الخميس 10 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

السلام أو الحرب المقدسة.. قصة الكتاب المجهول لماريو فارغاس يوسا عن فلسطين وإسرائيل

ماريو فارغاس يوسا
ماريو فارغاس يوسا

- لا يقتصر المؤلف على الحديث عن إسرائيل بل يغوص فى واقع الأراضى الفلسطينية المحتلة وهو يصف بالتفصيل تأثير الجدار فى الضفة الغربية

هل سمعت من قبل عن كتاب بعنوان «إسرائيل وفلسطين.. السلام أو الحرب المقدسة»؟ للكاتب البيروفى الشهير الحاصل على جائزة نوبل للآداب ماريو فارغاس يوسا؟ 

إن يوسا كاتب من الكتاب الأجانب القلائل الذين قدمت أعمالهم مترجمة إلى القارئ العربى، ولاقت أعماله إعجاب الكثير من القراء والنقاد، وانضمت بعض أعماله إلى قوائم الأكثر مبيعًا فى المكتبات العربية، بل نفدت بعض الطبعات بسرعة.. ولكن ماذا عن هذا الكتاب؟ لماذا لم يترجم؟ لماذا حتى لا يوجد خبر واحد منشور عنه فى أى صحيفة عربية؟!

فى عام ٢٠٠٦ خرجت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بعنوان مدو «ماريو فارغاس يوسا: أشعر بالخجل من أن أكون صديقًا لإسرائيل» هذا التصريح الصادم للإسرائيليين الذى قاله يوسا أثناء حديثه للصحيفة الإسرائيلية بدا غريبًا لأغلب الإسرائيليين الذين كان يوسا على علاقة قوية بهم، بل إن يوسا، وفى كثير من الأوقات، مدح إسرائيل، وامتدح اهتمامها بالتعليم والثقافة ونموها الاقتصادى المذهل مقارنة بدول الجوار.

كما أعرب الروائى البيروفى قبل ذلك عن امتنانه الإبداعى للكتاب والمفكرين اليهود، وقال إن هؤلاء أسهموا فى جزء كبير من تشكيل ثقافته، وأضاف أن قبول اليهود يشكل معيارًا لإنسانية أى مجتمع. وأن زيارة إسرائيل يمكن أن تنعش روحه «كما تفعل الصلاة الحارة أو رشفة من الويسكى الفاخر».

فما الذى جعل يوسا يعيد التفكير فى نظرته للأمور ليخرج بمثل هذا التصريح الذى سبق ذكره؟ ثم يخط هذا الكتاب الذى يتم التعامل معه بشىء من الريبة والشك، والذى يتم تجاهله ليس فقط من الناشرين والمؤسسات الثقافية الأجنبية بل العربية أيضًا.

قبل تصريحه فى ٢٠٠٦، زار يوسا فى حوالى منتصف عام ٢٠٠٥ فلسطين، ليقوم بتفقد الدعوة إلى السلام التى كان يتحدث عنها إعلام الكيان الصهيونى آنذاك، حيث كان الإعلام الإسرائيلى يقدم قياداته على أنهم قادة السلام فى المنطقة. فى زيارته شعر الكاتب أن التاريخ يتمثل بقوة فى تلك الأرض بكل رمزياته، ربما أكثر مما يتوفر فى أى مكان آخر على الأرض.

وفى رحلته للبحث عن الحقيقة التى كان يتم طمثها وتشويهها عن عمد تحت وطأة وسطوة الإعلام الصهيونى، قام يوسا بمقابلة وإجراء حوارات مع عدد كبير من الأشخاص الفلسطينيين، بعض هذه الحوارات استمر لساعات. جعل يوسا، على حد تعبيره، يعيد النظر فى كل ما كان يظنه ثابتًا من أفكار ومعتقدات تجاه تلك القضية.

ليقرر بعد ذلك كتابة هذا الكتاب، الذى يضم عددًا من المقالات حول الصراع الفعلى بين فلسطين المحتلة وإسرائيل، الصراع الذى رآه على أرض الواقع، وليس من خلال وسائل الإعلام التى يسيطر عليها الكيان المحتل.

يقول يوسا موضحًا مدى تغير نظرته تجاه إسرائيل التى تقدم نفسها كدولة ديمقراطية ليبرالية:

«دائمًا أقول إن المكان الوحيد فى العالم الذى جعلنى أعيد النظر فى قناعاتى الليبرالية، لدرجة جعلتنى أشعر بأننى لا أعرف شيئًا.. هو إسرائيل»..

حاول يوسا الاقتراب من فهم الصراع الذى يبدو أن لا نهاية له، وكان هدفه من الزيارة هو فهم العواقب المترتبة على القرار الذى اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلى آنذاك آرييل شارون بإخلاء المستوطنات فى غزة. ومن هنا جاء الكتاب ليلقى الضوء على الزوايا المظلمة لهذا الصراع الذى استمر لأجيال.

ماريو فارغاس يوسا

يقدم يوسا فى كتابه سردًا واضحًا وخطيرًا للوضع فى المنطقة، دون خوف من الإدانة الإسرائيلية التى وصفها بأنها تسعى للتوسعات الاستعمارية واحتلال المزيد من الأراضى، فضلًا عن انتهاكات حقوق الإنسان التى ترتكبها إسرائيل والتى يترتب عليها مواجهة من الجانب الفلسطينى. 

كما يكشف الكتاب عن الصوت المعارض لما تقوم به حكومة الاحتلال، وهم الأشخاص الإسرائيليون الذين يرون أهمية البحث عن حل سلمى، حيث لا يدعم جميع الإسرائيليين بشكل أعمى التصرفات الهمجية والإرهابية التى وصفها يوسا بالمتطرفة لحكومتهم.

ويقدم الكتاب أيضًا نظرة على قطاع غزة، حيث يعيش آلاف الفلسطينيين فى مخيمات اللاجئين، ويحاربون الجوع والمرض والبطالة. هؤلاء الناس، بحسب يوسا، تعلموا عدم الثقة فى كلٍ من إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وعلقوا آمالهم على حماس، الجماعة الإسلامية المسلحة التى وعدت بمحو إسرائيل من الوجود، والتى أصبحت بالنسبة للفلسطينيين المغلوبين على أمرهم بمثابة الخيار الوحيد.

ولا يقتصر المؤلف على الحديث عن إسرائيل، بل يغوص فى واقع الأراضى الفلسطينية المحتلة. وهو يصف بالتفصيل تأثير الجدار فى الضفة الغربية، وهو الهيكل الذى يبدو أنه يؤجج العنف والعداء بدلًا من توفير الأمن. ويدين القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين داخل الأرض التى من المفترض أن تكون بلادهم، ومحاولات القمع التى يتعرض لها الفلسطينيون فى حياتهم اليومية.

وكأن يوسا تنبأ فى كتابه بما حدث منذ أكتوبر الماضى، وهو أن هذا الصراع والحرب غير المتكافئة سينتج عنها انفجار لا يعرف أحد مداه، هذا الانفجار الذى رأى أنه سيأتى نتيجة لسياسات العنف التى يمارسها الاحتلال، والتى ستجعل الفلسطينيين يقومون بشىء من اليأس وقلة الحيلة بعمل رد فعل خطير على هذه المحاولات المتكررة. كما دعا يوسا الولايات المتحدة بصفتها الحليف الرئيسى لإسرائيل، إلى ممارسة نفوذها لتشجيع الحلول التفاوضية، والوصول لحل عادل للجميع.

يجرى يوسا مقابلات مع شخصيات رئيسية فى الصراع، مثل سيمون بيريز وعاموس أوز، اللذين يشاركان وجهات نظرهما حول الوضع وأهمية الاعتراف بفلسطين كدولة حرة لها سيادة. كما أنه يسلط الضوء على صوت إيلان بابى، اليهودى الذى يعارض السياسات التوسعية الإسرائيلية ويدعو إلى الحل السلمى. 

وفى كل فصل يؤكد يوسا أن هذا الصراع الذى إذا لم يتم حله ستكون عواقبه انفجار سيتجاوز مداه حدود المنطقة. ولذلك فى الصفحات الأخيرة من الكتاب نراه يقول:

«إسرائيل لديها سياسة استعمارية استبدادية واضحة.. تسببت فى الكثير من المعاناة وقد تكون لها عواقب خطيرة وجسيمة فى المستقبل».

ثم يواصل ليوسع تلك الدائرة التى تجرى فيها أحداث الصراع.. ليقدم قصة إنسانية عامة، يشعر القارئ فيها أن قضية فلسطين يمكن أن تصبح تمثيلًا لقضية الإنسانية فى العالم أجمع:

«إن الأمر أكثر من مجرد فلسطين، وأكثر من مجرد إسرائيل.. إن الأمر إنسانى للغاية».