كبار يكتبون عن كبار..
أحمد نعينع يكتب: الشيخ مصطفى إسماعيل.. تخت موسيقى كامل
يعد الشيخ مصطفى إسماعيل من أبرز القارئين فى المائة عام الأخيرة، تربع على عرش التلاوة والترتيل بعد الشيخ محمد رفعت وأصبح قارئ مصر الأول منذ منتصف الأربعينيات وحتى أواخر السبعينيات، واختارته منظمة يونسكو الدولية كأحد الأصوات التى كان لها تأثير فى الفرد العربى لمدة تزيد على خمسين عامًا.
امتاز الشيخ مصطفى على سائر القراء فى عهده ببراعة الأداء والتجويد وإتقان القراءات وكان يعطى كل ما عنده من جهد وشعور وصدق فى الأداء، ومن أهم ما يميز صوته هو حلاوة الانتقال الصوتى فى يسر وسهولة وهو يرتل آيات القرآن الكريم. إنه بحق مدرسة مستقلة فى التلاوة والصوت.

كان الشيخ مصطفى إسماعيل يعرف بفطرته مواضع الترهيب والزجر وأساليب التشويق والترغيب فيكون إعصارًا عنيفًا أو نسيمًا رقيقًا ولم يكن الشيخ مصطفى فنانًا فى أدائه الصوتى فحسب، بل كانت روح الفنان تغمر جوانب مضيئة من حياته.
لقد اجتمع فى صوت الشيخ مصطفى كل مميزات الحنجرة العربية الخلاقة لا تحس فى نبرات صوته خروجًا على مجرى النغم، لكنه كان يتحكم فى صوته يقف حيث يريد ويبتدئ حيث يرغب حتى إن المستمع يفاجأ بأنه يقف على رأس الآية بطريقة لم يتوقعها السامع فيهز وجدان المستمع ويثير فى نفسه كوامن الإيمان.
إنه كان يشدو بألفاظ القرآن الكريم شدوًا فريدًا فيظهر للمستمع انسجام الألفاظ والمعانى وقوة التصوير وروعة الأداء فى بساطة معجزة.

منح العديد من الأوسمة والنياشين وحظى بتكريم رؤساء الدول وكان أول قارئ ينال وسام الجمهورية من الطبقة الأولى فى الدولة من الرئيس جمال عبدالناصر «١٦ ديسمبر ١٩٦٥» وقال الشيخ يومها «إن هذا الوسام ليس تقديرًا لشخصى فحسب ولكنه كذلك تقدير لطائفة اتخذت من كتاب الله دعاء منغمًا، ولا عجب إذا قدرت دولتنا الناهضة فن قراءة القرآن الكريم فإنها دولة تؤمن بالله وتتبع سياستها من كتاب الله، وتعمل على وحدة الأمة التى نزل عليها القرآن كتابا عربيًا لعلهم يتقون».
وكان الشيخ مصطفى قد نال وشاح الأرز من رتبة كوماندوز تقديرًا له فى يناير ١٩٦٥ من الرئيس اللبنانى الأسبق شارل حلو.
وكان الرئيس السادات يستدعيه ليتلو له القرآن فى منزله وصحبه معه فى زيارة القدس الشهيرة «نوفمبر ١٩٧٧» حيث قرأ الشيخ مصطفى قرآن الفجر بالمسجد الأقصى وكان الشيخ قد قرأ بمسجدى الأقصى والصخرة عدة مرات قبل الاحتلال الإسرائيلى عام ١٩٦٧.
وتقديرًا لمكانته منح الرئيس مبارك اسم الشيخ وسام الجمهورية فى الاحتفال الذى أقامته وزارة الأوقاف لتكريم حفظة القرآن الكريم فى ليلة القدر بالمسجد الأحمدى عام ١٩٨٩. كما نال الشيخ مختلف الأوسمة التقديرية من معظم الدول العربية والإسلامية.
والشيخ مصطفى إسماعيل من مواليد ١٧ يونير ١٩٠٥ فى قرية ميت غزال مركز السنطة بمحافظة الغربية. حفظ القرآن الكريم فى كتاب قريته ولم يتجاوز عمره ١٢ سنة وظهرت عليه ملامح قارئ عظيم وهو مازال صبيًا، ثم درس على الشيخ إدريس فخرى عالم التجويد والقراءات ثم أتقن القراءات السبع على يد الشيخ محمد أبوحشيش «شيخ المحفظين فى المسجد الأحمدى بطنطا» وسمعه المرحوم الشيخ محمد رفعت فأعجب به وقدمه للقراءة ومن يومها ترك الدراسة بالمعهد ووهب نفسه لقراءة القرآن. اشتهر فى طنطا لكن فى بداية الأربعينات ذهب الى القاهرة ليقرأ القرآن لأول مرة بحى المغربلين ويومها دعته رابطة القراء عام ١٩٤٤ ليقرأ فى ذكرى المولد النبوى، وكانت الحفلة مذاعة بالمسجد الحسينى بالقاهرة وسمعه ناظر الخاصة الملكية واتفق معه على إحياء لیالی رمضان المبارك فى القصر الملكى وبدأت صلته بالإذاعة عام ١٩٤٤ ليصبح بعدها أول مقرئ يسجل القرآن المرتل على أسطوانات وبدأت شهرته تنتشر وأخذ نجم الشيخ مصطفى إسماعيل فى الصعود.

وللتعرف على معالم مدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل فى التلاوة والترتيل نعرض آراء من عاصروه، وقد حكى لى الأستاذ محمد عبدالوهاب موسيقار الأجيال وأنا أجالسه فى منزله وكنت أحرص على مجالسته غالبًا مساء كل خميس حكى لى قائلًا: إن للشيخ مصطفى إسماعيل طريقة خاصة فى تلاوة القرآن الكريم. وهو عبقرى كبير.. كبير فى ارتجاله وإدارة صوته.. كبير فى فنه.. وهو المقرئ الوحيد الذى كان يفاجئ المستمع بمسارات مقامية غير متوقعة.
وقالت عنه أم كلثوم: إنه تخت موسيقى كامل.
ويقول عنه الأستاذ كمال النجمى الناقد الفنى كان يتنقل بين المقامات الموسيقية الأصلية والفرعية ببراعة فائقة مع الالتزام بأصول علم التجويد والقراءات ومعانى الآيات الكريمة التى يتلوها فى ترتيب منظم فيبتكر ويبدع ويفاجئ، سامعيه بمسارات فنية ليس لها نظير.

وقالت الدكتورة رتيبة الحفنى بعد أن استمعت إليه فى ذكرى الأربعين للفنان عبدالحليم حافظ قالت وبحماس «ما هذا الجمال يا شيخ مصطفى والله إنت وحدك معهد كامل للموسيقى» ويقول عنه الأديب والشاعر الأستاذ فاروق شوشة كان الشيخ مصطفی إسماعیل رحمه الله موهبة كبرى وعطية من عطايا الله التى لا تتكرر فى أصول القراءة والتجويد القرآنى.
ويقول القارئ الشيخ فتحى المليجى، وهو أحد تلاميذ الشيخ مصطفى إسماعيل: كان الشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله رجلًا حينما يفر الرجال وكان قارئًا مقرئًا يجعل من المكان جنة قرآنية غناء.
ويقول عنه الكاتب والعاشق لسماع القرآن الكريم الأستاذ محمود السعدنى: إنه صاحب أجمل وأقوى صوت بين جميع المقرئين وإن صوته أجمل الأصوات وإنه كان يلاحقه فى حفلاته الخارجية أينما كانت منذ الأربعينيات عندما كان الصوت فى قمة العطاء والجمال. وقال عنه الموسيقار الأستاذ عمار الشريعى إنه الخديو بمعنى خديو قراء القرآن الكريم وزعيمهم وشيخهم. انتهى كلام الأستاذ عمار الشريعى.
أخيرًا الشيخ مصطفى إسماعيل عرفته عن قرب متواضعًا طيب القلب والروح.. لا يذكر قارئًا رحل قبله إلا ويثنى عليه.. وقد لحق الشيخ بالرفيق الأعلى فى ٣٦ ديسمبر ١٩٧٨ لیری ما أعده له الله سبحانه وتعالى من ثواب عظيم.







