بين الخطف والتزييف…
اتحاد كُتّاب مصر.. نداء أخير لإنقاذ شرعية الكلمة

فى سابقة مفجعة لم يشهدها تاريخ الحياة الثقافية المصرية، يجد اتحاد كتاب مصر، هذا الكيان العريق الذى شكّل لعقود وجدان الوطن وأسهم فى صياغة وعى الأمة، نفسه رهينة إدارة تُصرّ على احتكار المشهد النقابى، واغتصاب شرعيته بقوة المماطلة، والتلاعب بالقانون، والتزييف الفج للإرادة الجمعية.
لقد تخطت الأزمة حدود التجاوزات الإدارية، لتتحوّل إلى كارثة تهدد مشروعية النقابة، وتستدعى تدخلاً عاجلًا من الدولة، وعلى رأسها وزارة الثقافة، لإنقاذ ما تبقّى من جسد يحتضر، وروح تختنق تحت وطأة عبث لم يعد يُحتمل.
قصة مجلس فاقد الأهلية
استمر المجلس الحالى، برئاسة المدعو علاء عبدالهادى، فى موقعه بعد انتهاء ولايته القانونية منذ أكثر من عامين، معطّلًا إجراء الانتخابات دون مسوّغ قانونى أو لائحى. وهو الأمر الذى حرم الجمعية العمومية من حقها الدستورى والقانونى فى اختيار ممثليها، وفتح الباب أمام تجاوزات كارثية، بمثابة محطات للعبث من تعطيل الانتخابات إلى إلغاء القانون، نسرد وقائعها بالترتيب لتوضيح جميع الحقائق لمن يهمه الأمر لإنقاذ ما تبقى من سمعة الاتحاد ومكانته.
١- منذ انتخابات مارس ٢٠١٨، لم يتم إجراء انتخابات شاملة على جميع مقاعد مجلس النقابة البالغ عددها ٣٠ مقعدًا، كما ينص قانون الاتحاد فى المادة ٣٥.
وفقًا لهذه المادة، يجب إجراء انتخابات تجديد نصفى لإسقاط عضوية نصف الأعضاء فى نهاية العامين الأولين من الدورة، بينما لم يتم الالتزام بذلك منذ مارس ٢٠١٨ وحتى الآن.
٢- تأجيل انتخابات مارس ٢٠٢٠ بحجة كورونا:
عند حلول موعد التجديد النصفى فى مارس ٢٠٢٠، استغل المجلس جائحة كورونا لتأجيل الانتخابات، رغم صدور القرار الوزارى فى يونيو ٢٠٢٠ بعودة الحياة إلى طبيعتها مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية.
فى نفس الفترة، أجرت معظم النقابات المهنية الأخرى انتخاباتها، بما فى ذلك النقابات الفرعية للمحامين، وكذلك الانتخابات البرلمانية نهاية عام ٢٠٢٠.
رغم ذلك، استمر المجلس فى مماطلته، متذرعًا بدعوى قضائية رفعها أحد الأعضاء لتأجيل الانتخابات خوفًا من انتشار الفيروس، مدعيًا أن عدد أعضاء الجمعية العمومية بلغ ٦٫٠٠٠ عضو، بينما العدد الفعلى لا يتجاوز ٤٫٠٠٠ عضو، ومنهم ٥٠٠ عضو فقط يحضرون للتصويت فى العادة.
٣- إجراء الانتخابات بعد صدور حكم قضائى:
بعد مماطلة استمرت ٢٠ شهرًا، أُجبر المجلس على إجراء الانتخابات فى ٣١ ديسمبر ٢٠٢١، بعد صدور حكم قضائى ملزم فى القضية رقم ٣٦٨٥١ لسنة ٧٤ قضائية، الصادر فى سبتمبر ٢٠٢١.
وقد أجراها مضطرًا فى آخر يوم من ديسمبر عام ٢٠٢١ بعد إقامة جنحة عدم تنفيذ الحكم وخوفًا من العزل والحبس كما ينص قانون العقوبات، وأقيمت يوم رأس السنة وسط إقبال هزيل لا يعكس الإرادة الحقيقية للجمعية العمومية، حصل وقتها رئيس المجلس على ٢٠٠ صوت فقط.
٤- تحايل فى انتخابات مارس ٢٠٢٢:
بدلاً من إجراء انتخابات عامة على جميع مقاعد المجلس الثلاثين كما ينص القانون، اكتفى المجلس بإجراء تجديد نصفى آخر، فى مخالفة صريحة لقانون النقابة ولائحتها الداخلية، ما سمح لرئيس المجلس بالبقاء فى منصبه.
٥- إلغاء انتخابات ٢٠٢٤:
مع حلول موعد الانتخابات العامة على جميع مقاعد المجلس والنقابات الفرعية فى مارس ٢٠٢٤، ألغى المجلس إجراءها دون أى سند قانونى أو مبرر، ما يعيد المشهد نفسه فى تعطيل الاستحقاقات الدستورية والقانونية، فى تكرار لنفس النهج الممنهج فى تعطيل الديمقراطية، ما يؤكد استئصال المواد ٣٢ و٣٣ و٣٤ الخاصة بالانتخابات من قاموس الاتحاد، أو أى مادة تشير إلى كلمة «انتخابات» سواء للنقابة العامة أو النقابات الفرعية، التى أصابتها «شوطة» ما أصاب النقابة الأم بعد إلغاء انتخابات التجديد النصفى بها فى مطلع العام المنصرم.
عبث مالى ونقابى غير مسبوق
وسط غياب الشفافية، يتم تمرير الميزانيات دون نقاش، وتُوزع فى الجمعية العمومية دقائق قبل انعقادها فى صفحتين، مرفقة بكتيب فاخر يحمل «إنجازات المجلس»! دون إرسال الميزانيات مسبقًا لأعضاء الجمعية العمومية، كما ينص القانون، كما لا يتم إرسال خطابات دعوة للجمعية العمومية بشكل رسمى للأغلبية، فى محاولة لعزل الأعضاء وإخماد أصواتهم.
وما يُثير الريبة، هو صرف ملايين الجنيهات على أنشطة وفعاليات لو سألت أغلب الأعضاء لقالوا لم نسمع بها أو نعرف عنها شيئًا، منها مؤتمرات اليوم الواحد، التى تُقام فقط لتبرير المصاريف، وتُصرف لها مبالغ تصل إلى عشرة آلاف جنيه دون أى عائد ثقافى فعلى.

من يحاسب؟ ومن يسأل؟
أين صُرفت وديعة العشرين مليون جنيه التى قيل إنه تم فكها؟ لماذا لم تُرسل تقارير صندوق العلاج والمعاشات؟ وكيف يُبرر رفع الاشتراك السنوى إلى ٤٠٠ جنيه، دون مقابل ملموس للأعضاء؟
نحمل المسئولية الكاملة للمجلس القائم عن هذا الانحدار الخطير.
مناشدة عاجلة
إن هذه التجاوزات الخطيرة تمثل انتهاكًا واضحًا للقانون واللائحة الداخلية، وتعد سابقة تهدد مستقبل النقابة، التى تعد من أعرق الكيانات الأدبية والثقافية فى مصر والشرق الأوسط.
كما نحمّل وزارة الثقافة المسئولية الكاملة عن صمتها تجاه هذا العبث المستمر، ونطالبها بالتحرك العاجل لحماية المؤسسات الثقافية من الاستغلال والتجاوزات الممنهجة. ونحثها على أن تحذو حذو اتحاد الأدباء والكتّاب العرب، الذى أصدر فى مايو الماضى بيانًا حاسمًا أعلن فيه عن خلو منصب الأمين العام ونوابه وزوال صفتهم القانونية، إثر مخالفات جسيمة تم رصدها وتوثيقها. وقد قرر المجلس، بإجماع الأغلبية، عزل عبدالهادى من منصبه، واعتبار المنصب شاغرًا رسميًا. كما نطالب الوزارة برفع المعاناة المادية عن كاهل أعضاء الجمعية العمومية، الذين لا يملكون القدرة على تحمّل تكاليف الدعاوى القانونية الباهظة، والتى باتت السبيل الوحيد لردع هذه الانتهاكات، فى ظل غياب تدخل رسمى مسئول.
لذا نطالب الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، بما له من صلاحيات واختصاصات قانونية ودستورية كفلها له النظام العام بالتدخل العاجل وإيقاف هذا العبث واتخاذ الإجراءات اللازمة، والتى تشمل:
١ - حل مجلس الإدارة وتعيين لجنة مؤقتة لإدارة الاتحاد كما ينص القانون، تكون مسئولة عن الدعوة لانتخابات شاملة على جميع مقاعد المجلس والنقابات الفرعية فورًا.
٢ - محاسبة المسئولين عن تعطيل الانتخابات والتلاعب بالقوانين وتجاهل أحكام القضاء، والتلاعب بالجمعيات العمومية.
ختامًا:
لن نصمت بعد اليوم. لا يجوز أن يُدار اتحاد كُتّاب مصر كملكية خاصة، ولا أن يُختطف صوت الثقافة والمثقف تحت عباءة التبرير والتزييف والتخويف. نحن نرفض أن نكون شهود زور على انهيار كياننا، ونرفض تحويل الاتحاد إلى مشهد عبثى تتحكم فيه مجموعة من المنتفعين، تبيع الوهم وتشترى الصمت.