حارس الملكية الأخير.. ماجد فرج يرقد بجوار «الأحباب»

- عاش عاشقًا للتاريخ مخلصًا للحقيقة متمردًا على النسيان
- كان يؤمن أن الأسرة العلوية أسهمت فى تحديث مصر وبناء مؤسساتها
حين يُذكر التاريخ، يُذكر من نقشوه بحبر الحقيقة لا التحيّز، ومن تصدّوا للتشويه بالتوثيق، ومن جعلوا من الماضى مرآة صادقة للمستقبل. ومن بين هؤلاء، يسطع اسم الدكتور ماجد فرج، المؤرخ المصرى البارز الذى رحل عن عالمنا مؤخرًا، تاركًا خلفه مكتبة كاملة من الشغف والبحث والتوثيق الدقيق لتاريخ الأسرة العلوية، تلك العائلة التى حكمت مصر لأكثر من ١٥٠ عامًا، وشكّلت ملامح الدولة الحديثة.

وفاة الدكتور ماجد فرج لم تكن فقط خسارة أكاديمية، بل خسارة لذاكرة وطن، لرجل عاش عاشقًا للتاريخ، مخلصًا للحقيقة، متمردًا على النسيان، وساعيًا لتثبيت وقائع ظُلمت فى زحام السياسة والمزايدات الإعلامية.
كان صوته حادًا ضد محاولات محو أو تشويه رموز الأسرة العلوية، وكان يراها جزءًا أصيلًا من الهوية المصرية، لا مجرّد مرحلة طواها الزمن.

وتميّز أسلوبه بالبحث الميدانى، حيث تواصل مباشرة مع عدد من أفراد الأسرة العلوية، ونسّق لقاءات مع أحفاد الملكين فؤاد وفاروق، واحتفظ بوثائق خاصة لم تُنشر، واستخدمها فى كتبه، ومن هنا نال ثقة أحفاد العائلة، واعتبروه صوتًا مُنصفًا لتاريخهم.
وهو لم يكن مجرد باحث يكتب عنهم، بل كان مؤتمنًا على روايتهم، تربطه علاقات قوية بأحفاد الملك فؤاد، والملك فاروق، والملك أحمد فؤاد الثانى، الذين وثقوا به وفتحوا له أبواب الأرشيفات العائلية، وصدورهم.

وقد أصدر عشرات الكتب والدراسات، من بينها ما أصبح مرجعًا لا غنى عنه لكل من أراد أن يفهم كيف تطوّرت الدولة المصرية فى العصر الحديث، ولم يكن يتعامل مع التاريخ كقصص ملوك، بل كمسار تطور دولة، وكان يؤمن بأن الأسرة العلوية أسهمت فى تحديث مصر، وبناء مؤسساتها، وتطوير البنية التحتية، والتعليم، والصحافة، والجيش.
ومن أبرز مواقفه دفاعه عن شخصيات مثل الملك فاروق، والخديو إسماعيل، والأميرة فوزية، واعترض على تشويه صورتهم إعلاميًا، ورفض حذف تاريخهم من المناهج وقال إن «المؤرخ لا يُحاكم، بل يفسّر ويكشف».

وخاض ماجد فرج نضالًا طويلًا من أجل إنشاء متحف رسمى للأسرة العلوية يضم مقتنياتها ووثائقها، ويُعرض فيه تاريخ الدولة المصرية الحديثة بشكل محايد.
وبرحيله، طُويت صفحة نادرة من صفحات المؤرخين الذين عاشوا لقضيتهم. لم يكن باحثًا عن الشهرة، ولا متسلقًا على ترندات التاريخ، بل عاش بصمت الكبار، وترك خلفه سيرة مليئة بالاحترام. نعاه المثقفون، والإعلاميون، وأبناء الأسرة العلوية أنفسهم، الذين كتب بعضهم كلمات مؤثرة عن «ابن مصر الذى أنصفنا».

رحل ماجد فرج لكن صوته سيظل حاضرًا كلما حاول أحد أن يختصر التاريخ فى جملة، أو يسطّح الوقائع فى منشور.