الإثنين 02 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

عبدالرحيم ريحان يكتب: لعبة «رمسيس الثانى - فرعون» هدفها المطالبة بتعويضات لليهود

عبدالرحيم ريحان-
عبدالرحيم ريحان- عضو المجلس الأعلى للثقافة بلجنة الآثار

تتعالى أصوات بين وقت إلى آخر سواء من علماء آثار مصريين أو غير مصريين تشير إلى شخصية ملك من ملوك مصر على أنه فرعون موسى، وكل عالم يعرض أدلة على ذلك، وكان أكثر الملوك اتهامًا بأنه فرعون موسى هو «رمسيس الثانى».. غير أنه لا يوجد دليل أثرى واحد على أن رمسيس الثانى هو فرعون موسى. ولنتابع، معًا، تفنيد لكل الأدلة التى ساقها بعض العلماء.

تفنيد الأدلة

هناك الكثير من الآراء التى دارت حول شخصية رمسيس الثانى كفرعون لموسى، حيث ذكر شاهين مكاريوس أن الخروج ربما يكون قد حدث فى عهد الملك أحمس الأول أو الملك رمسيس الثانى وكان عن طريق البحر الأحمر حيث غرق فرعون وجنوده، وذكر حسن عوض أن العديد من العلماء يرون أن الخروج والغرق كان فى طرف خليج السويس، وقد حاول بعض الباحثين تحديد تاريخ الخروج بعام ١٢٦٧ق. م، وهو ما يوافق عهد رمسيس الثانى ودللوا على ذلك بوجود مدينة بررعمسو واستعباد بنى إسرائيل بها طبقًا لما ذكر فى سفر الخروج، وهو ما يتوافق مع مدرسة ألبريت التى حددت عام ١٢٣٠- ١٢٢٠ ق. م، كتاريخ لهجوم بنى إسرائيل على كنعان، وحيث أيدت نتائج دراسات إسرائيل فنكلشتين فى بعض المناطق الكنعانية أن يكون هذا التاريخ هو تاريخ بدء الهجوم على كنعان بواسطة بنى إسرائيل، فيكون بذلك تاريخ خروج بنى إسرائيل فى عهد رمسيس الثانى، ويرى عابد الهاشمى أن فرعون الاضطهاد والخروج واحد ويرجح أن يكون الخروج فى عهد الملك رمسيس الثانى فيما بين ١٣٠٤- ١٢٣٧ ق. م، أو ١٣٠٠ – ١٢٩٠ق. م.

تعرف على رمسيس الثاني.. صاحب أقدم معاهدة سلام في التاريخ | بوابة أخبار  اليوم الإلكترونية
رمسيس الثانى

ومن الأدلة التى اعتمد عليها هؤلاء الباحثون أعمال الحفائر التى تدور فى فلك إثبات ما جاء فى الروايات التوراتية وهى حفائر لا تستند إلى الأدلة العلمية، وقد ذكرت التوراة «فبنوا لفرعون مدينتى مخازن بيثوم ورعمسيس»، والدليل الثانى هو وقوع مدينة رمسيس وقصره قرب أرض جاسان الذى عاش بها بنو إسرائيل، والدليل الثالث وجود أدلة علمية على حد استنتاجهم على موت رمسيس الثانى غرقًا، وذلك لوجود آثار ملح الماغنسيوم فى جسد رمسيس الثانى التى اكتشفت أثناء رحلة المومياء إلى فرنسا باستخدام مطياف الكتلة، حيث إن المصرى القديم استخدم ملح النطرون «كربونات وبيكربونات الصوديوم» فى عمليات التحنيط، أما المصدر الوحيد لملح الماغنسيوم فهو ماء البحر ما يدل على غرقه فى البحر.

أيضًا من الأدلة الذى ساقها الباحثون لتأكيد شخصية رمسيس الثانى فرعونًا لموسى بالدمار الشديد الذى أصاب آثار رمسيس الثانى بما فيها مقبرته بوادى الملوك ومعبده فى تانيس ومعبد الرمسيوم وكذلك معبد أبوسمبل نفسه من دمار أحد التماثيل الضخمة فى واجهة المعبد وشروخ داخل المعبد، وتحطمت تماثيله فى ممفيس ومعبد الأقصر والكرنك دليل آخر.

بينما دمار الآثار ليست قرينة لأن الملك رمسيس الثانى من أكثر الملوك الذى خلّف آثارًا عظيمة باقية حتى الآن، وكلمة الدمار، كما يراها فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، تدل على أن الأشياء المدمرة كانت عالية الارتفاع ثم جاءت عوامل التعرية لتغطيها، ويبقى الله شواهد منها لتعطينا نوع ما عمّروا، وكل يوم نكتشف آثارًا جديدة موجودة تحت الأرض، والدمار غير مقصود به التخريب وضياع المعالم بل تغطية هذه الآثار بعوامل التعرية حتى تصبح فى وضع العدم ولا تظهر إلى الوجود إلا بمحاولة إعادة اكتشافها مرة أخرى، كما أن التدمير لم يكن لآثار ذلك الملك فقط بل لآثار قومه أيضًا.

كما أن الأدلة العلمية على موته غرقًا جاءت بعد اكتشاف مومياء رمسيس الثانى عام ١٨٨١م بالبر الغربى بالأقصر ثم نقلت إلى المتحف المصرى، وفى السبعينيات من القرن العشرين سافرت إلى فرنسا للعلاج بدعوى وجود فطريات بها، وإن كانت الحقيقة هى لمعرفة هل هو فرعون موسى أم لا؟

وبعدها انطلقت الآراء المعتمدة على مصادر غربية تدور فى فلك تأكيد ما يهدفون إليه وكلها آراء لا تعتمد على دراسة علمية حقيقية للمومياء، حيث لم تتم أى دراسات عليها منذ اكتشافها حتى الآن ولم تعلن فرنسا عن أى نتائج علمية بشكل رسمى فمن أين جاءوا بهذه النتائج؟

الروايات التوراتية

والحق أن محاولة علماء عرب تأكيد أن رمسيس الثانى هو فرعون موسى هو تأييد بشكل مقصود أو غير مقصود لآراء العلماء الذين يدورون فى فلك تأكيد ما جاء فى الروايات التوراتية بتزوير التاريخ وعمل حفائر خصيصًا لهذا الغرض وهو هدف من أهداف الصهيونية وهو توظيف الآثار لأغراض سياسية.. وقد بدأ هذا منذ النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى فلسطين ومحاولة استقطاب علماء من مصر وكل الدول العربية لتأكيد تعذيب اليهود فى مصر وتحديد شخصية فرعون موسى والذى ذكر فى الكتب السماوية دون تحديد للعبرة والعظة، واتضح أن الهدف الرئيسى من سفر مومياء رمسيس الثانى إلى فرنسا هو اتهام رمسيس الثانى بأنه فرعون موسى للمطالبة بتعويضات على غرار ما فعلوه بألمانيا.

وقد أكد الدكتور زاهى حواس وقد كان مديرًا لآثار الهرم وقتذاك خطأ سفر المومياء إلى فرنسا وأن السفر لم يكن للعلاج بل للبحث عن فرعون الخروج، وأن قرار إرسال المومياء إلى فرنسا كان قرارًا خاطئًا وأن الفرنسيين لم يتتبعوا ما حدث للمومياء إطلاقًا، فقط استقبلوا المومياء استقبالًا ملكيًا، وأن العلماء المصريين سألوا الفرنسيين عما يجرى بالمومياء فأجابوا بعثورهم على حشرة غريبة وكرروا هذا الإجابة فى عدة مناسبات لدرجة أن البعض أصبح يتندر بأن الحشرة حصلت على الجنسية الفرنسية.

كما أشار الدكتور إبراهيم النواوى، مدير عام المتحف المصرى الأسبق، إلى أن المومياء لم تتقبل أشعة جاما التى أُجريت بفرنسا وأصبحت حبيسة فاترينة زجاجية أكثر من عشر سنوات، وعندما أرسلت هيئة الآثار للجانب الفرنسى تطالبه بالالتزام بتعهده بمعاينة المومياء بواسطة لجنة من الباحثين إلا أن هذه اللجنة لم تحضر، وأكد الدكتور ممدوح يعقوب، مدير الإدارة الهندسية الأسبق بوزارة الآثار وقتها، تخاذل الجانب الفرنسى، ويرى أن هيئة الآثار لا تعرف خطوات علاج هذه المومياء وكان يجب على المعمل الكيميائى الذى صاحب أحد أفراده المومياء فى رحلتها إلى فرنسا أن يقدم تقريرًا مدعمًا بالصور والتحاليل على هيئة الآثار ويتساءل: هل هناك سر فى عدم تقديم التقرير؟

ونظرًا لأهمية مومياء رمسيس الثانى فقد وجه الدكتور على رضوان، أستاذ الآثار المصرية القديمة، رئيس الاتحاد العام للأثريين العرب السابق، نداءً لإنقاذ المومياء، مطالبًا هيئة الآثار المصرية بأن تتوجه بنداء إلى الجهات العلمية فى فرنسا التى شاركت فى عملية المعالجة أن تتقدم بأحدث أجهزتها وأكبر فريق علمى لديها لكى تقوم بالكشف على المومياء فإذا تقاعست فعلى هيئة الآثار أن تجمع خيرة علماء مصر والمتخصصين فى المومياوات ليقدموا تقريرًا عن المومياء يُرفع إلى اليونسكو.

ومنذ ذلك الوقت والموضوع غامض ومحاولات تأكيد أن رمسيس الثانى هو فرعون موسى مستمرة.. وإننى أحذر العلماء المصريين والعرب عامة من الوقوع فى هذا الفخ، بقصد أو دون قصد، فالبحث العلمى يجب أن يحتكم إلى الأدلة الأثرية الدامغة، ولا يوجد دليل أثرى واحد على شخصية فرعون الخروج سواء رمسيس الثانى أو غيره.