هل بخل صلاح دياب على صلاح دياب فى مذكراته؟!
انتهيت منذ عدة أيام من قراءة مذكرات رجل الأعمال والإعلام صلاح دياب، والحقيقة أن تلك المذكرات تحمل بين طياتها تفاصيل كثيرة، وتحتاج لتفاصيل أكثر وأكثر، فصلاح دياب ما لديه أكثر بكثير مما ذكره فى المذكرات، وقد يقول القائل «هناك اعتبارات»، غير أن كتابة المذكرات تحتاج لتجرد تام، خاصة فى مراحل قد يكون الحساب فيها مضى، وأنصح فى تلك المساحة قراءة مذكرات جلال أمين، ورفعت السعيد، ففيهما كثير من الأفكار والسرد المؤتمن، ولأن صلاح دياب يستحق أن يروى قصته بشكل متجرد، خاصة أن لديه الجرأة فى وصف بعض طباعه الشخصية، وكذلك مدحه لبعض الشخصيات، فى حين أنه يبخل كل البخل على صلاح دياب نفسه، فى سرد مشاعره، وشخصيته، وتلقائيته، حيث يصف دائمًا نفسه وفى أكثر من موضع بأنه تلقائى، إلا أنه تغافل عن تلقائيته، أو ربما قصها المراجع لتلك المذكرات بعد الانتهاء منها.

مذكرات صلاح دياب تشعر فيها بحنينه الكبير وحبه المخلص للمصرى اليوم، لكنه يمر فى المذكرات على فكرة استضافة المسئولين الأمريكيين، بأقوال بسيطة، غير مشبعة، فحكاية استضافة المصرى اليوم للسفير الأمريكى، أظن أنى قرأت تفاصيلها فى لقاء تليفزيونى أو مقال له، ولم أرَها فى المذكرات الخاصة به، كما أنه تعرض لفترتى سجنه بقوالب مختلفة، فى حين كانت تجربة الأربعة أيام فيها زخم كبير، إلا أن تجربة الأربعين يومًا لم تتضمن نفس الزخم، وربما كانت الصدمة فى الأولى، لكن المذكرات فى الفترتين، يجب أن يرويهما، ونقلة أخرى إلى فترات الرؤساء الذين مروا على مصر، فلا يحتاج القارئ إلى معرفة توثيق للرؤساء، لكنه يحتاج للحظات المشتركة بين صلاح دياب والرؤساء، وكذلك المرور السريع للغاية حول طبيعة علاقاته مع الشركاء الاقتصاديين سواء داخل مصر أو خارجها، وسفرياته، وقد يقول البعض بأن المذكرات لا تستوعب كل تلك التفاصيل، إلا أنهم مردود عليهم بأن صلاح دياب يحتاج لتجرد فى سرد تلك التفاصيل، حتى تتناقل لأجيال يمكن أن يبنوا عليها، وقد لا يدرك أن تلك المذكرات وغيرها وسائل طبيعية فى الإلهام، ونقل التجارب والخبرات، ويمكنها أن تغير مصائر أشخاص.
ومن حيث الشكل فهذه المذكرات تحمل عنوان «هذا أنا»، غير أنها تتحدث عن «هؤلاء هم»، أى من قابلهم صلاح دياب فى رحلته، ورغم أن كثيرًا من الأوصاف للأشخاص سريعة للغاية، ويمر عليها مرور الكرام، وأولهم ابنه توفيق، الذى خصص له مساحة، لكنها لا تكفى لرصد ما بين الأب وابنه، وكذلك شركاته المشهورة، والتى تدير بعض منها ابنته شهيرة، فالرجل يمر على الحكايات بشكل غريب للغاية، وهناك نقطة أخرى تحتاج منه لإعادة نظر، وهى «حجم الكتاب»، فالكتاب ثقيل للغاية، يجعل حمله مرهقًا للقارئ، وعليه أن يطبع منه نسخًا شعبية، وأقل فى حجم الورق، بالإضافة إلى أن الكتاب يضم بين دفتيه كثيرًا من الرسائل والوثائق، التى تم وضعها فى منتصف الحكى، ومن ثم فالكتاب يحتاج لإعادة تبويب جديد، وتنظيم للحديث، بشكل متدرج، ولا يفصل القارئ عنه، كما أن المذكرات تضم معلومات قيّمة، وبعض الهوامش، إلا أنها تغافلت عن تخصيص مساحة عن ارتباطه بأبوحمص، كما أنه ذكر كامل دياب فى كثير من التفاصيل، إلا أن شخصية كامل دياب فى حياة صلاح تحتاج لفصل كامل، حتى يبين مدى أهميته فى حياته وفى مستقبله، بل وفى مستقبل الزراعة المصرية، وأظن أنه نسى شرح فلسفته فى إدارة التصدير فى مذكراته، وهو جانب كان يعلنه صلاح دياب فى لقاءاته دومًا.
أيضا احتوت المذكرات على كثير من القصص الملهمة للغاية، مثل كبوته وسجنه، ورغم أنه بخل على نفسه، أو قد يكون استشعر الحرج من سرد ما فى السجن من تفاصيل، إلا أن ما يشغلنى حديثه عن الـ٣ أبرياء الذين استطاع بعد خروجه أن يوكل لهم محاميًا، ويخرجوا من السجن، فكيف لشخص برىء أعطته الأقدار أن يكون رفيقه فى السجن صلاح دياب؟ وربما لا يعرفه أو حتى يسمع عنه، فيكون سببًا فى خروجه من السجن، وتلك قصة درامية إنسانية عظيمة، مر عليها صلاح دياب فى سطرين، ومن بين القصص التى تحمل أيضًا تفاصيل كثيرة، المدينة التى أنشأها فى ٦ أكتوبر، فعملية الاتفاق والإنشاء، تحمل تفاصيل كثيرة، إلا أنه- تقريبًا- شعر بالقلق من أمور مؤسسية قد تضرها، فقد مر عليها فى سطور، ولم يركن لعظمة ما فعله فيها، من جوانب تعليمية، وسكن راقٍ ومتميز.
فى علاقة صلاح دياب برجال الدولة ما قبل ٢٠١٠، تآلف حذر، وتقارب فيها مساحات القلق، ويبدو أن ذلك هو النمط الذى اعتمده صلاح دياب فى حياته عمومًا، فلا اقتراب يحرق، ولا ابتعاد يضر، وفى ذلك يحكى القصص العابرة مع مسئولين سابقين وحاليين، ويرغب منهم فى استبصار ما فعلوه، دون أن يترجل عن مساحة القلق، ويذهب لمساحة التجرد والسرد، وهو يمتلك تلك المساحة، بما أهلته شخصيته من حب للإعلام والصحافة، وكنت أظن أن هناك هوامش وقصصًا لنيوتن شريكه فى السرد، لم تنشر فى الصحافة، لكن خاب أملى فى ذكرها بالمذكرات، أو هكذا أظن!!، كما أن صلاح دياب حاول رسم خط للفترة الحالية، وعلاقته بمسئوليها، لكن هذا الخط غاب أيضًا، ولم يتعرض لجوانبه بشكل مطلق، أو حتى بشكل حذر، إلا بسطور قليلة عن مقابلته لمسئولين بعد أزمتى حبسه، وأقدم له التحية- بصدق- حول مثابرته فى البحث عن إجابة لأزمته، كما شاركته لحظة الانفعال التى صاحبته فور خروجه، ولقائه أسرته، وضحكت معه فى الموقف الذى جمعه مع البروفيسور مجدى يعقوب، غير أننى توقفت كثيرًا حول العلاقة فى تجارته بين البنوك وبين الاستثمار، وهى مساحة يمكن تناقلها، لو استفاض فيها كاتب المذكرات.
يبقى القول إنها مذكرات فى غاية الأهمية، وأهميتها الرئيسية من شخصية كاتبها، ومن تفاعله مع الأحداث العامة، وحبه الواضح للإعلام والصحافة، ومشاركته الاقتصادية التى تجذب المتابعين، وفى حياته شطحات، يصفها بالتلقائية، لكنها فى جوهرها تلقائية مخططة، وعليها اعتمد صلاح دياب فى كل حياته، حتى فى كتابة مذكراته.







