المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

عرفت عبدالرحمن وعطيات.. فى الوئام والطلاق

عبد الرحمن الأبنودي
عبد الرحمن الأبنودي

عرفتهما فى سنوات الوئام الذى أحاط بهما، وكان ذلك أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضى.

جمع بيننا فى البداية بعض شعراء «الوراق»، عمر الصاوى وأشرف عامر ومحمد كشيك.. ثم جمعت بيننا سنة الدراسة التمهيدية للماجستير بقسم اللغة العربية «كلية الآداب، جامعة القاهرة».. كنا، عبدالرحمن وأنا، ملتحقين بهذه السنة الدراسية، وكان علينا باقتراح منه أن «نذاكر» معًا، أو بمعنى أدق «أن نتحايل» على المذاكرة.. فقد كان وكنت من الطلاب الذين يحبون الأدب، ولكن لا يحبون مذاكرة الأدب ولا امتحاناته.

التقينا كثيرًا فى شقتهما، عطيات وعبدالرحمن، بالدور الأخير فى إحدى عمارات الزمالك. والتقينا لفترة فى «معسكر» ما قبل الامتحانات ببيتهما القريب من قناة السويس. فى الشقة كانت عطيات تجهز لنا أكلات مصرية صميمة، وترعانا وتشجعنا كطفلين أو ابنين لم تنجبهما.. وقبل سفرنا للسويس كانت تحرص على أن تجهز لنا أيضًا ما نأخذه معنا من «زوادة»، وتحرص أكثر عل أن تملى وتعيد علينا قائمة طويلة من النصائح والتعليمات التى تتعلق بكيفيات وطرق وتفاصيل المعيشة اليومية.

كانت تحب عبدالرحمن كطفل، وكان هو يحبها ويتذمر أحيانًا من نظامها الصارم، كطفل أيضًا.

عندما توفى يحيى الطاهر عبدالله «فى أبريل من عام ١٩٨١»، قاما، عبدالرحمن وعطيات، بخطوات عملية باتجاه التقارب مع الصديق القديم بعد أن رحل. حصلا على أوراقه ومسوداته، وأصبحا أبًا وأمًا لابنته أسماء. وقد قمنا، عطيات وأنا، فيما بعد، بتجهيز الأعمال الكاملة ليحيى الطاهر، ومن ضمنها مجموعته الأخيرة «الرقصة المباحة»، التى نشرت بعض قصصها متفرقة من قبل، وروايته التى كانت مسودة غير منشورة «تصاوير من التراب والماء والشمس».

سوف تمر سنوات على مشهد التقارب والوئام الذى جمع بينهما، وسوف أطلّ على مشهد آخر ألمح فيه تغيرات واضحة، ثم سوف يصبحان فى مشهد ثالث ممعنين فى تباعدهما.. سوف يردد عبدالرحمن، فى محاولة للتنكيت: «الناس دايمًا مالهمش سيرة غير الجواز الجواز.. ما فيش حد بيقول: الطلاق الطلاق»!

وسوف يحدث الطلاق بالفعل..

سأزوره فى شقته الجديدة بالمهندسين، بعد أن تزوج من الإعلامية الأستاذة نهال كمال، وسأزورها فى شقتها الجديدة بمدينة نصر، ومعها أسماء الجميلة.. وسوف تقدم لى، على سبيل الائتناس بالرأى، مخطوطة كتابها الذى سوف تنشره فيما بعد، بعنوان «أيام لم تكن معه»، أى مع عبدالرحمن، فترة اعتقاله.

أفكر الآن فى تلك الزيارتين بعد زيارات كثيرة سابقة مختلفة، وأستعيد فكرة حاضرة حضورًا كبيرًا فى الأدب كما هى حاضرة حضورًا كبيرًا فى الحياة، بلورها الناقد الروسى ميخائيل باختين، حول «أزمنة/أمكنة اللقاء» و«أزمنة/أمكنة الطريق».. وهى فكرة تشير إلى النقطة التى يلتقى فيها بعض الناس، فى زمن بعينه ومكان بعينه، والمسيرة التى ربما تجمع بينهما، بعد هذا اللقاء، لوقت طويل أو قصير. وربما تنتهى هذه المسيرة فى نقطة زمنية/مكانية أخرى.. ولكنها تظل تمثل تجربة كبيرة فى حياة كل واحد أو كل واحدة منهم..