الخميس 10 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

جوائز الدولة.. لماذا تجاهلت شباب «التشجيعية»؟

حرف

المشهد الثقافى المصرى فى عمومه من بابه العالى حتى أنشطته المتنوعة على الأرض فى واقع الأمر لا يسر عدوًا ولا حبيبًا، بل لا أبالغ إذا أكدت أنه لا يفلح فى معظم الأحوال إلا فى إصابتنا والفاعلين بحق فى الوسط الثقافى بالإحباط وخيبة الأمل، وكلما تفاءلنا خيرًا بوجوه جديدة فى المناصب الثقافية الرسمية وجدناها تهتم أول ما تهتم فعلًا أو رد فعل بنسف آمالنا وطموحاتنا وتجديد آلامنا وصدماتنا.

لا يختلف فى هذا وزير شاب عن مسئولين محنكين، تنتظر منه مبادرته وحماسه نحو اقتحام الملفات التاريخية المزمنة، فلا تجد إلا حرصه البالغ على مجرد تسيير الأمور، تستبعد من الملفات ما قد يُمثل معارك وصدامات ليس وقتها وتنتظر أبسط ما يمكن فعله ولا يُكلف أى أعباء مُضافة، فتندهش من بخل التفكير حتى فيما هو فى نهاية الأمر مجانًا بينما واقعه المعنوى يمنح أملًا نحن فى أشد الاحتياج له. 

مناسبة الاشتباك هذه المرة احتفالية المجلس الأعلى للثقافة لتكريم ١١٦ مبدعًا من الحاصلين على جوائز الدولة «النيل – التقديرية - التفوق» منذ عام ٢٠١٩، والتى أُقيمت الأسبوع الماضى بمقر المجلس تحت رعاية وفى حضور وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وفى كلمته قال الوزير الفنان: «يشرفنى ويسعدنى أن أقف بين هذا الجمع الكريم من رواد الفكر والإبداع فى مصر الذين سطروا بأعمالهم حروفًا من نور فى تاريخ وطننا العظيم، فهم الرواد الذين أضاءوا لنا الدروب، والشعراء الذين تغنوا بجمال وطننا، والفنانون الذين صوروا روح شعبنا، والعلماء الذين بنوا حاضرنا ومستقبلنا، فإنكم يا سادة ورثة حضارة عريقة، حافظتم عليها، وقدمتم للعالم إرثًا فكريًا وفنيًا لا يُضاهى، واليوم نحن هنا لنحتفى بكم جميعًا، ونرفع لكم قُبعات الإجلال والتقدير».

أما عن دافع الاشتباك فهو ما رصدته من تجاهل المجلس الأعلى للثقافة لدعوة الفائزين بجوائز الدولة التشجيعية لحضور احتفاليته وتكريمهم بصحبة كبار المبدعين، جائزة الدولة التشجيعية تُمنح لشباب المبدعين تحت سن الـ٤٠ فى مختلف المجالات أيضًا، يتقدم لها المتسابق بنفسه آملًا وهو على مشارف سن النضج أن يطمئن لموهبته واجتهاده، خاصة أن منحها قائم على تقييم الأعمال المُقدمة بمعرفة لجان متخصصة من ذوى الخبرة، مما يجعلها بحق من الجوائز المشهود لها تاريخيًا بعيدًا عن شُبهات المُجاملات أو المواءمات أو غيرها مما يُعد عوارًا تاريخيًا هو الآخر فى معايير وآلية منح بقية جوائز الدولة الأخرى النيل أو التقديرية أو حتى التفوق، ومع ذلك يتم التعامل مع الشباب الحائزين على جوائز الدولة التشجيعية بمنتهى الصَلف والتعالى والتجاهل من موظفى المجلس الأعلى للثقافة، وإلى حد «فلوسك اتحولت على البنك».. «ابقى عدى خد الشهادة بتاعتك فى أى وقت».. وكله من خلال اتصالات تليفونية لا تحمل تقديرًا من أى نوع.

تُكلم نفسك بأبسط قواعد المنطق باحثًا عن أى مبررات منطقية مُقْنِعَة بموضوعية ودون أى انحياز فلا تجد إلا علامات استفهام مصحوبة بعلامات تعجب، قطعًا الشباب حائزو «التشجيعية» يستحقون التكريم وهو حقهم تمامًا، واحتفالية رسمية تُكرم ١١٦ مبدعًا تكريمًا معنويًا بصورة مع وزير الثقافة وهو يمنحهم شهادات التقدير لن يُحمل المجلس الأعلى للثقافة ما لا يُطيقه إذا زاد عدد المُكرمين قليلًا عن هذا الرقم، بينما حضور شباب «التشجيعية» وتكريمهم تفوق آثاره المعنوية فى نفوسهم ما لا يتخيله أحد، فهو يُلقى الضوء على حصاد الموهبة والاجتهاد فيما سبق، ويمنحهم طاقة متجددة نحو المستقبل حينما يستشعرون تواجدهم وسط كبار المُكرمين، ويُجدد الدافع فى نفوس لاحقيهم من الأجيال الجديدة تجاه تحقيق نفس الإنجاز، وفوق هذا كله فإن مشهد تكريم الشباب فى مناسبة رسمية يرسخ رؤية الدولة تجاه دعم الشباب ورسالتها فى أنهم بالفعل دعائم الدولة القوية فى التخطيط لمستقبلها، كل هذا فات وزير الثقافة والذين معه من عقليات نمطية احترفت تستيف الملفات والميزانيات وفقط، تخيل معى مثلًا وقع كلمة وزير الثقافة د. أحمد هنو فى نفوس شباب «التشجيعية» لو أنهم حضروا الاحتفال وأنصتوا لها. 

عادة ما تُوجه لى أسئلة متعلقة بشباب مصر، سواء باعتبارى رجل إدارة متخصص بالأساس فى مجال إدارة الموارد البشرية أو بصفتى كاتب وناشر، والحقيقة أن كلا المجالين منذ زمنٍ بعيد منحانى فرصة الاقتراب من الشباب طوال الوقت، كما أن تجربتى فى شبابى من واقع القرب من الكبار واحتضانهم لى بما وجهنى ودعمنى ومنحنى الخبرات الشخصية والمهنية، حفزتنى دائمًا من القلب نحو سلوك المثل تجاه الشباب، ومن أكبر الأثر بكل تأكيد فى حياة أى منا أن يترك بصمة فى حياة الشباب من حوله، وأقول من حوله لأن كل واحد منا يستطيع أن يؤثر أثرًا بالغًا فى الشباب فى محيطه، فقط إذا توافر دافع حقيقى نحو التواصل الفعال معهم، يقوم أول ما يقوم على إقرار حقهم الكامل فيما نقوم به، دون تصدير أى إحساس بالمَن أو الاستعلاء، تواصل الأجيال مسئولية الكبار فى المقام الأول وفى مقدمة هؤلاء الكبار أصحاب المناصب الرسمية بما لهم من صلاحيات فاعلة وخاصة المحسوبون على فئة الشباب منهم.

جوائز الدولة المصرية أُنْشِئَت سنة ١٩٥٨ بموجب القانون رقم ٣٧، والذى نظم آليات منحها سنويًا من خلال وزارة الثقافة مُمَثَلة فى المجلس الأعلى للثقافة، والحقيقة أن هذه الآليات على ما هى عليه طوال نحو ٦٠ عامًا هى عمر هذه الجوائز حتى الآن، كل ما استجد عليها بموجب قوانين أيضًا هو أنها بدأت بالـ«التقديرية» والـ«التشجيعية» قبل أن يزيد عليها «النيل» و«التفوق»، أما شروط وآليات تصنيف الفروع والترشح والتقدم والتقييم والاختيار والمَنح فلم يطرأ عليها أى تجديد أو تطوير من أى نوع طوال هذه المدة، رغم كل مستجدات الحياة المُعَقدة المتواصلة والمستمرة طوال ستة عقود ماضية، والتى أصبحت تفرض علينا سرعة مواكبة التغيير دون أى مساحة اختيار أو مسحةً من إرادة، كما تفرض الخروج على النمطية كأحد أهم مقومات التعايش مع إيقاع العصر وأدواته، الخيال والإدارة الرشيقة وفاعلية الأداء والاستخدام الأمثل للموارد المُتاحة وتنميتها بحلول مُبتكرة والحس السياسى مُفتاح حل كل أزماتنا وفى مقدمتها أزمات الثقافة وثيقة الصلة بالخيال بطبيعتها الإبداعية، الخيال أولًا يا معالى الوزير «الفنان».