الثلاثاء 02 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

ميراث العذاب فوزى.. بعد الموت تكتمل المأساة

حرف

- الموت نهاية مريحة وعادلة للآلام المبرحة التى ظل يعانى منها خلال ثلاث سنوات دون أن يتمكن الطب من علاجها أو حتى اكتشاف سبب تلك الآلام.

- عمرو فوزى هو الابن الوحيد لمديحة يسرى من زيجتها بفوزى ولما كانت كريمة تحمل شعورًا عدائيًا شديدًا لمديحة يسرى والدة عمرو، فقد كانت تضيق بزيارة طفلها لوالده.

- فاتنة المعادى كانت تكره زيارة الابن الأصغر عمرو لأنه ابن مديحة يسرى

- محامى فوزى ينصف كريمة: باعت مجوهراتها لتدبير مصاريف علاج زوجها بعد تأزم الأمور المادية

- كلام كريمة والمحامى أخرج مارد هدى سلطان من قمقم الصمت

- زيجة محمد فوزى من مديحة يسرى كانت مختلفة عن باقى الزيجات، فقد كان الحب غالبًا أثناء الزواج وصار الاحترام غالبًا بعد الطلاق.

- هدى أرسلت للكواكب إيصالات دفع مصاريف أولاد كريمة التى دفعتها هى أثناء وجودها مع فوزى فى الخارج

- حادث موت عمرو بطل الجودو فى الثمانينيات كان آخر الأحزان فى بيت فوزى

- كلمت كريمة فى آخر ساعاته فطمأنتنى عليه وعرفت بعد ذلك أنه كان يسأل عن فى سكرات موته

وكأن أطنان البهجة التى بدرها محمد فوزى أثناء حياته عبر فنه من أفلام وغناء وتلحين لم تكن كافية لملء صفحات المجلات والجرائد بعد موته مرضًا وقهرًا يوم ٢٠ أكتوبر ١٩٦٦.. لأن الصحافة لبعض الوقت حولت أنظارها مضطرة عن ميراث فوزى الفنى الذى تركه ليقتات عليه وجداننا، وصار الأهم مهنيًا هو ميراثه المادى البائس، وتابعت مجلة الكواكب مثلًا على مدار أعداد متتالية معركة حامية على ما تبقى من الرجل من أول شقته فى جاردن سيتى وحتى ملابسه وأقمشته وساعة يده.. وصار «المتعاركون» هم أبطال المشهد فى الصحافة.. ووجد الجمهور نفسه منغمسًا فى متابعة كلام قاس يقذفه الجميع فى وجه الجميع، من أول أولاده وحتى أرملته كريمة «فاتنة المعادى» وأخته هدى سلطان وزوجته السابقة مديحة يسرى.

حزن الكل لموت فوزى الرجل صاحب البهجة الطازجة المروية بمواهبه الخيالية.. لكن مع هذا الحزن الشعبى الكبير تسلل بالتأكيد على استحياء شعور آخر بالارتياح لانتهاء دوامة آلامه المستمرة منذ سنوات.. دوامة كئيبة من الخذلان فى البداية والمرض فى النهاية، وجد نفسه عالقًا فيها دون أن يدرى سببًا لها، ولا حتى يعرف طريقًا للفكاك منها.

فى آخر سنواته عبر حواراته الصحفية القليلة تابع جمهوره تحول وجهه الباسم المتوهج إلى الشحوب، وانسحبت آيات الصحة من بين قسماته بعد أن غزاها الشيب فجأة، ولم تكن أربعيناته قد انتصفت، وملامحه صارت لرجل سبعينى يقف على حافة القبر.

وجاء عنوان «الكواكب» أكثر منطقية وملاءمة للإحساس العام بمعاناة فوزى فى آخر أيامه، والتى تبارت الصحافة فى رصدها خلال تلك السنوات: «.. وانتهت رحلة العذاب».

وكان هذا هو عنوان «الكواكب» الوحيد فى تحقيقها عن موت فوزى الذى أجراه صحفى المجلة النشط حسين عثمان، والذى نُشر على ٤ صفحات كاملة لم يستخدم فيها أى عنوان آخر.. وأفرد العنوان على صورة فوزى شاحبًا يجلس على عوده أو ملاذه الآمن من الألم المبرح، وصورة أخرى ملتحفًا بالخطابات التى أغرقت سرير مرضه من المعجبين الذى لم يكفوا يومًا عن السؤال عنه كما قال تعليق الصورة. 

إذن كان الموت نهاية مريحة وعادلة للآلام المبرحة التى ظل يعانى منها خلال ثلاث سنوات دون أن يتمكن الطب من علاجها أو حتى اكتشاف سبب تلك الآلام، حتى إن الأطباء الإنجليز والأمريكان أجروا عليه تجارب عديدة لعلهم يكتشفون سر مرضه الغريب بعد أن اختلف تشخيصهم له من سرطان فى الدم إلى سل فى العظام دون أن يهتدوا إلى الحقيقة، حتى وصل الأمر إلى أنهم قرروا أن يستخدموا علاجات مختلفة لأمراض مختلفة وإذا نجح علاج منه أسموه باسمه.. ومرت الأيام ثقالًا على من خفف عن الجميع أيامهم بفنه المبهج قبل سنوات.. وصارت أيامه الأخيرة لا تحتمل آلامها وتحديدًا فى آخر عشرة أشهر، حيث كان يعيش على حقن المورفين بمعدل حقنة كل نصف ساعة تساعده على النوم، حيث يفزع من نومه صارخًا من الآلام ليأخذ حقنة أخرى، وهكذا دواليك حتى خرجت الروح لبارئها فى النهاية ووصلنا إلى مشهد الجنازة.

جنازة فوزى كانت جنازة مهيبة، قدرت حينها بأنها كانت أكبر جنازة تعرفها مصر حتى ذلك الوقت، حيث خرج عشرات الآلاف من البشر، وسار الجثمان من عمر مكرم فى ميدان التحرير كما أوصى هو ثم إلى مسجد الحسين ثم إلى مسجد الكحلاوى بالبساتين ليصلى عليه ٣ مرات هذا اليوم.

وعلى الرغم من صعوبة جنازة فوزى إلا أنها حملت ملمحًا من روحه الخفيفة المرحة رصده يوسف السباعى فى مقاله فى «آخر ساعة» العدد التالى مباشرة للوفاة بتاريخ ٢٦ أكتوبر ١٩٦٦.. اشتكى السباعى من تدافع الجمهور غير المعقول، قائلًا: «عجيبة هذه الجماهير لم أستطع أن أجد طريقى فى السرادق من فرط تزاحمهم.. لم أعرف أعزى مَن؟ حتى لمحت وجه فريد شوقى فشددت على يده ثم دخلت أخوض وسط الزحام وبدأت الجنازة، وأحسست أنه لا بد أن أبذل جهدًا لألحق بالنعش وأتخلص من تدافع الجماهير حولى، ولم أجد فى نفسى ميلًا إلى الجهد فتركت نفسى أتطوح مع تيار المشيعين».

ثم يكمل السباعى سرده راصدًا ما علق فى أذنه من كلام الجماهير، والتى كانت فى مجملها طريفة، حيث يقول السباعى: «بدأت السير ولم أجد حولى ما يدل على أنها جنازة.. أشياء تتواثب من حولى وأصوات تعلو بين آونة وأخرى (شايف أحمد مظهر.. هو فين؟.. أبو بدلة كحلى اللى ماشى جنب الرصيف.. ويستمر الحوار فى صيحات تخرق الأذن: شوفت يوسف وهبى؟ أمال فين عماد حمدى؟ 

وفى الرصيف الآخر بدأ زحام حول عربة وصوت يصيح: تلاقيها هدى سلطان».

وأنهى السباعى مشاهداته ليوم الجنازة قائلًا: «الوحيد اللى كان مستريح هو محمد فوزى نفسه، ربنا تاب عليه من كل تلك المتاعب، متاعب الجرى وراء جنازات الزملاء والجرى وراء الرزق ووراء الأفلام والألحان والإذاعة والتليفزيون، والتخلص من متاعب كل هؤلاء الذين جروا وراء جنازته من جمهور إلى زملاء إلى أقارب». 

انتهت الجنازة المهيبة ورصدت الصحف انهيار زوجته كريمة وإغماءها على قبره، وحالة أخته هدى سلطان التى كانت يُرثى لها، ومرت الأيام التالية على الجنازة على هذا النحو كلها تغطيات صحفية عادية ومعتادة لفنان كبير فارقنا إلى أن فجرت مجلة الكواكب القنبلة أو المأساة التى حدثت فى بيت فوزى.. وهو نفس العنوان على كل حال الذى وصف به حسين عثمان حملته التى استمرت عبر أكثر من عدد.

ليجد محبو فوزى أنفسهم أمام مأساة حقيقية أكبر بكثير من مأساة موته. 

وقائع الاشتباك الصحفى لأبطال المشهد الأخير لأيقونة البهجة

الأبناء: كريمة تركت أبونا وحيدًا فى لندن وجاءت القاهرة لتبيع شقته إلى سعاد حسنى

بدأت حلقة المأساة الأولى بكلام أبناء فوزى فى عدد ١٣ ديسمبر ١٩٦٦ وكشفوا لأول مرة عن صورة مغايرة عن العلاقة بين فوزى وآخر زوجاته كريمة، فاتنة المعادى التى كانت المجلات قبل وفاته تتغنى بمقدار وفائها لزوجها وحبيبها، ونُشرت صور كثيرة تؤكد المعنى لها وهى تجلس أسفل قدميه وتعطيه الدواء بملابس البيت دون أى اهتمام بمظهرها وهى التى سُميت بفاتنة المعادى من فرط اهتمامها بجمالها.. لكن نبيل فوزى الابن الأكبر لمحمد فوزى من زوجته الأولى قال لحسين عثمان محرر «الكواكب» ما نصه: «موقف السيدة كريمة زوجة المرحوم والدى كان مفاجأة لنا جميعًا فم نكن نتوقع منها هذه التصرفات بعد أن لمست مدى تقديرنا لموقفها النبيل خلال مرض والدى، وبعد أن نسينا ما حدث منها أثناء رحلتها الأخيرة إلى لندن عندما جاءت إلى القاهرة فجأة وأعلنت عن بيع الشقة التى تقيم فيها مع والدى، وفعلًا فاوضت الفنانة سعاد حسنى لتبيعها لها».. وعلى حد قول نبيل إنه وإخوته خُدعوا أول الأمر معتقدين أن هذا البيع بطلب من الأب محمد فوزى وهى أتت لتحقق رغبته، ولم يعرفوا أن فوزى لا يدرى شيئًا عن أمر بيع شقته إلا بالصدفة عندما كلمته أخته الكبيرة لتسأل عنه وتعاتبه على قراره ببيع شقته إلا أنها هالها ردة فعل فوزى الذى فوجئ تمامًا بالأمر، وطلب من أخته عمل المستحيل لمنع كريمة من بيع شقة جاردن سيتى.. لاحظ هنا أن فوزى كان فى أعلى قمة الألم كما قلنا يعيش على حقنة مسكنة كل نصف ساعة ليتحمل فقط الآلام.

ونعود إلى كلام الابن الذى أكد أن هذا الموقف المخزى لكريمة لم تتوقف العائلة أمامه كثيرًا وتخطوا الأمر بعد الوفاة واتفقوا على ودها إكرامًا لذكرى فوزى، لكن الأبناء فوجئوا بتصرفات غريبة من كريمة، وضرب مثلًا بالحقائب التى فوجئوا أنها تحتفظ بها بشكل مريب قبل أن يوارى الزوج التراب، ولما سألها الأبناء عن تلك الحقائب الضخمة قالت إنها ملابسها الشخصية، لكنهم طلبوا منها فتح الحقائب ليفاجأوا بأنها تضم ملابس والدهم غالية الثمن.. وحتى هذا الموقف بضغط من العمة هدى سلطان قد مر بسلام حتى لا يسيئوا لذكرى الأب المتوفى لتوه.. والكلام ما زال على عهدة الابن نبيل فوزى، الذى قال إن كريمة بعد أن تحصلت على شقة جاردن سيتى بناء على ما استقر عليه رأى رجال عائلة فوزى إكرامًا لها فإذا بها ترفض أن تُقام أى مراسم مثل الخميس الأول والثانى والأربعين، بل إنها رفضت الرد حتى عليهم وطلبت أن يكون الحديث مع المحامى الخاص بها، أى أنها قررت أن تقطع كل صلة عائلية بعائلة فوزى.

ثم نصل إلى الساعة الروليكس التى كان يملكها فوزى، وكما قال نبيل ابنه إن والده كان قد وعده أمامها بإهدائها له بعد تخرجه فى كلية الهندسة، ولكنها تمسكت بالساعة وقالت بالحرف الواحد: «تمنوها عند جواهرجى وكل واحد ياخد حقه».

ثم نأتى إلى الأخ الآخر سمير فوزى الذى كشف عن جانب آخر للأمر، وقال إن زوجة أبيه كريمة كانت لا تخفى كراهيتها لشقيقه نبيل، ليس لشىء غير أنه كان دائم اصطحاب أخيه الأصغر «عمرو» عند زيارة والده.. وإذا عرفنا من هو عمرو ذلك الفتى الصغير الذى كرهت الابن الأكبر من أجله سنعرف سر الأمر.. عمرو فوزى هو الابن الوحيد لمديحة يسرى من زيجتها بفوزى ولما كانت كريمة تحمل شعورًا عدائيًا شديدًا لمديحة يسرى والدة عمرو، فقد كانت تضيق بزيارة طفلها لوالده.

ثم فى نهاية تلك الحلقة من المأساة أكمل الابن الرابع منير ما بدأه أخواه نبيل وسمير، وأكد دهشته الشديدة من تغير كريمة أرملة أبيهم بهذا الشكل مع إن الإخوة اجتمعوا فور الوفاة واتفقوا على الترفع عن أى خلافات ومراعاة السيدة كريمة، خاصة أنهم يعرفون حالتها المادية قبل زواجها من والدهم.

وأغلق صحفى «الكواكب» الموضوع على هذا الأمر مع تنويه نُشر فى نهاية الموضوع أن كريمة ترد فى العدد القادم، بما يعنى بأن مأساة فوزى ما زالت مستمرة بما يشكل حزنًا عميقًا على هذا الرجل الذى لم يضع حتى الموت حدًا لمعاناته.

كريمة:علاقته بأولاده تحسنت فى فترة زواجنا.. بفضلى

موضوع أبناء فوزى فى «الكواكب» بالطبع قلب الدنيا وأشاع طاقة غضب داخل الوسط الفنى والجمهور على السواء تجاه كريمة أرملة فوزى، التى كان يُنظر إليها بصفتها حبيبة فوزى الوفية التى حملته فى أيامه الأخيرة بشكل فيه من الوفاء والطيبة ما يندر أن يجود الزمان بمثلها.. وكل الصور الملتقطة من حجرة مرض فوزى فى شهوره الأخيرة كانت تؤكد تلك الصورة الملائكية عن كريمة، حتى جاء كلام أبناء فوزى الصغار «أكبرهم نبيل كان فى الجامعة» لتهدم كل ما سبق.. لذلك كان طبيعيًا أن ترسل كريمة ردها على عنوان «الكواكب» التى نشرته فى العدد التالى مباشرة بتاريخ ٢٠ ديسمبر ١٩٦٦، وبجانبه رد المحامى الشهير حينها محمود لطفى حيث كان محامى محمد فوزى بالأساس.

نبدأ بكلام كريمة التى نفت فيه بالطبع كل ما جاء على لسان الأبناء وقالت بالنص: «لقد حز فى نفسى أن تتحول العلاقات الطيبة بينى وبين أولاد المرحوم فوزى إلى تلك الصورة المحزنة، ولن أناقش تلك التفاصيل التى نشروها فى الكواكب لأننى ما زلت أحمل لهم كل الحب والتقدير، وأعرف أنهم شباب فى مطلع العمر ومن السهل التأثير عليهم، وأن وراء تلك الضجة بعض الأشخاص الذى يحلو لهم أن يحولوا الماء الهادئ إلى ماء عكر».

كريمة فى الغالب كانت ترمى فى كلامها على أخت زوجها الراحل هدى سلطان وزوجته السابقة مديحة يسرى، حيث إنه من الواضح أن العلاقات لم تكن على ما يرام، وأكملت كريمة ردها بما استفز هدى سلطان كما سنرى بعد ذلك وسيخرجها عن قرار الصمت لتدخل المعركة وتزيد مأساة بيت فوزى حلقة جديدة بعد ذلك.. لكن دعنا هنا نرى ما روته كريمة حيث قالت: «إن الكل يشهد أن فترة زواجى بالمرحوم فوزى كانت هى الفترة الذهبية الوحيدة فى علاقته بأولاده»، فقد كانت تحرص كل الحرص- على حد قولها- على أن يلتف أولاده حوله خلال فترة مرضه، وكان هو يشكرها على ذلك.

وأكملت كريمة فى ردها بناء تلك الصورة الوردية المغايرة تمامًا لما ذكره الأبناء، ورفضت أن ترد على كلامهم قائلة: «لن أناقش التفاصيل التى نُشرت فإنى أربأ بنفسى أنا أناقش أولاد محمد فوزى فى مثل هذا الكلام احترامًا لذكراه، ولن يثنينى موقفهم هذا عن مواصلة الجهد والسعى لأهيئ لهم الظروف التى تساعدهم على استكمال تعليمهم تحقيقًا لرغبة المرحوم فوزى».

وأنهت كلامها بالدعاء لهم بالتوفيق فى حياتهم الدراسية، لأن ذلك أبقى لهم من الاستماع لدسائس الدساسين ووشايات الواشين الذين يحاولون إفساد العلاقة بينها وبينهم، وهذا لن يحدث لأنها حريصة عليها مدى حياته احترامًا لذكرى إنسان أفنيت شبابها من أجله، وكانت تتمنى أن تفتديه بعمرها لولا أنه القدر.

محمود لطفى:أنا الذى حاولت بيع الشقة وليس كريمة

انتهى كلام كريمة وعززه فى الصفحة المقابلة ضمن تلك الحلقة كلام محمود لطفى المحامى، الذى على ما يبدو أنه سكب النيران أكثر وأكثر فى بيت فوزى، حيث جاءت شهادته بصفته محامى فوزى لتزيد اللغط، حيث نفى تمامًا قصة أن كريمة حضرت لتبيع الشقة قبل أن يموت فوزى أثناء رحلة فوزى، بل الأكثر من ذلك أنها باعت بعض مجوهراتها حتى تتمكن من تدبير المصاريف اللازمة لأبناء فوزى وأولادها، أما الشقة ففجر المحامى مفاجأة أخرى أنه هو بصفته محامى فوزى فقد عرض الشقة للبيع على سعاد حسنى فى حضور فريد الأطرش، وكان الهدف من البيع هو مواجهة الأعباء العائلية التى يتحملها المرحوم محمد فوزى.. إذن قصة بيع الشقة كان تصرفًا شخصيًا من محامى فوزى على حد قوله.. وكريمة ليست على تلك الصورة الطماعة التى أنتجها كلام أولاد فوزى لصحفى «الكواكب» قبل ذلك.

واستطرد محمود لطفى المحامى شهادته لما حدث فى قصة الملابس والساعة ورفض كريمة إحياء ذكرى الأربعين فى بيت فوزى الذى آل إليها فى جاردن سيتى، والتى جاءت فى مجملها مناصرة لموقف كريمة.

وفى نهاية تلك الحلقة أنهى صحفى الكواكب كلامه بفقرة هامة بغية انتهاء تلك المأساة قائلًا بالنص: 

«بقيت مسألة هامة جدًا وهى أن أولاد محمد فوزى يمرون الآن بالأزمات المالية التى ترتبت على موت والدهم، وأن أهم ما يجب أن يحدث الآن هو أن يتقدم أى إنسان من أسرة الفقيد ليعاونهم على مواجهة أعباء الحياة حتى تنتهى الإجراءات القانونية والشكلية لتقرير المعاش الشهرى لهم، ونرجو أن توفق السيدة مديحة يسرى فى مساعيها لدى الجهات الحكومية للحصول على معاش أولاده بعد أن استنفذت نفقات الجنازة واحتفالات الخمسان والأربعين مبلغ الأربعمائة جنيه التى جمعها الأستاذ محمود لطفى المحامى من مصادر مختلفة».

ثم أنهى محرر «الكواكب» كلامه مقفلًا باب المأساة، أو هكذا ظن، قائلًا إن كلمة محمود لطفى المحامى هى القول الفصل فى هذا الموضوع، وأعلن اكتفاءه بهذا القدر وإسدال الستار على بيت فوزى مع رجاء حار أن يتكاتف أولاده مع كريمة أرملته، لتعود علاقة الود بينهم وتظل سيرة فوزى ناصعة ويشعر هو بالارتياح فى مرقده.. لكن على ما يبدو أن رجاء صحفى «الكواكب» لم يتحقق، لأن كلام كريمة ومحامى فوزى قد أخرج مارد هدى سلطان من القمقم، لترسل ردًا مطولًا إلى حسين عثمان نُشر على أربع صفحات فى العدد التالى بتاريخ ٣ يناير ١٩٦٧ مع عناوين فرعية تحت عنوان أشمل وأعم نصه «هدى سلطان تتكلم».

شهادة فريد شوقى

فريد كان موقفه مؤيدًا وداعمًا بطبيعة الحال لموقف زوجته هدى سلطان الحاد تجاه ما قالته أرملة أخيها ومحاميه، ونشرت «الكواكب» فى زاوية صغيرة داخل تصريحات هدى المسترسلة والمتوعدة كلامًا على لسان فريد بعنوان «بكيت على الفقيد» أرى وجاهة نقله حرفيًا دون تصرف لأهميته وقلة كلماته حيث قال بالنص:

«إن كل حرف من حديث زوجتى هدى سلطان صادق وصورة كاملة من الحقيقة، وأنا أعرف أنها كانت تحرص على الاحتفاظ بالأسرار التى ذكرتها فى هذا المقال وغيرها ولكنها اضطرت إلى إزاحة الستار عن بعض الحقائق لتبدو الحقيقة كاملة.. ومنذ أعلن الأطباء يأسهم من شفاء محمد فوزى وأنا أبكيه كصديق وزميل وأبكى فيه الخلق والشهامة والشجاعة وأبكى فيه الفن الصادق والإيمان الراسخ برسالة الفن، ولكن بعد أن وسدنا جثته التراب وتلفت حولى وجدت الأحياء يتناحرون ويختلفون وتكاد مخالب الشقاق تمزق أجسادهم فارتفع صوتى بالبكاء لا حزنًا على محمد فوزى فقط ولكن أسفًا على نفوس الأحياء التى لم تتعظ بالموت ولم تتطهر من أحقاد الدنيا فتناحرت من أجل مال لم ينفع صاحبه.. ولما ارتفع صوت نحيبى بالبكاء سألونى لماذا تبكى فقلت إنى أبكى على نفسى».

هدى سلطان: كريمة طردت أبناء فوزى من بيته مع أنه كان أب لأولادها

هدى سلطان هنا تخلت عن كل مظاهر الهدوء والكياسة التى تحلت بهما بعد وفاة فوزى ومحاولاتها رأب الصدع بين أبناء شقيقها وأرملته، كما شهد المحامى وشهدت كريمة نفسها بذلك.. لكن هدى استفزها أكثر من معلومة ذكرتها كريمة والمحامى وصفتها هى بأنها «أكاذيب صارخة وتشويه للحقائق لا يمكن السكوت عنه» أثناء مرضه، حتى الطفل الصغير «عمرو» كانت تسىء معاملته وتحذر أخاه الكبير نبيل من أن يصحبه معه عند حضوره إلى البيت.. وهو ما يتطابق مع كلام أبناء فوزى فى الحلقة الأولى، وسبب كرهها لعمرو معروف بالطبع، حيث إنه ابن مديحة يسرى غريمتها فى حب محمد فوزى وطليقته السابقة.

وتستنكر هدى بأشد العبارات لهجة حيث قالت «كيف تصف كريمة حياتها مع محمد فوزى بأنها فترة ذهبية فى علاقته بأولاده وهى التى طردتهم من بيته فى الوقت الذى احتضن فيه محمد فوزى أولادها من زوجها الأول وقام لهم مقام الأب يرعاهم وينفق عليهم ويلحقهم بأرقى المدارس على نفقته الخاصة؟».

ثم حولت هدى دفة هجومها الكاسح على محامى فوزى الذى كان مناصرًا لموقف كريمة، حيث وصفت رده بأنه ملىء بالتشويه للحقيقة مع أنه صادر من رجل مسئول يعرف قيمة الكلمة ووزنها بل هو المحامى الذى عاصر كل الحوادث بحكم مسئوليته كمحام للفقيد، فإذا به نتيجة لظروف خاصة يتجاهل الحقيقة ويقول كلامًا بعيدًا عن الصواب بُعد السماء عن الأرض.

ثم تفند هدى ما قاله محمود لطفى بالوثائق وجاء بالنص: 

«يقول الأستاذ محمود لطفی إن السيدة كريمة باعت مجوهراتها حتی تتمكن من تدبير المصاريف اللازمة لأولاد محمد فوزی وأولادها لعدم قيام أى شخص من قريب أو بعيد من أسرة محمد فوزى بتقديم المساعدات المالية لهم، وقال أيضًا إنه هو الذى فكر فى بيع الشقة لسعاد حسنى، وأنا لا أعلم أن السيدة كريمة تملك مجوهرات أو أى نوع من أنواع الثروة، ولا أحب أن أذكر شيئًا عن حالتها المالية قبل زواجها من محمد فوزی، كما أن الأستاذ لطفى يعلم أننى كنت أقوم بجميع الالتزامات المادية نحو أولاد شقیقی وأولاد كريمة من جميع وجوه النفقات، وهو يذكر أيضًا حكاية الدين الشخصى الذى كان مدينًا به شقیقی الفقيد لأحد الأشخاص، ولما علمت بإجراءات الحجز والبيع عن طريق الأستاذ لطفى المحامى استدعيت صاحب الدين إلى مكتب زوجى فريد شوقى ودفعت له مبلغ ٢٥٠ جنيهًا بعد أن تنازل هذا الشخص عن المحضر نفسه وأقرباؤه وقبض المبلغ من يد هدى سلطان.. أما حكاية بيع الشقة فكل ما ذُكر غير صحيح فإن محمد فوزى كان يملك فى حياته وتحت يده مبلغ ألفى جنيه نقدًا، ومن غير المعقول أن يملك شخص، أى شخص، مثل هذا المبلغ ثم يعرض شقته للبيع لسعاد حسنى أو لغيرها، والأمر لا يكلفه أكثر من إرسال شخص إلى صندوق التوفير ليسحب منه أى مبلغ يحتاجه».

ثم تزيد هدى من حدة نبرتها مع بعض السخرية المقصودة من أرملة أخيه وتقول: 

«الأستاذ لطفى والسيدة كريمة يعلمان أننى كنت أقوم بدفع مصاريف مدارس أولادها أثناء غياب فوزى فى الخارج للعلاج كذلك نفقات إقامة أسرتها- والدتها وأولادها فى شقة فوزى بجاردن سيتى- ومع هذا الحديث صور إيصالات المدارس والإيجارات، ويجرنى الحديث هنا عن الشقة إلى ذكر الحقيقة التى حاول الأستاذ لطفى إخفاءها، فعندما عادت كريمة من الخارج فجأة اتصلت بها لأطمئن على صحة شقيقى فإذا بها ترد علىّ بكلمة (هالو) كما ينطقها الإنجليز وأخفت علىّ أسباب زيارتها المفاجئة حتى حدث ما لم يكن فى الحسبان فقد اتصل فوزى بشقيقتنا الكبرى تليفونيًا من لندن وكنا علمنا جميعًا بمحاولات كريمة لبيع الشقة بناء على رغبته، كما ادّعت، وسألته شقيقتى ببساطة عن الأسباب الحقيقية اعتقادًا منها أنه فى حاجة إلى المال لتدبره له دون أن يلجأ إلى بيع الشقة، فإذا به يثور عندما عرف هذه التفاصيل وطلب عمل المستحيل لمنع كريمة وأسرتها من بيع الشقة، كما طلب أن أسعى أنا شخصيًا لاستلام الشقة، وفعلًا ذهبت لاستلام الشقة من والدة كريمة، ويرى القارئ مع هذا الكلام صورة الإقرار الخاص باستلامى للشقة من والدتها بعد أن أصرت على استكتابى هذا الإقرار متعللة بأن ابنتها كريمة استكتبتها إقرارًا مثله باستلام الشقة.

والليلة التى مات فيها فوزى هى الليلة الوحيدة التى تخلفت فيها عن زيارته بسبب إصابة ابنتى الصغيرة بالتهاب فى المصران الأعور، واضطررت إلى أن أبقى بجوارها واتصلت تليفونيًا بكريمة أسألها عن صحة فوزى فطمأنتنى بأنه تناول أدوية المسكنات ونام.. إلى أن استيقظت فى صباح اليوم التالى على نبأ وفاته وعرفت بعد ذلك من السيدة والدة كريمة أن المرحوم فوزى كان يسأل عنى وهو يعانى سكرات الموت، وعرفت أن السيدة الوحيدة من صديقات كريمة التى نامت معها ليلة وفاة فوزى هى السيدة التى انتظرت الحقائب على باب العمارة لتنقلها إلى مكان مجهول... وأعود فأكرر أننى احترامًا لزوج هذه السيدة لن أفسر طبيعة الدور المرسوم لها فى محنة محاولة الاستئثار بالملابس والأقمشة وغيرها من مخلفات الفقيد.. ولا أدرى السبب الذى حمل كريمة على أن تلجأ إلى هذا التصرف بالنسبة لأولاد فوزى بالرغم من موقفه النبيل بالنسبة لأولادها، ويرى القراء مع هذا الكلام نص الخطاب الذى أرسله لى يطلب منى أن أسعى لإرسال أولاد كريمة إلى لندن ليبقوا معها وقد استحال تنفيذ هذا الطلب من الوجهة الرسمية فعادت كريمة إلى القاهرة تاركة محمد فوزى وحده يقاسى آلامًا لا يحتملها بشر غيره، عادت لتتحدث إلى الناس أحاديث كلها مرح وتفكر فى أمور الدنيا وكأنها لم تترك مريضًا يترصده الموت بين لحظة وأخرى.

ونعود إلى حكاية الملابس فأقول إن كريمة اتصلت بی وقالت إن أولاد شقيقى سيحضرون لتسلمهم ملابس والدهم فوافقتها لكى ينتهى هذا الموضوع. ولكننى فوجئت بمحادثة تليفونية من أولاد محمد فوزی يخبروننى بأن الملابس التى تسلموها من كريمة إنما هى الملابس القديمة وأن قليلًا منها يصلح بعد إصلاحه بما لا يقل عن قيمة بدلة جديدة، فنصحتهم بالاتصال بالأستاذ لطفى المحامى وعرض الملابس التى تسلموها عليه باعتباره كان ملازمًا للفقيد ويعرف إذا كانت ملابسه قديمة أو جديدة، لأننى لا أستطيع أن أرى ملابسه ولم يمض على وفاته بضعة أيام، وفعلًا اتصلوا به واستنكر هو ادعاء كريمة بأن هذه كل ملابس الفقيد وفوجئت به یزورنی مع الأولاد فى منزلى وكان ثائرًا على كريمة لأنها تركت والدتها تطردهم، وهذا ما قاله بالحرف الواحد، وأنها أى كريمة احتفظت بجميع الملابس والأقمشة الجديدة لنفسها ووجدت أنا أنه من المستحسن أن يسكت الأولاد ما دام ضمير كريمة قد سمح لها أن تستولى على كل الملابس وقطع القماش وقد قالت لى إنها لن تعطيها لهم».

ثم انتقلت هدى بعد ذلك للحديث عن إحياء الخميس الأول والثانى وذكرى الأربعين، وقالت: «فوجئت بابن أخى السيد عبداللطيف الحو يبلغنى بأنه اتصل بكريمة ليسألها كالعادة عما إذا كانت فى حاجة إلى شىء، فقد كنا جميعًا حريصين على أن توفَر لها أسباب الراحة باعتبارها أرملة محمد فوزى فإذا بها تخبره بأنها تحتفل بذكرى الأربعين ولن تقيم يوم الخميس فى بيت محمد فوزى الذى أصبح ملكها احتفالات وأن أى اتصال بها يكون عن طريق محاميها الأستاذ أحمد الحضرى، وذهلت من هذا التصرف الغريب وكدت أكذبه لولا أن مصدره هو ابن شقيقى وهو شاب مثقف يقدر مسئولية ما يقول.. ورأيت أن أتصرف بهدوء فأقيم الاحتفالات الأسبوعية وذكرى الأربعين فى منزلى باسم أسرة الفقيد، وتصادف فى تلك الليلة أن كان الأستاذ محمد عبدالوهاب والسيدة حرمه والصديقة ليلى فوزى فى زيارتى وطلبت من ابن شقیقی أن يروى للأستاذ عبدالوهاب ما سمعه من كريمة وأيدنى الأستاذ عبدالوهاب فى إقامة الاحتفالات فى منزلى باسم أسرة محمد فوزى لكننى دهشت من تصرف كريمة الذى يتنافى مع أبسط التقاليد المتبعة فى مثل هذه المناسبات، خاصةوأنها من أسرة ريفية تنحدر من محافظة الشرقية فهى تعرف أهمية هذه الاحتفالات التى يجب أن تقام فى منزل الفقيد نفسه لكى تتيح الفرصة لأصدقائه وزملائه ومحبيه القيام بواجب العزاء، ولكن دهشتى لم تستمر طويلًا فقد علمت أن السبب الذى حمل كريمة على هذا التصرف هو أن شقيقتى انطلقت تصرخ من أعماقها وأن هذا المنظر قد سبب إزعاجًا للسيدة كريمة وكأن هناك ترتيبًا أو (ميزانسين) معينًا يجب أن يتبعه الشخص فى إبداء حزنه، ليس هذا فقط بل إن السيدة كريمة ضايقها جدًا منظر السيدات من الصديقات والزميلات وقد ارتفعت أصواتهن بالصراخ والولولة حزنًا على الفقيد ولا أدرى كيف طاوعها لسانها بأن تصف هذه المشاعر الصادقة بأنها (تصرفات غجر)».

ثم فى نهاية شهادتها المطولة تنهى هدى سلطان كلامها المدعوم بالوثائق بخط يد فوزى وتقول: 

«كم كنت أتمنى أن أظل على موقفى من تحقيقات الكواكب وأتجنب بكل وسيلة إثارة الحقائق الرهيبة.. ولكن ما حيلتى والأستاذ محمود لطفى أراد أن يطمس الحقائق، وأن يظهرنى بمظهر المقصرة فى حق شقيقها وأولاده وهم فى منزلة أولادى، فاضطررت لأن أعلن أننى كنت أقوم بجميع الالتزامات المادية أثناء فترة غياب فوزى للعلاج سواء كان بالنسبة لأولاده أو أولاد زوجته كريمة إلى جانب التزاماته الأخرى، وكم كنت أتمنى أن يبقى بيت محمد فوزى مفتوحًا كما جرت تقاليد عائلاتنا فى الريف ولكن كريمة أغلقت باب هذا البيت بتصرفاتها».

وأنهت هدى سلطان الأمر بتهديد أخير شديد اللهجة موجه إلى كريمة والمحامى محمود لطفى: 

«بعد.. ليس هذا كل شىء، فما زال عندى الكثير فأرجو أن يسدل الستار بعد هذا التعليق السريع على رد محمود لطفى وألا يعود أحد إلى إثارة الموضوع من جديد حتى لا يثيروا غضبى فأضطر آسفة إلى كشف حقائق أخرى مدعمة بخطابات كان الفقيد يحرص على ألا تطلع كريمة عليها».

شهادة أم الأولاد

كلام فريد أكدته أيضًا أم الأولاد أو زوجة محمد فوزى الأولى، وأجابت عن سؤال صحفى الكواكب «مَن الذى يتولى النفقات؟» فقالت إن الأستاذ محمود لطفى المحامى لم يكن يساعد أولاد المرحوم ماديًا من قريب أو بعيد، وإحقاقًا للحق فإن عمتهم هدى سلطان هى من تكفل بمصروفات الأولاد عندما عجز الأستاذ لطفى عن الدفع بعدما نفدت موارد المرحوم المخصصة لذلك.

مديحة يسرى:حررت محضرًا فى قسم المعمورة بعد محاولات سرقة مقتنيات شقة الإسكندرية

زيجة محمد فوزى من مديحة يسرى كانت مختلفة عن باقى الزيجات، فقد كان الحب غالبًا أثناء الزواج وصار الاحترام غالبًا بعد الطلاق وظل الود موصولًا بين الاثنين رغم الانفصال، وحكت مديحة نفسها بعد ذلك كيف تم ذلك بمنتهى الهدوء والود والاحترام، لدرجة أنهما تناولا طعام الغداء فى أحد المطاعم بعد إتمام إجراءات الطلاق تأكيدًا على أن العلاقة بينهما لن تتأثر خاصة أن هناك طفلًا صغيرًا بينهما وهو عمرو فوزى أحد الأسباب التى ساقها أولاد فوزى وأخته هدى لأن تطردهم كريمة وتصفع الابن الأكبر بالقلم لأنه يصطحب عمرو.

مديحة يسرى كان دورها فاعلًا أيضًا فى مشهد الموت وكانت رمانة الميزان بشهادة كل الأطراف إلا أنها ذكرت فى شهادة هدى سلطان التى أرسلتها للكواكب وكانت بطلة واقعة مكانها فى الإسكندرية طبقًا لشهادة هدى، حيث قالت الأخيرة بالنص:

«بعد وفاة فوزی ساءت حالتی الصحية جدًا وكنت طريحة الفراش عندما اتصل بى الأستاذ محمود لطفى ليخبرنى بأن السيدة مديحة يسرى اتصلت به من الإسكندرية وروت له حادث نقل أثاث شقة المعمورة، وكانت السيدة مديحة قد طلبت منه أن لا يخبرنى بهذه التفاصيل ولكنه رأى أن من واجبه أن يبلغنى بتفاصيل هذا الحادث الذى حررت به مديحة يسرى محضرًا فى نقطة شرطة المعمورة تحت رقم ١٨ خشية أن يعيدوا محاولتهم مرة أخرى وحرصًا على محتويات الشقة وكلها أشياء ثمينة وقد أصبحت ملكًا للقصر أولاد محمد فوزى الذين تعتبرهم مديحة يسرى كأولادها، وأشهد أنها لم تسئ إليهم يومًا ما وكانت تحسن معاملتهم باحترام وحنان أثناء إقامتهم معها فى فترة زواجها بالمرحوم فوزی فكسبت حبهم واحترامهم وما زالوا حتى اليوم يحملون لها التقدير والاحترام، وقد بقيت السيدة مديحة على وفائها واحترامها لمحمد فوزى ولم تتركه لحظة واحدة منذ عاد من رحلته الأخيرة وكنا نحن أفراد أسرته نقدر لها هذا الشعور الكريم، أما السيدة كريمة التى تتغنى بحبها لأولاد محمد فوزى فإنها لم تتورع أن تصفع أكبر أبنائه على وجهه وهو طالب فى كلية الهندسة».

أما عن ختام الآلام فى بيت فوزى بعد وفاته فقد تأخر ١٦ عامًا، فى بداية الثمانينات عندما غطت الصحافة حادثًا مأساويًا لبطل مصر فى الجودو على طريق المطار فى يوم ٥ مارس ١٩٨٢ حيث لقى مصرعه فى الحال بعد أن اصطدمت سيارته نتيجة السرعة الجنونية فى سيارة نقل قادمة من السويس فى حادث شبيه لما حدث قبل شهور فى آخر شارع الهرم وأودى بحياة دنجوان الجيتار عمر خورشيد.

هذا الشاب المتوفى هو نفسه الذى نشرت الكواكب صورته فتى صغير فى أول تحقيقاتها عن مأساة بيت محمد فوزى واسمه عمرو محمد فوزى.. ابن مديحة يسرى الذى قالت الكواكب إن كريمة أرملة فوزى كانت لا تحب أن تراه.

حادثة عمرو محمد فوزى كانت قصمة ضهر فتاكة لأمه مديحة يسرى وبدا أنها لن تقوى على القيام ثانية من آثارها كما حكت هى بنفسها.. لكن مديحة استطاعت أن تتخطى تلك الكارثة بقدرة إلهية وقوتها الشخصية.

وصار موت الابن الأصغر لمحمد فوزى بتلك الطريقة المريعة هو الفصل الأخير لمأساته الإنسانية التى لم تتوقف بموته.