حلبة مصارعة
حميد دباشى: كلما زاد العدوان زادت شرعية مشروع المقاومة

- المعارضة اُبتليت بأصوات مزيفة مثل رضا بهلوى ومن معه من الدمى
الدكتور حميد دباشى من أبرز المفكرين الإيرانيين المعاصرين، فأستاذ الأدب المقارن والدراسات الإيرانية فى جامعة «كولومبيا» الأمريكية يمتد تأثيره الفكرى إلى ما وراء حدود الأكاديمية، ويتناول فى تحليلاته قضايا السياسة والمقاومة ومآلات الثقافة فى العالم الإسلامى. عُرف د. «دباشى»، وهو مؤرّخ وفيلسوف ثقافى وناقد أدبى كبير، بمواقفه المناهضة للهيمنة الغربية، ودفاعه الصلب عن القضية الفلسطينية، ورؤيته النقدية للنظام السياسى الإيرانى دون أن يساوم فى أوقات الأزمات. فى حواره التالى مع «حرف»، يتحدث د. «دباشى» عن مسئولية المثقف وقت الحرب، ودور المعارضة الإيرانية، وتحول إيران إلى مركز استهداف فى الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، إلى جانب مستقبل إيران فى ظل التصعيد الحالى.

■ كيف ترى دور المثقف فى أوقات الحرب؟ وهل يتطلب الحس الوطنى موقفًا موحدًا حتى من المعارضين؟
- لقد خرجت للتو من معركة الدفاع عن الشعب الفلسطينى، الذى يُذبح يوميًا على يد إسرائيل. موقفى لا ينبع فقط من شعور وطنى، بل من قناعة أخلاقية عميقة بأن مقاومة الوحشية والهمجية والعدوان مسئولية إنسانية تتجاوز حدود الانتماءات القُطرية. عارضتُ أيضًا غزو الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق، والعدوان الإسرائيلى على لبنان وسوريا واليمن. وموقفى من العدوان الأمريكى الإسرائيلى على إيران استمرار طبيعى لهذه المواقف.
أنا إيرانى، وإيران هى وطنى، لكننى أيضًا مُسلم، وكل العالم الإسلامى هو وطنى الأكبر، وفلسطين تحديدًا هى المكان الذى أشعر فيه بأشد الانتماء. واجب المثقف الحقيقى أن يقف مع الإنسان فى وجه الظلم، أيًا كان الظالم وأيًا كان المظلوم.
■ فى تصريحاتك الأخيرة قلت: «فى زمن الحرب، تقف المعارضة مع الأمة». كيف توفّق بين النقد الفكرى والولاء لسيادة الوطن فى لحظات حرجة كهذه؟
- فى لحظات العدوان العسكرى، تصبح الأمة صاحبة السيادة الحقيقية على مصيرها. الدولة ليست سوى امتداد مؤقت لهذه الأمة، وما تملكه من سيادة إنما هو تفويض شعبى. حينما تقصف إسرائيل أو أمريكا إيران، فإنها تقصف الأمة لا الحكومة. البنية التحتية الصناعية التى تُستهدف هى ملك للشعب، وليست الدولة. لذا فإن الواجب الوطنى والأخلاقى يُحتّم علينا الوقوف مع الوطن، بغض النظر عن موقفنا السياسى من السلطة الحاكمة.

■ ما تقييمك للضربات الأمريكية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية؟
- الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الأنظمة المتواطئة كانت شريكة لإسرائيل فى عدوانها منذ البداية، كما رأينا فى مجازر غزة. العدوان الأمريكى الحالى هو مجرد مرحلة جديدة من مشروع استعمارى مستمر. كما صرّح «ترامب» بنفسه، هو و«نتنياهو» كانا ينسّقان منذ اللحظة الأولى. الحديث عن «منشآت نووية» ليس إلا غطاءً، فالهدف الحقيقى هو فرض سيطرة مطلقة على المنطقة بأكملها، عبر تدمير البنية الاستراتيجية لأى قوة إقليمية محتملة.
■ هل تعتقد أن هذه الضربات ستؤثر على مستقبل العلاقة بين إيران والولايات المتحدة؟ أم أنها فصل جديد فى دورة التوتر الدائمة؟
- هذه الضربات تُجسّد فصلًا جديدًا فى سردية طويلة من العدوان، تعود جذورها إلى الانقلاب الأمريكى البريطانى فى إيران عام ١٩٥٣. هناك امتداد استعمارى واضح، تُستخدَم فيه إسرائيل كقاعدة متقدمة للمشروع الغربى، تمامًا كما حدث خلال العدوان الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦. ما يحدث اليوم ليس جديدًا، بل تصعيد لمنطق تاريخى مستمر من التلاعب بمصير الشعوب.

■ كيف ترى صورة إيران فى الإعلام العالمى بعد هذه التطورات؟
- هناك فجوة هائلة بين الإعلام الغربى وبقية العالم. الإعلام الأمريكى، خاصة، أصبح بمثابة ذراع دعائية لإسرائيل. على النقيض من ذلك، نجد تغطية أكثر توازنًا فى الإعلام العربى والآسيوى والإفريقى واللاتينى. فى الغرب، تُختزل إيران فى «خطاب أمنى نووى»، بينما فى الجنوب العالمى ما زال هناك إدراك لإيران كحضارة وثقافة وشعب مقاوم للأسف، الخطاب الغربى بلغ درجة من الانحطاط الثقافى تجعله غير قادر على إدراك جوهر أى حضارة. شاهدنا أعضاء فى مجلس الشيوخ الأمريكى لا يعرفون حتى عدد سكان إيران! هؤلاء لا يعرفون شيئًا عن التاريخ أو الفن أو الفلسفة، وكل ما يعرفونه هو لغة العنف والسيطرة. هم أقرب إلى «روبوتات همجية» لا تفقه شيئًا فى معنى الحضارة.

■ ما الذى يجب أن تقوم به المعارضة الإيرانية فى الداخل والخارج الآن؟
- فى هذا التوقيت الحرج، المطلوب هو تضامن كامل مع الشعب الإيرانى، الخلافات السياسية مع النظام تبقى جانبًا الآن. حين يكون الوطن تحت القصف، لا مجال للمزايدة أو التشظى، بل للوحدة.
■ هل ترى أن المعارضة فوتت فرصًا سابقة لتشكيل جبهة وطنية موحدة؟
- نعم، لكن السبب ليس فرديًا، بل أزمة بنيوية. المعارضة اُبتليت بأصوات مزيفة مثل رضا بهلوى ومن معه من الدمى المرتبطة بإسرائيل. كيف يمكن بناء جبهة موحدة مع أطراف باعت نفسها للعدو؟ الوحدة لا تعنى التسوية مع من يخون، بل التمسك بموقف أخلاقى ووطنى واضح.

■ ما تصورك للمرحلة المقبلة فى إيران سياسيًا وثقافيًا إذا استمر التصعيد؟
- ما أراه هو تصعيد فى المقاومة، واتساع لدائرة التضامن مع فلسطين ولبنان واليمن، وكل جبهة تواجه البربرية الإمبريالية. كلما زاد العدوان زادت شرعية مشروع المقاومة.
■ كأحد المثقفين الإيرانيين خارج البلاد ما رسالتك للشباب داخل إيران؟
- رسالتى للشباب فى إيران أن يستلهموا من الانتفاضة الفلسطينية، وأن يدافعوا عن وطنهم باسم العدالة. الثورة مستمرة حتى النصر.