الـوريثـات.. لماذا لا تتولى امرأة مشيخة طريقة صوفية؟

- قانون الصوفية يمنع تولى حواء المشيخة لأنها «لا تستطيع أداء مهام الرجال»
- الشيخ عبدالخالق الشبراوى: فكرة تسهم فى «القضاء على التصوف الإسلامى»
- المرأة أصبحت قاضية ووزيرة وواعظة.. فلماذا لا تكون شيخة طريقة؟
- تاريخنا زاهر بالعابدات الزاهدات.. ونطالب بتعديل القانون لتنفيذ المقترح
- لا مانع شرعًا ولا عقلًا ولا منطقًا من تصدر المرأة للمشيخة
أزمة جديدة ظهرت فى الوسط الصوفى، خلال الفترة الأخيرة، بعد رفض المجلس الأعلى للطرق الصوفية تولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية، رغم أن هناك بعض الطرق توقفت وتعرضت لـ«التجميد» بسبب عدم وجود ابن ذكر لشيخ الطريقة بعد وفاته، واقتصار نسله على الإناث.
هذا الرفض نابع من قانون الطرق الصوفية، الذى يمنع تولى المرأة مشيخة الطريقة، رغم تعرض بعض الطرق للتوقف بسبب عدم وجود وريث ذكر للشيخ الراحل، كما سبق أن ذكرنا، ورغم السماح للمرأة بتولى قيادة مشيخة الطريقة الصوفية فى بعض البلدان العربية والإسلامية المجاورة.
دفع ذلك بعض شيوخ الطرق والمتخصصين فى المجال الصوفى لطرح فكرة تولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية، مؤكدين أن الولاية لا تُحجب عن حواء، ومستدلين بأمثلة كثيرة فى العالم الإسلامى لسيدات عابدات وزاهدات ومتصوفات، من أبرزهن السيدة نفيسة رضى الله عنها، التى كانت تعلم وتربى الإمام الشافعى رضى الله عنه، وكذلك السيدة رابعة العدوية، والسيدة نور الصباح، والشيخة زكية عبدالمطلب، وغيرهن من النساء اللاتى اشتهرن بالتربية والسلوك القويم فى أمور التصوف والدين الإسلامى.
فى السطور التالية، «حرف» تسأل قيادات صوفية، وعلماء فى الأزهر والأوقاف، وباحثين فى الشأن الصوفى: لماذا لا تتولى امرأة مشيخة طريقة صوفية؟

معارضون
«الأعلى للطرق الصوفية»: «فكر علمانى» لن نسمح به.. ونحذر «المخالفين»
أكد الدكتور علاء الدين ماضى أبوالعزائم، شيخ الطريقة العزمية عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، أن القانون الذى يحكم الطرق الصوفية يمنع تمامًا تولى المرأة مشيخة الطريقة، وذلك لاعتبارات عديدة، منها أن المرأة «لا تستطيع تنفيذ كل المهام التى ينفذها الرجل».
وأضاف «أبوالعزائم»: «شيخ الطريقة الصوفية يسافر طوال الوقت، ويتجول هنا وهناك للقاء المريدين وتوجيههم إلى الطريق الصحيح، وهذا أمر صعب على النساء. كما أن شيخ الطريقة الصوفية يؤدى مهام الدعوة الإسلامية، فيمكنه أن يصلى بالناس، بينما لا يجوز للمراة أن تصلى بالرجال».
وواصل شيخ الطريقة العزمية: «من يطالبون بتولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية يريدون إدخال الفكر العلمانى للطرق الصوفية، وهذا لن نسمح به أبدًا وتجب مواجهته، لأنه فكر جديد علينا، وإذا كانت هناك طرق صوفية خارج مصر تقودها نساء فهذه حالات خاصة وفردية ليس لنا علاقة بها».
اتفق محمد عبدالخالق الشبراوى، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية شيخ الطريقة الشبراوية الخلوتية، مع ما قاله شيخ الطريقة العزمية، مؤكدًا أن «الأعلى للطرق الصوفية» يرفض تمامًا تولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية، لأن ذلك من شأنه «القضاء على التصوف الإسلامى».
وتساءل «الشبراوى»: «كيف للمرأة أن تختلى بالمريدين وتربيهم وتلقنهم الأوراد الصوفية، هذا غير جائز شرعًا، لا يجوز للمرأة أن تجلس مع الرجال بمفردها، وهو ما يجب أن يعلمه القاصى والدانى».
وأضاف شيخ الطريقة الشبراوية الخلوتية: «لن نسمح أبدًا بهذه الخروقات. الطرق الصوفية فى مصر يترأسها رجال فقط، وغير مسموح أبدًا للنساء بقيادتها. لذا نحن نحذر المخالفين وسنتصدى لهم، لأن التصوف هو منهج رب العالمين».
وواصل: «مقام الولاية الصوفية على قدر مقام النبوة، ولا يوجد أنبياء أو رسل من النساء، فكل الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله عز وجل كانوا رجالًا، لذا لن نغير عقيدتنا وفكرنا ومعتقدنا فى هذه المسألة».
لم يختلف عنهما الدكتور محمود مالك علوان، شيخ الطريقة العلوانية عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، الذى وصف تولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية بأنه أمر مرفوض تمامًا، لأن «المرأة لديها نقص كبير»، وفق قوله، وبالتالى هذا لن يمكنها من أداء المهام التى تتطلبها المشيخة.
وأضاف «علوان»: «يمكن للمراة أن تؤدى دورًا كبيرًا وعظيمًا، إذا ساندت زوجها فى البيت وربت أولادها تربية حسنة. لكن مسألة قيادة ورئاسة الطريقة الصوفية فهذا أمر جديد، ولا أعتقد أنها تستطيع فعله، لأن مشيخة الطريقة الصوفية مسألة روحية، لذا غالبية شيوخ التصوف كانوا من الرجال، أما النساء فقليلات جدًا.

«القادرية البريفكانية»: نحن فى زمن يحتاج لإحياء «مشيخة النساء»
قال مخلف القادرى، شيخ الطريقة القادرية البريفكانية، إن المرأة، من حيث حالها مع الله والدلالة عليه، والترقى فى المقامات، لا فرق بينها وبين الرجل، فالله يجزى المحسن، سواء كان ذكرًا أو أنثى، بل إن بعض النساء قد يسبقن الرجال عملًا وعلمًا وحالًا.
وأضاف «القادرى»: «بناءً على هذا، لا فرق بينهما من حيث النفع والانتفاع، فكلاهما سلك وعرف طريق الله، وتستطيع المرأة تحصيل العلم والمعرفة والسلوك والإرشاد كما هو الرجل. لذلك لا مانع من أن تقوم المرأة بالتربية والسلوك لغيرها وفق القواعد التى اتفق عليها أهل المعرفة».
وواصل: «لو رجعنا إلى تاريخنا لوجدناه حافلًا بمناقب ومواقف النساء، اللاتى كان لهن الدور العظيم فى نهوض الأمة، خاصة فى الجهاد والهجرة، والعلم والدعوة، وعلى رأسهن أمهات المؤمنين عليهن السلام، اللاتى كُنَّ مرجعية علمية للصحابة والتابعين فى الكثير من الأحكام والسنن».
واستدل على ذلك بالسيدة زينب بنت الإمام على، التى كانت مستشارة لأبيها وإخوتها، ومرجعية علمية وسلوكية ومعرفية لإخوتها وأبنائها وأبناء إخوتها وغيرهم، إلى جانب السيدة نفيسة، التى كان يراجعها الشافعى وغيره من العلماء، وبالتالى لا عبرة بإنكار تصدر المرأة للعلم والدعوة والإرشاد إلا فيما ورد النهى عنه.
وأرجع ورود النهى عن تصدر المرأة للتربية والإرشاد من بعض مشايخ الصوفية إلى احتجاجهم بحديث النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا أَرْبَعٌ»، وحديثه أيضًا «وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذَوِى الْأَلْبَابِ وَذَوِى الرَّأْيِ مِنْكُنَّ».
وأضاف: «منهم من يستدل بأنه لم يثبت فى تاريخ الأمة من تصدرت للمشيخة من النساء، وآخرون يحتجون على ذلك بعلة الاختلاط بالرجال، وصعوبة الإشراف على تربيتهم، وهذه مسألة صعبة وربما تكون شبه مستحيلة، وفريق ثالث يحتج بأن المرأة ليست ولية نفسها، وولايتها لزوجها أو لأبيها، وهذا يعوقها عن ممارسة الإرشاد. بينما نبه فريق رابع إلى صعوبة السفر والتنقل والترحال، وعقد المجالس ودخول الخلوات والرياضات، ومتابعة أحوال السالكين وتلبية حاجاتهم عند اللزوم».
ورد «القادرى» على كل هذه الحجج، قائلًا: «أما احتجاجهم بحديث: (كمل من الرجال كثير)، فهو استدلال باطل فى غير محله، وليس فيه دلالة على عدم صحة مشيخة النساء، والدليل على ذلك أن كثيرًا ممن تصدروا للمشيخة من الرجال لم يبلغوا رتبة الكمال، وليس من شروط الشيخ المربى ذلك، واتفق القوم على جواز السلوك على شيخ غير كامل».
وأضاف: «فى احتجاجهم بحديث (ناقصات عقل ودين)، أقول لا يحتج به إلا ناقص علم وجاهل، وهذا الحديث واضح الدلالة والمعنى عند العلماء، ولا علاقة له بأمر المشيخة. أما احتجاجهم بعدم ثبوت تصدر النساء للمشيخة عند الصوفية فهو مبنى على قلة إطلاع فى سير القوم، فقد أفرد السلمى فى طبقات الصوفية جزءًا بعنوان: (ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات)، وأورد فيه من القصص والأخبار ما يخالف هذه الدعوى الباطلة، وذكر منهن رابعة العدوية، وأم على زوجة أحمد بن خضرويه، والسيدة عائشة بنت محمد البل البغدادى، والسيدة فاطمة بنت المثنى القرطبى. وفيما يتعلق بعلة الاختلاط وصعوبة مباشرة الإرشاد، يكون بالالتزام بضوابط مشيخة المرأة».
وواصل: «لا مانع شرعًا ولا عقلًا ولا منطقًا من تصدر المرأة للمشيخة، والواقع والتاريخ يؤيدان هذا، ويجب أن نعلم أننا فى زمن نحتاج به لإحياء مشيخة النساء، وأن نسعى بكل جهدنا لتأهيل بعض النساء للمشيخة والإرشاد، لسببين: أولًا: سهولة تعامل النساء مع المشيخة وتلقى الإرشاد والسلوك، ولا يكون هناك أى حرج فى التلاقى والمجالسة والسماع والمصاحبة فى كل الأحوال، وهذا يكون أنفع للسالكة، لأن كمال الصحبة متعذر بصحبة الشيخ الرجل، وممكن بصحبة المرأة. ثانيًا: تجنب فتنة النساء والرجال، ونحن فى زمن صعب جدًا والفتن كثيرة جدًا، وفتنة النساء خطر كبير ولا تقل عنها فتنة الرجال، فكم عانينا من هذا الأمر بين الكثير من المتصوفة، فلذلك لا بد من إحياء هذا الأمر وإخراج نساء يشرفن على السالكات».
وحدد الشيخ مخلف القادرى عدة ضوابط وشروط لجواز تصدر المرأة للمشيخة والإرشاد، من بينها أن تتوافر فيها أهم صفات المشيخة والإرشاد التى اتفق عليها العلماء، وأن تكون مجازة من شيخها بالإرشاد، ويشهد لها بالأهلية لذلك، وأن تكون ثقة محمودة السمعة بين الناس، وهذا شرط مهم جدًا، لكى تأمن النساء الجلوس معها وعندها وبين يديها، إلى جانب موافقة زوجها ووليها على ذلك، فحق الزوج مقدم على حق الطريق فى الشرع، وطاعته واجبة، وكذلك موافقة وليها إن كانت غير متزوجة أو مطلقة أو أرملة.
وأضاف: «يُفضَل أن ترشد وتربى النساء دون الرجال، خاصة فى هذا الزمان، فأخذ المرأة وتلقيها عن امرأة مثلها أتقى وأنقى، فإن وجدت امرأة مؤهلة للصحبة فلا تجوز صحبة رجل، ولا يمنع من أخذ بعض الرجال عنها، على أن تُراعى الضوابط والشروط الشرعية».

«العونية القبيسة»: السيدة نفيسة كانت تربى وتعلم الإمام الشافعى
قال الشيخ عونى القبيسى، شيخ الطريقة العونية القبيسة، إنه يؤيد وبشدة تولى المرأة مشيخة طريقة صوفية، لأن دور شيوخ الطرق الصوفية فى مصر إدارى وليس دعويًا، أى أنه يدير الطريقة الصوفية فقط، بينما يعاونه فى مهام الدعوة والإرشاد دعاة ووعاظ وعلماء، وبالتالى لا يحتك بالمريدين بشكل دائم.
وطالب «القبيسى» بتعديل قانون الطرق الصوفية حتى يتم تمكين المرأة من تولى مشيخة طريقة صوفية، مشيرًا إلى أن التاريخ الإسلامى يشهد على نساء عابدات وزاهدات أمثال السيدة رابعة العدوية، إلى جانب السيدة نفيسة رضوان الله عليها كانت تربى وتعلم الإمام الشافعى.د
وأضاف شيخ الطريقة العونية القبيسة: «المرأة أصبحت قاضية ووزيرة وواعظة فلماذا لا تكون شيخة للطريقة الصوفية؟ هناك كثير من النساء يصبن بالحرج من التعامل مع الرجال فى مسألة التربية الصوفية والروحية، وهنا يكون دور المرأة جيدًا وممتازًا فى التعامل مع النساء الأخريات اللاتى يدخلن الطريق الصوفى، ويحتجن إلى من يربيهم روحيًا ويأخذ بأيديهن».

مؤيدون
أزهريون: شيخ الطريقة «إمام للمسلمين».. والمرأة«لا تصلح للإمامة»
أبدى دعاة أزهريون رفضهم تولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية، لأن ذلك يعرضها إلى «الاختلاط بالرجال»، وهذا «يرفضه الدين الإسلامى»، فضلًا عما تتطلبه المشيخة من «مهام صعبة لا تقدر عليها النساء».
وقال الدكتور أيمن أبوالخير، من علماء الأزهر الشريف، إن تولى المرأة مشيخة طريقة صوفية أمر جديد علينا فى مصر، ونحن نرفضه تمامًا، لأن تولى المرأة مشيخة طريقة ما يعنى أنها ستتعامل مع الرجال، وفى ذلك «اختلاط ممنوع».
وأضاف «أبوالخير»: «شيخ الطريقة الصوفية منصب دينى كبير، وهو بمثابة إمام للمسلمين، لأنه يربى المريدين ويأخذ بأيديهم إلى طريق رب العالمين، ويدخل الناس فى الإسلام، ويعطيهم البيعة والعهد، وهذا أمر لا تصلح له النساء».
وواصل: «تولى المرأة مشيخة طريقة صوفية فكرة مرفوضة شكلًا وموضوعًا، المرأة مكانها الحقيقى هو بيتها وتربية الأبناء، وأمور المشيخة الصوفية تتطلب الرجال، لأنه فى بعض الأوقات يسافر شيخ الطريقة هنا وهناك لنشر الدعوة الإسلامية فى الداخل والخارج، والمرأة لا تقوى على ذلك. لذا الأزهر الشريف يرفض الأمر تمامًا، لأن مشيخة الطريقة الصوفية لها مهام صعبة لا تستطيع النساء تحملها».
ورأى الدكتور أحمد الطرهونى، من علماء الأزهر الشريف، أنه لا يصلح أن تتولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية فى مصر لأسباب عديدة، أولها أنه فى أوقات كثيرة تكون حائضًا، وهذا يمنعها من مهام الدعوة والإرشاد، بينما الشيخ الصوفى يدعو الناس إلى الدين، ويؤمهم فى الصلاة وغير ذلك من الأمور الشاقة، مضيفًا: «يمكن للمرأة أن تصبح مربية صوفية أو معلمة أو مقدمة، لكن أن تصبح شيخة فهذا صعب جدًا».
فى المقابل، قال الدكتور أكرم سعد الدين، من علماء الأزهر الشريف، إن المجتمع الصوفى زاخر بالكثير من المتصوفات والزاهدات، معتبرًا أن الحديث عن عدم جواز تولى المرأة مشيخة طريقة صوفية «غير صحيح»، خاصة مع ظهور الكثير من المتصوفات فى مصر، مثل الشيخة نور الصباح الأحمدية، والشيخة زكية عبدالمطلب الشاذلية، والشيخة عاتكة النقشبندية.
وأضاف «سعد الدين»: «لا يوجد فارق بين المريدين والمريدات والشيوخ والشيخات فى طريق السادة الصوفية، وربما تكون هناك امرأة صوفية زاهدة أفضل بكثير من بعض الشيوخ، إذا صدقت فى تصوفها وتوجهها وعلاقتها مع الله عزوجل، وهذا ما يجب أن يعرفه القاصى والدانى».
وواصل: «خارج مصر يوجد الكثير من شيخات أهل المدد، ومنهن على سبيل المثال لا الحصر: الشيخة منيرة القبيسى، شيخ الطريقة النقشبندية فى سوريا، والشيخة حيات الفقية، شيخة الطريقة القادرية فى تونس، والشيخة قديرة الرفاعى، شيخة الطريقة الرفاعية فى بلاد الشام، والشيخة مريم الجماسة، شيخ شيوخ الموصل فى العراق، والأخيرة أخذ منها العشرات من كبار شيوخ الموصل التصوف والعلم الإسلامى الشرعى»، معتبرًا أن «معنى ذلك أنه يمكن للمرأة أن تكون شيخة ومربية مؤهلة للتربية الصوفية والروحية، والحديث عن أن ذلك لا يجوز غير صحيح».

باحثون: الرفض نابع من المجتمع ذاته
وصف مصطفى زايد، الباحث فى الشأن الصوفى، قضية تولى المرأة مشيخة طريقة صوفية فى مصر بأنها من المسائل الحساسة التى تتقاطع فيها المرجعية الشرعية مع العرف التاريخى والاجتماعى، مشيرًا إلى أن الخطاب الصوفى الكلاسيكى لم يمنع المرأة من بلوغ مراتب الولاية، بل أقر لها بمقام روحى يوازى مقام الرجل، بينما أحجم التطبيق التاريخى والاجتماعى عن الاعتراف لها بالقيادة المؤسسية للطرق، وهو ما أوجد ثنائية قائمة بين النصوص المؤسسة والواقع العملى.
وأوضح «زايد» أن النصوص الصوفية الكلاسيكية تؤكد أن الولاية لا تُحجب عن المرأة، مستدلًا بقول الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى، فى «الفتوحات المكية» (جـ١، ص٢١٨، دار صادر): «الولاية لله تعالى لا تختص بذكر ولا أنثى. فكما أن الذكر من البشر يمكن أن يكون وليًا فكذلك الأنثى».
وأضاف الباحث الصوفى: «غير أن الواقع الاجتماعى والتاريخى للطرق الصوفية فى مصر اتخذ مسارًا مختلفًا، فقد غلبت البنية الذكورية على مؤسسة المشيخة، ويُعزى ذلك إلى جملة من الأسباب، أولها أن الطرق الصوفية تطورت إلى مؤسسات اجتماعية واسعة النطاق، لها أوقاف وزوايا ومساجد وموالد جماهيرية، وهو ما استدعى أن يقوم الشيخ بأدوار علنية تتصل بالقيادة الدينية والاجتماعية».
ونبه إلى ما قاله الدكتور عبدالرحمن عبدالرحيم، فى كتابه «التصوف فى مصر إبان العصر العثمانى» (ص١٤٥): «الطريقة تحولت إلى مؤسسة اجتماعية تطلب قيادة ذكورية قادرة على إدارة شئونها العامة. هذه الوظائف المؤسسية تضمنت إمامة الصلوات والخطابة العامة والاختلاط بالجموع، وهى أدوار ارتبطت بالذكورة فى الفقه الإسلامى والعرف الاجتماعى».
أما السبب الثانى فهو ما يُعرف فى أدبيات الصوفية بـ«المعيّة والملازمة بين الشيخ والمريد»، وهى شرط أساسى فى التربية الروحية، وفق الباحث الصوفى، مشيرًا إلى أن الشيخ أحمد زروق، فى كتابه «قواعد التصوف»، قال: «من شروط الشيخ القدرة على التربية والملازمة». هذا الشرط، وإن كان نظريًا مفتوحًا، التطبيق العملى يقيده فى إطار ذكورى، بسبب ما يثيره من إشكالات عند تطبيقه بين الجنسين فى مجتمع تقليدى محافظ.
وواصل: «يضاف إلى ذلك النظام الوراثى لمشايخ الطرق فى مصر، فقد غلب على المشيخة أن تنتقل من الأب إلى الابن أو إلى الأخ، وهو ما جعل الوراثة الذكورية مانعًا إضافيًا أمام وصول المرأة إلى المنصب».
وأتم بقوله: «تشير وقائع معاصرة إلى أن بعض النساء تقدمن بالفعل لشغل منصب شيخ الطريقة بعد وفاة آبائهن، إلا أنهن قوبلن بالرفض من أبناء طريقتهن، ومن مشايخ الطرق الأخرى، وكذلك من المجلس الأعلى للطرق الصوفية. ولم يُبنَ الرفض على نصوص دينية صريحة، وإنما استند بالأساس إلى العرف والتقليد الذى استقر عبر القرون. وهو ما يعكس أن العقبة الأساسية أمام تولى المرأة مشيخة الطرق لا تعود إلى نصوص ملزمة بقدر ما تعود إلى التقاليد المترسخة».
وقال الدكتور بدرى المدانى، الباحث فى العلوم الإسلامية، إنه فى عالم التصوّف لا وجود للفرق بين الرجل والمرأة، ولا مصلحة للتفريق بين الذكورة والأنوثة نتيجة تأويلات لمفاهيم دينية استغلت لأغراض أرضية.
وأضاف «المدانى»: «المرأة خاضت تجربة التصوّف والعرفان، ووصلت إلى مقامات عرفانية فكانت العابدة الزاهدة الصالحة العارفة، وسلكت هذا الطريق أُسوة بالرجل، وربما سبقته وامتازت عليه أحيانًا فى بعض فصول التاريخ، وظهرت المرأة المتصوفة فى بداية ظهور الحركات الصوفية، أى منذ القرن الثانى الهجرى. بل يمكن القول: إن المرأة كانت رائدة فى بعض الجماعات الصوفية».
ووواصل: «كما لا يجب أن ننكر الدور الكبير الذى تقوم به المرأة حاليًا فى الزوايا والطرق الصوفية، من دعم أزواجهن فى الانتماء لهذا السبيل، فضلًا عن تربيتهن لأطفالهن وتوجيههن نحو هذه الزوايا والاندماج داخلها تربية وتأدّبا وسيرًا».
وأفاد بأنه من الآثارِ عن السيدة عائشةَ أمِّ المؤمنينَ أنَّها أمَّتِ النِّساءَ فى صلاةِ المغربِ، فقامتْ وسْطهنَّ، وجهرتْ بالقراءةِ، وعليه يمكن أن تكون المرأة مرشدة لبعض النساء مربّية لهن على شاكلة المدرّسة والإمامة لهن فقط، على أن تكون مريدة لشيخ، معتبرًا أن هذا هو الأسلم تلافيًا لكل ما يمكن أن يحدث من ريب وحيرة واستغراب وانتقاد.
فى المقابل، قال الدكتور نورى جاسم، الباحث فى التصوف الإسلامى، إن مقام مشيخة الطريقة فى التصوف هو مقام وراثة نبوية، أى أن من يتصدره فى الحقيقة إنما هو يجلس نيابة عن حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، بوصفه وارثًا لحاله، وناطقًا بحكمته، وقائدًا فى السير إلى الله على منهاجه.
وأضاف «جاسم» أن الله تعالى يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ} [يوسف: ١٠٩]، وهذا نصّ قرآنى صريح فى اختصاص النبوة والرسالة بالرجال، لما فى هذا المقام من خصوصية التكليف والتشريع والقيادة الروحية.
وواصل الباحث المتخصص فى التصوف الإسلامى: «من ثمّ، فإن تعيين شيخ الطريقة العام، الذى يكون مسئولًا عن الرجال والنساء، هو مقام يختص به الرجال، قياسًا على هذا المعنى، وتماشيًا مع الإرادة الربانية فى اختيار الأنبياء والرسل رجالًا دون النساء، وهذا المقام يشبه إمامة الرجال فى الصلاة للرجال والنساء، وعدم جواز إمامة النساء فى الصلاة للرجال، مع الجواز للمرأة بإمامة الصلاة للنساء فقط».

«الإفتاء»:أمر غير محبوب ومستهجن بسبب اختلائها بالمريدين
رأى الشيخ مصطفى زغلول، أمين فتوى بدار الإفتاء المصرية، أن تولى المرأة مشيخة طريقة صوفية أمر جديد لم يحدث من قبل فى مصر، و«غريب على المجتمع»، واصفًا إياه بأنه «غير محبوب».
وقال «زغلول»: «تولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية أمر غير محبوب وغير مُستحسن، لأنه لا يجوز للمرأة أن تختلى بالمريدين»، مقترحًا أن يكون دور المرأة فى الطرق الصوفية مقتصرًا على أن تكون «مرشدة ومربية وداعية للنساء فقط داخل الطريقة».
وأضاف: «يجوز لها أن تكون شيخة على المريدات فقط من النساء، لكن الرجال أمر صعب، ولم يحدث فى مصر من قبل، وليس لنا علاقة بالتصوف خارج مصر، لأن لكل قاعدة شواذًا ولا يجب فتح باب الفتن».
واتفق معه الدكتور أحمد ممدوح، أمين فتوى بدار الإفتاء المصرية، والذى قال: «لم نسمع فى العصر الحالى عن وجود شيخات صوفيات داخل مصر، فجميع شيوخ الطرق الصوفية فى مصر من الرجال، ومطالبة البعض بتولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية أمر غير مقبول؛ لأنه يفتح باب الفتنة. لذلك أنا لا أؤيد أن تتولى المرأة مشيخة الطريقة الصوفية، والتى يجب اقتصارها على الرجال فقط».