الثلاثاء 03 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مصباح القلب.. «بانو مشتاق» تكسر تقاليد البوكر الدولية

بانو مشتاق
بانو مشتاق

- الكاتبة الهندية بانو مشتاق: مشكلات النساء تطاردنى وتسلبنى الراحة

منذ أيام، أعلنت جائزة «البوكر» الدولية فوز الكاتبة الهندية بانو مشتاق عن مجموعتها القصصية «مصباح القلب»، فى خطوة اعتُبرت كسرًا للتقاليد المعتادة للجائزة، إذ تعد هذه هى المرة الأولى التى تُمنح فيها الجائزة لمجموعة قصصية بدلًا من رواية، كما أنها المرة الأولى التى تتوج فيها الجائزة نصًا مترجمًا عن اللغة الكانادية، وهى اللغة الرسمية لولاية كارناتاكا فى جنوب الهند. ومن اللافت أيضًا أن بانو مشتاق تُعد أكبر الفائزين بالجائزة سنًا، إذ تبلغ من العمر 77 عامًا. 

تُقدَّر قيمة الجائزة بـ50 ألف جنيه إسترلينى، تتقاسمها المؤلِّفة والمترجِمة ديبا بهاستى، التى تولَّت ترجمة مختارات من قصص مشتاق إلى اللغة الإنجليزية.

تحتفظ بانو مشتاق بمسيرة أدبية طويلة، فقد نشرت خلال مسيرتها الأدبية ست مجموعات قصصية، ورواية، ومجموعة مقالات، ومجموعة شعرية، فإلى جانب عملها محامية وناشطة اجتماعية. بدأت نشر قصصها منذ عام 1981، وتضم «مصباح القلب» مختارات من أعمالها التى تسرد تجارب النساء فى كارناتاكا.

مجموعة «مصباح القلب»

تسلط مجموعة «مصباح القلب»، التى تضم ١٢ قصة كتبتها الكاتبة الهندية بين عامى ١٩٩٠ و٢٠٢٣، الضوء على تجارب نساء من طبقات اجتماعية مختلفة فى جنوب الهند، وتحكى عن نضالاتهن، وآلامهن، وأحلامهن فى مواجهة التقاليد المجتمعية والقيود المفروضة عليهن، إذ تعكس القصص واقعًا مليئًا بالتحديات، من عنف منزلى ومآسى فقدان الأطفال. وفى القصة الأخيرة من المجموعة، تعبر امرأة عن شعورها ببعض الراحة؛ لأنها أنجبت صبيًا بدلًا من فتاة أخرى، قائلة: «على الأقل لم أنجب فتاة لتعيش سجنى ذاته».

وفى إشادتهم بالكتاب، قال أعضاء لجنة تحكيم جائزة البوكر الدولية لعام ٢٠٢٥: هذه القصص تُعبر عن الحقيقة فى مواجهة السلطة وتفضح الانقسامات الحادة فى المجتمع المعاصر على أساس الطبقة والدين، كاشفة عن الفساد، والقمع، والظلم، والعنف الكامن. ومع ذلك، فى جوهرها، تعيد لنا «مصباح القلب» متعة القراءة الحقيقية والعظيمة: سرد قوى، شخصيات لا تُنسى، حوارات حية، توترات تكاد تشتعل تحت السطح، ومفاجأة فى كل منعطف. تبدو القصص بسيطة، لكنها تحمل ثقلًا عاطفيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وسياسيًا هائلًا، تدفعنا للحفر أعمق.

وفى مراجعة للمجموعة القصصية بمجلة the week قالت الكاتبة إن القصص تتيح لقارئها الاستماع إلى النساء وهنّ يصرخن، ويعترضن، ويقاومن البنى الدينية والاجتماعية الأبوية، هو أمر نادر، لا سيما حين تُروى القصص من موقع الشعور بالألم، لا انطلاقًا من عقلية المنقذ، متابعة: كل نساء مشتاق يدور وجودهن حول علاقاتهن؛ هنّ أمهات، زوجات، أخوات، وبنات. وبالإضافة إلى الأدوار العائلية، يحملن أيضًا عبء البنية السلطوية غير المتكافئة، وكذلك عبء «الشرف».

وأضافت الكاتبة فى مراجعتها: جميع نساء بانو مشتاق محصورات داخل جدران منازلهن الأربعة، باستثناء واحدة تعمل محامية، لكنها تعانى من تأنيب الضمير؛ لأنها لا تقضى وقتًا كافيًا مع أطفالها. تقول على لسان هذه الشخصية: «الأمهات العاملات لا ينقذهن إلا الله»، فى إشارة إلى أن اختلاف الأديان لا يغيّر من جوهر معاناة النساء، فقصصهن متشابهة فى كل مكان. هذا التوازن الدقيق بين الخصوصية الثقافية والتجربة الإنسانية العامة هو ما يجعل كل قصة من قصص مشتاق عالقة فى الذهن وجاذبة للقراءة بعمق.

قضايا إنسانية مشتركة

فى حوارها مع صحيفة «الجارديان» عقب تتويجها بالجائزة، أكدت مشتاق أن قصصها، رغم انطلاقها من بيئة محلية، تعكس مشكلات إنسانية وجوهرًا مشتركًا بين البشر فى كل مكان، موضحة: «رغم أن هذه القصص تدور فى مجتمع معين وفى موقع جغرافى محدد، أعتقد أن الأفكار والقصص عالمية تمامًا».

وعن تأثير تجربتها فى المحاماة والنشاط الاجتماعى على كتابتها، قالت: «هذه هى المجالات التى أزرع فيها بذور قصصى. عندما يأتى إلىّ الناس بمشاكل قانونية، يشاركوننى مشاعرهم التى تطاردنى، وتستمر فى النمو حتى أصوغها فى قصة قصيرة».

وردًا على سؤال حول ما إذا كانت القصص قادرة على إحداث تغيير كما يفعل القانون، أجابت: «بالطبع، لأن الناس لا يعرفون حقوقهم، ولا يعلمون أن الصمت والمعاناة ليسا الحل. يمكنهم أن يقاوموا، وهذه الفكرة تصل إليهم من خلال قصصى». 

وتستشهد الصحيفة فى هذا الصدد بإحدى قصص المجموعة التى تحمل عنوان «الأفاعى السوداء»، ففيها تُخبر امرأة أن الإسلام يسمح للنساء بالتعليم والعمل، لكن بعض العلماء «يحرفون» النصوص الدينية لمصالحهم الشخصية، ويقال لها: «لا تستجدى، طالبى بالعدالة».

مواجهة السلطة الأبوية

وسط ظلمة قصص مشتاق، هناك جانب فكاهى أيضًا. تُعلق فى حوارها مع «الجارديان» على ذلك الملمح بقولها «أستخدم هذا الأسلوب فى الكتابة؛ لأنى أروى الحقيقة فى وجه بنية سلطوية، هذه البنية السلطوية هى الأبوية، والسياسة، والدين، كلهم معًا. إذا فعلتُ ذلك بنبرة جادة جدًا، سأكون عرضة لأى عواقب قد تترتب على ذلك. لذا، أضفى على الأمر لمسة ساخرة، فأستخدم هذه الاستراتيجية عن قصد بدلًا من أن أخضع نصى للرقابة الذاتية». 

وفى حوارها مع موقع Times of India وردًا على سؤال لماذا اخترت كتابة الأدب قالت الكاتبة الهندية: ماذا أفعل غير ذلك؟ لا أستطيع أن أُخفف عن النساء المتألمات اللاتى يأتين إلىّ يحملن الكثير من القلق والأحزان، وبينما أتولى قضيتهن، فى البداية بصفتى ناشطة، ثم بصفتى ناشطة ومحامية معًا، أجد صعوبة فى تقديم أىّ شكل من أشكال الراحة لهن، لكن فى نفس الوقت، أريد أن أوثق ذلك وأن أُظهِر للعالم أن النظام الأبوى لا يمكن أن يستمر فى ارتكاب العنف ضد النساء بهذه الطريقة، وعليه أن يتوقف.

وتابعت: لا أستطيع أن أنسى مشاكلهن، فهى تطاردنى ولا تسمح لى بالراحة أبدًا. أريد أن أكون صوتًا لمخاوفهن، وأريد أن أنقل كل مشكلاتهن وأقول للعالم بأسره إن هؤلاء النساء يجب أن يُعوضن، ويجب أن يُحررن، ويجب أن يُعطين مكانتهن المستحقة، ولا ينبغى أن تستمروا فى ممارسة هذا النوع من العنف ضدهن باستمرار، كفى. لا بدّ أن يقول أحدهم «لا»، وهذا ما أقوله.

الكتابة منحة إلهية

فى حوارها مع موقع «Scroll.in»، وردًا على سؤال عن كيف ترى دورها بين الكاتبة والناشطة والمحامية، قالت بانو مشتاق: «أنا امرأة. أفكر، أحزن، أفرح، وأواجه التحديات بصفتى امرأة. ومع ذلك، لدى سخط عميق إزاء النظام الاجتماعى الهرمى، وعدم المساواة، والتحامل الاجتماعى والإذلال. أتعامل مع هذه التمييزات على المستوى الشخصى والاجتماعى، لكننى أواصل السعى بكل جهدى للعيش بكرامة. العيش بكرامة هو حقى الأساسى والدستورى بصفتى امرأة وإنسانة. ولكن فى كل لحظة، فى كل نفس، يُنتهك هذا الحق. شخصيًا واجتماعيًا، أسعى بوعى وبلا كلل لاستعادته من خلال نضالاتى الاجتماعية، وعملى القانونى، وكتابتى».

وردًا على سؤالها عن شكل الكتابة الأدبية الذى تفضله، أجابت: «لقد كتبت فى عدة مجالات أدبية، وعملت لما يقرب من عشر سنوات صحفية فى صحيفة «لانكيش باتريكى» المهمة فى كارناتاكا، مما أتاح لى فرصة التعامل مع قضايا وأحداث كبيرة فى المجتمع. وخلال تلك الفترة، كتبت العديد من المقالات، وقد جُمعت بعضها ونُشرت. ومع ذلك، تبقى القصة القصيرة هى الشكل الأدبى الذى أفضله أكثر من غيره، لأنها تتيح لى سرد قصص معقدة بأسلوب مركز وموجز. أحيانًا تتحول قصصى إلى أشكال شعرية، وأحيانًا أخرى تتسم بالغموض والتعقيد. وبغض النظر عن الشكل، فإننى أشعر برضا وراحة نفسية لا مثيل لهما عندما أكتب القصة القصيرة مقارنة بأى نوع أدبى آخر.

وتابعت: يجدر بى التنويه بأننى لم أدرس الأدب بشكل رسمى مطلقًا، فدراستى كانت فى العلوم، ولم أتلق تعليمًا أكاديميًا فى الأدب أو فى أسلوب الكتابة، ومن ثم، أعتبر موهبتى فى الكتابة هبة ومنحة من الله».