الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

بعد فوزه بجائزة الملتقى للقصة

القاص سمير الفيل: القصة القصيرة المصرية فى حالة ازدهار

سمير الفيل
سمير الفيل

يرى أن القصة القصيرة أنبل الأشكال السردية وأكثرها صفاء، وأنها فن نبيل مراوغ، لا يلتفت للنماذج النمطية أو الكتابات المكررة، ولعل هذا ما جعله يحول دفة تخصصه إلى هذا الفن الإبداعى، بعد سنوات من كتابة الشعر. 

إنه القاص سمير الفيل، الذى فاز بجائزة «الملتقى» للقصة القصيرة العربية، التى تمنحها جامعة الشرق الأوسط الأمريكية فى الكويت، عن مجموعته القصصية «دمى حزينة»، الصادرة عن دار «بتانة» للنشر، عام 2022، كأول مصرى يفوز بهذه الجائزة.

ولـ«الفيل» العديد من المجموعات القصصية التى أثرت المكتبة العربية، من بينها: «خوذة ونورس وحيد، وأرجوحة، وكيف يحارب الجندى بلا خوذة؟، وانتصاف ليل مدينة، ودفتر أحوال، شمال.. يمين، ومكابدات الطفولة والصبا، وصندل أحمر، وقبلات مميتة، وهوا بحرى، والأبواب، وجبل النرجس، وحمام يطير، واللمسات، والأستاذ مراد، وحذاء بنفسجى بشرائط ذهبية»، وغيرها الكثير.

عن جائزة «الملتقى» والجوائز الأدبية بصفة عامة، والنقد الذى لا يلتفت إلى الأعمال الأدبية إلا بعد فوزها بالجوائز، والعلاقة بين الرواية والقصة القصيرة، سواء كانت تنافس أم تكامل، كان لـ«حرف» الحوار التالى مع القاص سمير الفيل.

■ بعد فوزك بجائزة «الملتقى» للقصة القصيرة.. فى رأيك لماذا لا ينشط النقد إلا بعد فوز كاتب بجائزة ما أو حتى ترشحه؟ أليس العكس هو ما يجب أن يحدث؟

- بعض النقاد يتجهون إلى النصوص الفائزة ليعالجونها نقديًا، وربما يرجع السبب فى ذلك إلى وجود كم هائل من الإصدارات، لذلك يكون التوجه للأعمال الفائزة لضمان جودتها، علاوة على فضول القراء الذين يتساءلون عن سبب صعود مجموعة أو رواية ما إلى منصات التتويج، وهذا ليس أمرًا معيبًا.

ما يهمنى هنا أن يتخلص الناقد من الأحكام المسبقة، ويعكف على قراءة فاحصة متأملة للأعمال التى يتصدى لمعالجتها نقديًا، بشرط عدم إصدار حكم قيمى حول العمل. نحن نعرف أن النقد يضيئ للكاتب طريقه، ويعطى الأعمال حقها بالكتابة المتوازنة.

■ منذ بدأت الكتابة وحققت مكانة أدبية، لم تغادر مسقط رأسك دمياط، هل فكرت فى الإقامة بالعاصمة، حيث المركز بكل ما يتبعه من شهرة؟

- ليست بطولة أدعيها، ولكنها قرارات مصيرية اتخذتها مبكرًا بالبقاء فى الوسط الاجتماعى، لأنه مادة الكتابة الأصلية، دونها أصبح منفصلًا عن الواقع، خاصة أن أعمالى فى الغالب ذات نزعة واقعية، تحتفى بالمكان، الذى ربما يصبح بطل النص، كما فى مجموعات «صندل أحمر»، و«مكابدات الطفولة والصبا»، و«هوا بحرى»، والمجموعة الأخيرة مثلًا دارت حول شخصيات من قلب البيئة الساحلية، فى مناطق مثل «عزبة البرد» و«شطا» و«رأس البر».

أنا ابن المكان، يهمنى أن أبقى قريبًا من مصادرى المعرفية، غير أننى لا أدين مسألة النزوح إلى العاصمة، فنحن أبناء وطن واحد، وعلينا إدراك الفوارق بين الكُتاب وأمزجتهم.

لقد حاولت التغلب على البعد المكانى فى البعد عن القاهرة، بانتهاز أى فرصة لرؤية المعارض التشكيلية، وزيارة المتاحف، ومتابعة مهرجانات الفن المسرحى، الأمر الذى أفادنى جدًا فى التعامل مع الواقع الثقافى، دون أن انضم إلى أى «شلة»، فطبيعتى تحمل فكرة قبول الاختلاف.

■ تكتب الرواية من حين لآخر، لكنك ما زلت مُخلِصًا للقصة القصيرة، أيهما الأقرب إليك؟ ولماذا لم تخض مجال الرواية، خاصة فى ظل الرواج الذى تحققه مقابل القصة؟

- نعم، هذا صحيح، كتبت روايتين عن أدب الحرب، هما: «رجال وشظايا»، و«وميض ظل الحجرة»، وبينهما رواية ثالثة هى «ظل الحجرة»، لكن ظل ولائى الأول للقصة القصيرة، التى منحتنى بعض أسرارها، وباتت أبوابها الفضية تلوح لى دون أن أفقد البوصلة: الصدق الفنى، والانحياز لقضايا الإنسان.

منذ ١٩٧٤ صرت كاتبًا للقصة فى الخفاء، وابتداءً من عام ٢٠٠١، دخلت موقع «القصة العربية»، ونشرت ١٥٠ قصة فى سنوات قليلة، وهنا وجب التحية لمدير الموقع، جبير المليحان.

■ أين يبدأ الخيال وينتهى فى عالمك الإبداعى؟

- سيبدو كلامى غريبًا، أنا لا أفصل الخيال عن الواقع، فثمة دوائر اتصال بينهما، وقد تجد ذلك فى مجموعات قصصية، منها: «اللمسات»، و«الأبواب»، و«ليمون مر».

وفى تصورى، أن الهواجس والأحلام ومسارات الفجائع تبث فى النص القصصى، لتحول الواقع إلى خيال، ومن مفارقات الكتابة أن هناك من يبدأ من الخيال ولا يهمه الواقع، وهو ما يصنع فجوة بين الكاتب والمتلقى. شخصيًا أميل لفكرة المزج، غير أن تيمات من الوقائع تدخل بوابة المجاز بقوة فتمنحه مذاقًا فريدًا.

■ إلى أى مدى تمثل الجوائز الأدبية تحققًا وانتشارًا للكاتب؟

- بمنتهى الصراحة، لا يمكننى إصدار حكم قيمة على نص أدبى بالاعتماد على الجوائز، وبعضها مهم، لأن هناك ظروفًا وملابسات تجعل من قبيل عدم اللياقة القول إن هذا الكاتب يبيع وذلك لا يبيع.

كثيرون هرولوا إلى الرواية، لأن جوائزها كثيرة، ومن مؤسسات ودول مختلفة، بينما القصة القصيرة لا تجد مثل هذا التوجه. وهنا أشد على يدى طالب الرفاعى، مؤسس «الملتقى» فى الكويت، الذى لمست دوره وإيمانه القوى بالفكرة، وأشير إلى كتاب ظلوا مخلصين لفن القصة القصيرة: سعيد الكفراوى، زكريا تامر، عبدالعزيز عشرى.

■ هل تقدمت لجائزة ما ولم تفز بها وشعرت بغصة لذلك؟

- أول مجموعة قصصية «خوذة ونورس وحيد» فازت بجائزة المجلس الأعلى للثقافة لعام ٢٠٠٢، وبعد انقضاء عامين، شاركت بمجموعة «كيف يحارب الجندى بلا خوذة؟»، ولم تفز.

لا أشعر بغصة حال عدم توفيقى، لأن التقدم للجائزة تعنى الفوز أو الخسارة، والحياة نفسها ترشدنا إلى قبول النسقين، وأنا إنسان قدرى، أعرف أن المصادفات تحجب وتمنح، هذا أمر مرنت نفسى على قبوله.

■ حدثنا عن مكتبتك، متى اشتريت أول كتاب؟ وما أهم الكتب فيها؟ وما الكتاب الذى لا يمكنك الاستغناء عنه؟

- مكتبتى ثرية بوجه عام، بها بعض النفائس، مثل: «ضرورة الفن» لأرنست فيشر، و«تقرير إلى جريكو» لنيقوس كازنتراكى، و«الغصن الذهبى» لجيمس فريزر.

أول كتاب اشتريته هو «ثلاثية» نجيب محفوظ، رغم افتتانى فى تلك الفترة بيوسف إدريس، الذى كان مقتحمًا وجريئًا، وقد قابلته مرة فى معرض الكتاب، وأعطيته كتابًا بعنوان: «القصة القصيرة فى دمياط»، فطواه بعناية ووضعه فى الجيب الداخلى للسترة، قائلًا: «هقراه كويس».

كما أن صبرى موسى زار مسقط رأسه مرة، وأهدانى روايته الفذة «فساد الأمكنة»، وطاهر أبوفاشا أعطانى «الليالى» و«دموع لا تجف»، ومحمد النبوى سلامة أهدانى «غنوة شقيانة»، وعبدالرحمن الأبنودى أهدانى ديوان «الأرض والعيال»، وعبدالفتاح الجمل أرسل لى مع شقيقه «مصطفى» رواية «محب».

وعندى ٣ كتب لا يمكننى الاستغناء عنها، هى: «بحيرة المساء» لإبراهيم أصلان، و«الخطوبة» لبهاء طاهر، و«أوراق شاب عاش منذ ألف عام» لجمال الغيطانى.

وأعتقد أننى أحسست بظلم الدنيا مع مسرحيات صلاح عبدالصبور، بالأخص «ماساة الحلاج»، وبروعة الحياة مع كتابات أنطون تشيخوف. وكان لى حظ التقائى بيسرى الجندى ومحمد أبوالعلا السلامونى وعبدالغنى داود، فى بدايتهم، وكتبت أغانى مسرحياتهم الأولى.

أما والد الشعراء فؤاد حداد فله فى قلبى منزلة عظمى، وقد ألقى ضوءًا نقديًا على قصائد المؤتمر الأول لأدباء مصر فى الأقاليم، ١٩٨٤، وإلى جواره «قصاقيص ورق» لصلاح جاهين، كما كان يدهشنى محمد كشيك فى «العشش القديمة».

■ فى لقاء لك قلت إن جماعة «الإخوان» حاولت تجنيدك فى الصغر، ما الذى حدث؟

- حاول «أ. س» أن يجندنى كشاعر للجماعة، بحضور صديقى محمد علوش، لكننى لم أستملح الفكرة، كما أن كوب الشاى وصلنى باردًا، فلم أشعر بحرارة ما، فى اللقاء السرى.

أيضًا كانت أمام باب الشقة مئات الأحذية للحاضرين، فوقر فى نفسى أن الانتماء لجماعات مغلقة مضيعة للوقت، إضافة إلى أننى كنت بوجه عام أميل إلى اليسار المصرى.

■ من الكاتب الذى ترك فيك أثرًا فقررت الاتجاه لكتابة القصة القصيرة؟

- يحيى حقى، قابلته فى مدينة دمياط، جالسًا فى مكتب المدير، وسعدت عندما تعرفنا عليه، محسن يونس وأنا، مشينا معه مستمتعين بالحديث عن فنى القصة والرواية، نصحنى بأمور ظلت راسخة فى وجدانى. يحيى حقى يشعرك بأبوته، وله نظرة لا تنسى، وصوت يسرى كالموسيقى: نبرة هامسة، صادقة.

يوسف السباعى قابلته عدة مرات فى مسابقات الكتابة عن حرب أكتوبر، كان أنيقًا ووجيهًا، وأحببت له قصة «أرض النفاق»، ربما كان نقلها للسينما دافعًا للتعلق بها، لجمال الفكرة ومعالجتها بسخرية واضحة.

■ أشرت أكثر من مرة إلى أن العديد من أعمالك الإبداعية ولدت فى «المقهى»، أيهما الأفضل للكاتب أن يندمج بين الناس ليكتب، أم يعتزل بعيدًا؟

- حتى عام ٢٠١١، لم أكن أجلس فى المقهى إلا قليلًا، لكننى كتبت «شمال يمين» فى مقهى بشارع جانبى، وكتبت «قبلات مميتة» فى مقهى «السنترال».

أغلب مجموعاتى كتبتها فى البيت، لكن منذ ٢٠١١ كتبت أغلب نصوصى فى المقهى، فى ركن لا يعلم فيه أحد بوجودى، مع كوب شاى ساخن، بعدها شربت القهوة فى كوب بيد زجاجية.

■ هل يفتقد فن القصة القصيرة إلى التفات النقد كما فى السابق، الستينيات على سبيل المثال؟

- فى الستينيات كان هناك تيار هائل للكتابة عن الأعمال القصصية والشعرية، مرحلة برز فيها: عبدالمحسن طه بدر، وغالى شكرى، وعبدالمنعم تليمة، وصلاح فضل، وجابر عصفور، وإدوار الخراط الذى كتب عن التجربة بشكل جيد.

بعدها افتقر الواقع لمثل هذا العطاء، حتى جاء جيل جديد، أراه قادرًا على تخطى النمط، ومن بينه: فريال غزولى، واعتدال عثمان، ومحمد عبدالمطلب، ومحمد على الكردى، وبعد مسافة زمنية: حسين حمودة، وخيرى دومة، ومصطفى ومحمود الضبع، وهيثم الحاج على، ومحمد فكرى الجزار، وهذا جيل له عطاء فريد، ونضيف إليهم بالطبع: شريف الجيار، ومنى طلبة، وأنور مغيث، والسيد نجم، وغيرهم.

■ هل لك طقوس معينة فى الكتابة؟ مكان، زمان، أو مزاج؟

- أكتب فى الهزيع الأخير من الليل، أصنع كوب الشاى بنفسى، واقتداء بخالتى «فتحية»، أرفع الكوب فى مواجهة المصباح وأتأمل اللون فيعتدل مزاجى، انطلق فى الكتابة ولا أتوقف إلا بعد إنهاء النص.

أحيانًا أقف فى البلكونة، وأتابع مطاردة القطط للفئران، ومروق العرس من تحت عقب الباب، وأستغرب صرخات القطط فى موسم التزاوج. فى الليالى الصافية أتأمل النجوم البراقة، وأهتدى بها فى الكتابة وكسر التوقع عند القارئ، ولى نجمة وحيدة أفتقدها إن غابت.

■ الرواية مقابل القصة، أيهما عانيت فى نشره؟ وما السبب؟

- لم أعان أبدًا فى النشر، ربما لحسن حظى، فقد نشرت ٥ دواوين بشعر العامية، دون مشاكل مادية، أغلبها فى دور نشر حكومية، وفى القصة كنت سعيد الحظ بالنشر فى دور محترمة ولها ثقلها، مثل: «أكتب» و«الأدهم» و«غراب»، ولى توقع بنشر مجموعاتى الجديدة فى دور أكثر اهتمامًا بفن التصميم والغلاف والتسويق، مع منح المؤلف شيئًا من المال الحلال.

■ كيف ترى مستقبل القصة فى مصر؟

- أنا حسن الحظ بتحكيمى عدة مسابقات، منها «مبادرة أكوا»، و«لجنة السرد» باتحاد الكتاب، والهيئة العامة لقصور الثقافة، وهيئات أخرى.

اكتشفت أقلامًا واعدة، منها: هبة الله أحمد، ورشا عبادة، وإيمان الزيات، وحبيب صيام، ودعاء البطراوى، وجلاء الطيرى، وهبة السويسى، وخارج المسابقات: فكرى عمر، وحسام المقدم، ودعاء زيان، وشاهيناز الفقى، وتيسير النجار، ومحمد بربر، وعزت الخضرى، ومها الخواجة، وآمال سالم.

ولا يمكن إنكار الكتابات الطليعية لجيل سبقهم، وله تجارب غاية فى الروعة، مثل: طارق إمام، وحسن عبدالموجود، وفكرى داود، ومصطفى البلكى، وسمير المنزلاوى، والدكتور شريف صالح، ومعهم كاتب له نزعة متصوفة هو محمد إبراهيم طه، كل واحد من هؤلاء يضيئ المشهد القصصى. وبصفة عامة، أرى أن القصة القصيرة فى مصر فى حالة ازدهار، وأنا على عتبة الــ 74 بخير، مادمت أكتب.