الخميس 31 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

الإيرانى بوريا العلمى: كتبت رواية أطفال كاملة داخل رأسى وأنا فى السجن

حرف

- أتعمد الرمزية لأهرب من القيود المفروضة على حرية التعبير فى مجتمعنا

- مسارى بدأ بصعود طريق جبلى ثم خوض منعطفات وديان سحيقة حتى بلغت قمة الهدوء

فى مناخٍ إيرانى مشحون بالتوترات السياسية والاجتماعية، وتحت وطأة رقابة صعبة على كل أنواع الفنون، استطاع الكاتب الإيرانى بوريا العلمى أن يشقّ لنفسه مسارًا أدبيًا لا يشبه أحدًا. وبأسلوبه الذى يمزج بين السخرية اللاذعة وكتابة الأطفال، قدّم «العلمى» نموذجًا فريدًا فى الأدب الإيرانى المعاصر، حيث تتقاطع العفوية مع النقد الحاد، والخيال مع الواقع الصعب. ويكشف «العلمى» فى حواره مع «حرف» جوانب من رحلته الشخصية والمهنية، التى بدأت ببدايات متعثرة وانتهت بتأسيس منصة «آى قصه» التى تحوّلت إلى أحد أعمدة أدب الطفل فى البلاد. 

■ حين بدأت كتابة «نصف ساعة قبل السابعة».. هل كنت تعلم مسبقًا أنك ستجمع بين السخرية وأدب الطفل؟ أم أن المسارين التقيا لاحقًا؟

- عندما كتبت «نصف ساعة قبل السابعة»، لم أكن فى وضع جيّد لا من الناحية المالية ولا المهنية، لم يكن هناك ناشر واحد على استعداد لطباعة كتابى. 

كنت فى الثالثة والعشرين من عمرى، أقضى أيامى فى القراءة والكتابة، كنت قد بدأت العمل فى سن مبكرة، وتركت المدرسة لأعمل فى مجلة «گل آقا» كأمين مكتبة، حتى إننى أثناء دراستى الثانوية كنت أهرب من الحصص لأقضى الوقت فى المكتبات العامة. وبين الجامعة والإعلام، اخترت الإعلام، فامتلكت ست سنوات من الخبرة بحلول الثالثة والعشرين.

وبدأت بكتابة أعمدة ساخرة فى الصحف الكبرى، وكان الأمر صعبًا لأننى لم أكن أعرف أحدًا فى الوسط، ولم أكن متمكنًا بعد. لكن الشغف دفعنى إلى النشر اليومى، رغم أننى لم أكن أعيش من الكتابة فقط؛ كنت أعمل أيضًا كمصمم ومخرج فنى فى مجلات صغيرة لأحصل على دخل يسمح لى بالاستمرار فى الكتابة. 

مع الوقت، أنجزت عدة مشاريع: نشرت كتابًا بحثيًا عن الكاريكاتير، وصممت لعبة لوحية للأطفال مستوحاة من «ألف ليلة وليلة»، وكتبت أعمدة، وعملت كأمين مكتبة وكاتب، وسافرت كثيرًا.

ومع كل ذلك، رفض الجميع نشر كتابى الأول، فاضطررت إلى إدخار المال ونشره ذاتيًا. كنت أعرف أننى سأصبح كاتبًا. والآن، ككاتب للأطفال، أشعر أننى سلكت طريقًا جبليًا طبيعيًا: صعود حاد، منعطفات، وديان سحيقة، حتى بلغت قمة الهدوء.

■ فى عمودك «رجل الكنبة» تحوّلت قطعة أثاث يومية إلى مساحة نقد اجتماعى حاد.. ما الذى ألهمك لتحويل الكنبة إلى مرآة ثقافية؟

- كانت هناك صعوبة دائمة كمعلّق سياسى ساخر، وهى أن الصحف التى أكتب لها يمكن أن تُغلق فى أى لحظة، لذا كنت دائمًا أبتكر أفكارًا جديدة لأعمدة ساخرة. 

كتبت نحو ٢٥ عمودًا مختلفًا على مدى ٢٠ عامًا، وكان «رجل الكنبة» من هذه الأفكار. واستوحيت الفكرة من أريكة «فرويد»؛ كل يوم، يستلقى شخصية سياسية أو ثقافية على تلك الأريكة، وأكتب بلسانها. كانت النتيجة حوارًا بينى وبينهم، وجذب هذا الأسلوب جمهورًا وفيًا.

■ من «رجل المصعد» إلى «ميدان وصوفيا».. تظهر شخصياتك الساخرة غالبًا فى أماكن ضيّقة أو عبثية.. هل هذه المساحات تعكس شيئًا عن المجتمع الإيرانى؟

- تفسير مثير للاهتمام، لم أفكّر به بهذا الشكل. أنا أركّز أثناء الكتابة على بناء أفضل نسخة ممكنة من العالم الذى أخلقه. لا أتعمد الرمزية، لكن الناس كثيرًا ما يجدون فى كتاباتى طبقات أعمق. 

أعتقد أن هذا مردّه إلى القيود المفروضة على حرية التعبير فى مجتمعنا، والتى تجعل القارئ يبحث عن المعنى الخفى.

■ صممت لعبة تفاعلية مستوحاة من قصة «ليلى والذئب».. كيف ترى دور اللعب فى تحفيز خيال الطفل؟

- لا خيار لنا سوى الاستثمار فى الأطفال، لأنهم من سيبنون المستقبل. ومن أجل أطفال فضوليين ومبدعين، علينا أن نستثمر فى حاضرهم. منذ صغرى وأنا أعمل لصالح الأطفال؛ صنعت «ليلى والذئب» وأنا فى التاسعة عشرة، وكنت أحرّر قسم الألعاب فى مجلة «أطفال» أيضًا.

■ فى قصيدتك «عهد الشاى» تحوّل كوب الشاى إلى موقف سياسى.. ماذا يرمز إليه الشاى فى ثقافتكم؟ وكيف استخدمته أدبيًا؟

- القصيدة تقول:

«لقد رحلتَ

وأزمة شرب الشاى بدونك فى هذا البيت

أكبر أزمة فى الشرق الأوسط

والحمقى لا يزالون يتقاتلون على النفط».

بالنسبة لى، الأمر إنسانى أكثر من كونه سياسيًا. أقدّر العلاقات الإنسانية فوق كل شىء. عندما نحيا حياة سليمة ونحب أنفسنا، يصبح العالم أفضل. إذا كنتُ كمواطن أعيش جيدًا، فهذا يعنى أن السياسيين أدوا دورهم. العكس يدمّر كل شىء: الحب، العلاقة بالأبناء، وحتى الشاى.

■ غادرت الصحافة التقليدية عام ٢٠١٩ لتؤسس «راديو گوشه» و«آى قصه».. هل كان ذلك خطوة للهروب من الرقابة؟ أم من أجل حرية أكبر؟

- الأمران معًا. كنت أريد التوقف عن كتابة الأعمدة الساخرة، لكن مع جماهيريتى، لم يكن ذلك سهلًا. كان رؤساء التحرير يلحّون: «الناس ينتظرون عمودك يوميًا». كانت خطوة صعبة، لكننى سعيدة بها الآن.

«آى قصه» اليوم علامة ثقافية راسخة، كتبنا وأنتجنا أكثر من ٦٠٠ قصة صوتية، ولدينا ملايين دقائق الاستماع، ونشرنا نحو ٢٠ كتابًا للأطفال، ونهدف إلى إصدار ٥٠٠ كتاب خلال خمس سنوات.

■ فى «آى قصه» تصنع عالمًا رقميًا للأطفال.. كيف تكتب لطفل لا تراه لكنه يسمع صوتك؟

- كانت تجربة قوية. ابتكرت شخصيات كثيرة مثل «داينامينا»، «كركدن»، «هوپ هوپ»، و«قطة رقم ٦»، و«كيميا» (طفلة من ذوى الإعاقة)، و«نمر الثلج» (طفل مهاجر)، وآخرين. لا أتخيل الطفل أثناء الكتابة، بل أتخيل نفسى أقرأ أو أتساءل: هل أتفاعل؟ إذا شعرت بالتواصل، أعرف أن ابنتى «نيلا» ستتفاعل أيضًا. وبعض القصص، نختبرها فعلًا مع الأطفال قبل إصدارها.

■ ديوانك «تلعثم» يتأرجح بين الرمزية والسخرية.. كيف توازن بين الشعر والكتابة الساخرة؟

- لو كان القرار لى، لما اخترت الشعر؛ أحب القصص. لكننى كتبت العديد من القصائد، بعضها صار شهيرًا. أكتب الشعر بين المشروعات الأخرى. أنا كاتب، وأحيانًا أكتب شعرًا. لا أريد أن أكون ساخرًا فقط، بل كاتبًا تدخل السخرية والشعر فى كتاباته بسلاسة.

■ قضيت ٣٢ يومًا فى السجن عام ٢٠١٣.. كيف أثرت التجربة فى صوتك الأدبى؟

- قرّبتنى إلى ذاتى. كتبت رواية أطفال كاملة فى رأسى لأننى لم أملك ورقة ولا قلمًا. لا زلت أحلم بها، وأرويها جزئيًا لابنتى، ولم أكتبها حتى الآن. لكننى سأفعل ذات يوم.

■ كيف توازن بين الكتب الورقية والقصص المسموعة لجذب القارئ الصغير فى العصر الرقمى؟

- أعتقد أن العمل الجيد يجد جمهوره. لا ينبغى للكتّاب أن يكتبوا ما يظنون أن الناس يريدونه، بل عليهم خلق عالمهم الخاص. لا حاجة لفتح متجر عادى فى شارع مزدحم، بل متجر مدهش فى مكان معزول.. سيأتون إليه طوعًا.

■ رُشحت لجائزة «هوشنغ گلشيرى» عن «النافذة تموت باكرًا» لكنك لم تفز.. كيف ترى أهمية الجوائز لمن يكتب خارج التيار؟

- لم أفز بجوائز أدبية كثيرة، ربما لم أفز بأى منها! لدى نحو ٢٠ كتابًا منشورًا، ورُشح اثنان فقط. السبب ربما أننى أعمل فى مجالات متعددة: الرواية، الشعر، السخرية، قصص الأطفال، وغيرها.

لكننى فزت بجوائز أخرى: مثل أفضل تطبيق وموقع للأطفال فى إيران، واختيارى ضمن ٣٠ شخصية شبابية مؤثرة عالميًا من قبل «JCI». وجامعة طهران اعتبرت «آى قصه» نموذجًا للاستثمار الاجتماعى فى الأجيال.

■ أخيرًا، كيف تتخيل مستقبل أدب الطفل الإيرانى بعد عشر سنوات؟ وما الإرث الذى تريد تركه؟

- لدينا خطة خمسية لنشر ٥٠٠ كتاب للأطفال واليافعين. وأطلقنا «جائزة داينامينا الدولية» فى سبعة مجالات تخص أدب وترفيه الأطفال، وستبدأ الشهر المقبل. ونأمل أن نصبح، خلال عشر سنوات، من أبرز المراكز العالمية فى قصص الأطفال وصناعتها.