شهادة أبو غزالة... الحرب.. الثغرة.. الاغتيال
فى العام 2005 وجدت المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة فى طريق عملى الصحفى، معلومة أُلقيت أمامى بالصدفة عن رغبته فى الترشح لرئاسة الجمهورية، سعيت وراء المعلومة بدأب، وحتى الآن لا يمكننى أن أجزم بشىء فيما يخص ما جمعته من معلومات وقتها، فما يبدو لى أن هناك من كان يريد أن يدفع به فى ساحة المنافسة الانتخابية كيدًا فى الرئيس مبارك، ولا أكثر من ذلك.
بدأت من وقتها أتقصى كل ما يتعلق بالمشير، وكانت نتيجة بحثى عنه كتاب «المشير.. قصة صعود وانهيار أبوغزالة»، صدرت طبعته الأولى فى العام 2006 وطبعته الثانية فى العام التالى مباشرة.
فى هذه الرحلة التى لم تكن سهلة توقفت عند كتابه «وانطلقت المدافع عند الظهر.. المدفعية المصرية خلال حرب رمضان» الذى أصدر طبعته الأولى من «دار الشعب» فى العام 1974، بعد شهور قليلة من حرب أكتوبر.
كان أبوغزالة فوق مكانته العسكرية قارئًا وباحثًا جادًا يعرف ما يقول، وهو ما يظهر من عنوان كتابه، فلم يكون صدفة أن يكون العنوان «وانطلقت المدافع عند الظهر»، فبعد حرب العام 1967 أصدر الكاتب الإسرائيلى باروخ نادل كتابه «وتحطمت الطائرات عند الفجر»، فأراد أبوغزالة أن يزيل عار هذا العنوان بعنوان كتابه، كما أزالت حرب أكتوبر نفسها عار حرب 67، وهو نفس ما فعله الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين عندما أصدر كتابه «وتحطمت الأسطورة عند الظهر».
فى كتاب أبوغزالة وجدت دراسة عسكرية علمية جادة ومتزنة، يمكنك أن تعرف ما جرى خلالها عسكريًا فى الحرب التى أعادت للعرب جميعًا كرامتهم، واسترد بها الجيش المصرى ثقته الكاملة فى نفسه.
روى أبوغزالة قصة سلاحه المدفعية- كان فى الحرب قائدًا لمدفعية الجيش الثانى الميدانى- ما الذى فعله حتى يتحقق النصر؟، وكيف قاد رجاله فى الميدان حتى يقتنصوا الانتصار من بين أنياب العدو الإسرائيلى؟
ورغم أهمية الكتاب الذى يمكن أن نعتبره مرجعًا مهمًا فى دراسة حرب أكتوبر، فإننا لا نجد فيه حرارة الأنفاس التى تلاحقت من أجل تحقيق الانتصار، ولا نعثر فيه على القصص الإنسانية التى رافقت المنتصرين، وهو ما جعلنى أجمع حوارات أبوغزالة التى أجراها وتحدث فيها عن المعركة- ومعظمها منشور فى جريدة الأهرام-، وهنا يمكن أن أضع بين أيديكم شهادته عما جرى، ليس فى حرب أكتوبر فقط، ولكن ما قاله عن الثغرة، وما رآه فى 6 أكتوبر 1981 عندما كان يقف وزيرًا للدفاع إلى جوار الرئيس السادات لحظة اغتياله فى أرض العرض العسكرى.
لقد كان أبوغزالة- ولا يزال واحدًا من رموز العسكرية المصرية، بدأ رحلته فى الحروب المصرية منذ العام 1948 قبل تخرجه بعام واحد فى الكلية الحربية، حيث شارك فى حرب 1948 ضمن طلبة القسم النهائى بالكلية الحربية، ولن نتعجب بعد ذلك عندما نعرف أنه كان واحدًا من الضباط الأحرار، تحديدًا كان أصغر عضو بالتنظيم، وقد يكون جرى انضمامه إليه وهو هناك فى فلسطين حيث كان يحارب إلى جوار عبدالناصر ورفاقه.
شارك أبوغزالة فى الحروب التى تلت 1948 جميعها، وفى العام 1973 كان قائد ميدان المدفعية فى المعركة الكبرى، التى تحول بعد مشاركته فيها إلى مؤرخ ومدافع عنها، فقد كانت لديه شهادته وقدرته على أن يتصدى لمن يحاول التقليل من الحرب ومجرياتها ونتائجها.
فى تاريخ أبوغزالة عناوين صحفية كثيرة، لكنه ظل حتى نهاية حياته يعتز بعنوان صحفى يصف دوره فى الحرب هو «أبوغزالة.. القائد الذى جعل إسرائيل ترقص على أنغام مدفعيته الثقيلة» ولأنه كان كذلك فإننى هنا أسجل جزءًا مهمًا من شهادته على ما جرى، وهى شهادة لا تتسم بالدقة فقط، ولكن بالجرأة أيضًا، وأعتقد أن شيئًا من هذا سنكتشفه هنا ونحن نستمع إليه.
انتصرنا وحدنا فى الحرب.. وإخراج الخبراء السوفييت كان قرارًا عبقريًا
كان أبوغزالة يوم ٦ أكتوبر قائدًا لمدفعية الجيش الثانى الميدانى يقود ٢٢٣٨ مدفعًا.
يقول: كان لى شرف أن تكون أول أسلحة التعامل مع العدو فى نفس اللحظة الى كانت فيها طائراتنا قد عبرت القناة هى المدفعية، وبدأت تتعامل مع أهدافه، فالتنسيق كان رائعًا فى هذا اليوم بين وصول طائراتنا إلى أهدافها وصب قنابلها وصواريخها فوقها وانطلاق المدافع جميعها فى لحظة واحدة.
كانت الطائرات تعبر القناة فوق رءوس رجال المدفعية فى تمام الساعة ١٤٠٤ بلغة العسكريين، أى الثانية وأربع دقائق بعد الظهر، وفى الساعة ١٤٠٥، أى بعد دقيقة واحدة، كانت الطائرات قد بلغت أهدافها، وكانت المدافع تفتح فوهاتها لتصب طلقاتها فوق أهداف تختلف أعماقها من كيلومتر واحد إلى ٢٧ كيلومترًا.
يرى أبوغزالة أن أهم أسباب انتصار ٧٣ كان وضوح الهدف، وتحديد مهمة محددة للقوات المسلحة.
يقول: حدد القائد الأعلى للقوات المسلحة فى ١٩٧٣ المهمة الاستراتيجية بدقة، فقد كان هناك هدف سياسى وهو أن نقضى على نظرية الأمن الإسرائيلى، وأن نحطم فكرة أن الجيش الإسرائيلى لا يهزم، أما الهدف العسكرى فقد كان هو الاستيلاء على رءوس كبارى بعمق معين، ضد الهجمات المضادة وتدميرها، ثم خلق ظروف مواتية للخطوة الثانية بعد ذلك لتحرير الأرض، كان هناك هدف واضح وضعت له جميع الخطط، وتم تخطيط التدريب الذى يتناسب مع تحقيق هذه المهمة.
لا ينكر أبوغزالة أنه كانت هناك خطط سابقة على حرب أكتوبر، لكنه يكشف أن المهمة الاستراتيجية للحرب حددت بعد تولى الرئيس السادات الحكم.
يقول: للحقيقة كانت هناك خطط لأعمال هجومية جرانيت واحد وجرانيت اتنين، ولكن لم يكن قد بدأ عليها أى تدريب، ثم تجمعت هذه الأفكار لتكون خططا كاملة، وتم إعداد مشروعات التدريب ووضع البرامج والجداول تبعا للخطة التى وضعت، ويمكن أن أقول إن من أسباب النصر التدريب الجاد الممتاز الذى تم إعداد القوات المسلحة لتنفيذه.
أضف إلى ذلك – والكلام لا يزال لأبوغزالة - أن الآثار التى تركتها ٦٧ داخل الإنسان المصرى من تدمير لنفسيته وما قاساه من معاناة بعد الهزيمة أوجدت لدى هذا العسكرى الحافز القوى لمحو العار والانتصار.
كان لأبو غزالة رأى محدد فيما فعله الرئيس السادات من طرد للخبراء السوفييت فى العام ١٩٧٢ أى قبل الحرب بشهور قليلة، وهو رأى استمعت إليه من عدد من القادة العسكريين، وممن عملوا إلى جوار الخبراء السوفييت فى مواقع عديدة، لكن الفارق أن أبوغزالة يتحدث عن هذه القضية بوضوح وشجاعة.
يقول: لو وقعت حرب أكتوبر ١٩٧٣ والخبراء السوفييت فى القوات المسلحة لكان أول ما سيقال إن هؤلاء الخبراء هم الذين قادوا الحرب، وكانوا سينالون فضل أى انتصارات تتحقق، بينما القيادات المصرية وحدها كانت هى التى ستتحمل كل ما يقع من أخطاء.
ويفجر أبوغزالة مفاجأة أعتقد أنها حقيقية بشكل كامل، يقول: ولكننى أشك أن الحرب كانت ستتم أصلًا لو لم ينه الرئيس السادات مهمة السوفييت، ربما لأن وجودهم فى القوات المسلحة كان يملى عليهم تقديرًا أن وقوع أى حرب قد يؤدى إلى صدامهم مع أمريكا، على اعتبار أنها القوة العظمى التى تساند إسرائيل، وهذا طبعًا يؤثر كثيرًا على أى قرار يتخذونه، ثم إننى يجب أن أضيف إلى هذا شكهم فى نجاحنا فى العبور، ولم يكن هذا تخمينًا، ولكننا سمعناه منهم، وقد سمعته بنفسى من جنرال سوفيتى كان يعمل معى اسمه «نوشل»، ومن عدد آخر من خبرائهم، فعندما كنا نحلم بالعبور أمامهم كانوا يحذروننا من أننا لو فكرنا فى مثل هذا، فإن اللون الأزرق لمياه القناة سوف يتحول إلى لون أحمر من كثرة دماء المصريين الذين سوف يلقون نهايتهم فى هذه المياه، وكانوا يقولون لنا: إذا عبرتم فستواجهون بمشكلة أكبر من أن تحلوها، لأن الساتر الذى أمامكم رهيب جدًا وأنتم فى حاجة لأسلحة نووية حتى تستطيعوا اجتيازه.
فى وجود الخبراء السوفييت لم تضع مصر أى خطط هجومية فى مواجهة إسرائيل، يكشف أبوغزالة ما جرى بقوله: فى وجودهم وضعت خطط كلها لم تكن هجومية بالمعنى الشامل لكل القوات، وإنما كانت خطط الهجوم التى وضعت أيامهم لعمليات إغارة محدودة تدخل فى إطار حرب الاستنزاف، ومع الخبراء السوفييت أجرينا مشروعات تدريبية على أعمال هجومية كلها كانت محدودة، أما خطة الهجوم الشاملة لكل القوات المسلحة فلم يتم وضعها إلا بعد خروج السوفييت، والذين وضعوا هذه الخطة كانوا كلهم من المصريين.
ما حققه المصريون كان عظيمًا بكل المقاييس، يرى أبوغزالة أن النتائج التى تحققت فى ٦ أكتوبر كانت مفاجأة للقيادات المصرية.
يقول: بالطبيعة عندما توضع خطة يكون واضحًا جميع مقومات النجاح، إنما لا نقاش فى أن النتائج التى كنا نتوقعها حققنا أحسن منها وبناء عليه نستطيع القول إنه كانت هناك مفاجأة إلى حد كبير.
أسعد لحظاتى عندما أعطيت الأمر لمدفعية الجيش الثانى ببدء التمهيد النيرانى
ويضيف موضحًا لذلك: كان هناك كلام كثير عن تقديرات الخسائر التى كان علينا أن نتحملها لاقتحام القناة وخط بارليف وصلت إلى أكثر من خمسين بالمائة من القوى البشرية التى كنا سنقتحم بها، كان الجيشان الثانى والثالث ٨٠ ألف عسكرى، وبالمقارنة إلى الـ٥٠ بالمائة التى كانت التقديرات تشير إليها، وصلت خسائر الجيش الثالث الميدانى فى اليوم الأول للقتال ٤١ شهيدًا و١٥٠ جريحًا، والجيش الثانى كان شهداؤه وجرحاه أقل من هذا، كانت الأرقام هزيلة وتعكس الجسارة والقوة والتخطيط التى تم بها تنفيذ الاقتحام.
الحرب حرب فى النهاية، قتال وعرق ودم، أعصاب مشدودة وأرواح مستنفرة ومواجهات لا تنتهى وانتظار للموت فى كل لحظة، لكن أبوغزالة يحدثنا عن لحظات سعادة وجد نفسه خلالها خلال المعركة.
يقول: كانت عندى أكثر من لحظة سعيدة، ومن المؤكد أن من أسعد هذه اللحظات عندما أعطيت الأمر لمدفعية الجيش الثانى ببدء التمهيد النيرانى، هذه فى رأيى كان أسعد لحظة لى فى هذه الحرب.
لكن كانت هناك لحظة ثانية، تمثل كل دراما الحرب، بدأت مثيرة للغاية وانتهت بفرحة تحقيق النصر على الأرض.
يحكى أبوغزالة عما جرى فى هذه اللحظة يقول: كانت الساعة الثانية وأربع دقائق ونصف بعد ظهر السبت ٦ أكتوبر ٧٣، كان سيمر من فوقنا بنصف دقيقة آخر فوج من أفواج الهجوم الطيرانى، وبدأت انسجامًا وتنسيقًا معه نطلق مدافعنا، كانت لدىّ فى مدفعية الجيش الثانى ٢٢٣٨ قطعة مدفعية، اشتركت جميعها فى الضرب عدا عدد قليل جدًا.
أما اللحظة الأكثر إثارة ودرامية فكانت فى يوم ١٩ أكتوبر فى عز المعارك التى جرت بين الجيش المصرى وجيش العدو.
يقول عنها أبوغزالة: عندما زاد الضغط على رأس الفرقة ١٦ مشاة، لأنها تعرضت لاختراق من جانب إسرائيل بما نسميه عسكريًا رأس كوبرى، كان بينى وبين قائد هذه الفرقة وهو اللواء عبدالعزيز الجوهرى اتصال لاسلكى مفتوح استطاع من خلاله أن يحدد لى وصف الاقتحام الإسرائيلى الذى كان يتم بدبابات عددها كبير، وكان على قائد هذه الفرقة أن يحدد لى لحظة إطلاقى النيران على هذه الدبابات.
فجأة انقطع الاتصال بين أبوغزالة وقائد الفرقة ١٦، يمكن دقيقة أو أكثر مرت عليه مثل سنة أو كأنها الدهر كله، خيل إليه أن الموقع سقط وانتهى وأن كل الذين فيه ماتوا، طبعًا لم يكن يرى الموقع، وبالتالى كانت عملية إطلاق نيران مدفعيته مغامرة كبيرة، لأنه كان هناك احتمال أن تسقط هذه النيران على قواتنا، ولكن مع مرور الثوانى البطئية الطويلة جدًا دون أن يسمع أى صوت عبر الاتصال اللا سلكى قرر المغامرة، وأصدر الأمر إلى ٢٥٠ مدفعًا كانت تحت قيادته أن توجه طلقاتها إلى موقع لا يتجاوز عرضه ٦ كيلومترات.
يستكمل أبوغزالة ما جرى: فى لحظة إطلاق النار سمعت صوت عبدالعزيز الجوهرى فى اللا سلكى يصرخ: اضرب يا فندم.. اضرب يا فندم، الصوت ده مسجل عندى حتى الآن، قلت له بسرعة: الطلقات فى طريقها إليك، الجملة طلعت كده دون أن أعرف سببًا لقولى هذه الكلمات، لأنه فى العلم العسكرى ليس لدينا بلاغ بهذا المعنى، ولكن بالفعل هذا ما حدث، وقبل أن أستعيد تفكيرى كانت العبارة أقوى من أى وصف، لأن الذى حدث أن النيران نزلت تمامًا فوق الدبابات الإسرائيلية ودمرت عددًا محترمًا أتذكر أنه كانت ٣٤ دبابة، وبقية اللواء الذى كان مشتركًا فى الهجوم الإسرائيلى ارتد فى ذعر ويأس وتحول الموقف من موقف بائس إلى موقف انتصار، وأعتقد أن هذه فعلًا من أسعد لحظات حياتى.
حديث الثغرة... لماذا وقعت؟.. وكيف أجهضها الجيش المصرى؟
كقائد عسكرى باحث ومدقق كان أبوغزالة يملك تقييمًا دقيقًا فى حرب أكتوبر، ومن بين ما كان يراه أنه كانت هناك أخطاء صغيرة لا يجوز الحديث عنها، لأن الكلام فيها حتى رغم مرور السنين التى مضت يكشف بعض تكتيكاتنا، ولكن هناك حكاية الثغرة مثلًا، وهذه كان من الممكن أن نتفاداها من أول دقيقة لو عادت الأيام سيرتها.
ويرى أبوغزالة أن تحركات كل حرب تتطور أحداثها فى ضوء ما تتلقاه قياداتها من معلومات، ولقد كان من أكبر نقاط ضعفنا فى أكتوبر ٧٣ المعلومات السريعة.
لا يقصد أبوغزالة بتعبيره هذا نقص المعلومات لدى الجيش المصرى فى حرب أكتوبر، فعلى العكس- كما يرى- كانت لدينا المعلومات، ولكن أهمية أى معلومات هى فى وصولها فى الوقت المناسب وفى المكان المناسب، ولو كانت المعلومات التى تم تجميعها وصلت إلى القيادة فى الوقت المناسب لتغيرت من المؤكد أشياء كثيرة.
ويفسر أبوغزالة ما يقصده بقوله: لم تكن لدينا المعدات الحديثة للاستطلاع التى تحقق لنا ذلك، ولو كان لدينا فى أكتوبر ما نملكه الآن من هذه المعدات ما كان فى قدرة الإسرائيليين أن يصنعوا الثغرة أو غيرها، فوسائل الاتصالات كانت موجودة، ولكن الطريقة التى كنت تستخدمها فى ذلك الوقت كانت تعتمد على مجموعات من الأفراد موجودين فى أعماق معينة فى مسرح القتال، هذه المجموعات تقوم بجمع المعلومات وإرسالها إليك، وهذه الطريقة دون شك مختلفة تمامًا عن وضع تكون لديك فيه مثلًا طائرة دون طيار، تعمل بنظام يعطيك مباشرة وبالصورة عن طريق الفيديو كل ما تجمعه من معلومات، فى الطريقة الأولى المعلومات تصلك، ولكن فى الطريقة الثانية يوجد فرق هائل لأن إمكانياتك فى معرفة المعلومات وفى دقتها ووضوحها كبيرة جدًا.
ويضيف أبوغزالة: ثم إن وصولك إليها ومعرفتك بها كقائد مسئول فى غرفة العمليات يتم فى نفس لحظات اكتشافها، بل أكاد أقول فى نفس لحظات وقوعها، وهذه السرعة فى وصول المعلومات ووضوحها تمكنك دون جدال من اتخاذ القرار المناسب وبسرعة، وبالتالى تطوير حركتك وحركة قواتك حسب ما يصلك، أما إذا تأخر وصول هذه المعلومات ولو ساعة واحدة يكون معنى هذا أنك فقدت فترة هذه الساعة فى حساب الزمن، وهى فترة من الممكن كما حدث فى موضوع الثغرة أن تؤثر تأثيرًا كبيرًا على توقيت القرار ودقته وملاحقته.
ونصل مع أبوغزالة مباشرة إلى حديثه عن الثغرة، وأعتقد أن ما يقوله فيه كلام جديد يمكن أن نرد به على كثير ممن شككوا قى قدرات الجيش وعلى ما جرى فى مسألة الثغرة.
يرى أبوغزالة أولًا أن حرب أكتوبر كانت عدة معارك مذهلة، وليس معنى أنك خسرت معركة مثل معركة الثغرة أنك خسرت الحرب، إطلاقًا، فمصر بكل المقاييس كسبت هذه الحرب، وحرب أكتوبر كما هى غايات الحروب غيرت الموقف الاستراتيجى والسياسى فى كل المنطقة.
أساس أى حرب هو فرض الإرادة، وعمل تغيير سياسى أو استراتيجى، وأى محلل يعرف أن حرب أكتوبر غيرت الموقف الاستراتيجى فى الشرق الأوسط، وقد أجادت مصر استثمارها، لأن معنى استثمار أى حرب استراتيجيًا هو: تطوير القوات المسلحة، وتطوير مفهوم الأمن القومى، تطوير الاستراتيجية العسكرية المصرية.
وفى إطار هذه الأهداف الثلاثة يعتقد أبوغزالة أن الرئيس أنور السادات استثمرها جيدًا على مستوى الاستراتيجية العليا.
ويكشف أبوغزالة عن مفاجأة أعتقد أنها مذهلة وهو يتحدث عما يعتقد البعض أنها أخطاء وقعت فى حرب أكتوبر.
يقول: لا أعرف إن كان هناك خطأ أم لا، ولكن الذى حدث فعلًا أننا بنينا حساباتنا فى الإعداد لهذه الحرب على أساس تقديرات فى الأداء للعدو تفوق كثيرًا جدًا ما أداه بالفعل، ربما كان ذلك، ولكن من المؤكد أن كل تخطيطاتنا الحركية فى عمليات العبور ومعدلات تقدمنا فى سيناء كانت مبنية على أساس أن أداء الطرف الآخر سوف يكون بمعدلات عالية جدًا، ولو كنا قد قدرنا حركتهم التقدير الصحيح لتضاعفت معدلات تفوقنا فى سيناء خمس أو ست مرات.
لا يزال لدى أبوغزالة تمهيد مهم للحديث عن الثغرة، يقول: فى الحرب نحن دائمًا نحكم على ما جرى فيها بعد أن تكون النتائج قد تحققت بمراحل، ولا بد فى التقييم الصحيح أن نضع فى اعتبارنا عند الحكم على الأفعال الظروف التى كانت موجودة، وما كان موجودًا من ظروف كان يملى على القيادة العامة خطة محدودة، ولكن لو كان أحد يعرف الغيب لتغير القرار بلا شك.
يدخل بنا أبوغزالة إلى ما يريد أنه يقوله بشأن الثغرة، يقول: طبعًا كانت هناك أخطاء لا ننكرها، هذه الأخطاء أهمها فى رأيى خطأن أساسيان، والباقى أخطاء يمكن أن تحدث فى كل جيوش العالم، بمعنى أنه فى كل الجيوش يجوز مثلًا أن قائد سرية أو سرية لم تقاوم كما يجب، هذه لا تعتبر أخطاء وإنما ظروف، ولكن الخطأين الرئيسيين فى رأيى هما:
أولًا المعلومات عن تحركات القوات الإسرائيلية التى كانت بالثغرة، المفروض أن تصل المعلومات إلى جميع المستويات فى المنطقة التى يقع فيها الحدث بأسرع ما يمكن، وفى الوقت المناسب وبدقة، ولكن فى رأيى أن وصول المعلومات لنا فى الجيشين الثانى والثالث لم يكن بالكفاءة اللازمة، وكان هذا أحد أسباب نجاح عملية الثغرة.
فى المقابل على الجانب الإسرائيلى كانت لديهم طائرة استطلاع وعن طريق الأقمار الصناعية كانت تصلهم لحظة بلحظة المعلومات الدقيقة فى الوقت المناسب، إذن نحن أمام طرفين متناقضين، طرف فقير فى معدات معلوماته، ليست لديه وسائل استطلاع عالية بعيدة عن مرمى أو رقابة الدفاع الجوى الإسرائيلى أو الطيران الإسرائيلى، فى الوقت الذى كانت لدى الطرف الآخر أحدث وسائل الاستطلاع.
أما الخطأ الثانى فهو أنه بعد حدوث الثغرة كانت الجيوش الميدانية قد استدعت احتياجاتها الموجودة فى القيادة العامة للتخفيف عن الضغط الذى كانت تواجهه سوريا، وكان يمكن تلافى ذلك، فقد كان من الممكن الاحتفاظ بهذه القوات المدرعة غرب القناة، ولم تكن لتحدث الثغرة إطلاقًا، لأن نجاح هذه الثغرة كان يقتضى أولًا نزول القوات الإسرائيلية فى مكان على الشاطئ الغربى الذى لا وجود للقوات المصرية فيه، وهذا ما كشفته لهم طائرات وأقمار الاستطلاع بخلو المنطقة التى نزلوا فيها من أى مقاومة مصرية، والوثائق الإسرائيلية التى نشرت تقول إنهم تلقوا معلومات بأن المنطقة التى اختاروها بعمق ٤٠ كيلومترًا كانت خالية من القوات المصرية.
وعلى عكس كثير من الروايات السياسية التى تناولت موضوع الثغرة، يحدثنا أبوغزالة عما جرى، يقول: مع هذا أمكن للقوات المسلحة وهذا إحقاقًا للحق وللقيادة العامة أن تتلافى بعد ذلك ما حدث خلال الـ٤٨ ساعة التى مضت على بداية محاصرة الثغرة، ولكن، وهذا أيضًا ربما كان من أخطائنا، أننا احترمنا قرار وقف إطلاق النار يوم ٢٢ أكتوبر، وتصورنا أن الآخرين سيحترمونه، الثغرة كانت فى ذلك الوقت صغيرة، ولم تكن وصلت لمؤخرة الفرقة السابعة والفرقة ١٩ ولكنهم بكل أسف استغلوا قرار وقف إطلاق النار فى توسعة الثغرة بسرعة شديدة.
قتلة السادات كانوا يريدون اغتيال كل من معه فى المنصة
من بين المشاهد التى لا يمكن للمصريين نسيانها، هو المشهد الأخير فى حياة الرئيس السادات، عندما كان يميل على وزير دفاعه فى منصة العرض العسكرى، يتحدثان سويًا باهتمام شديد، كان المشير أبوغزالة وحده من يعرف ما الذى جرى.
يقول: كان آخر مشهد قبل الضرب، ضرب القنابل وطلقات الرصاص، فى هذه اللحظات لم يكن معروفًا لنا جهة الضرب ولا من خلفها أو حجم أو نوع العملية التى جرت، ولذلك أتذكر أن كل تفكيرى تركز وبسرعة تلقائية فى محاولة استيعاب الألغاز العديدة التى ظهرت فجأة، خصوصًا مع السرعة الغريبة التى جرى بها الحادث، وانقلب معها مسرح المنصة من كراسى متراصة منتظمة إلى فلول مبعثرة ممزقة، ولذلك فإننى أذكر جيدًا أننى بعد أن وقفت لم أفكر فى أى إصابة لحقت بى، وإنما كان كل تفكيرى فى كيفية السيطرة على القوات المسلحة.
أثناء عرض الطائرات كانت كل الأنظار مركزة عليها.
يقول أبوغزالة: أذكر أن آخر حديث جرى مع الرئيس السادات كان قبل الحادث بلحظات، وكان يدور حول ما كان يفكر فيه بالنسبة ليوم ٢٥ أبريل، وكان تفكيره أن يقيم احتفالًا ضخمًا جدًا بمناسبة استعادة سيناء فى هذا اليوم طبقًا لمعاهدة السلام، وأذكر أنه طلب منى أن أجهز له كشوفًا بأسماء كل الذين يجب أن نكافئهم فى هذه المناسبة.
الشىء الذى لاحظه أبوغزالة أن الرئيس السادات كان فعلًا فى قمة سعادته، يقول: وكان أحد أسباب هذه السعادة فرحته بالعرض العسكرى، فهذا العرض كان قد جرى فى إطار دراسة راعينا فيها عدم المبالغة، وفى الوقت نفسه عرض النوعيات الجديدة من التسليح ومستوى التدريب الراقى للمعدات الغربية التى انضمت إلى القوات المصرية قبل العرض بأسابيع قليلة مثل الدبابات إم ٦٠ والطائرات الشينوك، والذى لا يعرفه الكثيرون أن آخر مجموعة دبابات تسلمناها وصلت قبل العرض بثلاثة أسابيع فقط، وكانت عملية إشراكها فى العرض، وما يحتاج ذلك من تجهيز أطقم قيادة لها، يعتبر عملًا خارقًا يستطيع العسكريون فى كل العالم أن يعطوه حقه من التقدير.
كنت مركز تجاه ضرب النار وكل اللى أعرفه إنى رميت نفسى فوقه وبعدما سكت الضرب جم شدوه
من تحتى
يضعنا أبوغزالة فى قلب حادث اغتيال السادات، يقول: عندما نزل الضابط من العربة، أنا تذكرت الآن أنه كان من غير غطاء فوق رأسه، يعنى من غير الخوذة، فجأة لقيت فى إيده حاجة رماها، يمكن فى هذه اللحظة بدأت أدرك إن فيه حاجة غير عادية بتحصل، ولما سمعت صوت انفجار فوق رءوسنا أصبح مؤكدًا لى أنها محاولة اغتيال، الطلقات على طول بدأت فى ذلك الوقت، وكانت سرعة غريبة فعلًا، أكيد كان فيه صراخ ولكن الذى أذكره أنه جذب انتباهى واحد بيقول: الريس.. الريس، معرفش مين اللى كان بيقول كده، لكن الذى أذكره أننى بطريقة تلقائية عندما سمعت كلمة الريس لقيتنى بأرمى نفسى فوق الريس، ما أقدرش أقول هو عمل إيه، لأن قبل كده أنا كنت مركز تجاه ضرب النار، وكل اللى أعرفه إنى رميت نفسى فوقه، وبعدما سكت الضرب جم شدوه من تحتى وبدأت أنا أقوم، واتجه تفكيرى فورًا إلى كيفية السيطرة على القوات المسلحة من موقع مسئوليتى.
هل الذى يصوب على الرئيس وحده يلقى عليه قنبلة يدوية؟ ثم إنها لم تكن قنبلة واحدة بل أربع قنابل
ويصحح أبوغزالة بعض ما يتردد ربما حتى الآن عن حادث اغتيال الرئيس السادات، يقول: لقد سمعت من البعض أن القتلة كانوا يصوبون نحو الرئيس وحده، ولهذا السبب نجوت أنا وآخرون، وهو ما ليس صحيحًا بالمرة، فهل الذى يصوب على الرئيس وحده يلقى عليه قنبلة يدوية؟ ثم إنها لم تكن قنبلة واحدة، بل أربع قنابل، فكل واحدة من الأربعة المشتركين فى العملية كانت معه قنبلة قام بإلقائها، ولو انفجرت جميع هذه القنابل، كما كان مقدرًا لها، لنسفت المنصة كلها بالتأكيد.
هناك قنبلة سقطت على الكرسى الخاص بى لكن كان الفتيل منزوعًا إلى نصفه فقط لحسن الحظ
ويرسم أبوغزالة خريطة لما جرى، يقول: القنبلة الأولى ألقاها خالد الإسلامبولى، وخالد كان بنيان جسمه وعضلاته قوية، ولذلك ألقى القنبلة بقوة، لدرجة أنها ارتفعت إلى أعلى وانفجرت وهى مرتفعة ولم تؤثر على أحد، لأن شظاياها عندما سقطت من موضع انفجارها العالى ووصلت إلى الجالسين فى المنصة كانت قد فقدت تأثيرها القاتل، فقوة خالد لحسن الحظ هى التى أنقذت المنصة من انفجار قنبلته داخلها، وبعكس خالد الإسلامبولى الذى كان بنيان جسمه قويًا كان حسين طايل، حسين كان جسمه ضعيفًا وعندما ألقى قنبلته فإنها سقطت بسبب ضعفه أمام المنصة وارتطمت بحاجزها، وهذا الحاجز أنقذ الذين كانوا خلفه من تأثيرها، القنبلتان الأخريان لم تنفجرا، ومنهما قنبلة ارتطمت بوجه الفريق عبدرب النبى، رئيس الأركان، وتم إجراء ٨ غرز له فى وجهه وآثارها ما زالت ظاهرة، وهناك قنبلة مثبوت فى حيثيات الحكم الذى أصدرته المحكمة العسكرية عثورهم عليها، على نفس الكرسى الذى كنت أجلس عليه، ولكن لحسن الحظ كان فتيل هذه القنبلة منزوعًا إلى نصفه فقط لأن الذى ألقاها بلغت به سرعته إلى حد أنه لم يستطع جذب كل الفتيل.
ويؤكد أبوغزالة: هذه القنابل كان هدفها حصد أرواح الذين على المنصة، ومع ذلك مات من مات وعاش من عاش، من الذى اختار لهذا أن يموت ولهذا أن يعيش، ربنا وحده الذى أراد، أما إذا كان عليهم فأنا أؤكد أنه بالقنابل الأربع والرشاشات المارل جوستاف التى كانت معهم وكل رشاش به خزينة محشوة بـ٢٠ طلقة، فإنهم كانوا واثقين أنهم سينسفون ويقتلون كل من على المنصة، ولكن كانت هناك الإرادة التى أهم وأكبر من إرادتهم ومن مفاجأتهم ومن كل الإرادات.
ويتذكر أبوغزالة ما جرى بعد ذلك، يقول: كان هناك بعض القادة فى أرض العرض أعطيت لكل منهم أمرًا أن يعودوا فورًا إلى مركز القيادة، ويبلغونى بالتفاصيل، وبعد ذلك ركبت مع الفريق محمد على، قائد القوات البحرية، عربته وكانت خلف المنصة، وطلبت منه بسرعة أن نذهب إلى غرفة العمليات لدرجة أنى لم أنتبه أنى كنت لحظتها دون كاب، لأن الكاب كان قد وقع من فوق رأسى، ولما وصلت مبنى القيادة طلبت من الفريق محمد على أن يذهب فورًا إلى الاسكندرية ليسيطر على القوات البحرية.
وصل أبوغزالة إلى مركز القيادة، يحدثنا عما جرى: أعطيت تعليمات إلى قوات الدفاع الجوى وإلى القوات البحرية أن ترفع استعدادها خوفًا من أن تكون العملية أكبر من مجرد عملية اغتيال محدودة أو يكون خلفها أى قوة أجنبية، ولهذا كان من أهداف تعليماتى تأمين الحدود المصرية شرقًا وغربًا وفى كل اتجاه، وإعطاء أوامرى بإغلاق الأجواء المصرية وأن تكون القوات الجوية مستعدة للتعامل مع أى طائرة أجنبية تقتحم سماءنا.
أُصيب أبوغزالة فى حادث المنصة، لكنه لم يلتفت إلى ما جرى، يقول: أنا كنت أصبت فعلًا والدكتور حضر إلى مكتبى، وأنا أصدر تعليماتى العديدة إلى القيادات المختلفة وأتلقى منها بالتليفون واللاسلكى إشارات وتقارير عن أوضاعها، وفى خلال كل ذلك خلعت بدلة الاحتفال لكى يتمكن الدكتور من فحص إصاباتى، وارتديت بدلة أخرى ولكن دون أن أتوقف عن اتصالاتى التى كنت أجريها، وربما كان السبب فى ذلك ثقتى أن إصاباتى لم تكن خطيرة، والحمد لله فإنها لم تكن كذلك، فأنا أُصبت فى ذراعى، وفى أذنى، وعندى شظية ما زالت تحت عينى، وبعض الشطايا الأخرى الخفيفة، ولكن بالنسبة للكاب فقد أحضروه لى فيما بعد وهو معروف لأن اسمى كان مكتوبًا بداخله وتبين أن هناك طلقة اخترقته من فوق رأسى مباشرة.
لم يعرف أبوغزالة بوفاة الرئيس السادات إلا متأخرًا، لأن اهتمامه كان مركزًا على القوات المسلحة وعلى تأمين الأماكن الحيوية فى القاهرة، ولهذا كان هناك اتصال مستمر بينه وبين وزير الداخلية لكى يرتب معه إذا كان يريد مساعدة الشرطة العسكرية فى السيطرة على الأوضاع.
فى هذه اللحظات تذكر أبوغزالة المرة الأولى التى التقى فيها الرئيس السادات، يقول: التقيت الرئيس السادات أول مرة فى عام ١٩٥١ وكنت يومها ضابطًا برتبة الملازم أول فى الألاى الثالث بالعريش، وفى هذه السنة ألغى النحاس باشا، رئيس الوزراء، معاهدة ١٩٣٦ التى كان هو نفسه قد وقعها مع الإنجليز، وقد حدث على أثر هذا أن استولت القوات الإنجليزية التى كانت موجودة فى معسكرات كبيرة جدًا لها فى القناة فى ذلك الوقت على كوبرى «الفردان»، وقبضت على فصيلة من الجيش المصرى، كانت تحرس هذا الكوبرى، وقد انفعلنا غضبًا ليس لأن هذا الكوبرى هو الجسر الوحيد الذى يربط بين مواقع وجودنا داخل سيناء وبين مصر، ولكن انفعالنا كان للطريقة التى تم بها القبض على فصيلة حراسة الكوبرى المصرية.
يضيف أبوغزالة: كان تفكيرنا مركزًا على ضرورة أن نتحرك ونهاجم الإنجليز الذين استولوا على الكوبرى رغم أن عددنا لم يكن يزيد على ١٤ ملازمًا، كانوا موجودين فى الألاى الذى كنت فيه فى العريش، وقد أثارت غضبتنا اهتمام قيادات القطاع والضباط الذين كانوا موجودين فى المنطقة، وفى هذه الأيام التقيت لأول مرة أنور السادات الذى كان ضابطًا فى سلاح الإشارة فى منطقة العريش، وفى ذلك الوقت جاء مجذوبًا بالحس والشعور الوطنى الذى عبرنا عنه برغبتنا فى مهاجمة الإنجليز، وكان اهتمامه ملحوظًا باتجاهاتنا وأفكارنا.
ويلخص أبوغزالة شهادته على حرب أكتوبر بقوله: فى رأيى أن مجرد الهجوم واقتحام القناة وخط بارليف كان أهم منجزات حرب أكتوبر التى هى أعظم إنجازات الرئيس السادات، لأن العقدة التى كانت موجودة فى مصر وفى القوات المسلحة بعد ما حدث فى حرب العام ٦٧ أنه لا حل ولا أمل ولا رجاء، وأن نكسة ٦٧ أنهت علينا ووضعتنا فى الحضيض، فكان أهم ما فى حرب أكتوبر هو عبور الخوف وعبور الهزيمة، وهذا فى رأيى إنجاز كبير جدًا، بصرف النظر عن أهمية النتائج الأخرى لهذه الحرب.