حسين القباحى يكتب: يتلو آيتَه وينام

أولُ الأسماءِ أفئدةٌ على خطواتِ نهْرٍ
ثمَّ بابٌ يرشدُ العشاقَ للطرقِ العتيقةِ والمُتون
خطوةٌ أخرى
ويُتْرَكُ ما دعاه الأقدمون مفازةً
وتُدَكُّ جدرانُ المدائنِ والتُخوم
واحدٌ
مَلَكٌ
ومئذنتان ساطعتان تستمعان للأفق البعيد
وتمسكان الريحَ
وترشدان السائلين إلى الطريق..
فى الصيف ينهرُه الفراغُ
وتشتهيه مسافةٌ
تدرى مَهابتَها
ينهاهُ صمتٌ عن مصادقةِ المُدن
ترسو على كتفيْه
أسرارُ البداياتِ التى ساقتْه نحو صُراخِها
وإذا العبارةُ عاندتْه
السامرون على ضفافِ نُعاسِهم تركوا مواعيدَ اللقاء
وعانقوه
قال: «اتخذنى صاحبًا
ودَع الخليقةَ يتركون مَتاعَهم عندى
ولا تَلُمْ فوضاىَ
أو تَنهرْ فراغى».
كنا تعانَقنا الدهور..
يمشى بلا جدوى ولا يخشى فواتَ الوقتِ
أو جُرحًا يفاجئُنا
ويضحكُ إن تَعَرَّقنا وتُهْنا
يكفى قليلٌ من شقاوةِ راجِلٍ فى الرملِ
كى يتحسَسَ الأشواكَ
إنْ جادتْ بها الصحراءُ
ثمَّ يظنُّها نخلًا ليركضَ شاهرًا أحلامَه الكبرى
ويحتضنَ الفَلاة..
لكنَّ قارعةً بخطوٍ لا ترى وطنًا سوى
الذى يتلوه شعبٌ ساخطٌ
وظلالَ أيامٍ خَلَتْ من نشوةِ الفقراءِ بالسَمَرِ العَليل..
عن ظلٍّ توسَّد وَحشَتيْن تميلُ
حِيطانُ البيوتِ
ترتفعُ الصلاةُ على أكُفِّ الضارعين بلا خشوع
هذه الآلامُ نعرفُها ويعرفُها الرَّواةُ
ونزدريها ثم تنساها مجالسُنا
لنهتفَ: (صادفَتْنا هفوةٌ ممَّنْ نحبُّ
أو رغبةٌ بيضاءُ نرقبُها)
(لا أطيقُ الوقتَ) قال
ثمَّ لم يعبأ بما ألقتْه جدرانُ المعابدِ من حكايا
وما تَواتَر من صُراخ
قلتُ: «اتخذنى هاجسًا يخشى منادمةَ الخطيئةِ
إن توارَى عِشقُه خلفَ قارعةِ الجهات»
ذابتْ على صخرٍ قديمٍ لذَّةُ الشهواتِ

واستعصتْ على النسيانِ
أسئلةُ البداياتِ
العابرون تفرَّقوا
وللصحراءِ أقدامٌ يحرِّكُ وقعَها غيمٌ يهابُ الماءَ
أدعيةٌ من الفقراءِ والمرضَى
تناورُ
ثمَّ صمتٌ من بُغاةِ الأرضِ
ثرثرةٌ.. نشيجٌ
ثمَّ لا شىءَ ....
انتهى زمنُ البكاءِ على الخطيئةِ
والبلادُ لئيمةٌ إذ تدركُ المأساةَ قادمةً وتضحكُ
خُطَطٌ تَبَعثَرُ فى القديمِ
وبارقاتٌ لم يُضِئْن..
بكاءُ أطفالٍ «تنادَوْا مصبحين»:
يا وطنًا تداعى
هل نرى بيِديْك وشْمَ بدايةٍ أخرى
أو مَمَرَّاتٍ وموسيقى تهدهدُ ليلَنا
قريبًا
منكَ نسمعُ
أو نرى
أو نُخَلِّى ظلَّكَ الممدودَ فى دمِنا بلا مأوى
ومن قَفْرٍ إلى قَفْرٍ
إلى دَرْبَيْن من تعبٍ تصاحبُك الغيوم
و كأن خوفًا ذابلًا خَشِنًا توهَّج
وارتمى ثَمِلًا يحاصر ما تبقَّى من زحام
.. أنتَ مِن هذى المدينةِ؟
قال: «ولم أفهم خطاياها.. ولكن
ما بدت لى مفاصلُها
إلا كرجعِ أنباءٍ عن الآتين من زمنٍ سحيق»
ثمةَ أنهُرٌ خابت
وأمطارٌ تحرِّضُ قومَها
لتفرَّ من بلَلٍ عصفتْ به الريحُ البليدةُ
واشتهته مسالكُ السارين فى الليلِ الحرون..
كنا نقول عن الخطايا
إنها وجعٌ مؤقت
أو بدايةُ رحلةِ الهربِ اللذيذِ من الفضائلِ والفُروض...
طقْسٌ جنوبىٌّ وطينٌ
غِرْيَنٌ يمشى على مَهَلٍ و يَرسمُ فى جباهِ الناسِ
ما ألِفوا من الصبرِ المُعَشِّشِ فى الضلوع
عامٌ يجىء ثم يفرُّ ثم يجىء ثم يفرُّ
ثُمَّ يبدِّدُ صرخةً
ورعونةَ ويغيب
ما كان تقِيًَّا أبدًا
ولا وطنيَّا جِدًا
فلماذا لا يرتاحُ من الركضِ وعربدةِ الفيضانِ
ويخلو فى خلوتِه
يمتهنُ الراحةَ
يتلو آيتَه وينام.