الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

لغز الشاعرة رحاب رءوف.. هل كتب فاروق جويدة قصائد جيهان السادات الأربع؟

فاروق جويدة مع جيهان
فاروق جويدة مع جيهان السادات

من الأحاديث التى تحلو لشاعرنا الكبير فاروق جويدة حديثه عن السيدة جيهان السادات، فقد ربطته بها علاقة قوية، نسجت على هامش اهتمامها بالثقافة والمثقفين والأدباء والشعراء. عرفت بهذه العلاقة عندما كان جويدة ضيفًا علينا فى إحدى ندوات جريدة الفجر فى أكتوبر 2007، جاءت على ذكر السيدة جيهان بشكل سريع دون أن يتوقف عند التفاصيل، حاولنا أن نستزيده إلا أنه اعتصم بالصمت، قال إنه سيأتى وقت يحكى فيه عما كان.

دفعنى الفضول الصحفى إلى محاصرته، بعد نهاية الندوة عرفت منه أن السيدة جيهان السادات كانت لها محاولات شعرية، وأنه نشر لها أربع قصائد فى جريدة الأهرام عندما كان مسئولًا عن الصفحة الثقافية التى بدأ الإشراف عليها منذ العام ١٩٧٨. 

حاولت أن أحصل منه على المزيد من التفاصيل، لكنه لم يفصح عن كثير، كل ما قاله إن القصائد نشرت بالتقريب فى العام ١٩٧٩، دون أن يحدد لنا تواريخ النشر. 

كلفت إحدى الزميلات بالبحث فى أعداد الأهرام التى صدرت خلال العام ١٩٧٩، وبالفعل حصلت عليها وقمنا بنشرها، وكان شرط جويدة ألا نشير إلى اسمه، وهو ما حدث بالفعل. 

ففى التقرير الذى كان مصدره وحررته قبل النشر اكتفى بأن يقول إنه فى العام ١٩٧٩ أرسلت السيدة جيهان السادات إلى المسئول الثقافى والأدبى فى جريدة الأهرام قصائد شعرية قالت له إنها هى التى كتبت هذه القصائد وتريد رأيه فيها، حمل المسئول الأدبى القصائد معه وقرأها واتصل بجيهان ليقول لها رأيه فيها وكان رأيًا إيجابيًا بالطبع، سألها: هل تريد نشرها؟ فقالت له: كما ترى. 

سأل المسئول الأدبى رئيس تحرير الأهرام وقتها على حمدى الجمال، ماذا يفعل فى هذه القصائد؟ فقال له: انشرها فورًا... مجرد إرسالها لك، فهذا يعتبر قرارًا جمهوريًا بالنشر. 

وأضاف جويدة، الذى اختار أن يكون مصدرًا مجهلًا: فضلت جيهان ألا تنشر القصائد باسمها، سألها المسئول الأدبى عن الاسم الذى تريده، فقالت: أى اسم شرط أن يكون فيه رءوف، وهو اسمها الأصلى فهى جيهان رءوف صفوت، فاقترح عليها المسئول الأدبى أن يكون التوقيع باسم رحاب، فرحبت بذلك لأنها تحب اسم رحاب. 

كان هذا ما فعلناه، وبعد ١٠ سنوات كاملة وفى حدود العام ٢٠١٧ وكان فاروق جويدة وقتها يقدم برنامجه «مع فارق جويدة» على قناة «دريم» قرأت خبرًا على بوابة الأهرام الإلكترونية فى ١٠ مارس كان عنوانه «مع فاروق جويدة» عن قصائد لجيهان السادات. 

وفى الخبر نقرأ: يتحدث الشاعر الكبير فاروق جويدة ٩ الليلة على قناة دريم عن جيهان السادات ويذيع سرًا عن قصائد كتبتها ونشرها فى الأهرام تحت اسم مستعار هو «رحاب رءوف»، ومنها قصيدة عن سيناء، وقصيدة أخرى عن الرئيس السادات ورحلته إلى القدس، ويتناول فى حديثه مواقف إنسانية لها مع صلاح عبدالصبور وأمل دنقل وزهير الشايب، وكيف بكت وهى تشاهد مسرحية الوزير العاشق؟ 

لم يكن ما سيقوله فاروق جويدة سرًا جديدًا بالنسبة لى، لكننى جلست لأستمع إلى الحلقة لأعرف التفاصيل التى كان محتفظًا بها، ولم يفصح إلا عن طرف واحد من أطراف القصة، وعندما استمعت إليه وجدت أن القصة لم تكن كما حكاها تمامًا فى العام ٢٠٠٧، رغم أن النتيجة كانت واحدة. 

فى العام ٢٠٠٧ قال جويدة إن السيدة جيهان أرسلت إلى المسئول الأدبى والثقافى بجريدة الأهرام قصائد شعرية قالت إنها كتبتها وتريد رأيه فيها، وفى العام ٢٠١٧ قال إنها اتصلت به تليفونيًا وطلبت لقاءه، ولما تقابلا منحته ما وصفته هى بأنه خواطر عن الرئيس السادات وعن سيناء. 

فى العام ٢٠٠٧ قال جويدة إن السيدة جيهان فضلت عدم نشر اسمها واختارت اسمًا مستعارًا هو رحاب رءوف، وفى العام ٢٠١٧ قال إنه هو من اقترح عليها ألا تنشر القصائد باسمها، لأنها لو نشرت باسمها يمكن أن تحدث أزمة كبيرة، لأن المعارضة للرئيس السادات كانت على أشدها، اقتنعت برأيه ووضعت شرطًا أن يكون فى الاسم المستعار الذى تنشر به القصائد اسم رءوف لأنه فى اسمها الأصلى، وأخبرته بأنها تفضل اسم رحاب، فخرج إلى النور اسم «رحاب رءوف». 

يمكننا غض النظر بالطبع عن هذا التناقض البسيط الذى لا يؤثر على متن الحكاية الأساسية، وإن كنت أميل إلى أن جيهان أرسلت القصائد إلى فاروق جويدة أولًا ثم تواصلت معه، وهو ما يظهر من الوثيقة المكتوبة بخط يدها لقصيدتها «الفرس البيضاء». 

الوثيقة عبارة عن رسالة صدرتها جيهان بقولها: إلى الأخ العزيز فاروق جويدة، بعد مساء الخير، لقد مضى وقت طويل لم أكتب فيه، وأخيرًا كتبت قطعة أرجو أن تعجبك وتنشرها، مع جزيل الشكر. 

ما الذى نفهمه من هذه الرسالة؟ 

يمكننا أن نفهم الآتى: 

أولًا: لم تكن هذه القصيدة هى الأولى التى نشرتها جيهان السادات فى الأهرام، فقد كانت القصيدة الأولى هى «صديقى» والتى نُشرت فى ٢٦ فبراير ١٩٧٩، أما قصيدة «الفرس البيضاء» فقد نشرت بعدها بما يقارب الشهرين وتحديدًا فى ١١ أبريل ١٩٧٩، وهو ما يبرر قول جيهان أنها كتبت قطعة جديدة، ولاحظ أنها لم تطلق عليها قصيدة. 

ثانيًا: كان تصدير ما كتبته السيدة جيهان على أنه قصائد من فعل فاروق جويدة نفسه، وبارك ذلك على حمدى الجمال رئيس تحرير الأهرام وقتها، والذى اعتبر إرسال القصائد للجريدة بمثابة القرار الجمهورى واجب التنفيذ على الفور. 

ثالثًا: لم ينشر فاروق جويدة ما أرسلته جيهان السادات كما هو، بل تدخل فيه بالحذف والإضافة، وهو ما تؤكده وثيقة «الفرس البيضاء» فعندما نراجع الرسالة التى أرسلتها بخطها- لا نعرف ما إذا كان هذا خطها أم خط أحد آخر- مع نص القصيدة المنشورة فى الأهرام سنجد بعض الاختلافات. 

الاختلاف الأول كان فى عنوان القصيدة، فبينما كان عنوان جيهان «الفرس البيضاء» كان عنوان القصيدة المنشورة فى الأهرام «الفرس» فقط. 

الاختلاف الثانى كان فى مطلع القصيدة، فبينما بدأت جيهان فى رسالتها القصيدة بقولها: «فى الأدب العربى... بل فى الآداب جميعًا... قرأت أنك تأتى ممتطيًا صهوة فرس بيضاء»، كان مطلع القصيدة المنشور فى الأهرام: «قالوا وسمعت كثيرًا فى الأمثال/ وبين الأوراق القديمة/ قرأت بأنك تأتى/ ممتطيًا صهوة فرس بيضاء». 

وهو ما يعنى أن فاروق جويدة لم ينشر الخواطر التى كانت السيدة جيهان ترسل بها إليه واعتبرها هو قصائد، بل كان يتدخل فيها بالحذف والإضافة، بما يؤكد أنه كان مسئولًا ليس عن النشر فقط، ولكن عن صياغة القصائد فى شكلها الأخير، فالتجربة لم تؤكد لنا أن السيدة جيهان كانت شاعرة بأى حال من الأحوال، ولو كانت كذلك لواصلت كتابة الشعر، ولنشرت بعد ذلك ما كتبته، لكنها لم تعد مرة أخرى لا إلى كتابة الخواطر ولا لكتابة القصائد كما أطلق عليها جويدة. 

على أية حال لدينا نصوص القصائد التى نشرتها الأهرام للسيدة جيهان السادات، ننشرها هنا ونترك لكم الحكم عليها بعيدًا عن تفاصيل ما جرى.