الخميس 26 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز

إعادة اكتشاف الكون.. مراهق أمريكى يكتشف سر مليون ونصف جسم فضائى جديد

حرف

- بصفته طالبًا فى المرحلة الثانوية يتمتع بفهم استثنائى للتعلم الآلى والبيانات الفلكية

فى تطور ملحوظ يغيّر نظرتنا إلى استكشاف الفضاء، اكتشف طالب فى المرحلة الثانوية فى كاليفورنيا اكتشافًا قد يعيد صياغة فهمنا للكون. طور ماتيو باز، مراهق يتمتع بمهارة فائقة فى علوم الحاسوب، نموذج للذكاء الاصطناعى كشف عن مليون ونصف المليون جسم فضائى لم تكن معروفة لعلماء الفلك سابقًا. كانت هذه الأجسام مخفية بشكل واضح ضمن مجموعة بيانات ضخمة جمعت بواسطة مهمة نيو وايز التابعة لناسا، وهو مشروع مصمم لتتبع الكويكبات القريبة من الأرض.

بدأت رحلة ماتيو باز فى أعماق الفضاء خلال صيف عام ٢٠٢٢ عندما شارك فى أكاديمية «كواكب فايندر» التابعة لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. يهدف البرنامج، الذى يشرف عليه البروفيسور أندرو هوارد، إلى تزويد طلاب المرحلة الثانوية بفرصة الاطلاع المباشر على الأبحاث الفلكية المتقدمة. أشرف على باز دافى كيركباتريك، وهو عالم بارز فى مركز معالجة وتحليل الأشعة تحت الحمراء التابع لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وبدأ معًا استكشاف كنز البيانات من مهمة نيو وايز.

صممت مركبة نيو وايز فى البداية لمراقبة الكويكبات القريبة من الأرض وتتبعها، وقد أمضت أكثر من عقد فى جمع بيانات الأشعة تحت الحمراء التى غطت السماء بأكملها. وبينما حققت المهمة هدفها الرئيسى، جمعت أيضًا معلومات قيمة عن الأجرام البعيدة، لا سيما تلك التى أظهرت تغيرات غير عادية فى سطوعها بمرور الوقت. هذه التغيرات، التى تسببها أحيانًا الكوازارات أو النجوم الثنائية أو المستعرات العظمى، كان من الصعب تحديدها بدقة باستخدام طرق التحليل التقليدية.

 

ماتيو باز 

قوة الذكاء الاصطناعى

فى مواجهة مجموعة بيانات تقترب بسرعة من ٢٠٠ مليار نقطة بيانات، خطط فريق معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا لتحليل جزء صغير منها يدويًا. لكن باز، بخبرته فى علوم الحاسوب والرياضيات والبرمجة، رأى مسارًا مختلفًا. اقترح استخدام التعلم الآلى للتعامل مع هذه المجموعة الضخمة من البيانات، وهو حل لم يسبق لأحد أن فكر فيه.

فى غضون ستة أسابيع فقط، بنى باز نموذج تعلم آليًا قائمًا على فورييه والمويجات، مصممًا لتحديد أضعف إشارات تقلبات السطوع فى بيانات الأشعة تحت الحمراء. وسرعان ما أثمرت جهوده. بدأ النموذج برصد تغيرات دقيقة فى الضوء لم تلحظ سابقًا. ومع تحسين الذكاء الاصطناعى لقدرته على رصد الأنماط غير العادية، كشف عن أجسام وأنشطة جديدة محتملة فى الفضاء الشاسع.

توجيه الجيل القادم

لم يكن إنجاز باز العبقرى إنجازًا تقنيًا فحسب، بل كان أيضًا دليلًا على قوة الإرشاد. طوال المشروع، الذى نشر فى مجلة «ذا أسترونوميكال جورنال»، عمل باز عن كثب مع فريق من الباحثين فى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، بمن فيهم شوبانة همتى، ودانيال ماسترز، وأشيش ماهابال، وماثيو غراهام. قدم هؤلاء الخبراء دعمًا بالغ الأهمية فى تحسين تقنيات التعلم الآلى التى ستؤدى فى النهاية إلى اكتشاف الأجسام المخفية.

ومع ذلك، لم تكن الرحلة خالية من العقبات. فقد كانت إيقاعات رصد مهمة نيو وايز محدودة، ما صعب رصد أنواع معينة من الأجرام المتغيرة، تلك التى تتغير ببطء شديد أو بسرعة كبيرة، وقد أثبت نموذج الذكاء الاصطناعى الذى ابتكره باز، والذى يمكنه تتبع هذه التغيرات فى السطوع بمرور الوقت، فاعليته فى التغلب على هذا التحدى. وقد أدى عمله إلى اكتشاف نجوم جديدة وظواهر أخرى، ما فتح آفاقًا لمزيد من الدراسة والاستكشاف.

الآن، بصفته موظفًا مدفوع الأجر فى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، يواصل باز تحسين نموذجه، متجاوزًا حدود ما يمكن أن يحققه ذكاؤه الاصطناعى. كما يعمل على توجيه الطلاب الأصغر سنًا فى أكاديمية بلانيت فايندر، ما يضمن حصول الجيل القادم من الباحثين على الأدوات والإلهام لاستكشاف الفضاء بطرق جديدة.

اكتشاف يغير نظرتنا للكون

من المقرر نشر فهرس ١.٥ مليون جرم سماوى جديد اكتشفه الذكاء الاصطناعى لباز فى عام ٢٠٢٥، ما يقدم رؤى جديدة حول تطور النجوم والمجرات البعيدة. ستسمح هذه النتائج لعلماء الفلك بدراسة السلوك طويل المدى للأجرام السماوية التى كانت غير مرئية سابقًا. وبينما يرتكز هذا الاكتشاف على أبحاث الفضاء، يرى باز إمكانية تطبيق نموذجه على نطاق أوسع، بما فى ذلك فى مجالات مثل الاقتصاد والرصد البيئى، حيث تلعب البيانات الزمنية دورًا حاسمًا.

بصفته طالبًا فى المرحلة الثانوية يتمتع بفهم استثنائى للتعلم الآلى والبيانات الفلكية، يجسد نجاح باز إمكانات المواهب الشابة عند توافر الموارد المناسبة. كما يبرز عمله قدرة التكنولوجيا المتقدمة، خاصة الذكاء الاصطناعى، على كشف أسرار كوننا الخفية.