سيدة الطبيعة.. الفنلندية يوهانا سينى سالو: الأدب بات «سلعة تجارية»

- بنيت «دم الملائكة» على حقيقة علمية مرعبة عن «اختفاء النحل»
- الأدب الفنلندى تأثيره محدود بسبب اللغة لكنه يتمتع بجودة عالية
- البشر «سادة العالم» غير قادرين على مواجهة قوى الطبيعة مثل الفيضانات
فى الأدب الفنلندى المعاصر، تبرز يوهانا سينى سالو كواحدة من الأسماء الروائية المميزة، خاصة مع تمكنها من دمج الخيال العلمى مع القضايا الاجتماعية والبيئية المعاصرة.
وتحمل أعمال «يوهانا» رؤى نقدية تسلط الضوء على قضايا التغير المناخى والتمكين البيئى. فرواية مثل «أجنحة حمراء» لا تجذب القارئ إلى عالم خيالى فحسب، بل تدفعه للتفكير فى واقعنا المعاصر وأثره على المستقبل.
فى الحوار التالى مع «حرف»، نناقش أفكار الروائية الفنلندية المعروفة عن الأدب، ودوره فى تشكيل الوعى حول القضايا الكبرى التى تؤرق العالم.

■ نبدأ من كتابك الفلكلورى الفانتازى عن الأقزام «Troll: A Love Story».. كيف أعدتِ تقديم شخصية الـ «Troll» المأخوذة من الأساطير الإسكندنافية والفنلندية فى سياق معاصر؟
- الـ«Trolls» والأقزام مخلوقات خيالية تختلف تمامًا عن بعضها البعض. ففى الأساطير الإسكندنافية، الـ«Trolls» ليست مخلوقات صغيرة الحجم، كما هو شائع، بل هى مزيج من البشر والحيوانات. أما الـ«Trolls» التى أتناولها فى روايتى فليست مجرد شخصيات أسطورية، بل حيوانات نتخيل أنها حقيقية، حيوانات تطورت بشكل طبيعى، تعيش فى الغابات وتتميز بندرتها، وربما بذكائها اللافت. أستعين بهذه الكائنات كرمز للآخر المختلف، وكوسيلة لاستكشاف الفجوة التى صنعناها نحن البشر بيننا وبين بقية الكائنات الحية.
■ كيف تُظهر الرواية العلاقة بين الفانتازيا والأساطير المحلية، وتشكيل الهوية الثقافية الفنلندية؟
- بالنسبة للفنلندى، من السهل جدًا أن يتخيل وجود شىء مجهول لا يزال مختبئًا فى الغابات. فى قصصنا الأسطورية وحكاياتنا القديمة، لطالما ملأنا الطبيعة البرية بالكائنات الخيالية، مثل الجنيات والآلهة والمردة والحيوانات الواعية.

■ ماذا عن استخدام هذه الأساطير الفنلندية كوسيلة لإبراز القضايا الحديثة، مثل الهوية والطبيعة والعلاقات الاجتماعية؟
- لقد خُلقت الأساطير لتلبية احتياجات معينة، فالأساطير تجسد المخاوف والمعتقدات والقيم التى تميز المجتمع الذى نشأت فيه، وفى الأساطير الفنلندية، تعد القصص عن مخلوقات تشبه البشر- لكنها تنتمى إلى الغابات- جزءًا أساسيًا من المجتمع. هذه المخلوقات تمثل شيئًا يمكننا مقارنته بأنفسنا والتنافس معه.
وتعتبر تلك القصص وسيلة فعّالة لبحث مفهوم «الغيرية»: «هم يشبهوننا ولكنهم مختلفون». هذه «الغيرية» يمكن أن تتجلى فى عدة مجالات، مثل الجنس والطبقة الاجتماعية والعرق والدين والتوجه الجنسى، وغيرها. من هذا المنطلق، تتناول الرواية هذه القضايا المعاصرة، وتتعامل مع التناقض بين الثقافة والطبيعة.

■ منذ فجر التاريخ والإنسان يحاول التغلب على قوى الطبيعة، وهذا ما ظهر فى روايتك «Birdbrain»، كيف انتقدت الرواية العلاقة بين الإنسان والطبيعة؟
- فى «Birdbrain»، كان هدفى أن أصف شخصًا يحاول غزو الطبيعة باستخدام معدات تفوق فى تكلفتها ما يستخدمه رواد الفضاء لغزو الفضاء. لكنه فى النهاية يضطر للاعتراف بقوة العناصر الطبيعية التى يعجز عن السيطرة عليها فى البرية.
نحن البشر نميل دائمًا إلى الاعتقاد بأننا سادة هذا العالم، لكننا فى الواقع لا نملك أى وسيلة لمواجهة القوى الحقيقية لهذا الكوكب، مثل تحركات الصفائح القارية، والتقلبات الجوية وحرائق الغابات، والجفاف والفيضانات والمد البحرى.
■ هل تتشابه «Birdbrain» فى بعض الموضوعات مع رواية «Heart of Darkness» لجوزيف كونراد؟
- نعم، فى كلا القصتين يوجد رجل أوروبى أبيض وجرىء يحاول تحقيق شىء كبير فى لحظة غرور، لكنه يفشل تمامًا. فى الروايتين، رحلة هذا الرجل تتعلق باكتشاف، ليس فقط قلبه المظلم الداخلى، بل أيضًا عقله الذى يعتقد أنه يسيطر على كل شىء، بهذه الطريقة، تتناول الرواية، مثل رواية جوزيف كونراد الشهيرة، فكرة الاستعمار الأوروبى، وكان هذا أحد الأسباب التى جعلتنى أختار أن تدور روايتى فى المناطق التى احتلها الأوروبيون منذ وقت قريب.

■ «إذا اختفى النحل من الأرض فلن يبقى الإنسان عليها أكثر من ٤ أعوام».. قول شائع بنيتِ عليه روايتك «The Blood of Angels»، هل يمكن اعتبار اختفاء النحل فى الرواية دلالة على الاختلال البيئى الذى يعانيه الكوكب؟
- قلة عدد حشرات التلقيح، مثل نحل العسل والحشرات المفيدة الأخرى، هو حقيقة معروفة، وليس مجازًا. لذا فكرة رواية «The Blood of Angels» أو «دم الملائكة» تستند إلى ظاهرة حقيقية وواسعة الانتشار تتعلق باختفاء مستعمرات نحل العسل، التى بدأت التقارير عنها فى أوائل العقد الأول من القرن ٢١. وبالتأكيد، هذه الظواهر تحدث نتيجة الاختلال البيئى، ومن الطبيعى أن تسبب لى مخاوف شخصية.

■ على ضوء هذه الرواية، كيف يمكن للبشرية أن تتجنب «السنوات الأربع» التى تلى اختفاء النحل؟
- الحديث عن «السنوات الأربع» هذا، فى رأيى، ليس دقيقًا تمامًا، لكنه يسلط الضوء على أهمية كل جزء فى النظام البيئى، حتى أصغر الأجزاء فيه. إذا كان علينا العيش دون حشرات التلقيح، مثل نحل العسل، فلا بد أن نفعل ما هو محتّم علينا فعله فى كل الأحوال، مثل تقليل استهلاك اللحوم ومنتجات الألبان بشكل كبير، وتناول المزيد من الوجبات النباتية.
■ هل يمكن أن يكون للأدب دور فى توعية الجمهور بقضايا بيئية حرجة مثل هذه؟
- بالتأكيد، الأدب يمكن أن يساعد فى توعية الناس. وقد أخبرنى العديد من قراء «دم الملائكة» بأنهم صاروا نباتيين بعد قراءة الرواية. لكن، بالتأكيد، لا يمكن لقصة واحدة أن تُغير العالم، لكنها قد تعطى القارئ أفكارًا وطرقًا جديدة للتفكير.

■ تحكى رواية «The Core of the Sun» أو «نواة الشمس» عن العالم المستقبل. هل يمكن اعتبارها تقدم تصورًا مستقبليًا لما سيكون عليه العالم ذات يوم، ربما ليس بعيدًا؟
- «نواة الشمس» ليست قصة عن المستقبل، بل تدور أحداثها فى تاريخ بديل لفنلندا. تكاد أن تكون «رواية ساخرة»، عن مجتمع خيالى تبنّى أحلام ما يُسمى بحركة «تمكين الرجل»، هى «يوتوبيا» لنوع خاص من الرجال، و«ديستوبيا» لجميع النساء.

■ كيف تُقيمين تأثير الأدب الفنلندى على الساحة العالمية؟
- بما أن فنلندا دولة تضم ٥.٥ مليون نسمة ولها لغة معقدة، لا أعتقد أن الأدب الفنلندى له تأثير واسع، لكنه يتمتع بجودة عالية، والأعمال الفنلندية المترجمة تجد طريقها أحيانًا إلى قوائم الجوائز. أنا شخصيًا فزت بعدد من الجوائز الأدبية الدولية، وترشحت لعدة جوائز أخرى. لكن عندما نفكر فى أن الكتب المترجمة تمثل فقط ٣٪ من إجمالى الكتب المنشورة فى الولايات المتحدة، وأن هذه النسبة تشمل الترجمة لجميع اللغات، فإن ترجمة الكتب الفنلندية أصلًا تعتبر إنجازًا كبيرًا.
■ أشعر بأن البُعد الجغرافى واللغوى لفنلندا سلاح ذو حدين، يسهم فى حفاظ أدبكم على طابعه الخاص.. لكنه يجعله بعيدًا عن أغلب دول العالم.. كيف ترين ذلك؟
- صحيح، هناك عدد قليل من العناوين المُترجَمة من الصين مثلًا فى مكتباتنا، رغم أن الصين يُنشر بها الكثير من الأدب الجيد. لكن فى النهاية، الأدب يُعامل كسلعة تجارية، وقد يكون السبب ببساطة أن الناس يميلون إلى قراءة قصص عن أشخاص يمكنهم الارتباط بهم بسهولة، مثل الفنلنديين أو الأوروبيين، أو على الأقل الأشخاص الذين يشتركون فى أنظمة اجتماعية وقيم ودِيانات وأفكار عن حقوق الإنسان والمساواة.

شخصيًا أستمتع بقراءة الأدب الذى يدور فى بلدان غريبة لا أعرفها جيدًا، حيث توجد أنظمة ثقافية وقيم مختلفة، وأجد ذلك مفيدًا من الناحية التعليمية. لكن هذا النوع من الأدب يبقى أقل انتشارًا مقارنةً مثلًا بالأدب الـ«أنجلو- ساكسونى». أعتقد أن هذه ظاهرة عالمية، وعادةً ما تعمل فى الاتجاهين.
فإذا لم نرَ الكثير من الكتب الفنلندية فى العالم العربى، ونحن لا نرى الكثير من الكتب العربية فى فنلندا، فذلك ببساطة لأن عوالمنا تختلف بشكل جوهرى. ولا أعتقد أن هذا الرأى يحمل أى طابع عنصرى أو تمييزى، بل هو مجرد تفكير تجارى بحت.
■ ما التحديات التى يواجهها الأدب الفنلندى فى الوصول إلى جمهور عالمى؟
- نحن نبيع حقوق نشر الكتب لدول أخرى بأعداد أكبر من عدد المترجمين المؤهلين المتوفرين، لذا تبقى الكتب فى انتظار دورها للترجمة. وبما أن لغتنا فريدة وليست واسعة الانتشار بالقدر الكافى، فإن معظم الناشرين الدوليين يضطرون إلى انتظار الترجمة إلى الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية أو الإسبانية ليُتاح لهم قراءة تلك الكتب.