بشىء من التعاطف والحنان والتسامح والتفهم».

وركز البابا فى رسالته على قيمة أخرى للقراءة، وهى معرفة أننا لسنا مركز العالم، قائلًا: «الأدب ليس نسبيًا؛ فهو لا يجردنا من القيم، إن التمثيل الرمزى للخير والشر، والحقيقة والزيف، كحقائق تتخذ فى الأدب شكل أحداث تاريخية فردية وجماعية، لا يعفينا أو يعطينا الحق فى الحكم الأخلاقى على الشخصيات، لكنه يمنعنا من الإدانة العمياء أو السطحية لهم، إن الحكمة المولودة من الأدب تغرس فى القارئ منظورًا أكبر وإحساسًا بالناس والقدرة على التفكير المعرفى والنقدى، فالأدب يعمل على توسيع حساسياتنا الإنسانية».

وتأتى رسالة البابا التى تشجع على قراءة الأدب، وسط إحصائيات وبيانات كثيرة تشير إلى تراجع قراءته على مستوى العالم، ففى العام الماضى، وفى مقال نشرته مجلة «نيويوركر» حول تراجع دراسة اللغة الإنجليزية، اعترف أحد الأكاديميين بأنه قبل عقدين من الزمان تقريبًا، كان يقرأ على الأرجح ٥ روايات شهريًا، لكنه الآن إذا قرأ رواية واحدة شهريًا فهذا كثير بالنسبة له». 

وتساءل الأكاديمى: «ما الذى يفسر هذا التراجع؟»، ليجيب: «ليس لأننى فقدت الاهتمام بالروايات، بل لأننى أقرأ مائة موقع إلكترونى. وأستمع إلى البث الصوتى». 

وإذا كان الأكاديميون الكبار منشغلين عن القراءة، فما الأمل الذى قد يتبقى للناس العاديين فى ظل أن الدراسات تؤكد أن قِلة منا ما زالوا يقرأون الأدب فى وقتنا الحالى.

ووفقًا لمسح أجرته مؤسسة الفنون الوطنية فى عام ٢٠١٨، أفاد ٤١.٨٪ فقط من البالغين الأمريكيين بأنهم يقرأون الروايات، وكان الشعر فى حالة أسوأ، حيث كشف أقل من ١٢٪ من البالغين عن أنهم يقرأون الشعر.

وبالمقارنة مع مسح أجرى فى أوائل الثمانينيات، نجد أن نحو ٥٧٪ من الأمريكيين كانوا يقرأون الأدب، وأفاد نحو ٢٠٪ حينها بأنهم يقرأون الشعر أو يستمعون إليه.

دوستويفسكى

رغم أن البابا فرانسيس يحتل منصبًا دينيًا صرفًا فإن شخصيته تحظى بقبول واسع النطاق ليس فقط من المسيحيين، بل من الجميع على اختلاف معتقداتهم وأشكالهم.

وحظى البابا بتلك المكانة بفضل بساطته ورغبته الجادة فى تغيير العالم للأفضل، وبسبب خلفيته فى تدريس الأدب وعلم النفس، قبل توليه منصبه كزعيم للكنيسة الكاثوليكية وزعيم للفاتيكان، حيث عكست ميوله الأدبية ومزاجه فى الكتب التى يقرأها انفتاحه الكبير على الثقافات.

وبفضل ذلك، انتشرت ترشيحاته وتوصياته للكتب بشكل كبير، ونشرت صحيفة «كورييرى ديلا سيرا» الإيطالية قائمة بمجموعة من الإصدارات التى يفضلها تحت اسم «مكتبة البابا فرانسيس».

وفى وقت سابق، كشف البابا فرانسيس عن أنه من أشد المعجبين برواية «رسائل من أعماق الأرض» لفيودور دوستويفسكى.

ورغم شهرة روايته «الإخوة كارامازوف» إلا أن البابا عندما سُئل عنه، قال إن المفضل لديه من أعمال «دوستويفسكى» هى روايته القصيرة الأقل شهرة «رسائل من أعماق الأرض»، ثم تأتى بعدها «الإخوة كارامازوف»، معلقًا بشكل عام على أعمال الروائى والصحفى والفيلسوف الروسى الكبير، قائلًا: «أنا أحب دوستويفسكى كثيرًا».

وتدور قصة تلك الرواية حول الصراعات الفكرية التى يخوضها راوٍ مجهول الاسم، كان موظفًا حكوميًا فى السابق وهو منعزل عن العالم فى قبو فى أحد المبانى السكنية فى سانت بطرسبرج، وهو ينفّس عن إحباطاته بكتابة جمل أدبية جامحة ويهاجم فكرة «الطوباوية» الاجتماعية، فى نفس الوقت الذى يعبر فيه عن رغبته فى الانضمام إلى المجتمع الذى يثير اشمئزازه. 

وتصبح طبيعته المتناقضة وغير العقلانية صوت جيل كامل، خاصة وهو يتصارع مع العديد من الأفكار ويتحدى الفلسفات الغربية القائمة على الأنانية.

وعن رواية «الإخوة كارامازوف»، قال البابا فرانسيس فى خطاب ألقاه منذ سنوات أمام مؤسسة رومانو جواردينى، «تساعدنا على فهم ليس فقط بطلها جواردينى بشكل أفضل، بل الله نفسه».

هولدرلين

عبّر البابا فرانسيس أيضًا عن حبه لأعمال الشاعر الرومانسى الألمانى فريدريش هولدرلين، الذى يعد واحدًا من أفضل الشعراء فى أوروبا، على الرغم من أن معظم أشعاره لم يكن معروفًا أو موضع تقدير فى حياته.

وقال البابا عنه: «أحب هولدرلين كثيرًا. وأتذكر تلك القصيدة التى كتبها فى عيد ميلاد جدته، والتى كانت جميلة وغنية أدبيًا وروحيًا جدًا بالنسبة لى».

وأصبح الشاعر فريدريش هولدرين الذى بزغ فى مطلع القرن الثامن عشر، معروفًا فى الآونة الأخيرة باعتباره أحد أهم كتّاب الأدب الألمانى، على الرغم من أنه كتب أعماله فى نفس الوقت الذى شهد ارتياحًا مع انهيار سلطة الكنيسة أثناء الثورة الفرنسية، ومع ذلك كانت أشعاره تتضمن إشارات عن علم الكونيات والأساطير والتاريخ القديم.

وفى نفس الوقت الذى كان «هولدرين» يتطلع فيه إلى الماضى، كان أسلوبه فى أعماله يتطلع إلى المستقبل، ويضم جملًا رمزية وعبارات سريالية ورومانسية أيضًا.

المخطوبون

تعتبر رواية «المخطوبون» للكاتب الإيطالى أليساندرو مانزونى الذى صدرت عام ١٨٢٧، من أهم الروايات التاريخية الأوروبية، والرواية الأكثر شهرة وانتشارًا باللغة الإيطالية، والتى عادت للواجهة مرة أخرى قبل ٤ سنوات، حيث امتلأت وسائل التواصل الاجتماعى فى إيطاليا والعالم بالعديد من الاقتباسات الموجودة بها بعد تفشى وباء «كوفيد ١٩».

وتدور أحداث الرواية فى أجواء ساحرة فى «لومباردى» فى القرن السابع عشر أثناء الاحتلال الإسبانى، وتحاكى قصة العاشقين روميو وجولييت، لتحكى عن رجل وامرأة تمت خطبتهما وهما «رينزو ولوسيا»، لكن يتم منعهما من الزواج من قبل طاغية يُدعى «دون رودريجو»، الذى يريد الاحتفاظ بـ«لوسيا» لنفسه بعدما وقع فى غرامها. 

ويحاول العاشقان الهروب، لكنهما ينفصلان ويواجهان العديد من المصاعب بمفردهما، بسبب تفشى وباء الطاعون وما صحبه من مجاعة ومرض.

وربما كان أبرز ما فى القصة هو لقائهما مع مجموعة من الشخصيات الغريبة وغير العادية، مثل الراهبة الغامضة فى مونزا، والأب كريستوفورو والمجهول الشرير، وجميعهم كانوا مصممين على لم شملهما.

جاءت الرواية الرومانسية، التى تعد من أهم أعمال الأدب الأوروبى، فى المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد ملحمة «الكوميديا الإلهية» المهمة فى الثقافة الإيطالية، وكان لها تأثير واضح على البابا فرانسيس، حيث علق عليها قائلًا: «لقد قرأت رواية المخطوبون، للكاتب أليساندرو مانزونى، ثلاث مرات، والآن لدى الرواية على طاولتى؛ لأننى أريد قراءتها مرة أخرى». 

الكوميديا الإلهية

تعتبر الملحمة الشعرية الإيطالية «الكوميديا الإلهية» لدانتى أليجييرى، واحدة من أهم روائع الأدب على مر العصور، والتى تروى رحلة «دانتى» المتخيلة عبر الجحيم والمطهر والنعيم.

وأصبحت الملحمة مصدر إلهام لكثير من الإبداعات فى الأدب والفن والموسيقى والعمارة والسينما والإذاعة والتليفزيون والرسوم المتحركة والمصورة، وألعاب الكمبيوتر والفنون الرقمية فى العصر الحديث.

وحازت «الكوميديا الإلهية» على توصية خاصة جدًا من البابا فرانسيس فى عام ٢٠١٥، حيث دعا الجميع إلى قراءتها، واصفًا إياها بالرواية الحيوية، قائلًا: «تدعونا لإعادة اكتشاف المعنى المفقود أو الغامض لمسارنا البشرى والأمل فى رؤية الأفق المتوهج الذى تشرق عليه كرامة الجنس البشرى بكامله».